الثلاثاء ٢٢ ربيع الآخر ١٤٤٧ هـ الموافق لـ ١٤ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢٥ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الكتب: تمّ نشر الكتاب القيّم «مناهج الرّسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ مجموعة أقوال السيّد العلّامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. جديد الأسئلة والأجوبة: ما هو رأيكم في الخبر الذي رواه الطوسيّ في كتاب «الغيبة» (ص٤٤٧) بإسناده عن الإمام جعفر الصادق أنّه قال: «من يضمن لي موت عبد اللّه أضمن له القائم»، يعني المهديّ، ثم قال: «إذا مات عبد اللّه لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء اللّه». هل هذا الخبر صحيح أم غير صحيح؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر ملاحظة جديدة بعنوان «عن حال العراق اليوم» بقلم «منتظر». اضغط هنا لقراءتها. جديد الشبهات والردود: لا شكّ أنّ رايتكم راية الحقّ؛ لأنّها تدعو إلى المهديّ بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ولكن قد تأخّر ظهورها إلى زمان سوء. فلما لم تظهر قبل ذلك، ولما تأخّرت حتّى الآن؟! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٢. اضغط هنا لقراءته. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الأقوال: ثلاثة أقوال من جنابه في حكم التأمين. اضغط هنا لقراءتها. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
موانع العودة إلى الإسلام؛ حاكميّة غير اللّه

إنّ الإستناد إلى أساس حكومة عدد من الصّحابة والحكّام من بعدهم لمعرفة أساس الحكومة في الإسلام، مخالف للقاعدة ولا أصل له في الشّرع؛ كما هو في تناقض واضح مع العقل؛ لأنّ استيجاب مبايعة المسلمين من لا يرضى حكومته إلّا واحد أو عدّة منهم سفاهة؛ كما أنّ استيجاب مبايعتهم من لا يرضى حكومته إلّا الحاكم السّابق غير عقلانيّ، واستيجاب مبايعتهم من استولى على السّلطة بسفك دماء المسلمين مستهجن. [العودة إلى الإسلام، ص١٤٠ و١٤١]

موانع العودة إلى الإسلام؛ حاكميّة غير اللّه

إنّ الإستناد في أساس الحكومة في الإسلام، كالإستناد في سائر العقائد والأعمال، يجب أن يكون إلى الإسلام نفسه، لا إلى أقوال بعض المسلمين وأفعالهم، والحكومة في الإسلام نوعان لا ثالث لهما: أحدهما حكومة اللّه، والآخر حكومة الطاغوت. أمّا حكومة اللّه فهي حكومة من يحكم بأمر اللّه؛ كحكومة آل إبراهيم عليه السّلام الذين قال اللّه فيهم: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا، وأمّا حكومة الطاغوت فهي حكومة من يحكم بغير أمر اللّه؛ كحكومة آل فرعون الذين قال اللّه فيهم: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ. بناء على هذا، فإنّ حكومة من عيّنه اللّه فيها هي حكومة اللّه، وحكومة من لم يعيّنه اللّه فيها هي حكومة الطاغوت، وهذه قاعدة بسيطة وبيّنة للغاية. [العودة إلى الإسلام، ص١٤١]

موانع العودة إلى الإسلام؛ حاكميّة غير اللّه

من الواضح أنّ الولاية في الإسلام للّه وحده؛ كما قال: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ... لأنّه وحده، بمقتضى علمه الكامل وقدرته الفريدة، له أهليّة الولاية، وبالتّالي لا يجوز اتّخاذ وليّ غيره، بل يعتبر ذلك شركًا؛ كما قال: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ... من الواضح أنّ اختصاص الولاية باللّه يعني أنّها ناشئة من اللّه وحده، واللّه مؤتيها، وعلى هذا فإنّ اتّخاذ وليّ من دونه يعني قبول ولاية من لم يؤته اللّه من عنده ولاية؛ كما قال بصراحة: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ. [العودة إلى الإسلام، ص١٤٢ و١٤٣]

موانع العودة إلى الإسلام؛ حاكميّة غير اللّه

إنّ البيعة في الإسلام للّه وحده، وليست من الجائز مبايعة غيره، وكلّ من بويع له من دونه فهو طاغوت، وطبعًا تتحقّق مبايعة اللّه من خلال مبايعة من أمر اللّه بمبايعته؛ كما أمر بمبايعة نبيّه وقال اعتبارًا لذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا؛ كما أنّ مبايعة الآخرين، بالنّظر إلى أنّ اللّه لم يأمر بمبايعتهم، تعتبر مبايعة الشيطان وقبول ولاية ذلك الملعون المطرود بدلًا من ولاية اللّه؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ. [العودة إلى الإسلام، ص١٤٣]

موانع العودة إلى الإسلام؛ حاكميّة غير اللّه

إنّ الحكّام الحاليّين في الأرض، بما أنّهم لم يتعيّنوا من عند اللّه، فقد تعيّنوا من عند الشيطان، وحكمهم يتماشى مع تحقيق سيطرته على الأرض، سواء علموا ذلك أم لم يعلموا. كما أنّ رجالًا من المسلمين في البلاد الإسلاميّة، الذين قد وجدوا السّاحة فارغة والفرصة سانحة في هذه الأيّام، وبدعم من بعض الحديد وأناس اجتمعوا حولهم، يدعون المسلمين إلى بيعتهم ويسمّون أنفسهم خليفة أو أميرًا لهم، ليسوا على شيء، ويخدمون الشيطان عن قصد أو عن غير قصد؛ لأنّ اللّه لم يعيّنهم لهذا الأمر ولم يأمرهم به، وهم ملمّون ومذعنون بهذه الحقيقة. [العودة إلى الإسلام، ص١٤٤]

جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه، يعظه فيها ويخوّفه من اللّه.

لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا؛ فَلَا ظُلْمَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. هُوَ الَّذِي يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَيُدِيرُ دَوْرَةَ الْحَيَاةِ. هُوَ الشَّارِعُ وَالْحَاكِمُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُهُ. لَا تَسْأَلْ حَاجَتَكَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا تَحْلِفْ إِلَّا بِاسْمِهِ. لَا تَسْتَغِثْ بِغَائِبٍ، وَلَا تَعْقِدْ عَلَى قَبْرٍ. لَا تَتَوَسَّلْ بِشَجَرٍ، وَلَا تَسْتَعِذْ بِحَجَرٍ. لَا تُطِعْ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ، أَعْنِي مَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ. إِنَّ اللَّهَ يَكْفِيكَ، وَلَسْتَ بِحَاجَةٍ إِلَى غَيْرِهِ. احْذَرْهُ، وَاحْتَطْ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِهْلَاكِكَ. اسْلُكْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُلُوكًا حَسَنًا، لِكَيْ لَا يَغْضِبَ عَلَيْكَ، فَيَضْرِبَكَ، فَتُلْقَى فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ. ابْتَغِ رِضْوَانَهُ، لِيَلْطُفَ بِكَ، وَيُوصِلَكَ إِلَى مَا تُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا اتَّخَذَ أَحَدًا وَلِيًّا آتَاهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَإِذَا اتَّخَذَهُ عَدُوًّا فَلَا تَدْرِي مَا يَفْعَلُ بِهِ! [الرسالة الثالثة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه، يعظه فيها ويخوّفه من اللّه.

اتَّقِ اللَّهَ لِتَزْكُوَ؛ فَإِنَّ التَّقْوَى مِنْهُ كَمَاءٍ سَاخِنٍ، يُزِيلُ الْوَسَخَ، وَيُذْهِبُ الْبُقْعَةَ. اعْتَقِدْهُ حَاضِرًا فِي الْخَلْوَةِ وَنَاظِرًا فِي الظُّلْمَةِ، لِكَيْ لَا تُغِرَّكَ الظُّلْمَةُ، وَلَا تُجَرِّئَكَ الْخَلْوَةُ. إِنَّهُ الْقَاضِي، وَالشَّاهِدُ، وَالْمُدَّعِي، وَآخِذُ الْمُجْرِمِ، وَمُعَاقِبُهُ. فَهَلِ الْمُجْرِمُ لَا يُبَالِي بِالشَّاهِدِ، وَلَا يَخَافُ مِنَ الْقَاضِي؟! إِنَّهُ يَعْلَمُ مَكْرَكَ حِينَ تَمْكُرُ، وَيَسْمَعُ نَجْوَاكَ حِينَ تُنَاجِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. أَفَلَا تَهْتَمُّ بِعِرْضِكَ، وَلَا تَسْتَحْيِي مِنَ الْحَاضِرِ وَالنَّاظِرِ؟! [الرسالة الثالثة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه، يعظه فيها ويخوّفه من اللّه.

