الجمعة ١٧ جمادى الأولى ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ١ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠٢٣ م
المنصور الهاشمي الخراساني
 جديد الدروس: دروس من جنابه في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن أهل البيت في ذلك؛ الحديث ٤٦. اضغط هنا لقراءته. جديد الأسئلة والأجوبة: ما رأي السيّد المنصور في حركة حماس؟ هل فعل الصواب بمهاجمة الصهاينة في «عمليّة طوفان الأقصى»؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الأقوال: قول مهمّ ومنير جدًّا من جنابه في شرط ظهور المهديّ. اضغط هنا لقراءتها. جديد الشبهات والردود: ذكر الشيخ المنصور أنّ الناس محتاجون إلى العدل الكامل، وأنّ العدل الناقص اسم آخر للظلم، حيث أنّ القاعدة عند العلماء أنّ «بعض الشرّ أهون من بعض»، فلا بدّ من السعي لتحقيق ما هو أقلّ ضررًا، ولا يجوز الإنتظار للعدل الكامل الذي سيكون مع المهديّ عليه السلام الذي قيل فيه: «يملأ الأرض عدلًا». فماذا يصنع الناس منذ ألف سنة؟! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الكتب: تمّ نشر الكتاب القيّم «فصل الخطاب في الردّ على المدّعي الكذّاب» لمكتب السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى. اضغط هنا لتحميله. جديد الرسائل: مقتطف من رسالة جنابه في توبيخ الذين يرونه يدعو إلى الحقّ ولا يقومون بنصره. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر ملاحظة جديدة بعنوان «العصر المقلوب» بقلم «إلياس الحكيمي». اضغط هنا لقراءتها. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
قول
 

ذات يوم، دخل السيّد المنصور الهاشميّ الخراسانيّ قرية مع عدد من تلاميذه ليصلّي فيها ويستريح. فاجتمع حوله الناس لينظروا إليه ويسمعوا قوله. فلمّا رآهم قد اجتمعوا حوله وينظرون إليه قام إليهم، فلاطفهم ووعظهم وحذّرهم من العقائد الخاطئة والأعمال السيّئة ودعاهم إلى معرفة الحقّ ونصرته وألقى إليهم من الحكمة شيئًا كثيرًا، لكن لم يمض وقت طويل حتّى تفرّقوا من حوله وعادوا إلى منازلهم لممارسة شؤونهم اليوميّة. فبقي جنابه وحيدًا في أصحابه. فتولّى إلى شجرة كانت تحت جبل ليصلّي في ظلّها؛ لأنّه كان يحبّ الصلاة كثيرًا، وكان إذا يجد فراغًا يصلّي، وكان يقول: «رَاحَتِي فِي الصَّلَاةِ». فلمّا فرغ من صلاته قال له تلاميذه: «أيّها الأستاذ! قد سمعنا كلامك مع هؤلاء الناس. فواللّه كانت كلماتك مثل كلمات الأنبياء وكانت تمنح الطهارة والطراوة مثل المطر؛ لأنّك كنت تكلّم بقوّة روح القدس وتقول ما يجعل اللّه في فمك، لكنّه لم يصلحهم ولم يجعل أحدًا منهم يشايعك! ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ[١]

فقال جنابه:

أَعَجِبْتُمْ مِنْ ذَلِكُمْ؟! ﴿سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا[٢]، إِنْ فَتَحْتُمْ آذَانَكُمْ لِتَسْمَعُوا، وَاسْتَعْمَلْتُمْ ذَكَاءَكُمْ لِتَفْقَهُوا؛ لِأَنَّ فَمِي مُتَكَلِّمٌ بِالصِّدْقِ، وَيَدِي مُشِيرَةٌ بِالصَّوَابِ. الْعَاقِلُ يَكْسِبُ الْحِكْمَةَ، وَيَدَّخِرُهَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ الْمَاءَ لِيَوْمِ عَطَشِهِ، وَالطَّعَامَ لِيَوْمِ جُوعِهِ، لَكِنَّ الْجَاهِلَ يَنْفِرُ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَيُطْلِقُ نَفْسَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ أَهْوَاءَ جَسَدِهِ مُشْتَعِلَةٌ، وَقُوَى رُوحِهِ مُحْتَرِقَةٌ؛ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: «لِمَاذَا أَكْسِبُ الْحِكْمَةَ، وَلِمَاذَا أُتْعِبُ نَفْسِي؟! وَهِيَ تَمْنَعُنِي مِنَ اللَّذَّةِ، وَتَصْرِفُنِي عَنِ الْبِطَالَةِ، لِأَتْرُكَ مَا أُحِبُّهُ، وَأَفْعَلَ مَا أَكْرَهُهُ، مِثْلَ الْمُتَقَشِّفِينَ الَّذِينَ انْقَطَعُوا عَنِ اللَّذَّةِ، وَالرُّهْبَانِ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ الدُّنْيَا، فِي حِينٍ أَنَّ الدُّنْيَا حَبِيبَةٌ إِلَيَّ، وَحَيَاتَهَا جَمِيلَةٌ فِي عَيْنِي، وَلَا طَاقَةَ لِي عَلَى اجْتِنَابِهَا؛ لِأَنِّي مَا زِلْتُ شَابًّا، وَلَدَيَّ آمَالٌ كَثِيرَةٌ، وَالْمَوْتُ عَنِّي بَعِيدٌ!» فَهَكَذَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الْحِكْمَةِ، وَيُحْرَمُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، حَتَّى تَمُوتَ رُوحُهُ، وَجَسَدُهُ حَيٌّ. أَلَيْسَتِ الْحِكْمَةُ مُمْتِعَةً لَهُ، وَالْمَعْرِفَةُ تُوصِلُ نَفْسَهُ إِلَى الرَّاحَةِ؟! فِي حِينٍ أَنَّ آلَامَ الْبَشَرِ مِنَ الْجَهْلِ، وَمِنَ الْغَفْلَةِ يَنْبَعِثُ الْبَلَاءُ؛ قَدْ أَوْقَدَ نَارَ الْحَرْبِ، وَمَدَّ ظِلَّ الْفَقْرِ، عِنْدَمَا سَلَّمَ الثَّرْوَةَ إِلَى السُّفَهَاءِ، وَفَوَّضَ السُّلْطَةَ إِلَى الْجُهَلَاءِ، لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بِثَرْوَتِهِمْ، وَيَسْتَعْلُوا عَلَى النَّاسِ بِسُلْطَتِهِمْ، حَتَّى يَضْغُطُوا الْفُقَرَاءَ، وَيُؤْذُوا الضُّعَفَاءَ.

الْجُهَلَاءُ الْأَقْوِيَاءُ أَبْنَاءُ الشَّيَاطِينِ، وَالسُّفَهَاءُ الْأَثْرِيَاءُ آفَاتُ الْأَرْضِ، وَلَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْهُمْ رَاحَةً؛ الْمَيَّالُونَ إِلَى كُلِّ سُوءٍ، الْمُعْرِضُونَ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ؛ يَسْعَوْنَ لِإِشَاعَةِ الْجَهْلِ فِي الْعَالَمِ، وَيَهْتَمُّونَ بِإِزَالَةِ الْحُكَمَاءِ، حَتَّى لَا تَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ حِكْمَةٌ، وَلَا يُوجَدَ تَحْتَ السَّمَاءِ حَكِيمٌ، فِي حِينٍ أَنَّ الزَّوَالَ حَقِيقٌ بِهِمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُوجَدُوا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. إِنَّ الثَّرْوَةَ لَائِقَةٌ بِالْحُكَمَاءِ، وَالسُّلْطَةَ تُنَاسِبُ قَامَتَهُمْ، لِيُجَمِّلُوا الْعَالَمَ وَيُسْعِدُوا النَّاسَ مِنْ خِلَالِهِمَا. أَلَيْسَ جَمَالُ الْعَالَمِ مُسْتَحْسَنًا، وَسَعَادَةُ النَّاسِ يُرْغَبُ فِيهَا؟!

إِنَّ الْجَهْلَ قَبَّحَ وَجْهَ الْأَرْضِ، وَالْغَفْلَةَ أَشْقَتْ سُكَّانَهَا. الْحُمْقُ وَلَدَ الظُّلْمَ، وَالسَّفَهُ رَبَّى الْفَقْرَ. اللَّعْنَةُ تَنْزِلُ عَلَى الْجَهَلَةِ، وَالنُّحُوسَةُ تَعَمُّ فَاقِدِي الْبَصِيرَةِ، عِنْدَمَا لَا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلَا يَمِيزُونَ الْحَسَنَ مِنَ السَّيِّءِ، فَيُعَادُونَ صَدِيقَهُمْ، وَيُصَادِقُونَ عَدُوَّهُمْ. فَهَلْ بَنُو الْإِنْسَانِ مُسِخُوا، إِذْ يَعِيشُونَ مِثْلَ الْبَهَائِمِ، بِمَعْزَلٍ عَنِ الْعَقْلِ وَالْفَطَانَةِ، وَبِمَنْأَى عَنِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ؟! كَأَمْثَالِ الْكِلَابِ وَالْقِطَاطِ، وَكَأَمْثَالِ الذِّئَابِ وَالنِّعَاجِ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ، وَبَعْضُهُمْ يَأْكُلُونَ بَعْضًا، لِيَقْضَوْا شَهَوَاتِ أَجْسَادِهِمْ، وَيَقْمَعُوا رَغَبَاتِ أَرْوَاحِهِمْ، حَتَّى يَكُونُوا أَجْسَادًا سَمِينَةً وَأَرْوَاحًا رَقِيقَةً.

قَدْ شَمِلَ النَّاسَ الْكَسَلُ، وَظَلَّلَهُمُ التَّعَبُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ أَمْرَضَهُمْ، وَفُتُورَ الْهِمَّةِ أَبْرَدَهُمْ؛ لَا يُوجَدُ فِيهِمْ نَشَاطٌ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مِثَالٌ؛ كَقَطْعَةِ حَجَرٍ فِي الصَّحْرَاءِ، أَوْ كَقَطْعَةِ آجُرٍّ فِي الْبِنَاءِ؛ بِغَيْرِ شُعُورٍ وَاخْتِيَارٍ، وَبِغَيْرِ حَوْلٍ وَقُوَّةٍ؛ فِي حِصَارِ الْأَحْجَارِ الْأُخْرَى، وَتَحْتَ ضَغْطِ الْآجُرَّةِ الْأُخْرَى؛ تَابِعُونَ وَمُتَجَانِسُونَ؛ ارْتَكَمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَخَلَقُوا كُتَلَ الْفَسَادِ، لِيَجْعَلُوا الزَّمَانَ مُنَاسِبًا لِلشَّقَاءِ، وَالْمَكَانَ مُعِدًّا لِلْهَلَاكِ.

ثمّ نظر يمينًا وشمالًا، فقال:

الْآنَ الزَّمَانُ مُنَاسِبٌ لِلشَّقَاءِ، وَالْمَكَانُ مُعِدٌّ لِلْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ شَائِعٌ، وَالْحِكْمَةَ نَادِرَةٌ. السَّفَاهَةُ تُبَاعُ مِثْلَ الذَّهَبِ، وَالْحِكْمَةُ تُسَاوِي التُّرَابَ. كَلِمَةُ اللَّغْوِ تُرْوَى، لَكِنَّ كَلِمَةَ الْحِكْمَةِ تُنْسَى. سُوقُ الْأَبَاطِيلِ سَاخِنٌ، وَلَكِنْ لَا يُوجَدُ لِلْحِكْمَةِ مُشْتَرٍ. الْهَزْلُ أَحَبُّ مِنَ الْوَعْظِ، وَالْمُهَرِّجُونَ أَكْرَمُ مِنَ الْحُكَمَاءِ. قَدِ امْتَلَأَ الْآفَاقُ فُجُورًا، وَلَكِنْ لَا أَثَرَ مِنَ الْحِجَى فِي مَكَانٍ. الْبِطَالَةُ فِي كُلِّ الْيَوْمِ قَلِيلَةٌ، وَلَكِنْ سَاعَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الْوَعْظِ تُسْتَكْثَرُ! لَا يَرْغَبُ النَّاسُ فِي الْحِكْمَةِ، وَلَا يُنْفِقُونَ لَهَا وَقْتًا. الرُّؤُوسُ ثَقِيلَةٌ، وَالصُّدُورُ ضَيِّقَةٌ. الْأَيْدِي مَغْلُولَةٌ، وَالْأَرْجُلُ عَرْجَاءُ. فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ الْمَشْؤُومِ، أَتَتَوَقَّعُونَ شَيْئًا غَيْرَ الْإِعْرَاضِ عَنِّي؟! أَوْ تَنْتَظِرُونَ شَيْئًا غَيْرَ الْعَدَاوَةِ مَعِي؟! لَا وَاللَّهِ، بَلْ لَا يُوَالُونَنِي وَلَا يُشَايِعُونَنِي أَبَدًا، إِلَّا أَنْ أَتِّبَعَ أَهْوَاءَهُمْ، أَوْ أَسْقِيَ الْأَرْضَ دَمًا وَعَرَقًا!

شرح القول:

أراد جنابه بذيل قوله أنّه لو كان متّبعًا لأهواء الناس كبعض سادتهم وكبرائهم، أو كان يسقي الأرض دمًا وعرقًا كبعضهم الآخرين، لوالوه وشايعوه، لكنّه لا يتّبع أهواءهم ولا يُكرههم بسيفه، ولذلك لا يوالونه ولا يشايعونه، وإنّما يوالون ويشايعون سادتهم وكبرائهم الذين لهم ألسنة مصانعة أو سيوف مبيرة، وهذا أمر شائع جرت عليه عادة الناس منذ كانوا، ولا ينبغي التعجّب منه.

↑[١] . ص/ ٥
↑[٢] . الكهف/ ٨٣
المشاركة
شارك هذا مع أصدقائك، لتساعد في نشر المعرفة. إنّ من شكر العلم تعليمه للآخرين.
البريد الإلكتروني
تلجرام
فيسبوك
تويتر
يمكنك أيضًا قراءة هذا باللغات التالية:
إذا كنت معتادًا على لغة أخرى، يمكنك ترجمة هذا إليها. [استمارة الترجمة]