قال السيّد العلامة في كتاب «العودة إلى الإسلام» أنّ الإجتهاد واجب على كلّ مسلم. السؤال هو أنّه بما أنّ لكلّ إنسان موهبته الخاصّة، فالبعض موهوب في الطبّ والبعض موهوب في الهندسة والبعض موهوب في التخصّصات الأخرى وبالتالي، ليس النجاح ممكنًا للجميع في مجال واحد، ماذا يفعل من لا يستطيع الإجتهاد؟ ألا يجب أن يرجع إلى مجتهد متخصّص في الدّين؟
أيّها الأخ الكريم!
الإجتهاد بمعنى طلب العلم بالدّين، ليس شغلًا أو تخصّصًا مثل الطبّ والهندسة يمكن لمن يحبّه الدخول فيه ويمكن لمن لا يحبّه تركه، بل هو واجب دينيّ مثل الصلاة والصوم وسائر الأعمال التي تعتبر فريضة على كلّ مسلم؛ لأنّ الإنسان لم يُخلق ليأكل وينام، بل ليعبد اللّه؛ كما قال عزّ وجلّ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[١]، وعبادة اللّه هي امتثال أمره وإن كان فيه مشقّة، وأحد ما أمر به طلب العلم بدينه وعدم اتّباع الظنّ فيه؛ كما قال: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾[٢] وقال: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾[٣]. لذلك، يجب على كلّ مسلم أن يطلب العلم بعقائد الدّين وأحكامه، ولا يتّبع الظنّ في شيء منها، وهذا ممكن من خلال رجوعه المباشر إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه؛ لأنّ رجوعه غير المباشر، بمعنى تقليده لغير المعصومين، لا يجعله يعلم عقائد الدّين وأحكامه، وإنّما يخلق له ظنًّا؛ باعتبار أنّ توافق فتاوى غير المعصومين مع عقائد الدّين وأحكامه ليس قطعيًّا، بل هو ظنّيّ، وعليه فلا مفرّ من الرّجوع المباشر إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه، وإن كان يكره ذلك؛ لأنّه كم من شيء يكرهه الإنسان وهو ضروريّ له؛ مثل الدواء الذي يكرهه المريض ولا بدّ له من تناوله؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾[٤] وقال: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾[٥]. طبعًا يجب الإنتباه إلى أنّه خلافًا للوهم السائد، فإنّ الرّجوع المباشر إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه حتّى إذا كانت بمعنى أخبار الآحاد، ليس عملًا شاقًّا، بل هو عمل ميسور؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّه، من ناحية، العديد من الدراسات المعتادة تحت عنوان مقدّمات الإجتهاد مثل العديد من مباحث المنطق وأصول الفقه، زائدة عن الحاجة وغير ضروريّة، ومن ناحية أخرى، في الوقت الحاضر، تمّ إنشاء العديد من المراكز العلميّة والمرافق البحثيّة لتعريف المسلمين بالعلوم الإسلاميّة، ممّا سهّل كثيرًا الرّجوع المباشر إلى مصادر الإسلام.
لكن ما يحسم النزاع أنّه، على عكس تصوّرك، ليس الحكم النهائيّ للعلامة المنصور الهاشمي الخراساني وجوب الإجتهاد العرفيّ على كلّ مسلم، بل وجوب كلّ ما هو ضروريّ لمعرفة الدّين على وجه اليقين؛ كما أنّه قال في مبحث «تقليد العلماء» من الكتاب القيّم «العودة إلى الإسلام»[٦] بعد التأكيد على أنّ التقليد ظنّيّ والظنّ غير كافٍ في الإسلام:
«من هنا يعلم أنّ تقليد العلماء لا يُجزي بأيّ وجه من الوجوه، والإجتهاد واجب على جميع المسلمين؛ بالطبع إذا كان المراد بالإجتهاد المعرفة اليقينيّة بعقائد الإسلام وأحكامه؛ لأنّه إذا كان المراد به المعرفة الظنّيّة بها، ولو بالإعتماد على أخبار الآحاد ومزاعم كالإجماع، فهو لا يختلف كثيرًا عن التقليد، وبالتّالي لا يُجزي؛ لأنّ علّة عدم إجزاء التقليد، هي عدم إجزاء الإعتماد على الأمور غير اليقينيّة في العقائد والأحكام الشّرعيّة، وهذه العلّة مشتركة بين التقليد والإجتهاد المعتمد على الأمور غير اليقينيّة، ولذلك فإنّ الإجتهاد المعتمد على الأمور غير اليقينيّة غير مجزٍ وإن كان خيرًا من التقليد، بل كلّ عمل كان ضروريًّا للمعرفة اليقينيّة بالعقائد والأحكام الشّرعيّة، فهو الواجب على جميع المسلمين».
من هذا يعلم أنّ في رأي هذا العالم العظيم، يجب «الإجتهاد» على كلّ مسلم بمعنى «المعرفة اليقينيّة بعقائد الإسلام وأحكامه»، لا بمعنى «المعرفة الظنّيّة بها، ولو بالإعتماد على أخبار الآحاد ومزاعم مثل الإجماع»، ومن الواضح أنّه لا يمكن الحصول على «المعرفة اليقينيّة بعقائد الإسلام وأحكامه» إلا بالرّجوع المباشر إلى المصادر اليقينيّ انتماؤها إلى الإسلام، وهي كتاب اللّه وروايات نبيّه المتواترة وخليفته الحيّ في الأرض، ممّا يكون الرّجوع المباشر إليه أسهل من الرّجوع المباشر إلى روايات الآحاد والمتناقضة في الكتب المتفرّقة؛ لأنّ كتاب اللّه متاح للجميع، وروايات نبيّه المتواترة معدودة ومشهورة، وخليفته الحيّ في الأرض بشر مثل سائر الناس يمكن للمرء بطبيعة الحال أن يذهب إليه ويأخذ منه عقائد الدّين وأحكامه، وإن كان ذلك غير عمليّ في الوقت الحاضر بسبب تقصير الناس في حمايته ويتطلّب تأمينه من قبلهم.
الحاصل أنّ الرّجوع إلى كتاب اللّه وروايات نبيّه المتواترة وخليفته في الأرض واجب على جميع المسلمين، ولا يكفيهم تقليد المجتهدين.