لَتَجِدَنَّ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ تَنْظُرُ إِلَيْهَا شَيْطَانًا قَدْ رَفَعَ رَايَةً وَيَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ وَيُزَيِّنُ لِلنَّاسِ ضِغْثًا مِنَ الْأَبَاطِيلِ لِيَتَّبِعُوهُ، بِغَيْرِ سُلْطَانٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَا عَهْدٍ مِنْ خَلِيفَتِهِ، وَلَا تَرَى مِنْهُمْ أَحَدًا إِلَّا وَقَدْ جَمَعَ حَوْلَهُ حَفْنَةً مِنَ السَّفِلَةِ وَأَلْهَاهُمْ، وَأَلْقَمَهُمُ الْإِعْتِقَادَ بِأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ، مَعَ أَنَّهُمْ لَا فِي الْعِلْمِ يُدَانُونَ أَوْلِيَاءَهُ، وَلَا فِي الْعَمَلِ يُشَابِهُونَهُمْ، وَإِنَّمَا تَسَمَّوْا بِأَسْمَائِهِمْ وَادَّعَوْا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْمَرَاتِبِ، لَعَلَّهُمْ يَتَرَاءَوْنَ أَفْضَلَ مِمَّا هُمْ، أَوْ يُحْمَدُونَ بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا؛ كَمَثَلِ غُرَابٍ سَمَّى نَفْسَهُ عُقَابًا، أَوْ ضَفْدَعٍ سَمَّى نَفْسَهُ عَنْدَلِيبًا، لِيُصَدِّقَهُ مَنْ لَمْ يَرَ عُقَابًا أَوْ عَنْدَلِيبًا فِي حَيَاتِهِ! مَعَ أَنَّ اللَّهَ يُكْرِمُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُهِينُ مَنْ يَشَاءُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقٌّ يُطَالِبُ بِهِ! فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ كَيْفَ اتَّخَذُوا إِلَهَهُمْ هَوَاهُمْ، وَغَرِقُوا فِي أَوْهَامِهِمْ، وَاتَّبَعُوا ظُنُونَهُمْ، لَتَعَجَّبْتَ وَحَسِبْتَهُمْ قَطِيعَ الْأَغْنَامِ أَوْ طَائِفَةَ الْمَسْحُورِينَ! قَدِ اغْتَرُّوا بِأَحْلَامِهِمُ الْمُشَوَّشَةِ، وَاطْمَأَنُّوا بِآمَالِهِمُ الطَّوِيلَةِ! أَحْيَانًا تَائِهُونَ فِي وَادِ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَأَحْيَانًا غَائِطُونَ فِي مَوْجِ التَّكَلُّفَاتِ! مِنْ فَرْطِ الْفَقْرِ قَدْ تَشَبَّثُوا بِرِوَايَةٍ، وَمِنْ فَرْطِ الْمَسْكَنَةِ قَدْ أَخَذُوا فِي تَأْوِيلٍ! لَمْ يَزَالُوا بِأَنْفُسِهِمْ مُلَقِّنِينَ حَتَّى كَادَتْ تُؤْمِنُ بِهِمْ! مَنْطِقُهُمُ الْمُغَالَطَةُ، وَمَنْهَجُهُمُ الْمُوَارَبَةُ! قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ عَيْبٍ تَعِلَّةً، وَجَعَلُوا عَلَى كُلِّ خَلَلٍ غِشَاوَةً! يَمْزُجُونَ الْكَذِبَ بِالصِّدْقِ لِيَسْهُلَ تَصْدِيقُهُ، وَيَسْتُرُونَ الْبَاطِلَ بِالْحَقِّ لِيَصْعُبَ تَمْيِيزُهُ! إِذَا لَقُوا عَالِمًا هَرَبُوا مِنْهُ لِكَيْ لَا يَفْضَحَهُمْ، وَإِذَا لَقُوا جَاهِلًا تَعَلَّقُوا بِهِ لَعَلَّهُمْ يَخْدَعُونَهُ! بِتَلْبِيسٍ وَتَدْلِيسٍ، يَنْتَشِرُونَ مِثْلَ الطَّاعُونِ، وَيَتَقَدَّمُونَ مِثْلَ السَّرَطَانِ، لِيَمْلَؤُوا الْأَرْضَ بِقَوْلِ الزُّورِ، وَيُلَوِّثُوا الزَّمَانَ بِظَنِّ السُّوءِ، حَتَّى لَا يَرُوجَ فِيهَا قَوْلُ الْحَقِّ، وَلَا يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى الصِّرَاطِ السَّوِيِّ! بِجَزْمِيَّةٍ لَا دَلِيلَ لَهَا، وَبِحَمَاسَةٍ لَا عَقْلَ مَعَهَا، قَدْ تَسَاقَطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَأَصْبَحُوا جَرَاثِيمَ الْفِتَنِ، لِيُضِلُّوا الْجَاهِلَ، وَيُشْقُوا السَّفِيهَةَ!
حَذَارِ! حَذَارِ! اتَّقُوا مَكْرَهُمْ، وَلَا تَقَعُوا فِي حَبَائِلِهِمْ، حِينَ يَدْعُونَكُمْ إِلَى غَيْرِ خَلِيفَةِ اللَّهِ، بِكَلِمَاتٍ أَلْيَنَ مِنَ الزُّبْدِ، وَعِبَارَاتٍ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، لِيَسْلُبُوا عُقُولَكُمْ كَخَمْرٍ، وَيُرْجِفُوا قُلُوبَكُمْ كَبَغِيٍّ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُمْ إِلَى الْهَاوِيَةِ، وَمَا عَاقِبَتُهُمْ إِلَّا الزَّوَالَ، وَالْوَيْلُ لِمَنْ أَجَابَ دَعْوَتَهُمْ!
وَاللَّهِ لَا يُخْلَقُ وَثَنٌ إِلَّا يُوجَدُ لَهُ عَبَدَةٌ، وَإِنْ كَانَ رَأْسَ حِمَارٍ عَلَى رَأْسِ خَشَبَةٍ؛ حَتَّى تَخْرُجَ دَابَّةٌ مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمَ النَّاسَ، فَتَسِمُ الصَّالِحَ وَالطَّالِحَ؛ إِنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يُوقِنُونَ!