في كلّ عام، مع اقتراب شهر رمضان المبارك، شهر العبادة وتزكية النفس، يبدأ سعي المسلمين في معرفة اليوم الأول منه؛ كما أنّه مع اقتراب شهر شوال، ينتشر فيهم هذا السؤال أنّ عيد الفطر يكون في أيّ يوم. ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الحالة، إذا كانت نابعة من شوقهم إلى بدء عبادة جديدة أو إكمالها قربة إلى اللّه تعالى، حسنة جدًّا وتدلّ على أنّ الإيمان حيّ في قلوبهم على الرغم من جميع عيوبهم ونواقصهم، وتذكّر بهذه الحقيقة أنّهم أمّة واحدة ولديهم العديد من العقائد والأحكام المشتركة على الرغم من جميع اختلافاتهم الفكريّة والمذهبيّة.
ولو أنّ وقوع الخلاف بينهم حول اليوم الأول والأخير من شهر رمضان المبارك -والذي أصبح روتينًا سنويًّا- يلفت الأنظار كبقعة داكنة على رداء وحدتهم، ولكنّ التأسّف واللوم على ذلك وحده لا يجدي نفعًا ولا يداوي داءً. الأمر المطلوب فعله هو تشخيص سبب ذلك، ومن ثمّ تقديم الحلّ واتّخاذ الإجراء العمليّ المناسب لمعالجته.
سبب الإختلاف
سبب اختلاف المسلمين حول اليوم الأول والأخير من شهر رمضان المبارك، هو أنّه لا يزال معظمهم مكبّين على تقليد علمائهم أو حكّامهم، في حين أنّ لعلماءهم آراء فقهيّة متعارضة ولحكّامهم اعتبارات سياسيّة مختلفة!
طريقة حلّ الإختلاف
طريقة حلّ اختلاف المسلمين هي أن يقوم علماؤهم من مختلف المذاهب الإسلاميّة بتشكيل لجنة مشتركة ومستقلّة عن حكّامهم وإصدار رأي واحد ومستند بعد التشاور ومراجعة آراء الخبراء وتقارير الراصدين، ليعمل على أساسه جميع مسلمي العالم.
فهل هذا صعب حقًّا؟! أم يُعتبر أكثر تكلفة من عشرات المنظّمات الطويلة والعريضة التي تأسست بألقاب إسلاميّة وميزانيات ضخمة، ولا يُعلم ماذا تفعل وأيّ فائدة فيها لمسلمي العالم؟!
بالتأكيد لا، ولكن للأسف لا توجد إرادة للقيام بهذا الأمر البسيط وذي التكلفة القليلة؛ لأنّ العديد من العلماء المؤثّرين في العالم الإسلاميّ لا يزالون يعتقدون بأنّ الضروريّ هو رؤية الهلال في بلادهم ولا يجدي نفعًا أن يراه المسلمون في بلاد آخر، أو يعتقدون بأنّ رؤية الهلال بالعين المسلّحة غير كافية!
لا شكّ أنّ هذا خطأ علميّ، وهو السبب الرئيسيّ للخلاف حول بداية ونهاية شهر رمضان المبارك، وطريقة التخلّص منه هي إمّا أن تقوم هذه المجموعة من العلماء بتصحيح خطأهم العلميّ بكلّ شجاعة وتواضع، أو أن ينتهي المسلمون عن تقليدهم حتّى يزول تأثيرهم، فيعجزوا عن منع الإجراءات الضروريّة لتحديد اليوم الأول والأخير من شهر رمضان المبارك مثل تشكيل لجنة مشتركة في العالم الإسلامي؛ كما أنّ العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى تكلّم عن كلتا الطريقتين بالتفصيل وقدّم الإرشادات اللازمة؛ لأنّه من جهة، بيّن الخطأ العلميّ لهذه المجموعة من العلماء بكلّ عطف وأكّد على كفاية رؤية الهلال مرّة واحدة -ولو بالعين المسلّحة- لجميع مسلمي العالم ومن جهة أخرى، دعا جميع مسلمي العالم بكلّ شفقة إلى الكفّ عن التقليد والتوجّه إلى التحقيق، حتّى يتاح المجال من كلّ النواحي لتحقيق وحدة مباركة بينهم.[١]
نعم، هناك عقبة عظيمة أخرى وهي الأنانيّة والمهاترات السياسيّة لحكّام المسلمين الذين قد جرّوا المنافسة فيما بينهم إلى المسائل الشرعيّة والعباديّة وظنّوا بقصر النظر أنّ منافعهم موجودة في الإستقلال السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ عن سائر البلدان الإسلامية، ولذلك يعتبرون أيّ محاولة للتنسيق مع المسلمين في البلدان الأخرى اتصالًا بـ«الأجانب»(!) وتهديدًا لأمنهم وبقائهم!
ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه إحدى نتائج حكومة الظالمين على البلدان الإسلاميّة، والطريقة الوحيدة للتخلّص منها هي شيء واحد: أخذ الحكومة منهم وإيصالها لصاحبها الحقيقيّ، أي الإمام المهدي عليه السلام، وهذا عمل يتمّ إمّا بموافقتهم وتعاونهم أو بكراهيتهم ومقاومتهم؛ لأنّه لا مناص منه؛ كما أنّ العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى تحدّث عن هذا الشأن بالتفصيل وقدّم الإرشادات اللازمة؛ لأنّه من جهة، شوّق الحكّام المسلمين إلى ترك الرّغبة في السّلطة واتّخاذ خطوات مؤثّرة ومشهودة في سياق التمهيد لظهور الإمام المهدي عليه السلام ومن جهة أخرى، دعا الشعوب الإسلاميّة إلى الضغط على حكّامهم، وإذا لزم الأمر، تنحيتهم لصالح الإمام المهدي عليه السلام، حتّى يتعبّد الطريق من كل النواحي لوصولهم إلى الوحدة وتحقّق الغاية الإسلاميّة.[٢]
ما الذي ينبغي فعله اليوم؟
هذه طرق متوسّطة أو طويلة الأمد يجب اجتيازها بهمّة الممهّدين لظهور الإمام المهدي عليه السلام تحت قيادة العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى، ولكنّ الطريق قصير المدى الذي يحدّد تكليف المسلمين اليوم فيما يخصّ شهر رمضان المبارك، هو تجاهل إعلانات الحكّام وترك تقليد العلماء الذين يحسبون أنّ رؤية الهلال في بلادهم أمر ضروريّ أو يعتقدون بأنّ رؤية الهلال بالعين المسلّحة ليست كافية؛ لأنّ تقليدهم يسبّب الإختلاف بين المسلمين، بل المسلمون -حتى وإن كانوا مقلّدين في المسائل الشرعيّة- ينبغي أن لا يقلّدوا في تحديد اليوم الأول أو الأخير من الشهر القمريّ؛ لأنّ تحديد اليوم الأول أو الأخير من الشهر القمريّ ليس استنباطًا لحكم شرعيّ كي يتطلّب مقدّمات خاصّة ويكون ضمن صلاحيّات العلماء، بل هو اطّلاع على موضوع عينيّ وخارجيّ يحصل برؤية الهلال بعين الفرد أو الإطلاع على رؤيته من قبل الآخرين، وذلك مقدور حتّى للعوامّ من غير المسلمين؛ كما أنّ الأعراب في الجاهلية كانوا يفعلون ذلك، في حين أنه لم يكن في متناولهم وسائل الرصد الموجودة الآن ولم يكونوا يطّلعون على رؤية الهلال في البلدان البعيدة!
لهذا السبب، يجب على الإخوة والأخوات المسلمين، إن كانوا حقًّا يهمّهم العلم باليوم الأول والأخير من شهر رمضان المبارك، أن يضعوا الكسل جانبًا وبدلًا من تحديق النظر إلى أفواه علماءٍ ذوي آراء فقهيّة خاطئة وحكّام ذوي دوافع سياسيّة غير معروفة، يقوموا هم أنفسهم بالتحرّي وطريقة ذلك هي أن يذهبوا على وشك غروب الشمس إلى مكان مرتفع ومناسب ويحاولوا رؤية الهلال في الأفق إذا كانوا يعيشون في أماكن مفتوحة ذات سماء صافية أو يجدون وسائل الرصد المتداولة مثل الكاميرا والتلسكوب، وإن شقّ عليهم هذا، فليرجعوا إلى مواقع الكترونيّة معتبرة تبادر إلى نشر الأخبار والوثائق حول رؤية الهلال دون اعتبارات سياسيّة أو مذهبيّة وفقطّ على أساس الدّراسات الفلكيّة، وليقارنوا تقاريرهم مع بعضهم البعض، إلى أن يتيقّنوا من رؤية الهلال في مكان ما من العالم.
