لَا يَقْتَطِعُونَ مِنْ شَجَرَةِ الدِّينِ وَرَقَةً، وَلَكِنْ يَقْتَلِعُونَ أَصْلَهَا! يُخْرِجُونَ الْقَشَّةَ مِنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، وَيَتْرُكُونَ الْجِذْعَ فِي أَعْيُنِ أَنْفُسِهِمْ! يَنُشُّونَ الذُّبَابَ مِنْ ظُهُورِ النَّاسِ، وَيَحْمِلُونَ الْجَمَلَ عَلَى ظُهُورِ أَنْفُسِهِمْ! يُزَيِّنُونَ مَظَاهِرَهُمْ، وَيُدَنِّسُونَ بَوَاطِنَهُمْ! أَمَامَ النَّاسِ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَخَلْفَ الْجُدُرِ أَمَرُّ مِنَ الْحَنْظَلِ! يُحِبُّونَ الْحَقِيقَةَ، وَلَكِنْ لَا بِقَدْرِ السُّلْطَةِ، وَيُحِبُّونَ الْمَعْرِفَةَ، وَلَكِنْ لَا بِقَدْرِ الشُّهْرَةِ! يُرِيدُونَ الْآخِرَةَ لِغَيْرِهِمْ، وَالدُّنْيَا لِأَنْفُسِهِمْ! يَحْسَبُونَ أَنْفُسَهُمْ أَكْبَرَ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ، وَيَعْتَبِرُونَ غَيْرَهُمْ أَصْغَرَ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ! يُرِيدُونَ اللَّهَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا يُرِيدُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ! الْحِكْمَةُ عِنْدَهُمْ كَالْجَهَالَةِ، وَالنُّورُ عِنْدَهُمْ كَالظُّلْمَةِ! لَقَدْ غَرَّهُمْ تَمُلُّقُ الْجَهَلَةِ، وَأَعْجَبَتْهُمُ الْأَلْقَابُ الرَّائِعَةُ! يُقَدِّمُونَ الْمَصْلَحَةَ عَلَى الشَّرِيعَةِ، وَيُؤْثِرُونَ الْمَنْفَعَةَ عَلَى الْحَقِيقَةِ! لَا يَحْسَبُونَ الْحَقَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُنْكِرُونَهُ، وَلَا يَرَوْنَ أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغُوهُ مَبْلَغًا لِغَيْرِهِمْ! فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ أَنَّهُمْ قَدْ حَذَوْا حَذْوَ عُلَمَاءِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّفُونَ أَلْفَاظَ الشَّرِيعَةِ، وَهَؤُلَاءِ يُحَرِّفُونَ مَعَانِيهَا! فَكُونُوا مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى حَذَرٍ كَيْ لَا يُضِلُّوكُمْ كَمَا أَضَلَّ الْأُمَمَ السَّابِقَةَ عُلَمَاؤُهُمْ!
شرح الرسالة:من الواضح أنّ مقصود جنابه من هؤلاء العلماء، هم الخونة الذين ارتدوا لباس أهل العلم وحملوا ألقابهم، ولكنّهم يعادون دعوته إلى الدّين الخالص ويمنعون الناس من إجابتها، أو يتجاهلونها ويسكتون عنها ليكتموا الحقّ، وليس مقصوده العلماء الصالحين الذين يجيبون دعوته بلا تكبّر ولا تعصّب، ثمّ ينصرونها بألسنتهم وأيديهم؛ لأنّهم عباد اللّه المخلصون، وأولياؤه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.