مَاذَا تَفْعَلُ عِنْدَمَا يَأْتِي الْمَوْتُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ، وَيُوضَعُ الْمِيزَانُ، وَتُسْعَرُ الْجَحِيمُ؟! فَهَلْ يُنْجِيكَ الْمَالُ أَمِ الْإِيمَانُ، وَيَنْفَعُكَ الْمَنْصِبُ أَمِ التَّقْوَى؟! كُنْ مُؤْمِنًا لِتَعِيشَ، وَلَازِمِ التَّقْوَى لِتَسْعَدَ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ لَا إِيمَانَ لَهُمْ سَيَهْلِكُونَ، وَالَّذِينَ لَا تَقْوَى لَهُمْ سَيَشْقَوْنَ؛ كَالَّذِينَ قَدِ ارْتَدُّوا عَنْ دِينِهِمْ، فَيَقُولُونَ: «لَا إِلَهَ»، وَيَقُولُونَ: «مَا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ؟!»، وَيَسْخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ نَسُوا أَيَّامَ اللَّهِ، وَتَجَاهَلُوا آيَاتِهِ، وَفَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ تَرَكُوا عُقُولَهُمْ وَيَعِيشُونَ عِيشَةَ الْبَهَائِمِ؛ أَوْ كَالَّذِينَ قَدْ وَهَنُوا فِي دِينِهِمْ، فَلَا يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَلَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَلَا يَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَيَأْكُلُونَ الرِّبَا، وَيَتَّبِعُونَ الشَّهْوَةَ، وَيَخُوضُونَ الْبَاطِلَ، لِيُنَجِّسُوا الْأَرْضَ بِالْفُجُورِ وَيَمْلَؤُوهَا بِالْفِسْقِ، لِتَزُولَ عَنْهَا الْبَرَكَةُ، وَيَنْزِلَ عَلَيْهَا الْبَلَاءُ، وَلَا يَكُونَ مُنْقِذٌ. فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، بَلْ أَمْسِكْ إِيمَانَكَ وَإِنْ هَبَّ الْكُفْرُ كَإِعْصَارٍ، وَلَا يَهِنَ تَقْوَاكَ وَإِنْ هَزَّ الْإِثْمُ كَزِلْزَالٍ؛ لِأَنَّ الصَّابِرِينَ هُمْ أَوْتَادُ الْأَرْضِ، أَوْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ. بِيُمْنِهِمْ تُنَزَّلُ النِّعْمَةُ، وَيُؤَخَّرُ الْعَذَابُ. [الرسالة الثالثة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه فيها ينذر باشتداد البلاء، ويبيّن سببه وطريقة منعه.

تَحْتَرِقُ الدُّنْيَا فِي حَرِيقِ الْبَلَاءِ، وَهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ! يَقُولُونَ: مَا سَبَبُ هَذَا الْوَبَاءِ؟! وَهَذَا الْجَفَافِ وَالْحَرِّ الْقَاتِلِ؟! وَهَذِهِ السُّيُولِ وَالزَّلَازِلِ الْمُتَتَالِيَةِ؟! وَهَذَا الْفَقْرِ وَغَلَاءِ الْأَسْعَارِ؟! وَهَذَا الْخَوْفِ وَالْإِضْطِرَابِ الْعَامِّ؟! هَلْ هُوَ خَطَأُ إِنْسَانٍ، أَمْ مُؤَامَرَةٌ، أَمْ حَدَثٌ طَبِيعِيٌّ؟! هُوَ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ! وَقَدْ تَسَبَّبَ عَنْ عَقَائِدِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ! أَحَسِبْتُمْ أَنَّكُمْ إِنْ تَكْفُرُوا، وَتُعْرِضُوا عَنِ اللَّهِ وَخَلِيفَتِهِ فِي الْأَرْضِ، وَتَتَّخِذُوا حُكَّامًا مِنْ دُونِهِ، لَنْ يَنَالَكُمْ مَكْرُوهٌ؟! أَمْ حَسِبْتُمْ أَنَّكُمْ إِنْ تَظْلِمُوا، وَتَسْفِكُوا الدِّمَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَتَأْكُلُوا أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَتَغْرِقُوا فِي أَكْلِ الرِّبَا وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، وَتَزِيدُوا ذَنْبًا عَلَى ذَنْبٍ، لَنْ تَكُونَ لَهُ تَبِعَةٌ؟! كَلَّا! ثُمَّ كَلَّا! بَلْ سَيُصْبِحُ كُفْرُكُمْ نَارًا تُحْرِقُكُمْ، وَذُنُوبُكُمْ إِعْصَارًا يُذْهِبُكُمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فِي الْمَغَارَاتِ وَشُقُوقِ الصُّخُورِ وَالْمَنَاطِقِ النَّائِيَةِ! فَهَلْ تَسْتَبْعِدُونَ ذَلِكَ، أَمْ تَحْسَبُونَهُ غَيْرَ مُمْكِنٍ؟! كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، كَذَّبُوا بِإِنْذَارِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاتَّخَذُوهُ هُزُوًا، وَقَالُوا: ﴿مَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، حَتَّى جَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَأَهْلَكَهُمْ جَمِيعًا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَعْضِهِمْ أَثَرٌ، وَبَقِيَتْ مِنْ بَعْضِهِمْ خِرْبَةٌ يَسْكُنُهَا الْبُومُ وَالسَّبُعُ! لَا رَيْبَ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَرْقَهُ وَسَمِعُوا رَعْدَهُ عَلِمُوا أَنَّ إِنْذَارَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ حَقًّا، وَلَكِنْ لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، إِذْ لَمْ تَكُنْ فُرْصَةٌ لِلتَّوْبَةِ وَالْإِصْلَاحِ. [الرسالة السادسة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه فيها ينذر باشتداد البلاء، ويبيّن سببه وطريقة منعه.

