الأحد ٢٠ ربيع الآخر ١٤٤٧ هـ الموافق لـ ١٢ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢٥ م
المنصور الهاشمي الخراساني
 جديد الكتب: تمّ نشر الكتاب القيّم «مناهج الرّسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ مجموعة أقوال السيّد العلّامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. جديد الأسئلة والأجوبة: ما هو رأيكم في الخبر الذي رواه الطوسيّ في كتاب «الغيبة» (ص٤٤٧) بإسناده عن الإمام جعفر الصادق أنّه قال: «من يضمن لي موت عبد اللّه أضمن له القائم»، يعني المهديّ، ثم قال: «إذا مات عبد اللّه لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء اللّه». هل هذا الخبر صحيح أم غير صحيح؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر ملاحظة جديدة بعنوان «عن حال العراق اليوم» بقلم «منتظر». اضغط هنا لقراءتها. جديد الشبهات والردود: لا شكّ أنّ رايتكم راية الحقّ؛ لأنّها تدعو إلى المهديّ بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ولكن قد تأخّر ظهورها إلى زمان سوء. فلما لم تظهر قبل ذلك، ولما تأخّرت حتّى الآن؟! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٢. اضغط هنا لقراءته. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الأقوال: ثلاثة أقوال من جنابه في حكم التأمين. اضغط هنا لقراءتها. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
رسالة
 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبِّي وَرَبَّ آبَائِيَ الْأَوَّلِينَ، وَرَبَّ السَّمَوَاتِ الْمَرْفُوعَةِ بِغَيْرِ عَمَدٍ مَرْئِيَّةٍ، وَرَبَّ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ وَالْقَمَرِ الْمُنِيرِ وَالنُّجُومِ الْكَثِيرَةِ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ الرَّحِيبَةِ الَّتِي وُضِعَتْ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَأُوثِقَتْ بِأَوْتَادٍ، وَرَبَّ الْمُحِيطَاتِ الْعَمِيقَةِ الْوَاسِعَةِ وَمَا يَجْرِي عَلَيْهَا وَمَا يَسْبَحُ فِيهَا، وَرَبَّ الْبِحَارِ الْكَبِيرَةِ ذَاتِ الْأَمْوَاجِ الصَّاخِبَةِ وَالْجَزَائِرِ الْجَمِيلَةِ وَالسَّوَاحِلِ الرَّمْلِيَّةِ وَالْأَنْهَارِ الَّتِي تَنْصَبُّ فِيهَا، وَرَبَّ الْجِبَالِ الشَّاهِقَةِ ذَاتِ الْقِمَمِ الثَّالِجَةِ وَالْمُنْحَدِرَاتِ الشَّدِيدَةِ وَالْوُدْيَانِ الْمُظْلِمَةِ وَالْهَاوِيَاتِ الْخَطِيرَةِ وَالصُّخُورِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِشَفَاهَا، وَرَبَّ الْغَابَاتِ الْمُخْضَرَّةِ ذَاتِ الْأَشْجَارِ الْكَثِيفَةِ وَالْأَعْمَاقِ الْمُدْهَامَّةِ وَالدَّوَابِّ الَّتِي تَدُبُّ فِيهَا، وَرَبَّ الصَّحَارِي الْفَسِيحَةِ ذَاتِ السَّاحَةِ الْيَابِسَةِ وَالتُّرْبَةِ الْمُتَآكِلَةِ وَالشُّجَيْرَاتِ الْمَنْسُوفَةِ وَالرِّيَاحِ الرَّمْلِيَّةِ الَّتِي تَهُبُّ عَلَيْهَا، وَرَبَّ السُّحُبِ الْمُمْطِرَةِ وَغَيْرِ الْمُمْطِرَةِ، الَّتِي تَأْتِي مِنَ الْآفَاقِ الْبَعِيدَةِ وَتُظَلِّلُ الْأَرْضَ، وَرَبَّ الرَّبِيعِ، وَهُوَ وِلَادَةُ الطَّبِيعَةِ، وَالصَّيْفِ، وَهُوَ بُلُوغُ الطَّبِيعَةِ، وَالْخَرِيفِ، وَهُوَ شَيْخُوخَةُ الطَّبِيعَةِ، وَالشِّتَاءِ، وَهُوَ مَوْتُ الطَّبِيعَةِ، وَرَبَّ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ وَمَا سَيَكُونُ!

