في مساء خانق من تموز، اشتعلت ألسنة اللّهب في قلب محافظة الكوت، تلتهم هايبر ماركت ضخمًا كان يعجّ بالمتسوّقين والموظّفين، وتحوّله إلى رماد ودخان وأحزان تتصاعد مع الهواء الساخن. لم يكن الحريق مجرّد كارثة عرضيّة، بل مشهدًا مأساويًّا آخر يُضاف إلى سلسلة طويلة من المصائب التي تفتك بالعراق، تحت أعين حكومة عاجزة، وساسة لا يرون إلا مصالحهم، وأجهزة إنقاذ بالكاد تنهض بمعدّاتها المتهالكة.
لم تصل فرق الدفاع المدنيّ إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن فقد الأهالي كلّ أمل. وصلت متأخّرة، قليلة العدد، ضعيفة المعدّات، تشكو قلّة التدريب وكثرة الإهمال. وقف رجال الإطفاء وجهًا لوجه مع نار لا ترحم، دون سترات واقية أو أدوات حديثة، بينما كان الناس يصرخون، يستغيثون، ويبحثون في الركام عن أحبّتهم، بلا جدوى.
لم تكن هذه هي المرّة الأولى التي يخذل فيها هذا النظام شعبه. كم من فاجعة سبقتها، وكم من أرواح زهقت في حرائق المستشفيات والأسواق والمراكز الحكوميّة! في كلّ مرة، تُعاد الأسطوانة ذاتها: «التحقيق جارٍ»، و«سوف نحاسب المقصّرين»، ولا شيء يحدث بعدها سوى مزيد من النسيان، ومزيد من الحرائق.
السياسيّون الذين تقاسموا خيرات البلاد، لم يوفّروا لهذا الشعب البائس حتى أبسط حقوقه في الحماية والكرامة. في بلد تُسرق فيه المليارات، تُترك أجهزة الدفاع المدنيّ بلا تمويل، والمباني بلا رقابة، والناس بلا أمان. كلّ هذا يحدث، والعدالة لا تُطبّق، والضمائر لا تهتزّ.
في الكوت، لم يكن الحريق مجرّد نار في جدران وسقف، بل صرخة جديدة من العراق، بلد يشتعل منذ عقود، من دون منقذ، ومن دون رحمة. وبين الرماد المتناثر والدّموع، تبقى الحقيقة الأكثر مرارة: أنّ الحريق الأكبر لم يكن في السوق، بل في قلوب العراقيّين، في وطنهم المسروق، في عدالة لا تأتي، وفي وطن يستغيث ولا مجيب.
وإنّا، رغم كلّ هذا الألم، لا نزال ننتظر الفرج. ننتظر أن يُبعث في هذا الظلام قبسٌ من نور، يبدّد اليأس من صدورنا، ويعيد للعراق هيبته وعدالته. ننتظر المهديّ الذي وعده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لمثل هذا الزمان؛ لعلّه يظهر قريبًا بإذن اللّه، ليكون مظهرًا لحكم اللّه الذي لا يُظلم فيه أحد، ولا يُترك فيه شعبٌ للموت بلا حساب، وليُثلج صدورنا بقبضته على رقاب الفساد، ورفعه راية الإنصاف فوق كلّ مدينة أُحرقت، وكلّ دمعة أمّ سالت، وكلّ صرخة طفل مات بلا ذنب؛ فقد رُفع صوت الدعوة إليه من أرض خراسان، رفعه السيّد المنصور الهاشميّ، ذلك العبد الصالح، وهو يبلغ كلّ بلدة من بلاد المسلمين، ليكون تمهيدًا لظهور المهديّ.
إنّ رجاء ظهور المهديّ ليس رجاء انتقام، بل رجاء عدالة غابت، وكرامة دُفنت تحت ركام الإهمال والظلم؛ فسيظهر دون أدنى شكّ، إذا سمع المسلمون صوت الدعوة إليه، فأجابوها بقلوبهم وألسنتهم وأيديهم، معرضين عن جميع الدعوات الباطلة التي لم تزل تشغلهم وتلهيهم عن إمامهم المنتظر ومنقذهم الوحيد؛ كما قال اللّه لهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾[١]، والعاقبة للمتّقين.