كلّ هؤلاء الإخوة والأخوات المسلمون، سواء أولئك الذين قاموا بالرصد شخصيًّا أو الذين بحثوا في الأخبار والوثائق حول رؤية الهلال، يمكنهم إرسال النتيجة الحاصلة إلينا، لنخبر بها سائر الناس أيضًا إن كانت صحيحة وقطعيّة. هذا أمر جدير ومفيد ويُتوقّع القيام به من جميع الإخوة والأخوات المسلمين، إلا الذين يشتغلون في هذه الفترة بعمل ضروريّ بحيث لا يجدون الفرصة للرصد أو البحث بأنفسهم، أو يعيشون في مكانٍ غير مناسب ولا يعرفون القراءة أو لا يمكنهم الوصول إلى الإنترنت؛ لأنّ هؤلاء يمكنهم الإنتفاع بنتيجة تحقيق إخوانهم وأخواتهم المسلمين التي يتمّ نشرها على هذا الموقع.
نتمنّى أن يزول الكسل والإنفعال والتقليد من بين المسلمين وأن يمنح محلّه للنشاط والجهد والتحقيق؛ لأنّ الأمّة الإسلاميّة تحتاج أكثر من أيّ وقت مضى إلى مثل هذا التحوّل والإصلاح،حتّى تستعدّ لظهور الإمام المهدي عليه السلام.
تنبيه |
شروط ثبوت رؤية الهلال عند مكتب العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى إنّما تثبت رؤية الهلال عند مكتب العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى بشرطين تاليين: ١ . إمكان رؤية الهلال عند الخبراء والفلكيّين المسلمين هذا يعني أنّه إذا كانت رؤية الهلال في زمان أو مكان غير ممكنة عند الخبراء والفلكيّين المسلمين فإنّ الإدّعاء برؤيته فيه لا يفيد اليقين. بالطبع إذا كانت رؤيته فيه بالعين المسلّحة ممكنة عندهم فإنّ خبر رؤيته فيه بالعين المسلّحة قابل للقبول. ٢ . انتشار خبر رؤية الهلال من دولتين إسلاميّتين على الأقلّ مع فيلم أو صورة معتبرة هذا يعني أنّه إذا لم يبلغ خبر رؤية الهلال من دولة إسلاميّة، أو بلغ من دولة إسلاميّة واحدة فقطّ، أو بلغ من دولتين إسلاميّتين أو أكثر ولكن بدون أيّ فيلم أو صورة موثّقة تحتوي على اسم الراصد وعنوانه وتاريخ الرصد، فلا تثبت رؤية الهلال. بناء على هذا، فإذا لم تثبت رؤية الهلال في دار الإسلام، فإنّ رؤيته في دار الكفر غير قابلة للإثبات، ولو بالفيلم والصورة؛ لأنّ إدارة الأمور في دار الكفر بيد الكفّار، وأنّ المسلمين تحت رقابتهم وسيطرتهم، وقد يضطرّون إلى اتّباع قوانينهم وسياساتهم، ولذلك لا مراكز الرصد النشطة فيه تُعتبر موثوقًا بها، ولا الأشخاص المتفرّقون الذين يقومون فيه بالرصد يُعرفون ويوثق بهم. بعبارة أخرى، فإنّ الأصل في البلاد الإسلاميّة هو الصحّة والصدق، وفي البلاد غير الإسلاميّة هو عدم الصحّة وعدم الصدق، وهذا شيء يشكّك فيما يخرج من البلاد غير الإسلاميّة من الأخبار والأفلام والصور. |