كتب المنصور الهاشمي الخراساني إلى بعض أنصاره من أهل خراسان:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا مَثَلِي بَيْنَ أَهْلِ خُرَاسَانَ كَمَثَلِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ؛ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَفْعَلُونَ مَعِي؛ فَوَاللَّهِ سَيَقُومُ الْمَهْدِيُّ لِأَمْرٍ قَامَ لَهُ الْحُسَيْنُ، وَمَنْ نَصَرَ الْمَهْدِيَّ كَمَنْ نَصَرَ الْحُسَيْنَ، وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مَعَهُ، وَالسَّلَامُ».
شرح الرسالة:
قال أبو الفرج الأصفهاني (ت٣٥٦هـ) في مقاتل الطالبيّين: «قال المدائنيّ، عن هارون بن عيسى، عن يونس بن أبي إسحاق، قال: لمّا بلغ أهل الكوفة نزول الحسين عليه السّلام مكّة وأنّه لم يبايع ليزيد، وفد إليه وفد منهم عليهم أبو عبد اللّه الجدليّ، وكتب إليه شبث بن ربعيّ وسليمان بن صرد والمسيّب بن نجية ووجوه أهل الكوفة يدعونه إلى بيعته وخلع يزيد، فقال لهم الحسين: <أَبْعَثُ مَعَكُمْ أَخِي وَابْنَ عَمِّي، فَإِذَا أَخَذَ لِي بَيْعَتِي وَأَتَانِي عَنْهُمْ بِمِثْلِ مَا كَتَبُوا بِهِ إِلَيَّ قَدِمْتُ عَلَيْهِمْ>، ودعا مسلم بن عقيل فقال له: <اشْخَصْ إِلَى الْكُوفَةِ، فَإِنْ رَأَيْتَ مِنْهُمُ اجْتِمَاعًا عَلَى مَا كَتَبُوا، وَرَأَيْتَهُ أَمْرًا تَرَى الْخُرُوجَ مَعَهُ، فَاكْتُبْ إِلَيَّ بِرَأْيِكَ>، فقدم مسلم الكوفة، وأتته الشيعة، فأخذ بيعتهم للحسين»[١]، ثمّ ذكر قصّتهم إلى أن خذلوه وسلّموه إلى عبيد اللّه بن زياد، بحيث أنّه -رحمه اللّه- لمّا استيقن بالموت لم يجد من أوصى إليه، فأوصى إلى رجل من أعدائه كان له قرابة فقال له: «ابعث إلى الحسين من يردّه»[٢]. فإنّما أراد المنصور حفظه اللّه تعالى بهذا التشبيه أنّه كما جاء مسلم بن عقيل إلى العراق ليمهّد الطريق لحكومة الحسين، فقد جاء هو إلى خراسان ليمهّد الطريق لحكومة المهديّ، وكما أخذ مسلم بن عقيل من أهل العراق بيعة للحسين، فهو يأخذ من أهل خراسان بيعة للمهديّ، وكما أنّ خذلان أهل العراق لمسلم بن عقيل منع الحسين من الوصول إلى الحكومة، فإنّ خذلان أهل خراسان له سيمنع المهديّ من الوصول إلى الحكومة، ولذلك يجب الإعتبار بالتاريخ والمنع من تكراره، وهذا يرجع إلى قول اللّه تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾[٣] وقوله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ﴾[٤].