١ . أَخْبَرَنَا مُؤْمِنُ بْنُ مَحْمُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ جَمِيعًا، قَالَا: كُنَّا عِنْدَ الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ فِي دَارِهِ، فَذَكَرْنَا الْمَذَاهِبَ، فَقَالَ: لَا يَذْهَبَنَّ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ! إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ وَأَكْمَلَهُ لَكُمْ، وَجَعَلَ لَهُ حَدًّا بَيِّنًا كَحُدُودِ دَارِي هَذِهِ، فَمَا كَانَ فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ مِنَ الطَّرِيقِ، وَمَا كَانَ فِي الدَّارِ فَهُوَ مِنَ الدَّارِ!
شرح القول:
أراد حفظه اللّه تعالى بهذا القول أنّ حدود الإسلام معلومة بالنقل المتواتر عن اللّه ورسوله، لا تزيد ولا تنقص إلى يوم القيامة، فكلّ شيء كان فيه فهو منه وإن لم يكن في مذهبك، وكلّ شيء لم يكن فيه فليس منه وإن كان في مذهبك.
٢ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، أَيُّهُمَا حَقٌّ؟ فَقَالَ: أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ؟! قُلْتُ: لَا، جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَلَكِنْ أَرْهَقَنِي التَّنَازُعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرَى أَنَّ الْحَقَّ كُلَّهُ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ مِنْهُ نَصِيبٌ! قَالَ: ذَرْهُمَا؛ فَإِنَّهُمَا أَهْلُ التَّفْرِيطِ وَالْإِفْرَاطِ! قُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَكْتُبَ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ فَقَالَ: اكْتُبْ: أَمَّا السُّنَّةُ فَهَجَرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَعَرَفُوا شَيْئًا مِنَ الْحَقِّ فَزَادُوا فِيهِ وَنَقَصُوا حَتَّى صَارُوا مِنْهُ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ، وَأَمَّا نَحْنُ فَالنُّمْرُقَةُ الْوُسْطَى، يَلْحَقُ بِنَا التَّالِي وَيَرْجِعُ إِلَيْنَا الْغَالِي!
٣ . أَخْبَرَنَا جُبَيْرُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُجَنْدِيُّ، قَالَ: دَخَلَ عَلَى الْمَنْصُورِ رَجُلٌ وَقَالَ لَهُ: أَشِيعِيٌّ أَنْتَ أَمْ سُنِّيٌّ؟! فَقَالَ: إِنِّي حَنِيفٌ مُسْلِمٌ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ عَنِّي بِهَذَا الْقَوْلِ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ! ثُمَّ قَرَأَ: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[١].
٤ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي رَجُلٌ: إِنَّ صَاحِبَكَ هَذَا يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَيَعْمَلُ صَالِحًا، إِلَّا أَنَّ فِيهِ عَيْبًا! قُلْتُ: وَمَا ذَلِكَ الْعَيْبُ؟! قَالَ: قَوْلُهُ مَا أَنَا شِيعِيًّا وَلَا سُنِّيًّا، وَلَكِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ! فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ الْمَنْصُورَ فَقَالَ: قُلْ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾؟![٢] فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ الرَّجُلَ، فَقَالَ: كَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ! فَانْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾![٣]
٥ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الشِّيعَةِ عَلَى الْمَنْصُورِ فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: بَلَغَنَا كِتَابُكَ فَنَظَرْنَا فِيهِ، فَظَنَنَّا أَنَّكَ مِنَ الشِّيعَةِ، ثُمَّ نَظَرْنَا فِيهِ فَظَنَنَّا أَنَّكَ مِنَ السُّنَّةِ! فَمَا أَنْتَ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟! أَمِنَ الشِّيعَةِ أَمْ مِنَ السُّنَّةِ؟! قَالَ: وَيْحَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ! دَعْنِي حَتَّى أُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ! قَالَ الرَّجُلُ: لَا وَاللَّهِ، إِنَّا لَا نَتَّبِعُكَ حَتَّى تَكُونَ مِنَ الشِّيعَةِ! فَاسْتَوَى الْمَنْصُورُ جَالِسًا وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: أَتَزْعُمُ -أَيُّهَا الْجَاهِلُ- أَنِّي أَسْأَلُكُمْ إِلْحَافًا أَنْ تَتَّبِعُونِي؟! لَا وَاللَّهِ، مَنِ اتَّبَعَنِي فَإِنَّمَا يَتَّبِعُنِي لِنَفْسِهِ، وَمَنْ عَصَانِي فَعَلَيْهَا، ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾[٤]! ثُمَّ قَالَ: أَلَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَتَّبِعُونَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْهُ، أَكَانَ مِنَ الشِّيعَةِ أَمْ مِنَ السُّنَّةِ؟! فَنَكَسَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ سَاعَةً يَتَفَكَّرُ، فَيَقُولُ لِنَفْسِهِ بِصَوْتٍ خَافِتٍ: كَيْفَ كَانَ مِنَ الشِّيعَةِ وَكَانَ لَهُ شِيعَةٌ؟! وَكَيْفَ كَانَ مِنَ السُّنَّةِ؟! ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الشِّيعَةِ وَلَا مِنَ السُّنَّةِ، وَلَكِنْ كَانَ عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ! قَالَ: صَدَقْتَ، فَأَنَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ!