اتَّقُوا اللَّهَ، وَلَا تَجَرَّؤُوا عَلَيْهِ، وَلَا تَحْمِلُوا حِلْمَهُ عَلَى الْغَفْلَةِ أَوِ الْعَجْزِ أَوِ الرِّضَى، وَلَا تُسْخِطُوهُ بِالْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ وَالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ! أَتُرِيدُونَ أَنْ يُمْطِرَ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ حِجَارَةً، أَوْ نَارًا تُحْرِقُكُمْ؟! أَوْ يَزِيدَ الْحَرَّ حَتَّى تُطْبَخُوا، أَوِ الْقَرَّ حَتَّى تَجْمُدُوا؟! أَوْ يَرْفَعَ سُطُوحَ الْبِحَارَ حَتَّى تُغَطِّيَ مُدُنَكُمْ؟! أَوْ يُثِيرَ عَلَيْكُمُ الْغُبَارَ الْغَلِيظَ حَتَّى لَا تَسْتَطِيعُوا التَّنَفُّسَ؟! أَوْ يَبْلُغَ بِالْجَفَافِ مَبْلَغًا تَأْكُلُونَ فِيهِ الْكَلْبَ وَالسِّنَّوْرَ؟! أَوْ يَنْشُرَ بَيْنَكُمْ أَمْرَاضًا أَكْثَرَ فَتْكًا حَتَّى تَلْتَقِطُوا أَجْثَاثَكُمْ مِنْ كُلِّ مَعْبَرٍ؟! أَوْ يُسَلِّطَ عَلَيْكُمْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ حَتَّى يُذَبِّحُوا رِجَالَكُمْ وَيَسْتَرِقُّوا نِسَاءَكُمْ؟! أَوْ يُنْزِلَ عَلَيْكُمْ بَلَاءً آخَرَ أَنْتُمْ عَنْ تَصَوُّرِهِ عَاجِزُونَ؟! [الرسالة السادسة والعشرون]

في بيان معنى الزهد وفضله

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: أَتَرَانِي أَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَهْدِيِّ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَكُونُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ زُيِّنَتْ لَهُ كَمَا تُزَيَّنُ الْعَرُوسُ لَيْلَةَ الزِّفَافِ، قُلْتُ: وَمَنْ زَهِدَ فِيهَا؟ فَقَالَ: مَنْ وَقَفَ نَفْسَهُ عَلَى الْآخِرَةِ، قُلْتُ: وَمَا عَلَامَتُهُ؟ فَقَالَ: مَؤُونَتُهُ خَفِيفَةٌ، وَآمَالُهُ قَصِيرَةٌ، وَأَمْوَالُهُ مَبْذُولَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قُلْتُ: وَمَا؟ فَقَالَ: لَا يَطْلُبُ الرِّئَاسَةَ، وَلَا يَكْسِبُ فَوْقَ الْحَاجَةِ، بَدَنُهُ مِنْهُ فِي تَعَبٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ، إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ، وَإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ، إِذَا خَلَا بِنَفْسِهِ ذَكَرَ اللَّهَ، وَإِذَا خَالَطَ النَّاسَ ذَكَّرَهُمْ بِهِ، قَلِيلٌ ضَحْكُهُ وَطَعَامُهُ وَنَوْمُهُ، وَكَثِيرٌ بُكَاؤُهُ وَتَهَجُّدُهُ وَصَوْمُهُ، لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ قَتْلًا وَلَا سِجْنًا وَلَا لَوْمَةَ لَائِمٍ، لَا يَعْمَلُ لِلسُّلْطَانِ وَلَا يَسْأَلُ غَيْرَ الْإِخْوَانِ وَإِنْ مَاتَ جُوعًا، لَوْ قِيلَ لَهُ: اخْرُجِ السَّاعَةَ لَخَرَجَ وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مَا خَلْفَهُ، هَذَا مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ عَاشَ وَاسْتَقَامَ سَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَهْدِيِّ. [الفقرة ٢ من القول ٢٠٣]

في تقديم أهل البيت، وبيان أنّ تقديمهم ليس من الرّفض في شيء، ولكنّ الرّفض تكفير الصحابة أو سبّهم.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّكَ مُشْرِكٌ! قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَمَا شِرْكِي؟! قُلْتُ: قَوْلُكَ أَنَّ الْمُلْكَ بِيَدِ اللَّهِ، وَلَيْسَ بِأَيْدِي النَّاسِ! فَضَحِكَ تَعَجُّبًا مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَالَ: أَفَمَنْ يَجْعَلُ الْأَمْرَ لِلَّهِ وَحْدَهُ مُشْرِكٌ، وَمَنْ يَجْعَلُهُ لِلَّذِينَ مِنْ دُونِهِ مُوَحِّدٌ؟! ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ! قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّكَ رَافِضِيٌّ! قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَمَا رَفْضِي؟! قُلْتُ: تَقْدِيمُكَ أَهْلَ الْبَيْتِ! فَضَحِكَ تَعَجُّبًا مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنَ الرَّفْضِ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا الرَّفْضُ تَكْفِيرُ الشَّيْخَيْنِ أَوْ سَبُّهُمَا! فَدَخَلَ الْغُرْفَةَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِيَدِهِ إِنَاءٌ، فَوَضَعَهُ مَنْكُوسًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِ الْمَنْصُورُ وَقَالَ: إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ نَكَّسَ عُقُولَهُمْ كَمَا نَكَّسَ هَذَا إِنَاءَهُ فَمَا ذَنْبِي؟! [الفقرة ١ من القول ٢٠٨]