أَعْبُدُكَ عِبَادَةَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَحْمَدُكَ حَمْدَ الْمَلَائِكَةِ؛ أُسَبِّحُكَ وَأُكَبِّرُكَ وَأَشْكُرُكَ بِعَدِدِ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَمَنْ يَعْلَمُ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ إِلَّا أَنْتَ؟! وَبِعَدِدِ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ، وَمَنْ يَعْلَمُ عَدَدَ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ إِلَّا أَنْتَ؟! وَبِعَدِدِ رِمَالِ الصَّحْرَاءِ، وَمَنْ يَعْلَمُ عَدَدَ رِمَالِ الصَّحْرَاءِ إِلَّا أَنْتَ؟! وَبِعَدِدِ قَطَرَاتِ الْمَطَرِ، وَمَنْ يَعْلَمُ عَدَدَ قَطَرَاتِ الْمَطَرِ إِلَّا أَنْتَ؟! وَبِعَدِدِ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ، وَمَنْ يَعْلَمُ عَدَدَ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ إِلَّا أَنْتَ؟! وَبِعَدِدِ أَنْفَاسِ الْأَحْيَاءِ، وَمَنْ يَعْلَمُ عَدَدَ أَنْفَاسِ الْأَحْيَاءِ إِلَّا أَنْتَ؟! وَبِعَدِدِ أَطْرَافِ الْعُيُونِ، وَمَنْ يَعْلَمُ عَدَدَ أَطْرَافِ الْعُيُونِ إِلَّا أَنْتَ؟! بَلْ لِكُلِّ هَذَا عَدَدٌ مَعْدُودٌ، وَلَكِنِّي أُسَبِّحُكَ وَأُكَبِّرُكَ وَأَشْكُرُكَ بِلَا عَدَدٍ وَلَا نَفَادٍ، عَلَى مِثَالِ نِعَمِكَ، كَمَا يَسْتَحِقُّهُ جَمَالُكَ وَجَلَالُكَ، وَأُوَحِّدُكَ وَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَرِيكًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ- عَبْدُكَ وَخَاتَمُ أَنْبِيَائِكَ، أَرْسَلْتَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِتُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وَأَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ خُلَفَاؤُكَ وَخُلَفَاءُ نَبِيِّكَ، أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ وَاصْطَفَيْتَهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَجَعَلْتَهُمْ لِلنَّاسِ أَئِمَّةً، لِيَعْرِفُوكَ وَيَعْبُدُوكَ، وَأَنِّي إِلَيْكَ لَرَاجِعٌ.

اهْدِنِي لِمَا تَرْضَى، وَاصْرِفْنِي عَمَّا لَا تَرْضَى، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي فَأَعْرِضَ عَمَّا تَرْضَى وَأُقْبِلَ عَلَى مَا لَا تَرْضَى، فَأَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ. رَبِّ احْكُمْ بَيْنِي وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَكَ، وَيُرِيدُونَ عُلَوًّا فِي الْأَرْضِ وَفَسَادًا، وَانْصُرْنِي عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّكَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وَخَيْرُ النَّاصِرِينَ. لَقَدْ تَوَجَّهْتُ إِلَيْكَ، وَتَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ، وَعَبَدْتُكَ مُخْلِصًا لَكَ دِينِي، وَاجْتَنَبْتُ الطَّاغُوتَ أَنْ أَعْبُدَهَا، وَاعْتَزَلْتُ أَعْدَاءَكَ وَأَعْدَاءَ أَوْلِيَائِكَ، لِتُطَهِّرَنِي، وَتُقَرِّبَنِي إِلَيْكَ، وَتُنْعِمَ عَلَيَّ، وَتَتَجَاوَزَ عَمَّا قَدَّمْتُ أَوْ أَخَّرْتُ، وَتُخَلِّصَنِي مِنَ النَّارِ وَتُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، يَوْمَ تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ؛ فَإِنَّكَ تَرْحَمُ مَنْ تَشَاءُ وَتُعَذِّبُ مَنْ تَشَاءُ، وَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