٦ . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُودَ الْفَيْضآبَادِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عِنْدَ الْمَنْصُورِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾[٥]، قَالَ: أَتَعْلَمُ مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَوَلِيُّهُ أَعْلَمُ! قَالَ: هُمُ السُّنَّةُ وَالشِّيعَةُ! قَالَتِ السُّنَّةُ لَيْسَتِ الشِّيعَةُ عَلَى شَيْءٍ، وَقَالَتِ الشِّيعَةُ لَيْسَتِ السُّنَّةُ عَلَى شَيْءٍ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ! قُلْتُ: إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَنْتَهِيَ اخْتِلَافُهُمْ هَذَا بَعْدَ أَنْ جَاءَهُمُ الْمَهْدِيُّ، قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ ﴿يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾[٦]!
٧ . أَخْبَرَنَا وَلِيدُ بْنُ مَحْمُودٍ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ الشِّيعَةُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ، فَإِنَّ كُلَّهُمْ كُفَّارٌ! فَغَضِبَ عَلَيْهِ الْمَنْصُورُ وَقَالَ: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾![٧] أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَفَّرَ مُسْلِمًا بَاءَ بِهَا؟! فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا مُسْلِمِينَ جُعِلْتُ فِدَاكَ! فَقَامَ عَنْهُ الْمَنْصُورُ غَضَبًا وَقَالَ: لَوِ امْتَلَأَ جَوْفُ الرَّجُلِ قَيْحًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ تَعَصُّبًا، اللَّهُمَّ أَخْزِ الْمُتَعَصِّبِينَ! ثُمَّ ذَهَبَ، فَأَدْرَكَهُ الرَّجُلُ مِنْ خَلْفِهِ وَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ يَسُبُّونَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ! فَقَالَ الْمَنْصُورُ: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا، أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَسُبُّونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟! قَالَ الرَّجُلُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَقْذِفُونَنَا وَيَقُولُونَ لَنَا أَوْلَادَ الزِّنَا! فَقَالَ الْمَنْصُورُ: هَلْ هُمْ إِلَّا جَاهِلُونَ يُخَاطِبُونَكُمْ؟! فَقُولُوا لَهُمْ سَلَامًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ! قَالَ الرَّجُلُ: أَلَمْ يَأْمُرْهُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ كَمَا أَمَرَنَا؟! قَالَ الْمَنْصُورُ: بَلَى، أَمَرَهُمْ بِالْكَفِّ عَنْكُمْ فَعَصَوْهُ، فَهَلْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْصَوْهُ كَمَا عَصَوْهُ فَتَكُونُوا سَوَاءً؟! ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾[٨]، قَالَ الرَّجُلُ: وَمَا أَمْرُهُ؟ قَالَ: خَلِيفَتُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا جَاءَ بَيَّنَ لَكُمْ وَلَهُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ.
٨ . أَخْبَرَنَا ذَاكِرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: سَمِعَ الْمَنْصُورُ رَجُلًا يُكَفِّرُ رَجُلًا مِنَ الشِّيعَةَ، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ، هَلْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ كَمَا أَنْتَ تُفَضِّلُ أَبَا بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ؟! فَوَاللَّهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا فَضَّلَ الشَّافِعِيَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَافِرًا، فَكَيْفَ بِمَنْ فَضَّلَ عَلَيْهِ عَلِيًّا؟! إِنَّمَا الْكَافِرُ مَنْ يُفَضِّلُ الْكَافِرَ عَلَى الْمُؤْمِنِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾[٩]، فَقَالَ الرَّجُلُ: صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَلَكِنَّهُ يَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ! قَالَ: هَذَا إِثْمٌ، وَلَا يُكَفِّرُ الرَّجُلَ بِالْإِثْمِ إِلَّا حَرُورِيٌّ! ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا سَبَّ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ لِأَبِي بَكْرٍ: أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا أَبَا بَرْزَةَ! إِنَّهَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ![١٠]
شرح القول:
قول جنابه في نفي البأس عن تفضيل عليّ على أبي بكر، قول عادل معقول بعيد عن التقليد والتحيّز المذهبيّ، وقد كان معروفًا بين السلف الصالح من أهل السنّة والجماعة؛ كما روي عن عبد الرزاق الصنعاني (ت٢١١هـ) أنّه قال: «قَالَ مَعْمَرٌ [ت١٥٣ه] مَرَّةً وَأَنَا مُسْتَقْبِلُهُ، وَتَبَسَّمَ وَلَيْسَ مَعَنَا أَحَدٌ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، كَأَنَّ الْكُوفَةَ إِنَّمَا بُنِيَتْ عَلَى حُبِّ عَلِيٍّ! مَا كَلَّمْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا وَجَدْتُ الْمُقْتَصِدَ مِنْهُمُ الَّذِي يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى أَبَى بَكْرٍ وَعُمَرَ، مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ! قَالَ: فَقُلْتُ لِمَعْمَرٍ: وَرَأَيْتَهُ؟ -كَأَنِّي أَعْظَمْتُ ذَاكَ- فَقَالَ مَعْمَرٌ: وَمَا ذَاكَ؟! لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: عَلِيٌّ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْهُمَا مَا عَنَّفْتُهُ إِذَا ذَكَرَ فَضْلَهُمَا إِذَا قَالَ عِنْدِي، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: عُمَرُ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ مَا عَنَّفْتُهُ»[١١]. هذا هو الموقف الجميل الذي يحتاجه المسلمون ليتيسّر لهم الإتّحاد الذي فيه خيرهم وصلاحهم، وقد كان محمّد بن سيرين (ت١١٠هـ) يقول: «يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَلِيفَةٌ لَا يَفْضُلُ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ»[١٢]، وما كان أحد يكفّره لهذا القول ولا يقول أنّه من الشيعة!
٩ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْقَيُّومِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ الْمَنْصُورِ فِي مَسْجِدٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَنَا مِنَ الشِّيعَةِ! قَالَ: وَمَا تُرِيدُ بِالشِّيعَةِ؟ قَالَ: شِيعَةَ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ! قَالَ: كُنْ مُسْلِمًا تَكُنْ مِنْ شِيعَةِ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ! فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَنَا مِنَ السُّنَّةِ! قَالَ: وَمَا تُرِيدُ بِالسُّنَّةِ؟ قَالَ: أَهْلَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ! قَالَ: كُنْ مُسْلِمًا تَكُنْ مِنْ أَهْلِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ! ثُمَّ قَالَ: أَخَذْتُمُ الْأَسَامِي وَتَرَكْتُمُ الْمَعَانِي! كُونُوا مُسْلِمِينَ -أَيُّهَا الْأَحْجَارُ- كَمَا كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا تَكُونُوا ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾[١٣]!
شرح القول:
أراد حفظه اللّه تعالى بقوله: «كُنْ مُسْلِمًا تَكُنْ مِنْ شِيعَةِ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ» أنّ من كان مسلمًا حقًّا فهو من شيعة آل محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ لأنّه ليس هناك مسلم يبغض آل محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ويكره اتّباعهم، إلا أن يكون منافقًا؛ كما ثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال لعليّ: «لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ»[١٤]، وأراد حفظه اللّه تعالى بقوله: «كُنْ مُسْلِمًا تَكُنْ مِنْ أَهْلِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ» أنّ من كان مسلمًا حقًّا فهو من أهل سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ لأنّه ليس هناك مسلم يأبى اتّباع سنّته، إلا أن يكون منافقًا، وعليه فما من مسلم إلا وهو من الشيعة والسنّة، وإن اختلفت الدّرجات.
١٠ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: أَدْخَلْتُ عَلَى الْمَنْصُورِ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا فُلَانٌ مِنْ أَصْحَابِكَ وَهُوَ مِنَ الشِّيعَةِ، وَهَذَا فُلَانٌ مِنْ أَصْحَابِكَ وَهُوَ مِنَ السُّنَّةِ، قَالَ: دَعْنَا -يَا أَحْمَدُ- مِنْ شِيعَتِكُمْ وَسُنَّتِكُمْ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ رَضِيَ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا، فَتَدَيَّنُوا بِهِ، ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾[١٥]، فَلَا تَسَمُّوا إِلَّا بِالْمُسْلِمِينَ، ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾[١٦]! ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَتَى اللَّهَ وَلَمْ يُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ!