١ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْقَيُّومِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ وَهُوَ فِي مَسْجِدٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكُمُ الْمَهْدِيَّ وَلِيًّا، فَاتَّخِذُوهُ وَلِيًّا، وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ، قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ! فَقَامَ رَجُلٌ أَحْوَلُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ فَقَالَ: وَهَلْ خَلَقَ اللَّهُ الْمَهْدِيَّ؟! قَالَ: نَعَمْ، وَإِنَّهُ لَيَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ! قَالَ الرَّجُلُ: وَهَلْ رَأَيْتَهُ أَنْتَ بِعَيْنَيْكَ؟! فَسَكَتَ الْمَنْصُورُ وَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى سَأَلَهُ الرَّجُلُ ثَلَاثًا، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَدْعُوَكُمْ إِلَى مَنْ لَمْ أَرَهُ! قَالَ الرَّجُلُ: فَلِمَ لَا يَخْرُجُ إِلَيْنَا لِنَتَّبِعَهُ؟! قَالَ: يَخَافُ! قَالَ الرَّجُلُ: مِمَّ؟! قَالَ: مِنَ الْقَتْلِ -وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ! قَالَ الرَّجُلُ: فَمَا لَكَ لَمْ تَخَفْ كَمَا خَافَ صَاحِبُكَ، فَخَرَجْتَ إِلَيْنَا؟! قَالَ: لِأَنِّي لَا أُبَالِي بِالْقَتْلِ إِنْ قُتِلْتُ وَهُوَ حَيٌّ، وَلَكِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَهُ! قَالَ الرَّجُلُ: فَتَعَالَ نَقْتُلُكَ الْآنَ إِنْ لَمْ تُبَالِ بِالْقَتْلِ! فَقَامَ إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ أَنْصَارِ الْمَنْصُورِ كَانُوا فِي الْمَسْجِدِ لِيَأْخُذُوهُ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمُ الْمَنْصُورُ أَنِ اجْلِسُوا فَجَلَسُوا، ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: بِأَيِّ ذَنْبٍ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي أَيُّهَا الرَّجُلُ؟! قَالَ: لِكِذْبِكَ! قَالَ الْمَنْصُورُ: وَمَا كِذْبِي؟! قَالَ: قَوْلُكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمَهْدِيَّ وَهُوَ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ! قَالَ الْمَنْصُورُ: أَهَذَا كِذْبٌ؟! قَالَ: نَعَمْ، وَقَوْلُكَ أَنَّكَ رَأَيْتَهُ بِعَيْنَيْكَ فَتَدْعُو إِلَيْهِ! قَالَ الْمَنْصُورُ: أَهَذَا كِذْبٌ؟! قَالَ: نَعَمْ، وَقَوْلُكَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلَيْنَا لِخَوْفِهِ مِنَ الْقَتْلِ! قَالَ الْمَنْصُورُ: أَهَذَا كِذْبٌ؟! قَالَ: نَعَمْ! فَقَالَ الْمَنْصُورُ: اجْلِسْ أَيُّهَا الرَّجُلُ! فَإِنَّكَ كَذَّبْتَ ثَلَاثًا لَمْ تُحِطْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا عِلْمًا، فَوَاللَّهِ لَنْ تُفْلِحَ بَعْدَ هَذَا أَبَدًا! قَالَ عَبْدُ السَّلَامِ: فَبَلَغَنَا أَنَّ الرَّجُلَ ذَهَبَ مَالُهُ وَوَلَدُهُ، وَأَصَابَهُ دَاءٌ لَا دَوَاءَ لَهُ، حَتَّى تَرَكَ الصَّلَاةَ ثُمَّ قَتَلَ نَفْسَهُ!
شرح القول:
إنّ قول جنابه هذا صريح في أنّه على بيّنة من وجود المهديّ عليه السلام في الوقت الحاضر، وإن كان غائبًا عن النّاس أي غير معروف عندهم بسبب الخوف منهم على نفسه، وهذا أمر ممكن عقلًا وشرعًا، بل قريب جدًّا بالنظر إلى غلبة الظلم والجور على العالم، فلا داعي لتكذيبه، ومن يبادر إلى تكذيبه بغير علم فهو أحمق، لا عقل له، بالإضافة إلى أنّه يائس من رحمة اللّه، ومن لم يكن له عقل ولا رجاء في رحمة اللّه فإنّه لن يفلح أبدًا، كما لم يفلح الرجل الأحول بعد ما كذّب ما لم يحط به علمًا، ومن الواضح أنّه ليس للجاهل حجّة على العالم، والمنصور حفظه اللّه تعالى عالم بوجود المهديّ عليه السلام، ولم يكتف بالإخبار عن رؤيته، وإن كان ثقة في ذلك لجلالته وورعه، بل قد أقام على وجوده حجّة من العقل والشرع، وقد بيّنّاها في السؤال والجواب ٦، فراجع.
