كما كان رأي أبي حنيفة (ت١٥٠هـ) في ذلك أيضًا واضحًا؛ لأنّه بشكل عامّ، ما كان يعطي اعتبارًا كثيرًا لمثل هذه الرّوايات، وكان يفضّل العقل عليها حتّى في مجال الأحكام! بناء على هذا، فإنّ النهج الذي ينتهجه هذه الفرقة هو أقرب إلى نهج أئمّة النّصارى منه إلى نهج أئمّة المسلمين، وعمليًّا قد حقّق في المجتمع الإسلاميّ نفس النتائج التي تحقّقت في المجتمع النّصرانيّ؛ لأنّه، على سبيل المثال، الإعتقاد بأنّ اللّه ليس مثل مخلوقاته، وفي نفس الوقت له جهة وحركة وجوارح حقيقيّة، هو متناقض بنفس قدر الإعتقاد بأنّ اللّه واحد على الرّغم من ألوهيّة الأب والإبن وروح القدس! مع ذلك، يروّج السّلفيّون أمثال هذه العقائد الشّركيّة مستندين إلى رواياتهم الظنّيّة، تمامًا كما يفعل ذلك النّصارى مستندين إلى رواياتهم الظنّيّة! بل أوصل السّلفيّون مناهضة العقل إلى نقطة ينكرون فيها المحسوسات مستندين إلى الرّوايات الظنّيّة؛ كما أنّهم ينكرون كرويّة الأرض ودورانها حول الشمس، ولا يزالون يعتقدون أنّ الشمس تدور حول الأرض! لقد تحدّثت في ذلك مع بعض علمائهم وأوضحت له أنّ كرويّة الأرض ودورانها حول الشمس هما من المتواترات، بل من المحسوسات التي يكون التّشكيك فيها سفسطة، لكنّه أخبرني أنّه لن يصدّق بهما حتّى لو رآهما بأمّ عينيه؛ لأنّهما مخالفان للرّوايات بزعمه! هذا النهج الذي يشابه نهج الكنيسة في القرون الوسطى، يعكس مدى مناهضة هذه الفرقة للعقل، في حين أنّ مناهضة العقل تؤدّي إلى مناهضة اللّه؛ لأنّ العقل هو خلق اللّه والوسيلة الوحيدة التي وضعها في الإنسان للمعرفة، ولذلك فإنّ مناهضته تعني مناهضة إرادة اللّه وفعله.