«كَانَ عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَدْ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَاكْتَرَيْتُ حِمَارًا، فَصِرْتُ إِلَى الْقَادِسِيَّةِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: نَعَمْ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَى الْفِتْيَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي هَؤُلَاءِ اخْتَارَ اللَّهُ لَهُمُ الْآخِرَةَ، وَلَمْ يَخْتَرْ لَهُمُ الدُّنْيَا، وَسَيَلْقَوْنَ بَعْدِي تَطْرِيدًا وَتَشْرِيدًا»، وذكر الحديث.
أقول: هذه الأخبار كلّها تدلّ على أنّ الحديث كان مشهورًا مستفيضًا في القرون الأولى، وكان متّفقًا على صحّته بين المسلمين؛ كما رووه على اختلاف أنسابهم ومذاهبهم، من الأمويّ والعبّاسيّ والعلويّ، ومن السنّيّ والشيعيّ، ولذلك لا ينبغي الشكّ في أنّه كان من قول النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
[تصديق الحديث في القرآن والكتب السالفة]
لا سيّما بالنظر إلى أنّه موافق لما أُنزل إلينا وما أُنزل من قبل، ككلمة سواء بيننا وبين أهل الكتاب:
[١] فقد قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، وهذا يدلّ على أنّه سوف يأتي في آخر الزمان بقوم على هذه الأوصاف، ليعيدوا الناس إلى دينه بعد أن ارتدّوا عنه، والأشبه أنّهم أصحاب الرايات السّود من أهل فارس؛ فقد روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لمّا سُئل عن هذه الآية ضرب بيده على عاتق سلمان وقال: «هَذَا وَذَوُوهُ»،