وَأَمَّا بَعْدُ..

يَا إِخْوَتِي وَأَخَوَاتِيَ الْمُسْلِمُونَ! اعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَوْشَكَتْ عَلَى نِهَايَتِهَا، وَحَانَ آخِرُ الزَّمَانِ، وَبَزَغَ فَجْرُ الْمَوَاعِيدِ. الْآنَ نَعِيشُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي عَصْرٍ قَدْ عَمَّ فِيهِ الْفِتْنَةُ وَالْهَرْجُ جَمِيعَ الْأَرْجَاءِ، وَشَاعَ فِيهِ الظُّلْمُ وَالْفَسَادُ، وَكَثُرَتِ الشُّبْهَةُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ «شُبْهَةً» لِأَنَّهَا تُوقِعُ الْإِنْسَانَ فِي «الْإِشْتِبَاهِ»، وَتَجْعَلُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ «مُشْتَبِهَيْنِ». فَلَوْ كَانَ الْحَقُّ وَاضِحًا لَمْ يَخْفَ عَلَى أَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ الْبَاطِلُ سَافِرًا لَافْتَضَحَ عِنْدَ الْجَمِيعِ، لَكِنَّ الْحَقَّ يَتَوَارَى خَلْفَ سُحُبِ الْبَاطِلِ، وَالْبَاطِلَ يَتَقَنَّعُ بِقِنَاعِ الْحَقِّ، وَهُنَالِكَ يَصْعُبُ تَمْيِيزُهُمَا.

لَقَدْ عَلِمَ الشَّيْطَانُ أَنَّهُ إِنْ يَدْعُكُمْ إِلَى الْبَاطِلِ وَيَأْمُرْكُمْ بِالضَّلَالَةِ صَرَاحَةً، لَا تُجِيبُوا دَعْوَتَهُ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَهُ، وَلِذَلِكَ عَنِ الْيَمِينِ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْحَقِّ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْهِدَايَةِ، وَعَنِ الشِّمَالِ يُزَيِّنُ لَكُمُ الْبَاطِلَ حَتَّى تَرَوْهُ حَقًّا، وَيُسَوِّلُ لَكُمُ الضَّلَالَةَ حَتَّى تَحْسَبُوهَا هِدَايَةً! هُنَالِكَ تُجِيبُونَ دَعْوَتَهُ وَتُطِيعُونَ أَمْرَهُ، فَتَقَعُونَ فِي الْبَاطِلِ شَوْقًا إِلَى الْحَقِّ، وَتَخْضَعُونَ لِلضَّلَالَةِ بِاسْمِ الْهِدَايَةِ، وَعَصْرُنَا طَافِحٌ بِهَذِهِ الشُّبُهَاتِ؛ الشُّبُهَاتِ الَّتِي أَغْوَتْ شَبَابَكُمْ وَأَتَاهَتْ شُيُوخَكُمْ؛ الشُّبُهَاتِ الَّتِي عَسَّرَتْ عَلَيْكُمُ الْعِيشَةَ وَأَذْهَبَتْ مِنْ مَوَائِدِكُمُ الْبَرَكَةَ؛ الشُّبُهَاتِ الَّتِي أَضْعَفَتْ عُقُولَكُمْ وَأَقْسَتْ قُلُوبَكُمْ؛ الشُّبُهَاتِ الَّتِي أَعْمَتْ أَبْصَارَكُمْ لِكَيْ لَا تَرَوْا، وَأَصَمَّتْ آذَانَكُمْ لِكَيْ لَا تَسْمَعُوا، وَسَدَّتْ أَفْوَاهَكُمْ لِكَيْ لَا تَتَكَلَّمُوا!