في تقديم أهل البيت، وبيان أنّ تقديمهم ليس من الرّفض في شيء، ولكنّ الرّفض تكفير الصحابة أو سبّهم.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: عَجَبًا لِأَقْوَامٍ يُرَفِّضُونَ كُلَّ مَنْ قَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ أَحَقُّ! أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَدْنَى عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ، فَأَجْلَسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَجْلَسَ حَسَنًا وَحُسَيْنًا عَلَى فَخِذَيْهِ، ثُمَّ لَفَّ عَلَيْهِمْ ثَوْبَهُ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، وَأَهْلُ بَيْتِي أَحَقُّ»؟! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَنِ الرَّافِضَةُ إِذَنْ؟ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يَغْلُونَ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ، فَيَقُولُونَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، وَيَتَصَرَّفُونَ فِي الْخَلْقِ وَالرَّزْقِ مَتَى شَاؤُوا، وَيَفْضُلُونَ عَلَى أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَقَدْ أُسْقِطَ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرٌ مِمَّا نَزَلَ فِيهِمْ، ثُمَّ يُكَفِّرُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَيَقُولُونَ أَنَّهُمَا كَفَرَا بَعْدَ إِسْلَامِهِمَا، بَلْ كَانَا مُنَافِقَيْنِ مُنْذُ أَوَّلِ يَوْمٍ، وَأَنَّهُمَا ضَرَبَا فَاطِمَةَ وَقَتَلَاهَا، فَيَلْعَنُونَهُمَا وَيَشْتُمُونَهُمَا، ثُمَّ يَنَالُونَ مِنْ عُثْمَانَ، فَيَقُولُونَ أَنَّهُ حَرَّفَ الْقُرْآنَ، وَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَيَلْعَنُونَهُ وَيَشْتُمُونَهُ، ثُمَّ يَرْمُونَ زَوْجَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُونَ فِيهَا مَا لَوْ قَالَهُ أَحَدٌ فِي أَزْوَاجِهِمْ لَشَدَخُوا رَأْسَهُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ يَقَعُونَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَيَقُولُونَ أَنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَنْ إِسْلَامِهِمْ إِلَّا ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً، وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنْهُمْ، ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ. [الفقرة ٣ من القول ٢٠٨]

في تقديم أهل البيت، وبيان أنّ تقديمهم ليس من الرّفض في شيء، ولكنّ الرّفض تكفير الصحابة أو سبّهم.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: قَبَّحَ اللَّهُ الرَّوَافِضَ! فَلَوْلَا هُمْ لَمْ يَتَخَلَّفِ النَّاسُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ بَعْدَ إِذْ دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِمْ، لَكِنَّهُمْ نَفَّرُوهُمْ وَفَتَّنُوهُمْ، حَتَّى أَصْبَحْنَا أَضَلَّ عِنْدَهُمْ وَأَبْغَضَ إِلَيْهِمْ مِمَّنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَبَّارِينَ وَالْمُفْسِدِينَ! قُلْتُ: وَمَنِ الرَّوَافِضُ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَلْعَنُونَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ أَوْ يَسُبُّونَهُمْ سَبًّا، وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ، أَلَا وَاللَّهِ لَيْسُوا مِنَّا وَلَسْنَا مِنْهُمْ، وَهُمْ أَشَدُّ مَؤُونَةً عَلَيْنَا مِنَ الْكُفَّارِ وَالنَّوَاصِبِ. [الفقرة ٤ من القول ٢٠٨]

