إلّا أن يكون دعاء الأموات عن اعتقاد بأنّهم ينفعون بغير إذن اللّه، فهو في هذه الحالة يعتبر شركًا، كما أنّ دعاء الأحياء عن اعتقاد مثله شرك؛ لأنّ من يرى مخلوقًا مستقلًّا عن الخالق، ويرجوه ويخافه مثله، ليس بمسلم، ولذلك إن لم يعتبر نفسه مسلمًا فهو مشرك، وإن اعتبر نفسه مسلمًا فهو منافق، والمنافق يُتسامح معه ما دام لا يثير في الأرض فتنة، أي لا يدعو الآخرين إلى الشّرك، ولا ينهاهم عن الإسلام؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾.
مع ذلك، من الإنصاف أنّ دعاء غير اللّه بدلًا منه، سواء كان ميّتًا أو حيًّا، حتّى إذا كان عن اعتقاد بأنّه نافع بإذن اللّه، لا يليق بالمسلم، وإن لم يكن شركًا؛ لأنّ كون غير اللّه نافعًا بإذن اللّه يقتضي دعاء اللّه، لا دعاء غيره؛ نظرًا لأنّ دعاء النافع الأصليّ أولى عند العقلاء من دعاء النافع الفرعيّ، ومن يستطيع الوصول إلى الملك لا يشغل نفسه بالوزير، ومن الواضح أنّ اللّه قريب من جميع خلقه، ويسمع دعاءهم جميعًا، ولا يحتاج إلى وسيط بينه وبينهم في ذلك؛ كما قال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ﴾. لذا فمن الإنصاف أنّ عرض الحاجة إلى ميّت أو حيّ بدلًا من اللّه، حتّى إذا كان بشرًا مثل النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، يعتبر تركًا للأولى؛ لأنّه، بالرّغم من عظيم كرامته على اللّه، لا يملك نفعًا ولا ضرًّا لنفسه، وبالتّالي للآخرين، ولا يعلم أنّه يُدعى بالغيب بمقتضى بشريّته، وهذا بغضّ النّظر عمّا إذا كان حيًّا أو ميّتًا؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، ولذلك فإنّ دعاءه في السّرّ بدلًا من اللّه غير صالح، ويعتبر تركًا للأولى؛ لأنّ الأولى في مثل هذه الحالة دعاء اللّه الذي يعلم السّرّ قطعًا، وليس من القطعيّ علم النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بما في السّرّ تفصيلًا، بل قد يكون ذلك غير ممكن، رغم أنّ علمه به إجمالًا ممكن بالنظر إلى قدرة اللّه؛ كما قال تعالى: ﴿وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.