٢ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: كُنْتُ بِبَابِ الْمَنْصُورِ أَنْتَظِرُهُ، فَسَمِعْتُهُ يُكَلِّمُ رِجَالًا فِي الْبَيْتِ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ الْمَهْدِيَّ يَخْشَى أَنْ لَا يُطَاعَ، وَلَوْ أَنَّهُ ثَبَتَتْ لَهُ قَدَمَاهُ لَأَقَامَ كِتَابَ اللَّهِ وَالْحَقَّ كُلَّهُ! أَمَا وَاللَّهِ لَا خَيْرَ إِلَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَخَلِيفَتِهِ فِي الْأَرْضِ، وَأَمَّا مَا سِوَاهُمَا فَلَا! قَالَ: فَخَطَرَ بِبَالِي كَيْفَ يَتَجَرَّأُ أَنْ يَقُولَ هَذَا وَالْمَهْدِيُّ غَائِبٌ؟! فَمَا لَبِثَ أَنْ خَرَجَ إِلَيَّ مِنَ الْبَيْتِ وَقَالَ: يَا أَحْمَدُ! كَانَ الْمَهْدِيُّ أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ مُنْذُ غَابَ عَنْهُمْ! كَانَ الْمَهْدِيُّ أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ مُنْذُ غَابَ عَنْهُمْ! كَانَ الْمَهْدِيُّ أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ مُنْذُ غَابَ عَنْهُمْ! -ثَلَاثًا.
٣ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: الْمَهْدِيُّ سَبِيلٌ مَنْ سَلَكَ غَيْرَهُ هَلَكَ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[١].
٤ . أَخْبَرَنَا ذَاكِرُ بْنُ مَعْرُوفٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾[٢]، قَالَ: لَا تَجْعَلْ مَعَ الْمَهْدِيِّ إِمَامًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا! فَرَءَانِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ تَأْوِيلِهِ، قُلْتُ: وَمَا تَأْوِيلُهُ؟ قَالَ: مِصْدَاقُهُ.
شرح القول:
ذلك لأنّ اتّخاذ إمام غير الإمام الذي جعله اللّه للناس يتعارض مع توحيد اللّه في الحكومة ويعود إلى الشرك، وهذه نقطة مهمّة للغاية قد تمّ تبيينها في الكتاب القيّم «العودة إلى الإسلام»[٣].
٥ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْمَنْصُورِ أَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ، فَلَمَّا بَلَغْتُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾[٤] قَالَ: أَتَعْلَمُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَوَلِيُّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: مَنْ نَصَبَ دُونَ الْمَهْدِيِّ شَيْئًا فَهُوَ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ! قُلْتُ: أَمَا أَنْتَ مَهْدِيٌّ، جُعِلْتُ فِدَاكَ؟! قَالَ: أَنَا مَهْدِيٌّ إِلَى اللَّهِ وَخَلِيفَتِهِ، وَلَكِنَّ الْمَهْدِيَّ مَهْدِيُّ آلِ الْبَيْتِ.
٦ . أَخْبَرَنَا وَلِيدُ بْنُ مَحْمُودٍ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[٥]، قَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا بِوِلَايَةِ الْمَهْدِيِّ وَلَمْ يَخْلِطُوهَا بِوِلَايَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ.
٧ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَالِمَ يَقُولُ: مَنْ أَشْرَكَ مَعَ إِمَامٍ إِمَامَتُهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مَنْ لَيْسَتْ إِمَامَتُهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّهُمْ يَتَشَبَّثُونَ بِالْغَيْبَةِ! قَالَ: وَهَلْ يَتَشَبَّثُ بِهَا إِلَّا كُلُّ سَارِقٍ؟! مَا لَهُمْ -قَطَعَ اللَّهُ أَيْدِيَهُمْ- يُكْرِهُونَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَتَشَبَّثُونَ بِهَا! لَا وَاللَّهِ بَلْ أَشْرَكُوا! لَا وَاللَّهِ بَلْ أَشْرَكُوا!
شرح القول:
أراد جنابه أنّ كلّ سارق يحاول سرقة المال في غيبة مالكه، وهذا تشبيه ما فعل هؤلاء في غيبة المهديّ بما يفعل اللصّ في غيبة صاحب الدّار، وقد شبّهه في حكمة أخرى بما يفعل الغاصب الذي يُخرج صاحب الدّار من داره ظلمًا، ثمّ يسكن داره ويقول: لا بدّ للدّار من ساكن!
٨ . أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ عُبَيْدٍ الْخُجَنْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: أُمِرَ النَّاسُ بِمَعْرِفَةِ الْمَهْدِيِّ وَالرَّدِّ إِلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ لَهُ، فَإِنْ صَلُّوا وَصَامُوا وَجَعَلُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أَنْ لَا يَرُدُّوا إِلَى الْمَهْدِيِّ كَمَا أُمِرُوا، كَانُوا بِذَلِكَ مُشْرِكِينَ! ثُمَّ سَكَتَ حَتَّى قُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَنَادَانِي: يَا هَاشِمُ! لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ أَنَّهُ مَنْ سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَلَمْ يُجِبْهَا أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى مِنْخَرَيْهِ فِي النَّارِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ!