أراد المنصور الهاشميّ الخراسانيّ أن يكتب للناس كتابًا، فيدعوهم فيه إلى اللّه وخليفته المهديّ، وكان ذلك في بداية أمره، فقيل له: «إنّهم لا يقرؤون كتاب من لا يعرفون، وقد كثرت عليهم الكتب!» فكتب بعد الثّناء على اللّه والصّلاة على نبيّه:
أَمَّا بَعْدُ؛ يَا مَعْشَرَ الْعُقَلَاءِ! يَا إِخْوَتِي وَأَخَوَاتِيَ الْمُسْلِمُونَ! إِنَّ لِي مَعَكُمْ كَلِمَةً. فَهَلْ أَنْتُمْ تَسْتَمِعُونَ لَهَا وَتَعُونَ بِقُلُوبِكُمْ، أَمْ تَسُدُّونَ آذَانَكُمْ وَتَذْهَبُونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ؟! وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ عَدُوَّ الْإِنْسَانِ كَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا، لَقَرَأَهُ بِعِنَايَةٍ لِيَعْلَمَ مَاذَا كَتَبَ إِلَيْهِ عَدُوُّهُ، وَأَنَا لَكُمْ وَلِيٌّ مُشْفِقٌ وَأَخٌ نَاصِحٌ، وَأَنَا أَوْلَى بِأَنْ تَعْلَمُوا مَاذَا كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ. إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَنِي فَإِنِّي أَعْرِفُكُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ لَا تُحِبُّونَنِي فَإِنِّي أُحِبُّكُمْ. فَاسْتَمِعُوا لِقَوْلِي، وَلَا تَسْأَلُوا مَنْ أَنَا؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ يُعْرَفُ بِقَوْلِهِ، وَالْحَكِيمُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْلِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَى قَائِلِهِ. كَمْ مِنْ صِدْقٍ يَقُولُهُ صَغِيرٌ، وَكَمْ مِنْ كَذِبٍ يَقُولُهُ الْكِبَارُ! الصِّدْقُ صِدْقٌ وَإِنْ قَالَهُ صَغِيرٌ، وَالْكَذِبُ كَذِبٌ وَإِنْ قَالَهُ الْكِبَارُ. فَإِنْ تَعْرِفُوا قَوْلًا لَا يَضُرُّكُمُ الْجَهْلُ بِقَائِلِهِ، وَإِنْ تَجْهَلُوا قَوْلًا لَا تَنْفَعُكُمْ مَعْرِفَةُ قَائِلِهِ. فَاسْتَمِعُوا لِقَوْلِي حَتَّى تَعْرِفُونِي؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ، وَلَا يُعْرَفُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ. إِنَّكُمْ لَمْ تُؤْتَوُا الْأُذُنَ إِلَّا لِتَسْمَعُوا، وَلَمْ تُؤْتَوُا الْعَيْنَ إِلَّا لِتُبْصِرُوا، وَلَمْ تُؤْتَوُا الْعَقْلَ إِلَّا لِمَعْرِفَةِ مَا تَسْمَعُونَ وَتُبْصِرُونَ أَيُّ ذَلِكَ صِدْقٌ وَأَيُّهُ كَذِبٌ. فَاسْمَعُوا قَوْلِي بِآذَانِكُمْ، ثُمَّ تَدَبَّرُوهُ بِعُقُولِكُمْ، لِتَقْبَلُوهُ إِنْ كَانَ صِدْقًا، وَتَرْفُضُوهُ إِنْ كَانَ كَذِبًا. أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ أَنْ لَا تَسْمَعُوا لِكَيْ لَا تَعْرِفُوا، وَلَا تَعْرِفُوا لِكَيْ تَخْسَرُوا، وَهَلِ الْخُسْرَانُ إِلَّا عَقِيبُ الْجَهْلِ؟!
إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِي قَدْ أَكْثَرُوا عَلَيْكُمُ الْقَوْلَ، فَأَضْجَرُوكُمْ؛ لِأَنَّ جُلَّ كَلَامِهِمْ كَانَ كَذِبًا، وَتَكَلَّمُوا بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ، وَكَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ لَا يُرِيدُونَكُمْ إِلَّا لِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا يُكَلِّمُونَكُمْ إِلَّا لِإِضْلَالٍ؛ يَدْعُونَكُمْ إِلَى حَقٍّ لَا عَهْدَ لَهُمْ بِهِ، وَيُرِيدُونَ لَكُمْ خَيْرًا لَا نَصِيبَ لَهُمْ مِنْهُ. أُولَئِكَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الدِّينَ مَسْنَدًا لِلسُّلْطَةِ وَالْآخِرَةَ مَطِيَّةً لِلدُّنْيَا، وَإِلَّا فَلَا الدِّينَ عَرَفُوا حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَلَا الْآخِرَةَ أَرَادُوا حَقَّ إِرَادَتِهَا، وَلَكِنِّي أُكَلِّمُكُمْ وَمَا عِنْدِي أَمَلُ سُلْطَةٍ وَلَا طَمَعُ دُنْيَا. إِنْ أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْكُمْ، أُسْتَضْعَفُ فِي الْأَرْضِ كَمَا تُسْتَضْعَفُونَ، وَلَا أُرِيدُ عُلُّوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا. إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، لِيُسْمِعَ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيُصِمَّ مَنْ يَشَاءُ، وَمَا يُدْرِيكُمْ؟! لَعَلَّهُ يُغَيِّرُ أَشْيَاءَ، وَيُظْهِرُ أَشْيَاءَ؛ فَإِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
ثمّ كتب ما أراد.