كَمْ مِنْ بَاطِلٍ فِي عَصْرِنَا تَحْسَبُونَهُ حَقًّا، وَكَمْ مِنْ حَقٍّ فِي عَصْرِنَا تَحْسَبُونَهُ بَاطِلًا! كَمْ مِنْ ضَلَالَةٍ فِي عَصْرِنَا تَحْسَبُونَهَا هِدَايَةً، وَكَمْ مِنْ هِدَايَةٍ فِي عَصْرِنَا تَحْسَبُونَهَا ضَلَالَةً! كَمْ مِنْ كَذِبٍ فِي عَصْرِنَا تَحْسَبُونَهُ صِدْقًا، وَكَمْ مِنْ صِدْقٍ فِي عَصْرِنَا تَحْسَبُونَهُ كَذِبًا! كَمْ مِنْ خَطَإٍ فِي عَصْرِنَا تَحْسَبُونَهُ صَحِيحًا، وَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ فِي عَصْرِنَا تَحْسَبُونَهُ خَطَأً! كَمْ مِنْ سَيِّئَةٍ فِي عَصْرِنَا تَحْسَبُونَهَا حَسَنَةً، وَكَمْ مِنْ حَسَنَةٍ فِي عَصْرِنَا تَحْسَبُونَهَا سَيِّئَةً! فِي حِينٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْهَيِّنِ عَدَمُ مَعْرِفَتِكُمْ بِالْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْهِدَايَةِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَالصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ، وَالصَّحِيحِ مِنَ الْخَطَإِ، وَالْحَسَنَةِ مِنَ السَّيِّئَةِ، بَلْ لَهُ عُقُوبَةٌ عَظِيمَةٌ وَعَوَاقِبُ وَخِيمَةٌ، وَقَدْ يَنْتَهِي إِلَى مُصِيبَةٍ مُنْهِكَةٍ وَشَقَاوَةٍ أَبَدِيَّةٍ!

انْظُرُوا مَاذَا يُصِيبُكُمْ إِنْ لَمْ تَعْرِفُوا الْعَدُوَّ مِنَ الصَّدِيقِ، أَوِ الذِّئْبَ مِنَ الضَّأْنِ، أَوِ الْمُوسَى مِنَ الْقُطْنِ، أَوِ السَّمَّ مِنَ الدَّوَاءِ؟! فَإِنَّ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ بِمَنْزِلَةِ الصَّدِيقِ وَالْعَدُوِّ، وَالْهِدَايَةَ وَالضَّلَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الضَّأْنِ وَالذِّئْبِ، وَالصِّدْقَ وَالْكَذِبَ بِمَنْزِلَةِ الْقُطْنِ وَالْمُوسَى، وَالصَّحِيحَ وَالْخَطَأَ بِمَنْزِلَةِ الدَّوَاءِ وَالسَّمِّ، إِنْ لَمْ تَعْرِفُوا أَحَدَهُمَا مِنَ الْآخَرَ لَتَكُونُنَّ مِنَ الْهَالِكِينَ! هُنَالِكَ يُصْبِحُ جَهْلُ الْإِنْسَانِ أَعْدَى عَدُوِّهِ، وَغَفْلَتُهُ آفَةَ حَيَاتِهِ! لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عَدَوٌّ أَعْدَى مِنْ جَهْلِهِ، وَلَا شَيْءَ أَضَرُّ بِالْآدَمِيِّ مِنْ غَفْلَتِهِ! مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَاحْذَرُوا مِنْ جَهْلِكُمْ أَكْثَرَ مِنَ الْعَدُوِّ، وَاخْشَوْا مِنْ غَفْلَتِكُمْ أَكْثَرَ مِنَ الذِّئْبِ، وَتَحَرَّزُوا مِنْ غَبَاوَتِكُمْ أَكْثَرَ مِنَ الْمُوسَى، وَتَوَقَّوْا مِنْ سَهْوِكُمْ أَكْثَرَ مِنَ السَّمِّ؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ وَالذِّئْبَ وَالْمُوسَى وَالسَّمَّ أَجْسَامٌ تَضُرُّ أَجْسَامَكُمْ، وَالْجَهْلَ وَالْغَفْلَةَ وَالْغَبَاوَةَ وَالسَّهْوَ أَرْوَاحٌ تُهْلِكُ أَرْوَاحَكُمْ!

فَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ خَاضُوا فِي عِيشَتِهِمْ، وَاعْتَادُوا عَلَى خَوْضِهِمْ، وَتَأَصَّلُوا فِي اعْتِيَادِهِمْ، وَاسْتَغْلَظُوا فِي تَأَصُّلِهِمْ، وَلَا يَعْرِفُونَ أَيًّا مِنْ أَيٍّ! يَا إِخْوَانِي وَأَخَوَاتِيَ الرُّقُودُ! أَفِيقُوا، وَاسْتَيْقِظُوا، وَقُومُوا! فَوَاللَّهِ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنَ «الْمَعْرِفَةِ»، وَلَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُكُمْ إِلَّا «بِالْعِلْمِ». الْآنَ يَدْعُوكُمُ الْمَعْرِفَةُ كَمَلَكٍ، وَيُنَادِيكُمُ الْعِلْمُ كَنَبِيٍّ، صَائِحًا فِي أَسْوَاقِكُمْ، وَهَاتِفًا عَلَى سُطُوحِ بُيُوتِكُمْ، أَنْ «يَا أَيُّهَا الْغَافِلُونَ! قَدْ أَدْبَرَ لَيْلُ الْغَفْلَةِ، وَطَلَعَ فَجْرُ الْمَعْرِفَةِ. فَالْآنَ اسْتَيْقِظُوا، وَسَارِعُوا إِلَيَّ، وَلَا يَصُدَّنَّكُمْ عَنِّي شَيْءٌ؛ لِأَنِّي أَكْثَرُ ضَرُورَةً لَكُمْ مِنْ قُوتِ يَوْمِكُمْ، وَأَكْثَرُ نَفْعًا لَكُمْ مِنْ مَكَاسِبِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ. أَنَا الْوَحِيدُ الَّذِي يَبْقَى مَعَكُمْ، وَلَا يُفَارِقُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ أَمْوَالَكُمْ تَفْنَى، وَأَزْوَاجَكُمْ تَمُوتُ، وَأَوْلَادَكُمْ تَفْتَرِقُ، وَلَكِنِّي لَا أَفْنَى وَلَا أَمُوتُ وَلَا أُفَارِقُكُمْ أَبَدًا، بَلْ أَحْفَظُكُمْ كَمَا أَحْفَظُ نَفْسِي، وَأُوصِلُكُمْ مَعِي إِلَى الْخُلُودِ. إِنْ كُنْتُ مَعَكُمْ لَمْ يَضُرَّكُمْ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ مَعَكُمْ لَمْ يَنْفَعْكُمْ شَيْءٌ. فَأَيُّ صَادٍّ يَصُدُّكُمْ عَنِّي، وَأَيُّ مُغْنٍ يُغْنِيكُمْ عَنِّي؟!»، هَكَذَا يَدْعُوكُمُ الْمَعْرِفَةُ إِلَى نَفْسِهَا، وَيُنَادِيكُمُ الْعِلْمُ إِلَى نَفْسِهِ. فَأَجِيبُوا دَعْوَةَ الْمَعْرِفَةِ، وَاسْمَعُوا نِدَاءَ الْعِلْمِ. قُومُوا لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَاهْتَمُّوا بِتَعَلُّمِ الصَّحِيحِ مِنَ الْخَطَإِ؛ وَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟! وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ قِوَامُ إِنْسَانِيَّتِكُمْ، وَتَعَلُّمُ الصَّحِيحِ وَالْخَطَإِ أَسَاسُ شَخْصِيَّتِكُمْ. كَيْفَ يُسَمِّي نَفْسَهُ إِنْسَانًا مَنْ يُبْغِضُ الْمَعْرِفَةَ؟! وَلِمَ لَا يُسَمِّي نَفْسَهُ فَرَسًا مَنْ هُوَ بَعِيدٌ مِنَ الْعِلْمِ؟! عِلْمُ الْإِنْسَانِ عِمَادُ شَرَفِهِ، وَمَعْرِفَتُهُ سَبَبُ عِزَّتِهِ. لَا أَعْنِي بِالْمَعْرِفَةِ الرِّيَاضِيَّاتِ وَالْهَنْدَسَةَ وَمَا شَابَهَهُمَا، وَلَا أُرِيدُ بِالْعِلْمِ الْفِقْهَ وَالْأُصُولَ وَالْمَنْطِقَ وَالْفَلْسَفَةَ! هَذِهِ كُلُّهَا فَضْلٌ قَدْ أَصْبَحَ الْيَوْمَ فِتْنَةً، وَلَا تَقُومُ عَلَيْهَا إِنْسَانِيَّتُكُمْ! إِنَّمَا أُرِيدُ بِالْعِلْمِ تَمْيِيزَ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَأَعْنِي بِالْمَعْرِفَةِ تَشْخِيصَ الْهِدَايَةِ مِنَ الضَّلَالَةِ. كَمْ مِنْ فَقِيهٍ وَفَيْلَسُوفٍ قَدْ أُدْخِلَ النَّارَ، وَكَمْ مِنْ طَبِيبٍ وَمُهَنْدِسٍ لَمْ يَنَالِ الْفَلَاحَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْهِدَايَةَ مِنَ الضَّلَالَةِ!

