وفقًا لأبحاثنا، فإنّ «المنصور الهاشمي الخراساني» هو اسم مستعار.
إنّا لا ندري من أنت، وما اسمك ووظيفتك، ولكن نتوسّم فيك الإثم والعدوان؛ لأنّك عصيت اللّه في قوله: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾[١]، فأظهرت بذلك أنّك لا تتّقيه، وقد قال المنصور في بعض حِكمه: «إِذَا وَجَدْتَ الرَّجُلَ لَا يَتَّقِي اللَّهَ فَظُنَّ بِهِ كُلَّ شَرٍّ». فلعلّك من الذين هم أنفسهم يستخدمون أسامي مستعارة للتجسّس على الناس، أو من الذين ﴿يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾[٢]، فيتكلّمون بما يظنّون كأنّه نبأ يقين. فنوصيك بأن لا تثق بأبحاثك المزعومة؛ لأنّها تعتمد -فيما نعلم- على ما نشره بعض المعاندين من القيل والقال، وما ذلك بمصدر جدير بالثقة، ونوصيك بأن لا تقول ما ليس لك به علم مدّعيًا للعلم؛ فإنّه ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾[٣]. ثمّ ماذا يكون لو كان الأمر كما ظننت؟! أترى ذلك دليلًا على بطلان قول هذا العالم وعمله؟! من الواضح أنّه ليس كذلك، للعلل التالية:
أولًا استخدام الإسم المستعار أمر شائع بين الذين يكافحون الظلم ويعارضون الظالمين، وليس لهم من القوّة ما يحفظهم من السجن والقتل، فيتّقون بذلك ويستترون مخافة أن يُسجنوا أو يُقتلوا بغير حقّ قبل أن يقضوا ما عليهم، وليس ذلك دليلًا على بطلان قولهم وعملهم كما هو مسلّم به.
ثانيًا وجود اسمين لرجل واحد أمر شائع، وقد يشتهر بأحدهما ولا يشتهر بالآخر، وليس ذلك دليلًا على أنّه رجل سوء، بل روي عن خير البشر أنّه قال: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ»[٤]، وروي أنّ رجلًا سأل عليًّا عليه السلام عن مسائل، فكان فيما سأله أن قال: «أَخْبِرْنِي عَنْ سِتَّةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَهُمُ اسْمَانِ؟» فقال: «يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَهُوَ ذُو الْكِفْلِ، وَيَعْقُوبُ وَهُوَ إِسْرَائِيلُ، وَالْخَضِرُ وَهُوَ حِلْقِيَا، وَيُونُسُ وَهُوَ ذُو النُّونِ، وَعِيسَى وَهُوَ الْمَسِيحُ، وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ أَحْمَدُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ»[٥]، وقال أحمد بن حنبل (ت٢٤١هـ): «سَمِعْنَا أَنَّ سِتَّةً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَهُمْ فِي الْقُرْآنِ اسْمَانِ: مُحَمَّدٌ: أَحْمَدُ، وَإِبْرَاهِيمُ: إِبْرَاهَامُ، وَيَعْقُوبُ: إِسْرَائِيلُ، وَيُونُسُ: ذُو النُّونِ، وَإِلْيَاسُ: إِلْيَاسِينُ، وَعِيسَى: الْمَسِيحُ»[٦]، وقال ابن قتيبة (ت٢٧٦هـ): «الرَّجُلُ قَدْ يَكُونُ لَهُ اسْمَانِ، وَيَكُونُ لَهُ الْكُنْيَتَانِ، وَيَكُونُ لَهُ الْإِسْمُ وَالْوَصْفُ، فَيُدْعَى بِالْوَصْفِ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ، وَيُتْرَكُ الْإِسْمُ؛ هَذَا إِدْرِيسُ اسْمُهُ فِي التَّوْرَاةِ خَنُوخُ، وَيَعْقُوبُ اسْمُهُ إِسْرَائِيلُ، وَعِيسَى يُدْعَى الْمَسِيحَ»[٧]، وروي عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «أَنَا زَيْدُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ»، فقال له ابن الكوّاء: «مَا نَعْرِفُ لَكَ نَسَبًا غَيْرَ أَنَّكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»، فقال عليّ عليه السلام: «إِنَّ أَبِي سَمَّانِي زَيْدًا بِاسْمِ جَدِّهِ قُصَيٍّ، وَإِنَّ اسْمَ أَبِي عَبْدُ مَنَافٍ، فَغَلَبَتِ الْكُنْيَةُ عَلَى الْإِسْمِ»[٨]، وفي رواية مشهورة أنّه أنشد: «أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ»[٩]، وروي عن بعض الأنصار أنّه قال: «قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ مِنَّا رَجُلٌ إِلَّا لَهُ اسْمَانِ»[١٠]، وقال الطبريّ (ت٣١٠هـ): «إِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ أَهْلَ الْأَنْسَابِ إِنَّمَا يَنْسِبُونَ إِبْرَاهِيمَ إِلَى”تَارِحَ“، فَكَيْفَ يَكُونُ”آزَرُ“ اسْمًا لَهُ، وَالْمَعْرُوفُ بِهِ مِنَ الْإِسْمِ ”تَارِحُ“؟ قِيلَ لَهُ: غَيْرُ مُحَالٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْمَانِ، كَمَا لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي دَهْرِنَا هَذَا، وَكَانَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ»[١١]، بل روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في وصف المهديّ أيضًا أنّه قال: «اسْمُهُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالْمَهْدِيُّ، فَهَذِهِ أَسْمَاؤُهُ ثَلَاثَتُهَا»[١٢]، وعن عليّ عليه السلام في وصفه: «لَهُ اسْمَانِ: اسْمٌ يَخْفَى وَاسْمٌ يَعْلِنُ، فَأَمَّا الَّذِي يَخْفَى فَأَحْمَدُ، وَأَمَّا الَّذِي يَعْلِنُ فَمُحَمَّدٌ»[١٣].