في تقديم أهل البيت، وبيان أنّ تقديمهم ليس من الرّفض في شيء، ولكنّ الرّفض تكفير الصحابة أو سبّهم.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّهُمْ يَنْسِبُونَكَ إِلَى الرَّفْضِ، لِأَنَّكَ تُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: ذَرِ النَّوْكَى الَّذِينَ يُشْبِهُونَ الْمَجَانِينَ! أَلَمْ يَنْسِبُوا الشَّافِعِيَّ إِلَى الرَّفْضِ حَتَّى قَالَ: «قِفْ بِالْمُحَصَّبِ مِنْ مِنًى فَاهْتِفْ بِهَا ... وَاهْتِفْ بِقَاعِدِ خِيفِهَا وَالنَّاهِضِ ... إِنْ كَانَ رَفْضًا حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ ... فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلَانِ أَنِّي رَافِضِي»؟! [الفقرة ٥ من القول ٢٠٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا يُقَالُ لِلْإِمَامِ «خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ فِي الْأَرْضِ وَأَنَّهُ يَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ، وَهَذِهِ نِسْبَةٌ صَحِيحَةٌ، كَقَوْلِهِمْ: «رُوحُ اللَّهِ» وَ«بَيْتُ اللَّهِ» وَ«أَرْضُ اللَّهِ»، وَقَدْ وَرَدَ إِطْلَاقُهَا عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَثَبَتَ إِطْلَاقُهَا عَلَى الْمَهْدِيِّ فِي حَدِيثِ «الرَّايَاتِ»، وَلَكِنَّ الْجُهَّالَ مِنَ النَّاسِ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا نِسْبِةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَقَدْ بَلَغَ مِنْ جَهْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَ الرَّايَاتِ إِلَّا جُزْءًا مِنْهُ يَذْكُرُ «خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ»، وَقَدْ بَالَغَ أَجْهَلُهُمْ فِي مَنْعِهَا حَتَّى نَسَبَ قَائِلَهَا إِلَى الْفُجُورِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لَا يُسْتَخْلَفُ إِلَّا مَنْ يَغِيبُ أَوْ يَمُوتُ، وَاللَّهُ لَا يَغِيبُ وَلَا يَمُوتُ، وَبِأَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ»، فَقَالَ: «لَسْتُ بِخَلِيفَةِ اللَّهِ»، وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْخَلِيفَةِ إِلَى اللَّهِ هِيَ نِسْبَةُ تَمْلِيكٍ وَتَعْظِيمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رُوحِي وَ﴿بَيْتِي وَ﴿أَرْضِي، وَمَنْ لَا يَفْقَهُ هَذَا فَهُوَ مِنَ الْعِلْمِ بَعِيدٌ كَبُعْدِ الْمَغْرِبِ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةَ اللَّهِ؛ إِذْ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ جَعَلَهُ النَّاسُ، ... وَلَا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ بِـ«خَلِيفَةِ اللَّهِ»، ... كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا نَادَى عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: «يَا خَلِيفَة اللَّهِ فِي الْأَرْضِ!» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «مَهْ! ... لَمَّا وَلَّيْتُمُونِي أُمُورَكُمْ سَمَّيْتُمُونِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَوْ نَادَيْتَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ أَجَبْتُكَ، وَأَمَّا خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَلَسْتُ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ خُلَفَاءَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ دَاوُدُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَشِبْهُهُ»،... وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِلْمَهْدِيِّ «خَلِيفَةَ اللَّهِ» لِأَنَّهُ خَلِيفَةٌ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ وَأَنَّهُ يَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى مِثَالِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ... [الباب ١، الدرس ٥٠]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩ه‍] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: لَا يَصْلُحُ النَّاسُ إِلَّا بِإِمَامٍ وَلَا تَصْلُحُ الْأَرْضُ إِلَّا بِذَلِكَ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بِهَذَا نَقُولُ وَإِلَيْهِ نَدْعُو، وَقَالَ: لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ يَذْهَبُ سَفَالًا حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ. [الباب ١، الدرس ٦٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩ه‍] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَصَفْوَانِ بْنِ يَحْيَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَيْرَةِ وَعَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ كُلِّهِمْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَعِ الْأَرْضَ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ يَعْلَمُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، فَإِذَا زَادَ الْمُؤْمِنُونَ رَدَّهُمْ وَإِنْ نَقَصُوا أَكْمَلَهُ لَهُمْ، فَقَالَ: خُذُوهُ كَامِلًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَالْتَبَسَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَمْرُهُمْ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَلِكَ نَقُولُ لِلنَّاسِ: خُذُوا الدِّينَ كَامِلًا لَا نُقْصَانَ فِيهِ وَخَالِصًا لَا زِيَادَةَ مَعَهُ؛ فَإِنَّمَا مَثَلُهُ كَمَثَلِ النَّارِ إِنِ ازْدَادَتْ حَرَّقَتِ الطَّعَامَ وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ تَطْبَخْهُ. [الباب ١، الدرس ٧٣]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ بِإِمَامٍ مَيِّتٍ؛ لِأَنَّ عِبَادَتَهُ فِيهَا إِقَامَةُ حُدُودِهِ وَتَنْفِيذُ أَحْكَامِهِ وَإِدَارَةُ أَمْوَالِهِ وَجِهَادُ أَعْدَائِهِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى إِمَامٍ حَيٍّ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ عَلَى سُنَّتِهِ فِي النَّسْخِ وَالْإِنْسَاءِ؛ كَمَا قَالَ: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَإِلَى قَوْلِي هَذَا أَشَارَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ- إِذْ قَالَ لِعِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَمَا إِنَّكَ يَا عِيسَى لَا تَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى تَعْرِفَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ، قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا مَعْرِفَةُ النَّاسِخِ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَكُونُ مَعَ الْإِمَامِ مُوَطِّنًا نَفْسَكَ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ فِي طَاعَتِهِ فَيَمْضِي ذَلِكَ الْإِمَامُ وَيَأْتِي إِمَامٌ آخَرُ فَتُوَطِّنُ نَفْسَكَ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ فِي طَاعَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَذَا مَعْرِفَةُ النَّاسِخِ مِنَ الْمَنْسُوخِ وَرُوِيَ أَنَّ الْمُعَلَّى بْنَ خُنَيْسٍ سَأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى عَنِ الْإِمَامِ الْمَاضِي، فَقَالَ: خُذُوا بِهِ حَتَّى يَبْلُغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ، فَإِنْ بَلَغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ فَخُذُوا بِقَوْلِهِ. [الباب ١، الدرس ٧٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ بِإِمَامٍ غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ فِي غَيْبَتِهِ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ وَيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ وَيُنَفِّذَ الْأَحْكَامَ وَيُجَاهِدَ الْأَعْدَاءَ وَلَوْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ عَجَزَ عَنْ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِيهِ وَلَا يُوَفِّقُهُ وَلَوْ أَدْرَكَ شَيْئًا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. [الباب ١، الدرس ٧٨]

