المنصور الهاشمي الخراساني لم يترك في كتابه أيّ فرقة ومذهب ودولة بغير نصيب من انتقاداته وضرب الجميع من جانب واحد! لا الشيعة، ولا السنّة، ولا السلفيّ، ولا الصوفيّ، ولا أهل الحديث، ولا أهل الفلسفة، ولا الشاعر، ولا العالم، ولا ولاية الفقيه، ولا الديمقراطية، ولا الغرب، ولا داعش، لا أحد منهم مقبول عنده وموافق للإسلام الذي يسمّيه الخالص والكامل! بناء على هذا، فإنّه لم يُبق لنفسه أحدًا وأزعج الجميع! من الواضح أنّ مسلمي العالم إمّا في هذا الجانب أو في ذلك الجانب، وهو قد حطم الجانبين! لذلك، لم يعد هناك من يسانده! أصبح الجميع عدوّه! لو كان لديه أدنى سياسة لكان قد أبقى واحدًا لنفسه على الأقلّ في بداية حركته ولن ينهر الجميع! على أيّ حال، لا أحد يعتبره الآن صديقه وقد اتّخذ الجميع موقفًا ضدّه، ومن إيران إلى المملكة السعودية ومن داعش إلى الولايات المتحدة، الجميع على جبهة واحدة وهو وحده على جبهة أخرى! لذلك، من الواضح أنّ عمله لن ينجح وخيبته أمر حتميّ! في رأيي، ليس لديه سياسة على الإطلاق!
أيّها الأخ الكريم!
ما تسمّيه السياسة وتعتقد أنّ المنصور الهاشمي الخراساني يعدمه، هو الكذب والمكر والنفاق الذي لا مكان له في الإسلام وبالتالي، لا يوجد في سيرة المنصور الهاشمي الخراساني؛ كما كان بعض المتوافقين معك فكريًّا في زمن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يتّهمونه بعدم السياسة بنفس حجّتك هذه، ويعتبرونه ساذجًا لا تدبير له بسبب عدم مداهنته للظالمين، في حين أنّه كان متمتّعًا بالسياسة والتدبير، وإنّما كان يحجزه عن الكذب والمكر والنفاق ومداهنة الظالمين ما آتاه اللّه من التقوى؛ كما أشار إلى هذه الحقيقة فقال: «هَيْهَاتَ لَوْ لَا التُّقَى لَكُنْتُ أَدْهَى الْعَرَبِ»[١]، وقال: «وَاللَّهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي وَلَكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ، وَلَكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ وَكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ، وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[٢]، وفي رواية أخرى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ كُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ، أَلَا إِنَّ لِكُلِّ غُدَرَةٍ فُجَرَةً، وَلِكُلِّ فُجَرَةٍ كُفَرَةً، أَلَا وَإِنَّ الْغَدْرَ وَالْفُجُورَ وَالْخِيَانَةَ فِي النَّارِ»[٣]، وقال: «لَوْلَا أَنَّ الْمَكْرَ وَالْخَدِيعَةَ فِي النَّارِ لَكُنْتُ أَمْكَرَ الْعَرَبِ»[٤]، وفي رواية أخرى: «لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَكْرَ وَالْخَدِيعَةَ وَالْخِيَانَةَ فِي النَّارِ لَكُنْتُ أَمْكَرَ الْعَرَبِ»[٥]، وقال: «إِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ، وَلَكِنِّي لَا أَرَى إِصْلَاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي»[٦]، وقال: «تَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ الْعَدْلَ بِالْجَوْرِ؟!»[٧]، وقال شاكيًا من أصحاب هذه الفكرة المعوجّة: «لَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْسًا، وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ، مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ! قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ، وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لَا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ»[٨]، وقال ابن أبي الحديد في شرحه: «إنّما قال أعداؤه لا رأي له، لأنّه كان متقيّدًا بالشريعة لا يرى خلافها، ولا يعمل بما يقتضي الدّين تحريمه، وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه، سواء أكان مطابقًا للشرع أم لم يكن، ولا ريب أنّ من يعمل بما يؤدّي إليه اجتهاده، ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع لأجلها ممّا يرى الصّلاح فيه، تكون أحواله الدّنيويّة إلى الإنتظام أقرب، ومن كان بخلاف ذلك تكون أحواله الدّنيويّة إلى الإنتثار أقرب»[٩]، وقال مولى محمّد صالح المازندرانيّ في شرحه: «كان هذا الكلام صدر منه عليه السلام كالجواب لما كان يسمعه من أقوال الجاهلين بحاله ونسبتهم له إلى قلّة التدبر وسوء الرأي في أمور الدّنيا ونسبة غيره إلى جودة الرأي وحسن التدبر فيها لما بينهم من المشاركة في هذا العمل، فمن كان فيه أتقن وأكمل كان عندهم أحسن وأفضل، وغفلوا أنّه عليه السلام كان في جميع حركاته على القوانين الشرعيّة ورفض ما كان عادتهم من استعمال الدّهاء في الأمور الدّنيويّة، فأفاد عليه السلام أنّ تمسّكه بزمام الورع والتقوى منعه من الدّهاء واستعمال كلّ فعل وقول وبطش مخالف للكتاب والسّنّة، وإلّا فهو أعرف بالدّهاء وطرقه وكيفيّة استعماله من غيره، ولم يكن ذلك مختصًّا به عليه السلام، بل جاهل كلّ قوم يظنّ بعالمهم ذلك، لأنّ العالم ملجم بلجام التقوى، فطوره في معاملة الدّنيا غير طورهم»[١٠].
