الحاصل أنّ أكثر المسلمين، بسبب استهتارهم بالإسلام واهتمامهم المفرط ببعض المسلمين الأوائل، قد حسبوا أنّ يد اللّه مغلولة عن جعل خليفة في الأرض وممارسة حكمه فيها؛ مثل اليهود الذين قال اللّه تعالى فيهم: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ﴾؛ كما قد اعتقدوا أنّهم لتحقيق الحكومة الإسلاميّة ليسوا محتاجين إلى اللّه، بل اللّه محتاج إليهم لذلك؛ مثل اليهود الذين قال اللّه تعالى فيهم: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾، ومن ثمّ كلّما يُدعون إلى حاكميّة اللّه يقولون مغالطين أنّ وجود حاكم في الأرض ضروريّ؛ كأنّ اللّه لا يعلم هذه الضّرورة وهم الذين يعلمونها؛ كما قال: ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ﴾، وقال: ﴿أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ ۗ﴾، في حين أنّه أعلم بضرورة وجود حاكم في الأرض دون أدنى شكّ، ولهذا قد جعل حاكمًا في الأرض! لكنّهم يتركون حاكمه في الأرض ويقبلون على حكّامهم فيها؛ كأنّه لا يقدر على الحكم فيها وهم القادرون!
هكذا قد استبدل أكثر المسلمين حكومتهم بحكومة اللّه، وقبلوا ذلك كجزء من ثقافتهم الإسلاميّة، واعتبروا أنّه من الضروريّ الدّفاع عنه لتشابهه مع عمل بعض المسلمين الأوائل، وزعموا أنّ أيّ تنقيح وإصلاح له استنادًا إلى اليقينيّات العقليّة والشّرعيّة يعني عدم احترام السّلف والخروج عن السّنّة والجماعة، في حين أنّه تبيّن ممّا مضى أنّ الحكومة للّه وحده، والنّاس ليسوا شركاءه فيها، والمسلم من يتّبع الإسلام لا المسلمين الأوائل، واتّباع الإسلام لا يعني عدم احترامهم ولا الخروج عن السّنّة والجماعة، ومن الواضح أنّهم لم يكونوا معصومين من الخطأ، ولم يدّعوا العصمة، ولم يطلبوا من المسلمين ترك الإسلام لاتّباعهم، بل ربما لو كانوا اليوم واستمعوا لتذكيري لصحّحوا خطأهم؛ لأنّ كثيرًا منهم لم يكونوا يكرهون الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وكانوا يقبلون الحقّ عندما يُخبَرون به، وبالتّالي فإنّ أتباعهم أولى منهم بذلك.