أَلَا يَا طُلَّابَ الْجَامِعَاتِ وَالْمَدَارِسِ الدِّينِيَّةِ! أَرَاكُمْ خَائِضِينَ فِي دُرُوسِكُمْ وَبُحُوثِكُمْ، وَلَا عِلْمَ لَكُمْ بِالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ! الْيَوْمَ هَذِهِ الدُّرُوسُ وَهَذِهِ الْبُحُوثُ فِتْنَةٌ لَكُمْ!

أَلَا يَا أَيُّهَا الْمُجْتَهِدُونَ وَالْمُقَلِّدُونَ! أَرَاكُمْ خَائِضِينَ فِي اجْتِهَادِكُمْ وَتَقْلِيدِكُمْ، وَلَا عِلْمَ لَكُمْ بِالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ! الْيَوْمَ هَذَا الْإِجْتِهَادُ وَهَذَا التَّقْلِيدُ فِتْنَةٌ لَكُمْ!

أَلَا يَا أَيُّهَا الْخُطَبَاءُ وَأَصْحَابُ الْمَنَابِرِ! أَرَاكُمْ خَائِضِينَ فِي خُطَبِكُمْ وَمَنَابِرِكُمْ، وَلَا عِلْمَ لَكُمْ بِالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ! الْيَوْمَ هَذِهِ الْخُطَبُ وَهَذِهِ الْمَنَابِرُ فِتْنَةٌ لَكُمْ!

أَلَا يَا أَيُّهَا الْمُوَظَّفُونَ وَالْكَسَبَةُ! أَرَاكُمْ خَائِضِينَ فِي وَظِيفَتِكُمْ وَكَسْبِكُمْ، وَلَا عِلْمَ لَكُمْ بِالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ! الْيَوْمَ هَذِهِ الْوَظِيفَةُ وَهَذَا الْكَسْبُ فِتْنَةٌ لَكُمْ!