يوجد في التوراة والإنجيل ما يبدو أنّه إشارة إلى الممهّد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام الذي يبعثه اللّه تعالى من المشرق، ليعدّ الطريق لحكومته؛ كما جاء في كتاب إشعياء: «إِنِّي أَنَا اللَّهُ وَلَا إِلَهَ غَيْرِي. أَنَا اللَّهُ وَلَا إِلَهَ مِثْلِي. أُخْبِرُ عَنِ النِّهَايَةِ مِنَ الْبِدَايَةِ، وَعَنِ الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ قَبْلِ مَا يَأْتِي. أَقُولُ: قَصْدِي يَتِمُّ، وَأَفْعَلُ كُلَّ مَشِيئَتِي. أَدْعُو مِنَ الْمَشْرِقِ رَجُلًا كَطَيْرٍ جَارِحٍ، يَأْتِي مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، فَيُتَمِّمُ قَصْدِي. قَدْ تَكَلَّمْتُ فَأُجْرِيهِ. قَضَيْتُ فَأَفْعَلُهُ»، إذ ينبّأ بأنّه «رجل كطير جارح يأتي من أرض بعيدة في المشرق فيتمّم قصد اللّه» وهذه صفة المنصور الذي أخبر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأنّه يخرج من خراسان، فيدعو إلى خليفة اللّه المهديّ ويخزي الحكّام الظالمين؛ كما جاء في كتاب إشعياء: «قَدْ أَنْهَضْتُهُ مِنَ الشَّمَالِ، فَسَيَأْتِي مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ. يَدْعُو بِاسْمِي. يَأْتِي عَلَى الْحُكَّامِ كَمَا عَلَى الْمِلَاطِ، وَكَخَزَّافٍ يَدُوسُ الطِّينَ. مَنْ أَخْبَرَ مِنَ الْبَدْءِ حَتَّى نَعْرِفَ، وَمِنْ قَبْلُ حَتَّى نَقُولَ: هُوَ صَادِقٌ؟ لَا مُخْبِرٌ وَلَا مُسْمِعٌ وَلَا سَامِعٌ أَقْوَالَكُمْ». بل لا تقلّ هذه الإشارة عن التصريح؛ لأنّ القول بأنّه «سيأتي من مشرق الشمس» معادل للقول بأنّه «سيأتي من خراسان»؛ نظرًا إلى أنّ «خراسان» يعني في اللغة الفارسيّة «مشرق الشمس»؛ حيث أنّه مؤلّف من «خور» بمعنى الشمس و«آسان» بمعنى المشرق كما قاله كثير من أهل اللغة، وعليه لو أردنا أن نترجم العبارة إلى اللغة الفارسيّة، لصحّ أن نقول إنّه «سيأتي من خراسان»؛ لأنّهما مترادفان في اللغة. [السؤال والجواب ٤٢١]

