أَلَا يَحْتَاجُ مَنْ لَا يَعْرِفُ الذَّهَبَ الْأَصْلِيَّ مِنَ الْمُزَيَّفِ إِلَى مِحَكٍّ مُسْتَقِيمٍ لِيُمَيِّزَ بِهِ؟! أَوْ لَا يَحْتَاجُ مَنْ لَا يَفْرُقُ بَيْنَ الطَّرِيقِ وَالْمَضَلَّةِ إِلَى دَلِيلٍ عَارِفٍ بِالطَّرِيقِ لِيَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ؟! أَوْ لَا يَحْتَاجُ مَنْ حُبِسَ فِي مَكَانٍ مُظْلِمٍ إِلَى شَمْعَةٍ مُضِيئَةٍ لِتُضِيءَ مَا حَوْلَهُ؟! أَوْ لَا يَحْتَاجُ مَنْ فَقَدَ بَصَرَهُ إِلَى قَائِدٍ بَصِيرٍ لِيَأْخُذَ بِيَدِهِ؟! أَوْ لَا يَحْتَاجُ مَنْ يَغْرَقُ إِلَى مُسْتَمْسَكٍ وَثِيقٍ لِيَتَمَسَّكَ بِهِ؟! أَوْ هَلْ يُوجَدُ عَاقِلٌ يَقْتَحِمُ الْبَحْرَ بِدُونِ زَوْرَقٍ؟! أَوْ هَلْ يُوجَدُ أَعْمَى يَرْحَلُ الْبِلَادَ بِدُونِ مُرَافِقٍ؟! كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ يَحْتَاجُ إِلَى مِعْيَارٍ لِيُمَيِّزَ بِهِ، وَمَنْ لَا يَفْرُقُ بَيْنَ الْهِدَايَةِ وَالضَّلَالَةِ يَحْتَاجُ إِلَى هَادٍ لِيُوقِفَهُ عَلَى الْهِدَايَةِ، وَمَنْ حُبِسَ فِي ظُلْمَةِ الشُّبُهَاتِ يَحْتَاجُ إِلَى شَمْعَةٍ لِتُضِيءَ لَهُ، وَمَنْ عَمِيَ عَنِ الصَّوَابِ وَالْخَطَأِ يَحْتَاجُ إِلَى قَائِدٍ لِيَأْخُذَ بِيَدِهِ، وَمَنْ يَغْرَقُ فِي بَحْرِ الْجَهْلِ يَحْتَاجُ إِلَى مُسْتَمْسَكٍ لِيَتَمَسَّكَ بِهِ. لَا يُمْكِنُ الْمَعْرِفَةُ بِدُونِ مِعْيَارٍ، وَلَا الْهِدَايَةُ بِدُونِ هَادٍ، وَلَا الرُّؤْيَةُ بِدُونِ ضِيَاءٍ، وَلَا رِحْلَةُ الْأَعْمَى بِدُونِ مُرَافِقٍ، وَلَا نَجَاةُ الْغَرِيقِ بِدُونِ مُسْتَمْسَكٍ، وَلَا عُبُورُ الْبَحْرِ بِدُونِ زَوْرَقٍ.
شرح الرسالة:
لقد بيّن حفظه اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام» وسائر أقواله وكتاباته المنيرة أنّ هذا المعيار والدليل والضياء والمرافق والمستمسك والزورق الذي يحتاجه الإنسان لإنقاذ نفسه، هو «العقل السليم» الذي قد تخلّص عن الجهل والتقليد والأهواء والدنيويّة والتعصّب والتكبّر والخرافات، وهذا العقل يأمر باتّباع كتاب اللّه وخليفته الذي أذهب عنه الرّجس وطهّره تطهيرًا، وينهى عن اتّباع غيرهما، وبدونه لا يُفرق بين الحقّ والباطل، ولا النور والظلمة، ولا الهداية والضلالة، ولا الصواب والخطأ.