أَلَا يَا مَعْشَرَ النَّاسِ! أَيْنَمَا أَنْظُرْ أَجِدْكُمْ غَارِقِينَ فِي مَعَايِشِكُمْ، وَمُسْتَتِرِينَ فِي بُيُوتِكُمْ! لَقَدْ أَهَمَّتْكُمْ أَنْفُسُكُمْ، وَلَا عِلْمَ لَكُمْ بِالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ! أَدْمَنْتُمْ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ لِحَيَاتِكُمُ، وَارْتَبَكْتُمْ فِي مُسْتَنْقَعِ تَعَلُّقَاتِكُمْ! لَمْ تَعُودُوا تُبَالُونَ بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَلَمْ تَعُودُوا تَسْأَلُونَ عَنْ تَعَلُّمِ الصَّحِيحِ وَالْخَطَإِ! لَقَدْ تَسَاوَى عِنْدَكُمُ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَكُمْ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْخَطَإِ! لَقَدْ أَرَحْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَضَايَا، وَبَالُكُمْ مَشْغُولٌ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ! عَمَلُ الْخَارِجِ أَلْهَاكُمْ عَنْ عَمَلِ الدَّاخِلِ، وَطَلَبُ الْمَالِ وَالدَّرَجَةِ أَلْهَاكُمْ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ. تَقُولُونَ: «إِنَّ مَشَاكِلَ الْحَيَاةِ تَصُدُّنَا عَنِ الْمَعْرِفَةِ، وَنَوَائِبَ الدُّنْيَا تَمْنَعُنَا مِنَ الْعِلْمِ»! مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْمَعْرِفَةِ قَدْ خَلَقَ لَكُمُ الْمَشَاكِلَ، وَعَدَمَ الْعِلْمِ قَدْ سَبَّبَ لَكُمُ النَّوَائِبَ! مَا مِنْ مُشْكِلَةٍ إِلَّا وَقَدِ انْبَعَثَتْ مِنْ جَهْلِكُمْ، وَمَا مِنْ نَائِبَةٍ إِلَّا وَقَدْ تَوَلَّدَتْ مِنْ غَفْلَتِكُمْ!

الْمَعْرِفَةُ تَنْصُرُ صَاحِبَهَا، وَالْعِلْمُ يُنْجِي صَدِيقَهُ. هَذَانِ لَكُمْ كَالْمَاءِ لِلْعَطْشَانِ، وَالطَّعَامِ لِلْجَائِعِ، وَالدَّلِيلِ لِلتَّائِهِ، وَالْأَنِيسِ لِلْوَحِيدِ. هَذَانِ ظَهِيرٌ لَكُمْ، وَعَصًا لِأَيْدِيكُمْ. هَذَانِ دَوَاءٌ لِأَدْوَائِكُمْ، وَبَلْسَمٌ لِجُرُوحِكُمْ. هَذَانِ مِفْتَاحٌ لِأَبْوَابِكُمُ الْمُغْلَقَةِ، وَبَوَّابَةٌ إِلَى سَعَادَتِكُمْ. هَذَانِ رَأْسُ مَالِكُمْ فِي يَوْمِ حَاجَتِكُمْ، وَمُغِيثُكُمْ فِي يَوْمِ مَسْكَنَتِكُمْ. هَذَانِ لَكُمْ قَادَةٌ لَا يُضِلُّونَ، وَحُكَّامٌ لَا يَظْلِمُونَ. هَذَانِ لَكُمْ بُيُوتٌ لَا تَنْهَارُ، وَأَرَاضٍ دَائِمَةُ الْخَضَارِ. هَذَانِ لَكُمْ أَمْوَالٌ لَا تُسْرَقُ، وَعُمَّالٌ لَا تَنِي. هَذَانِ لَكُمْ أَزْوَاجٌ لَا تُفَارِقُ، وَأَوْلَادٌ لَا تَجْفُو. هَذَانِ لَكُمْ أَصْدِقَاءُ لَنْ يَخُونُوا، وَرُفَقَاءُ لَنْ يَخْذُلُوا. فَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِمَا، وَلَا يَصُدَّنَّكُمْ عَنْهُمَا شَيْءٌ. اعْرِفُوا الصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ، وَالصَّحِيحَ مِنَ الْخَطَإِ؛ فَإِنَّ عَدَمَ الْمَعْرِفَةِ سَارِقُ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، وَعَدَمَ التَّمْيِيزِ سَبَبُ نَدَامَتِكُمْ.

أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: الْجَهْلُ فِي هَذَا الزَّمَانِ ذَنْبٌ لَا يُغْتَفَرُ وَخَطَأٌ لَا يُتَدَارَكُ. فِي هَذَا الزَّمَانِ، إِنْ لَا تَعْرِفُوا الْحَقَّ تُخْدَعُوا، وَإِنْ لَا تَمِيزُوا الْهِدَايَةَ تُغَرُّوا؛ إِنَّ شَيَاطِينَ الْجِنِّ يَبِيعُونَكُمُ الْبَاطِلَ بَدَلًا مِنَ الْحَقِّ، وَشَيَاطِينَ الْإِنْسِ يُطْعِمُونَكُمُ الضَّلَالَةَ بِاسْمِ الْهِدَايَةِ. لَا يَزَالُ يُوجَدُ مُنْتَهِزُونَ يَنْتَهِزُونَ جَهْلَكُمْ وَيَسْتَغِلُّونَ غَفْلَتَكُمْ، لِيَتَسَبَّبُوا بِكُمْ إِلَى السُّلْطَةِ وَالثَّرْوَةِ، فَيَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ وَأَنْفُسَكُمْ. فَلَوْ كُنْتُمْ وَاعِينَ لَمْ يَتَسَلَّطُوا عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كُنْتُمْ فَاطِنِينَ لَمْ يَتَغَلَّبُوا عَلَيْكُمْ. أَلَيْسَ يَقْصُدُ السَّارِقُ الْبَيْتَ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَيَقَعُ السَّمَكُ فِي الشَّبَكَةِ فِي الْمَاءِ الْعَكِرِ؟! كُونُوا عَلَى حَذَرٍ، وَلَا تَظِلُّوا جَاهِلِينَ وَغَافِلِينَ بَعْدَ هَذَا. بَادِرُوا إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَاسْعَوْا لِتَشْخِيصِ الْهِدَايَةِ مِنَ الضَّلَالَةِ، قَبْلَ أَنْ يَفُوتَكُمُ الْأَوَانُ...

أَلَيْسَ فِيكُمْ رَجُلٌ عَاقِلٌ يَتَلَقَّى حِكْمَتِي، وَامْرَأَةٌ فَاهِمَةٌ تَقْبَلُ نَصِيحَتِي؟! أَيْنَ فُطُنُكُمْ لِيَفْقَهُوا قَوْلِي، وَمَنْ وُعَاتُكُمْ لِيُجِيبُوا دَعْوَتِي؟! طُوبَى لِلَّذِينَ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ؛ لِأَنَّهُمْ سَيُفْلِحُونَ، وَتَعْسًا لِلَّذِينَ يَتَمَادَوْنَ فِي الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُمْ سَيَشْقَوْنَ...

المشاركة
شارك هذا مع أصدقائك، لتساهم في نشر العلم؛ فإنّ من شكر العلم تعليمه للآخرين.
البريد الإلكتروني
تلجرام
فيسبوك
تويتر
يمكنك أيضًا قراءة هذا باللغات التالية:
إذا كنت تجيد لغة أخرى، قم بترجمة هذا إليها، وأرسل لنا ترجمتك لنشرها على الموقع. [استمارة الترجمة]
تحميل مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
الكتاب: الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
الناشر: مكتب المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى
رقم الطبعة: الخامسة
تاريخ النشر: غرّة شعبان ١٤٤٥ هـ
مكان النشر: طالقان؛ أفغانستان