ومن ثمّ فإنّ التحاكم إلى الطاغوت، بمعنى الخضوع لحاكميّة من لم يعيّنه اللّه، لم يكن له مكان في الإسلام، وقد نشأ دائمًا من كيد الشيطان؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾. كما أنّ القتال في سبيل الطاغوت، بمعنى القتال لتحقيق حاكميّة من لم يعيّنه اللّه، هو من عمل الكافرين، وما عمل المسلمين إلّا القتال في سبيل تحقيق حاكميّة اللّه؛ كما قال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾. نعم، الهدف الأسمى للإسلام هو أن تكون كلمة الكافرين السّفلى وكلمة اللّه العليا؛ كما قال: ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾؛ بمعنى أنّ اليد العليا في العالم للّه؛ كما قال: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، وقال: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
ثمّ من الواضح أنّ الولاية في الإسلام للّه وحده؛ كما قال: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾، وقال: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا﴾، وقال: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾؛ لأنّه وحده، بمقتضى علمه الكامل وقدرته الفريدة، له أهليّة الولاية، وبالتّالي لا يجوز اتّخاذ وليّ غيره، بل يعتبر ذلك شركًا؛ كما قال: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وقال: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ۗ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، وقال: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾،