أي جاء العشق وذهب العقل من عندي ألف فرسخ كريح! أو يقولون: «حديث عقل در ايام پادشاهي عشق/ چنان شدست كه فرمان عامل معزول»[١]، أي قد أصبح حديث العقل في أيّام مُلك العشق كأمر عامل معزول! أو يقولون: «زان گه كه عشق دست تطاول دراز كرد/ معلوم شد كه عقل ندارد كفايتي»[٢]، أي منذ بسط العشق يد التطاول، تبيّن أنّ العقل ليس له كفاءة! أو يقولون: «رها كن عقل را با حق همي باش/ كه تاب خور ندارد چشم خفاش»[٣]، أي دع العقل وكن مع الحقّ؛ لأنّ عين الخفّاش لا طاقة لها بالشمس! أو يقولون: «عشق را با عقل نسبت كي توان/ شاه فرمان ده كجا دربان كجا»[٤]، أي متى يمكن مقارنة العشق مع العقل؟! أين الملك الآمر وأين البوّاب؟! أو يقولون: «عقل را در عشق ويران كن كه در درگاه دوست/ عاشقان را بار هست وعاقلان را بار نيست»[٥]، أي اهدم العقل في العشق؛ لأنّ عند الحبيب يؤذن بدخول العاشقين ولا يؤذن بدخول العاقلين، وما شابه هذه من المزخرفات التي ذكرها مملّ وغير ضروريّ. من الواضح أنّه ليس وراء هذه الألفاظ الجميلة معنى محصّل؛ لأنّ العشق، إذا كان بمعنى حبّ الحقّ، فإنّه لا يتعارض مع العقل، بل على العكس يقوم على العقل؛ نظرًا لأنّه لا يُعرف بدون العقل حقّ حتّى يكون حبّه ممكنًا، والحبّ الذي لا يقوم على المعرفة هو هوى.

[دور المسلمين الصّوفيّين في نشر النفور من العقل]

من هنا يمكن القول أنّ أهل التصوّف المسلمين، إلى جانب أهل الحديث المسلمين، قد لعبوا دورًا بارزًا في نشر النفور من العقل بين المسلمين؛ مع فارق أنّ أهل الحديث المسلمين كانوا مروّجين للتديّن الخبريّ، وأهل التصوّف المسلمين كانوا مروّجين للتديّن الشّعريّ! في حين أنّ الشعر هو أقلّ اعتبارًا بكثير من الخبر الظنّيّ، بل هو في الغالب مجرّد مغالطة ومداعبة بالألفاظ تُسكت العقل بسبب جَرْسها دون أن تقنعه؛ إذ من الواضح أنّه ليس كلّ كلام موزون صحيحًا، ولا يمكن معرفة الحقّ بمثل هذه المزخرفات؛ كما سمّى اللّه مثل هذه الأقوال المزيّنة والخاطئة «زخرف القول»، واعتبرها ما يلفّقه الشياطين لخداع بعضهم بعضًا عداوة للأنبياء، فقال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾[٦]،