١ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ عَنِ النَّجَاسَاتِ، فَقَالَ: كُلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَهُ أَوْ شُرْبَهُ فَهُوَ نَجَسٌ، قُلْتُ: لِمَاذَا؟! قَالَ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾[١].
٢ . أَخْبَرَنَا صالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّبْزَوارِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الْمَنِيِّ، أَهُوَ نَجَسٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: لِمَاذَا؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يُوجِبُ التَّطَهُّرَ، وَلَا يُوجِبُهُ إِلَّا النَّجَسُ، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: هَذَا إِهَانَةٌ لِلْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ أَصْلُهُ! قَالَ: إِنْ كَانَ إِهَانَةً لِلْإِنْسَانِ فَقَدْ أَهَانَهُ اللَّهُ، إِذْ قَالَ: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾[٢]، ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾[٣]!
٣ . أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الْخِنْزِيرِ، فَمَكَثَ سَاعَةً لَا يُجِيبُنِي، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا الرِّجْسُ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ، لَا شَعْرُهُ، وَلَا جِلْدُهُ، قُلْتُ: أَلَيْسَ جِلْدُهُ مُلْتَصِقًا بِلَحْمِهِ؟! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ يُطَهَّرُ بِالدِّبَاغِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَقِيَ مِنَ الْإِسْلَامِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ بَدَّلُوهُ!
٤ . أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْجُوزَجَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ الْمُخَلَّى فِي إِنَائِكَ فَأَهْرِقْهُ، ثُمَّ اغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَلَا تَفْعَلُ ذَلِكَ تَقُولُ إِنَّهُ نَجَسٌ، وَلَكِنَّهُ مُضِرٌّ مُضِرٌّ!
٥ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: كُلُّ حَيٍّ طَاهِرٌ إِلَّا الْمُشْرِكَ، فَإِنَّهُ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾[٤]، يَعْنِي مَنْ كَانَ مُشْرِكًا فَهَدَيْنَاهُ، وَالْكَلْبُ أَطْهَرُ مِنَ الْمُشْرِكِ وَأَكْرَمُ!
٦ . أَخْبَرَنَا وَلِيدُ بْنُ مَحْمُودٍ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ نَجَاسَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: هُمْ وَاللَّهِ نَجَسٌ، هُمْ وَاللَّهِ نَجَسٌ، قُلْتُ: أَمَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْبَشَرِ؟! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا، فَأَهَانَهُمْ، وَجَعَلَهُمْ شَرَّ الدَّوَابِّ، وَقَالَ: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾[٥]، وَقَالَ: ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[٦]، قُلْتُ: فَإِنْ شَرِبَ مِنْ إِنَائِي يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ، فَعَلَيَّ أَنْ أَغْسِلَ الْإِنَاءَ؟ قَالَ: لَا.
٧ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: مَرَّ الْمَنْصُورُ عَلَى تِمْثَالٍ لِبَعْضِ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ قَدْ نُصِبَ فِي شَارِعٍ، فَمَسَّهُ بِيَدِهِ لِيَدُلَّنَا عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَنْ مَثَّلَ تِمْثَالًا مِثْلَ هَذَا فَقَدْ أَشْرَكَ، ثُمَّ دَخَلَ مَسْجِدًا لِيُصَلِّيَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ ذَكَرَ شَيْئًا، فَانْصَرَفَ حَتَّى غَسَلَ يَدَهُ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: إِنِّي ذَكَرْتُ أَنِّي مَسَسْتُ رِجْسًا مِنَ الْأَوْثَانِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَغْسِلَ يَدِي، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا فَرِغَ مِنْهَا أَقْبَلَ عَلَيْنَا، وَقَالَ: إِنَّ الْمُسْتَوْرِدَ الْعِجْلِيَّ تَنَصَّرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، فَبَعَثُوا بِهِ إِلَى عَلِيٍّ، فَاسْتَتَابَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي أَسْتَعِينُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، فَقَالَ الْمُسْتَوْرِدُ: وَأَنَا أَسْتَعِينُ الْمَسِيحَ عَلَيْكَ! فَأَهْوَى عَلِيٌّ بِيَدِهِ إِلَى عُنُقِهِ، فَإِذَا هُوَ بِصَلِيبٍ، فَقَطَعَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ قَدَّمَ رَجُلًا وَذَهَبَ، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّاسَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لِحَدَثٍ أَحْدَثَهُ، لَكِنَّهُ مَسَّ هَذِهِ الْأَنْجَاسَ، فَأَحَبَّ أَنْ يُحْدِثَ مِنْهَا وُضُوءًا، قُلْنَا: وَمَا فَعَلَ بِالْمُسْتَوْرِدِ؟ قَالَ: قَتَلَهُ، فَطَلَبَتِ النَّصَارَى جِيفَتَهُ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَأَبَى عَلِيٌّ وَأَحْرَقَهَا.
شرح القول:
يُعلم من هذه الأقوال الطيّبة أنّ النجاسات عنده عشرة:
١، ٢ و٣: البول والغائط والمنيّ؛ لأنّه يوجب التطهّر بالوضوء والغُسل.
٤، ٥ و٦: الميتة، والدّم، ولحم الخنزير دون شعره وجلده؛ لأنّه يحرم أكله، ولا يحرم أكله إلّا إذا كان خبيثًا، ويدلّ أيضًا على لحم الخنزير قول اللّه تعالى: ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾[٧].
٧، ٨ و٩: الخمر والأنصاب وآلات القمار والتكهّن، ويدلّ عليه قول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[٨].
١٠: الكافر الذي ليس من أهل الكتاب، ويدلّ عليه قول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾[٩]، وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[١٠].