[عدم اختصاص حجّيّة القرآن بالنّبيّ]
نعم، ما يُنسب إلى بعض المسلمين هو الإعتقاد بعدم حجّيّة القرآن لغير النّبيّ؛ بمعنى أنّ القرآن قد أُنزل له خاصّة، وبالتّالي فإنّ سنّته هي المصدر الوحيد للإسلام، في حين أنّ هذا مخالف للمحسوس والمشهود؛ لأنّ معظم آيات القرآن لم تخاطب النّبيّ فقطّ، بل قد خاطب جميع النّاس وجميع المسلمين بعبارة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ و﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ كما أبلغه النّبيّ إليهم جميعًا، في حين أنّه لو كان قد أُنزل له خاصّة ولم يكن له حجّيّة وفائدة للآخرين، لما كان إبلاغه إليهم واجبًا بطبيعة الحال، بل كان ذلك لغوًا غير جائز. علاوة على ذلك، سواء أُنزل القرآن له خاصّة أو لجميع النّاس بمن فيهم هو، فإنّ سنّته متوافقة معه، وبالتّالي فإنّ التمسّك به لا يتعارض مع التمسّك بسنّته. لذلك، قد استحسن اللّه التمسّك به صراحة فقال: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾. ثمّ إنّ سنّة النّبيّ لم يتمّ روايتها بالتواتر إلّا قليلًا، وبالتّالي فإنّ التمسّك بها لا يكفي للّذين جاؤوا من بعده. مع ذلك، فإنّ أحد ما روي منها بالتواتر حديث الثقلين الذي رواه أكثر من ثلاثين من أصحابه، وهو يدلّ على ضرورة التمسّك بكتاب اللّه من بعده.
[عدم إمكان نسخ القرآن بسنّة النّبيّ]
من هنا يعلم أنّ الرّجوع إلى كتاب اللّه لاستنباط عقائد الإسلام وأحكامه أمر ممكن وضروريّ، وأنّ العقائد والأحكام التي تتعارض مع نصوصه ليست من الإسلام، وإن كانت مستندة إلى سنّة النّبيّ؛ لأنّ سنّة النّبيّ هي ما قاله أو فعله وفقًا للقرآن، ولا يمكن تعارضها مع القرآن، وليس لها صلاحيّة نسخ القرآن؛ لأنّ القرآن كلام اللّه، والنّبيّ أولى بأن يكون متّبعًا لكلام اللّه ويتكلّم ويعمل بما يوافقه، وإذا كان هناك حاجة إلى نسخ القرآن فاللّه أعلم وأولى بذلك، وهو يفعله بواسطة القرآن؛ لأنّ القرآن متواتر وقد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، لكنّ سنّة النّبيّ ليست متواترة ولم تبلغ مشارق الأرض ومغاربها مثل القرآن، ولذلك فإنّ نسخ القرآن بسنّة النّبيّ لا يكفي، ولا يحقّق غرض اللّه، ويعتبر تأخير البيان عن وقت الحاجة. بناء على هذا، فإنّ نسخ القرآن يجوز بالقرآن فقطّ، ولا يجوز بسنّة النّبيّ، وبالتّالي لم يقع.