هذه هي حال المنصور الهاشمي الخراساني؛ لأنّه في خطّ عليّ بن أبي طالب ولا ينحرف عن خطّه؛ بمعنى أنّه لا يكتم حقًّا ولا يقول باطلًا لإرضاء أحد، ولا يتوسّل بالتملّق والإطراء للحصول على دعم أحد، بل يصدع بالحقّ وإن حمل العالم كلّه على عداوته، ويرفض الباطل وإن فرّق الناس كلّهم من حوله؛ لأنّ اللّه وخليفته في الأرض كافيان له، ومع وجودهما لا يخاف الوحدة. إنّه قد أعرض بقلبه عن دنياكم التي لا قيمة لها، ولا يهتمّ بالأشياء التي تهمّكم كثيرًا؛ لأنّه ينظر إلى العالم من أفق أعلى بكثير من أفقكم، ويتّبع قواعد مختلفة تمامًا عن قواعدكم. ثمّ إنّه لم ينتقد على أيّ فرقة ومذهب ودولة بغير حقّ، بل انتقد استنادًا إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه المتواترة، ولذلك فإنّه لم يضرب الجميع، ولكنّ اللّه ضربهم؛ كما قال تعالى: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾[١١]! لهذا السبب، لا يبقى معه ولا ينصره غير الذين مثله قد طلّقوا الدنيا ثلاثًا، ولم يتعلّقوا بأيّ فرقة ومذهب ودولة، وأولئك هم الصدّيقون والشهداء والصالحون، وحسن أولئك رفيقًا. لعلّهم قليلون في رأيكم، لكنّهم كثيرون عند اللّه؛ لأنّ كلّ واحد منهم أمّة، كما كان إبراهيم عليه السلام في زمانه؛ وفقًا لقول اللّه تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾[١٢].
على أيّ حال، ليس المنصور الهاشمي الخراساني نادمًا ولا خجلًا من أجل تنبيهه على انحراف جميع الفرق والمذاهب والدول الإسلاميّة استنادًا إلى يقينيّات الإسلام ومشتركات المسلمين ببيان علميّ وناصح، ودعوته لجميعهم دون تمييز واستثناء إلى الإسلام الخالص والكامل، وتمهيده لظهور خليفة اللّه في الأرض؛ لأنّ الندم والخجل ينبغي لمن عمل على خلاف كتاب اللّه وسنّة نبيّه، ومثل هذا الشخص هو النادم والخجل في الدنيا والآخرة. على الرغم من أنّ جنابه يدعو جميع الفرق والمذاهب والدول الإسلاميّة لمرافقته في الطريق المبارك الذي يسلكه؛ بالنظر إلى أنّه من الممكن لجميعهم مرافقته في هذا الطريق، وأنّ نهضته واسعة جدًّا لدرجة أنّها تسعهم جميعًا، وفي الحقيقة دون أيّ مبالغة أنّها ليست مقصورة على أيّ منهم، وإذا عجزوا عن الإجتماع تحت رايته مع ظلّها الواسع، فلن يجتمعوا أبدًا تحت راية أحد بعده، ولكن من الواضح أنّهم إن لم يفعلوا ذلك وتجمّعوا جميعًا ضدّه، فلن يضرّوه شيئًا، بل سيضرّون أنفسهم، وهو «منصور» وفائز في هذا المجال على كلّ حال؛ لأنّ هدفه هو القيام بواجبه العقليّ والشرعيّ من خلال تبيين حقيقة الإسلام، وهذا هو الهدف الذي قد تمّ تحقيقه بالفعل؛ لأنّ رسالته قد تمّ تبليغها بشكل حسن من خلال نشر كتاب «العودة إلى الإسلام»، وتمّ بثّها كبذر مبارك في كلّ ركن من أركان هذه الأرض الواسعة، وبالطبع ستخرج شطأها عاجلًا أم آجلًا في البلاد القريبة والبعيدة واحدًا تلو الآخر، وستنمو وتستغلظ على الرغم من كلّ الأعمال العدائيّة والأفكار المعوجّة، حتّى تتحوّل إلى شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكلها كلّ حين بإذن ربّها؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾[١٣] وقال: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾[١٤].
نعم، يا أخانا! إنّ البذرة المطهّرة التي زرعها المنصور الهاشمي الخراساني بيده المباركة في كلّ ركن من أركان هذه الأرض، سوف تتحوّل عاجلًا أم آجلًا، على الرغم من جميع الفرق والمذاهب والدّول، وبدعم من المظلومين واليتامى والمشرّدين والحفاة، إلى شجرة طيّبة أُكلها هو العدل العالميّ في ضوء حاكميّة المهديّ، وسوف تُشبع المستضعفين من الولدان والنساء والرجال لدرجة أنّهم لن يجوعوا بعد ذلك أبدًا إن شاء اللّه، ﴿فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾[١٥].