مع ذلك، فإنّ دور أهل الكتاب في تشكيل ثقافة المسلمين لم يكن أبدًا أكثر بروزًا وأهمّيّة ممّا كان عليه في القرنين الأخيرين؛ لأنّهم من خلال تفكيك حكومة المسلمين المتمركزة بعد الحرب العالميّة الأولى، والنفوذ الواسع والعميق في الأراضي الإسلاميّة تحت اسم «الإستعمار»، فتحوا على المسلمين فصلًا جديدًا ومتميّزًا من الثّقافة غيّرت نظرتهم للعالم وروحهم. إنّ الموجة التي تشكّلت في غرب العالم على أساس الثّقافة الإلحاديّة ووفقًا لاحتياجات الكفّار وأهدافهم، بعد أن دخلت بلاد الإسلام، جعلت المسلمين يواجهون صراعًا حادًّا بين الأصالة والحداثة. كان سبب هذا الصّراع الحادّ أنّ الحداثة الوليدة لم تكن نابعة من داخل المسلمين نتيجة لتطلّباتهم الطبيعيّة والتدريجيّة، بل جاءت من خارجهم نتيجة لأفعال قهريّة ومفاجئة من الكفّار، وبالتّالي لم يكن من الممكن أن تنسجم مع هويّتهم الثقافيّة بالكامل. كان المسلمون بحاجة إلى حداثة مصنوعة بأيديهم، وبالتّالي متناسبة مع ثقافتهم الإسلاميّة، ولكنّهم فقدوا فرصتها عندما وطأت أقدام الكفّار أراضيهم، ومنذ ذلك الحين أصبحوا مستهلكين لمنتجات الكفّار؛ لدرجة أنّ حياتهم الآن، تتأثّر بثقافة الكفّار أكثر ممّا تتأثّر بالإسلام، وأشدّهم ولاء للإسلام هم الذين يحاولون بشكل سلبيّ إعداد غطاء إسلاميّ للواردات الثقافيّة الغربيّة. في حين أنّه كان من الواجب عليهم منذ البداية الوقوف في وجه المستعمرين وعدم السّماح لهم بالسّيطرة على الأراضي الإسلاميّة، حتّى لا تنتشر ثقافتهم بينهم ولا تتفشّى أمراضهم في أراضيهم؛ كما قال اللّه لمنع سيطرة الكفّار على المسلمين: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾؛ بمعنى أنّه لم يشرّع في الإسلام سبيلًا لسيطرة الكفّار على المسلمين، وكلّ ما يؤدّي إلى سيطرة الكفّار على الأراضي الإسلاميّة فهو حرام. كما كان من الواجب عليهم قبل ذلك بوقت طويل، عندما كان الكفّار الغربيّون مكبّين على الثورة الصّناعيّة والإستعداد لمهاجمة الشّرق، أن يوفّروا الوسائل السّياسيّة والإقتصاديّة اللازمة لمواجهتهم، ويمنعوا أو يدفعوا هجومهم بهذه الطريقة. لكنّهم في الوقت الذي كان فيه أعداء الإسلام يجهّزون الجيوش لغزو أراضيهم، كانوا متشاغلين بالتنازع بينهم على الحكومة والمجادلة في المسح والغَسل، ولذلك هُزموا بكلّ بساطة من قبل جيوش الكفر، واستسلموا لثقافتهم غير الإسلاميّة.