كاتب الشبهة: علي بارسا تاريخ الشبهة: ١٤٣٦/٥/٢

يقول السيّد المنصور في كتاب «العودة إلى الإسلام» أنّ الإجتهاد واجب على كلّ مسلم، مع أنّ كلّ إنسان لديه رغبة وموهبة خاصّة؛ فبعض رغبتهم وموهبتهم في الطبّ، وبعض رغبتهم وموهبتهم في الهندسة، وبعض رغبتهم وموهبتهم في عمل آخر، وبالتالي لا يمكنهم الإجتهاد في الدّين. فماذا يفعل من ليس لديه رغبة وموهبة في الإجتهاد؟ أليس من الجائز له أن يقلّد أحد المجتهدين؟

الاجابة على الشبهة: ١ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٦/٥/٣

إنّما مراد السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى بـ«الإجتهاد» طلب العلم بالدّين، ولا شكّ أنّه واجب على كلّ مسلم؛ لأنّه ليس من قبيل الطبّ والهندسة وسائر الأعمال الدنيويّة حتّى يكون للناس فيه خيرة، بل هو من قبيل الصلاة والصوم وسائر الأعمال الدّينيّة التي تجب عليهم بغضّ النظر عن رغباتهم ومواهبهم؛ نظرًا لأنّ اللّه أمر به كما أمر بها، إذ قال: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ[١]، وقال: ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[٢]، وقال: ﴿إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا ۚ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ[٣]، وقال: ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ[٤]، وقال: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا[٥]، ومن المعلوم أنّ الإنسان لم يُخلق ليفعل ما يحبّ ويترك ما لا يحبّ، بل خُلق ليفعل ما يحبّ اللّه ويترك ما لا يحبّ اللّه؛ لأنّه عبد اللّه، وليس عبد نفسه، وليس له أن يتّخذ إلهه هواه؛ كما قال اللّه: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ[٦]، وقال: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ[٧]، وقال: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[٨]، وقال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[٩]، وقال: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا[١٠]؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّه قد يحبّ شيئًا وهو شرّ له، ولا يحبّ شيئًا وهو خير له؛ كما قال اللّه: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[١١]، وقال: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[١٢].

بناء على هذا، يجب على كلّ مسلم أن يطلب العلم بأصول الدّين وفروعه، وإن كان كُرهًا له، ولا يأخذ بالظنّ في شيء من عقائده وأعماله، وإن كان موافقًا لهواه؛ لأنّ اللّه لا يرضى منه بدون ذلك، ومن الواضح أنّ تقليد غير المعصوم يفيد الظنّ دون العلم، لاحتمال أن يكون مخطئًا في فتواه، ولذلك لا بدّ من أحد الأمرين: تقليد المعصوم، اعتبارًا لوجوده في كلّ زمان، أو الرجوع المباشر إلى القرآن والسنّة الثابتة بالأخبار المتواترة، ولا شكّ أنّ الأوّل أسهل، وهو الذي كتب اللّه للناس؛ كما قال: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ[١٣]، وقال: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[١٤]، وإنّما اضطرّوا إلى الثاني بسوء أعمالهم؛ لأنّهم تركوا اتّباع الهادي الذي جعله اللّه لهم، وهو الإمام المهديّ عليه السلام، ﴿وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ[١٥]، فاضطرّوه بذلك إلى الإختفاء عنهم لكي لا يقتلوه كما قتلوا الهداة من قبل، ولا شكّ أنّهم إذا تابوا من ذلك وأصلحوا ظهر لهم هاديهم وعلّمهم الدّين في يسر وعافية، وأمّا إذا لم يفعلوا فلا بدّ لهم من الرجوع المباشر إلى القرآن والسنّة الثابتة، وإن كان فيه مشقّة عليهم فذلك بما قدّمت أيديهم، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[١٦]؛ على أنّ اللّه قد خفّف اليوم مشقّته بفضله ورحمته؛ إذ جعل في الناس كتبًا كثيرة في التفسير والحديث، وسهّل عليهم طبعها ونشرها، وأتاح لهم أدواتًا جديدة للبحث والتحقيق، بحيث يمكنهم الإطّلاع على الأقوال المختلفة وأدلّتها في وقت قصير جدًّا، ولكنّ الواقع أنّهم قد أصبحوا كسالى، ولا يهمّهم غير الحياة الدنيا، ولذلك يتذرّعون بكلّ عذر ويتشبّثون بكلّ حشيش ليثبتوا جواز تقليد غير المعصوم؛ كالذين ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ[١٧].

