بل كان كثير منهم يدّعون أنّ اللّه في الآية ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ قد أمر بطلب العلم من أهل الكتاب، في حين أنّ هذا وهم باطل وافتراء خطير؛ لأنّ اللّه قد اتّهم أهل الكتاب مرارًا بكتمان الحقّ ولبسه بالباطل، وأخبر عن كذبهم عليه وتحريفهم للكتاب، وحذّر من اتّخاذهم أولياء واتّباع ملّتهم، وعلى هذا فمن المستحيل أن كان قد أمر بطلب العلم منهم. بل لعلّ مراده بـ«الذكر» في هذه الآية رسوله؛ كما سمّاه بصراحة «ذكرًا» فقال: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ﴾، وعلى هذا فليس «أهل الذكر» إلّا أهل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، الذين أخبر اللّه بصراحة عن تطهيرهم الكامل، وأكّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أشدّ تأكيد على ضرورة التمسّك بهم إلى جانب القرآن، وهذا قول راجح روي عن عليّ بن أبي طالب وأبي جعفر الباقر، لكن يبدو أنّ الذين نشأوا في المدرسة الأمويّة، يفضّلون اتّباع اليهود والنّصارى على اتّباع أهل بيت نبيّهم، ويهربون إلى الكفر خوفًا من التشيّع! في حين أنّه من الواضح أنّ اتّباع أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مبنيّ على نصوص قطعيّة قرآنيّة وسنّيّة، ولذلك لا يعتبر التشيّع بمعنى مذهب من المذاهب، بل هو من مقتضيات الإسلام الحقيقيّ والكامل، كإقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة.
على أيّ حال، فإنّ دور أهل الكتاب في تشكيل ثقافة المسلمين، سواء في مجال السّياسة من خلال نفوذ رجال منهم مثل آل برمك، الذين كان لهم خلفيّة مجوسيّة، في نظام الحكم الأمويّ والعبّاسيّ، وتقلّدهم مناصب مهمّة جدًّا مثل الوزارة، أو في مجال العقيدة والعمل من خلال نفوذ رجال منهم مثل كعب الأحبار، الذين كان لهم خلفيّة يهوديّة، بين أهل الحديث، كان بارزًا ومهمًّا.