ثالثًا اتّخاذ الألقاب الحسنة أمر شائع بين أئمّة المسلمين وعلمائهم، بحيث يمكن اعتباره سنّة إسلاميّة؛ كما لُقّب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بـ«المصطفى»، ولقّب أبو بكر بـ«الصدّيق»، ولقّب عمر بـ«الفاروق»، ولقّب عثمان بـ«ذي النورين»، ولقّب عليّ بـ«المرتضى»، ولقّب سائر الأئمّة من أهل البيت بألقاب أخرى مثل «الباقر» و«الصادق» و«الكاظم» و«الرضا»، وقد يُعرفون بها أكثر ممّا يُعرفون بأسمائهم، و«المهديّ» أيضًا لقب، وليس بالإسم؛ فقد ثبت أنّ اسمه اسم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وروي عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «إِنَّ اسْمَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَامِرٌ، فَغَلَبَ اللَّقَبُ عَلَى الْإِسْمِ، وَاسْمُ هَاشِمِ عَمْرٌو، فَغَلَبَ اللَّقَبُ عَلَى الْإِسْمِ، وَاسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ الْمُغِيرَةُ، فَغَلَبَ اللَّقَبُ عَلَى الْإِسْمِ، وَإِنَّ قُصَيَّ زَيْدٌ، فَسَمَّتْهُ الْعَرَبُ مُجْمِعًا لِجَمْعِهِ إِيَّاهَا مِنَ الْبَلَدِ الْأَقْصَى إِلَى مَكَّةَ، فَغَلَبَ اللَّقَبُ عَلَى الْإِسْمِ»[١٤].
رابعًا قد يغيّر اللّه تعالى أسماء أوليائه بعد اصطفائهم؛ كما جاء في التوراة أنّه قال لإبراهيم عليه السلام، وكان اسمه أبرام: «فَلَا يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لِأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الْأُمَمِ»[١٥]، وقال له: «سَارَايُ امْرَأَتُكَ لَا تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ، بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ»[١٦]، وقال ليعقوب عليه السلام: «اسْمُكَ يَعْقُوبُ، لَا يُدْعَى اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِسْرَائِيلَ، فَسَمَّاهُ إِسْرَائِيلَ»[١٧]؛ بل أخبر عن ذلك كسنّة له، وقال لأعدائه: «يُمِيتُكُمُ الرَّبُّ الْإِلَهُ، وَيُعْطِي خُدَّامَهُ اسْمًا آخَرَ»[١٨].
بناء على هذا، فليس من الغريب أن يكون «المنصور» أيضًا لقبًا لهذا العالم، أو أحد أسمائه، وما ذلك بشيء مهمّ. إنّما المهمّ أقواله وأعماله؛ لأنّ قيمة المرئ لا تُعرف باسمه، لكن بأقواله وأعماله، وهي التي تلحقه بأهل الحقّ أو أهل الباطل. فإن كانت أقواله وأعماله موافقة للقرآن والسنّة، فهو من أهل الحقّ بغضّ النظر عن اسمه، وإن كانت أقواله وأعماله مخالفة للقرآن والسنّة، فهو من أهل الباطل بغضّ النظر عن اسمه، ولا شكّ أنّ أقوال المنصور وأعماله موافقة للقرآن والسنّة، وأنّه من أهل الحقّ؛ فافترض له ما شئت من اسم: محمّد، أو عليّ، أو الحسن، أو الحسين، أو جعفر، أو موسى، أو الرضا، أو محمّد عليّ، أو محمّد جعفر، أو عليّ الرضا، أو عبد اللّه، أو عمر، أو العبّاس، أو هاشم، أو سعيد، أو يحيى، أو غير ذلك من الأسماء؛ فإنّه مهما كان له من اسم، فإنّه رجل يقال له المنصور، يدعو إلى الحقّ، ويمهّد للمهديّ ظهوره، ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[١٩].