↑[١] . الإسراء/ ٣٦
↑[٢] . الأنعام/ ١٤٣
↑[٣] . يونس/ ٦٨
↑[٤] . الأنعام/ ١٤٨
↑[٥] . النّجم/ ٢٨
↑[٦] . الفرقان/ ٤٣
↑[٧] . القصص/ ٥٠
↑[٨] . التّكوير/ ٢٩
↑[٩] . الذّاريات/ ٥٦
↑[١٠] . الأحزاب/ ٣٦
↑[١١] . النّساء/ ١٩
↑[١٢] . البقرة/ ٢١٦
↑[١٣] . الأعراف/ ١٨١
↑[١٤] . الرّعد/ ٧
↑[١٥] . هود/ ٥٩
↑[١٦] . آل عمران/ ١٨٢
↑[١٧] . البقرة/ ٩
رقم التعليق: ١ كاتب التعليق: محمّد تاريخ التعليق: ١٤٤٤/١٠/٢٩

هل يجب على العامّيّ أن يبحث في الأدلّة الشرعيّة ليتبيّن له الحكم عن يقين؟! هل هذا الأمر ممكن أو منطقيّ؟!!! بالنظر إلى أنّ العامّيّ قد يحتاج إلى أضعاف سنوات عمره ليستطيع البحث في كلّ مسألة حتّى يتبيّن له الرأي الصحيح فيها! إنّ العامّيّ الذي يعمل الساعات الطويلة لإعالة نفسه وأسرته لن يجد الوقت الكافي لهذا الأمر، كما أنّه لا يملك أدوات البحث من معرفة باللسان العربيّ والنحو والصرف والحديث والتفسير وعلوم القرآن والناسخ والمنسوخ وما إلى ذلك من علوم. أرجو توضيح المسألة، وبيان الرأي فيها، وشكرًا.

الاجابة على التعليق: ١ تاريخ الاجابة على التعليق: ١٤٤٤/١١/١٠

لقد وضّحنا هذه المسألة في الجواب أعلاه، وفي سائر الأجوبة المنشورة بالموقع، فقلنا أنّ «طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»، كما قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بصراحة، وهو حديث متواتر مشهور، رواه عنه عليّ بن أبي طالب، والحسين بن عليّ، وعبد اللّه بن مسعود، وأنس بن مالك، وعبد اللّه بن عبّاس، وأبو سعيد الخدريّ، وجابر بن عبد اللّه، وأبيّ بن كعب، ونبيط بن شريط، وابن عمر، وأبو هريرة، وغيرهم[١]، والعلم فيه مطلق يعمّ أصول الدّين وفروعه، كما في قول اللّه تعالى، وهو يتحصّل بسهولة من خلال الرجوع إلى خليفة اللّه في الأرض، فإن أصبح الرجوع إليه متعذّرًا في الوقت الحاضر فـ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[٢]؛ لأنّ اختفاءه نتيجة لتقصيركم في حمايته ونصرته، وبالتالي يجب عليكم تدارك ذلك حتّى يظهر ويسهّل عليكم طلب العلم بأصول الدّين وفروعه، وأمّا قبل ذلك فلا بدّ لكم من تحمّل المشقّة وطلب العلم من خلال الرجوع إلى القرآن والسنّة الثابتة بغير تقليد للمنسوبين إلى العلم، ولا بأس بسؤالهم على سبيل البحث والتحقيق، والعمل بفتاواهم إذا كانت لهم أدلّة كافية؛ لأنّ ذلك لا يُعتبر تقليدهم، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا[٣].

↑[١] . انظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني، ص٣٥.
↑[٢] . آل عمران/ ١٨٢
↑[٣] . الطّلاق/ ٤