يوجد في التوراة ما يبدو أنّه إشارة إلى لقب المنصور الخراسانيّ الموعود؛ كما جاء في كتاب إشعياء: «مَنْ أَنْهَضَ مِنَ الْمَشْرِقِ الَّذِي يُلَاقِيهِ النَّصْرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ؟ دَفَعَ أَمَامَهُ أُمَمًا وَسَلَّطَهُ عَلَى مُلُوكٍ. جَعَلَهُمْ كَالتُّرَابِ بِسَيْفِهِ، وَكَالْقَشِّ الْمُنْذَرِي بِقَوْسِهِ. طَرَدَهُمْ. مَرَّ سَالِمًا فِي طَرِيقٍ لَمْ يَسْلُكْهُ مِنْ قَبْلُ. مَنْ فَعَلَ وَصَنَعَ دَاعِيًا الْأَجْيَالَ مِنَ الْبَدْءِ؟ أَنَا اللَّهُ مِنَ الْأَوَّلِ إِلَى الْآخِرِ، أَنَا هُوَ»، إذ يصف الناهضَ من المشرق بأنّه «يلاقيه النّصر»، فهو لا جرم «منصور» وهذا إن لم يكن إشارة إلى اسمه «المنصور»، فهو وجه تسميته به في الروايات الإسلاميّة؛ لأنّ اللّه تعالى ينصره على الأمم والملوك، حتّى يعدّ الطريق لحكومته؛ كما جاء في زبور داود بعد التبشير بحكومة اللّه تعالى: «الْعَدْلُ يَسِيرُ أَمَامَهُ وَيُمَهِّدُ سَبِيلًا لِخُطُوَاتِهِ»، وجاء في كتاب ملاخي بصراحة: «أَنَا أَبْعَثُ رَائِدِي، لِكَيْ يُعِدَّ الطَّرِيقَ أَمَامِي. ثُمَّ الْمَوْلَى الَّذِي تَنْتَظِرُونَهُ يَأْتِي فَجْأَةً إِلَى بَيْتِهِ»، وجاء في كتاب إشعياء في نعت هذا الرائد: «صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلًا لِإِلَهِنَا. كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ الْمُعْوَجُّ مُسْتَقِيمًا، وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلًا. فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، لِأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ»، وجاء فيه محرّضًا على نهضته التمهيديّة المقدّسة: «وَيَقُولُ اللَّهُ: أَعِدُّوا، أَعِدُّوا وَمَهِّدُوا الطَّرِيقَ، أَزِيلُوا الْعَقَبَاتِ مِنْ طَرِيقِ شَعْبِي»، وجاء فيه مشيرًا إلى رايته المباركة التي وصفها النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأنّها راية الهدى: «اعْبُرُوا، اعْبُرُوا بِالْأَبْوَابِ، مَهِّدُوا طَرِيقَ الشَّعْبِ. أَعِدُّوا، أَعِدُّوا السَّبِيلَ، نَقُّوهُ مِنَ الْحِجَارَةِ، ارْفَعُوا رَايَةً لِلْأُمَمِ». [السؤال والجواب ٤٢١]

لقد روى الشيعة عن أهل البيت أنّ المهديّ إذا قام حكم بحكم داود وسليمان عليهما السلام، رواها جعيد الهمداني عن الحسين وعليّ بن الحسين، ورواها أبان بن تغلب وحمران بن أعين وحريز بن عبد اللّه وأبو عبيدة الحذاء وعمّار الساباطي وعبد اللّه بن عجلان عن جعفر بن محمّد، ورواها الحسن بن ظريف عن أبي محمّد العسكريّ، وقد بالغ بعض المعاصرين من السنّة في إنكار هذه الرواية وتشنيعها عليهم قائلين بأنّها تدلّ على أنّ مهديّهم ينسخ شريعة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ويحكم بغير حكمه، ولا يخفى على المنصف ما في هذا القول من الجهل والتعسّف؛ لأنّ الرواية ناظرة إلى قول اللّه تعالى إذ مدح حكم داود وسليمان عليهما السلام فقال: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ۝ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا، وقوله تعالى لداود عليه السلام: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فتريد الرواية أنّ حكم المهديّ سيكون في الدقّة والعدالة مثل حكم داود وسليمان عليهما السلام الذي مدحه اللّه تعالى في كتابه، ولا تريد أنّ حكم المهديّ سيكون مخالفًا لحكم محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ كما أنّ حكم محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم يكن مخالفًا لحكم داود وسليمان عليهما السلام؛ لأنّه إذا كان حكمهما حقًّا لم يكن من الجائز مخالفته، وإذا كان حكمهما غير حقّ لم يكن من الجائز مدحه في كتاب اللّه تعالى، ولذلك جاء في رواية عمّار الساباطي عن جعفر بن محمّد أنّه قال: «بِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ آلِ دَاوُدَ وَحُكْمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ». [السؤال والجواب ٤٥٧]

قد جاء في ذيل الرواية أنّ المهديّ لا يسأل البيّنة، وهذا ما تعلّق به من لا علم له ولا إنصاف، محتجًّا بأنّ سؤال البيّنة هو أحد أصول القضاء في الإسلام، وعليه فإنّ تركه يعني ترك الإسلام، ولكنّ الحقّ أنّ أصول القضاء في الإسلام لا تنحصر في سؤال البيّنة، وهناك أصول أخرى أحدها القضاء بالعلم، بل سؤال البيّنة يتعيّن إذا لم يكن هناك علم للقاضي، فإذا كان الحقّ معلومًا له باليقين فلا وجه لسؤاله البيّنة في غير حدود اللّه تعالى؛ لأنّ البيّنة تؤدّي إلى الظنّ، والعلم أولى بالإتّباع من الظنّ، وهذا ما ذهب إليه الشافعيّة، وهو مذهب صاحبي أبي حنيفة ورواية عند الحنابلة، ولم يذهب إليه الآخرون لغلبة الفساد على أهل الزمان واحتمال ظلم القاضي أو إهماله، وهذا الإحتمال غير موجود بالنسبة للمهديّ، وعليه فإنّ مقتضى القاعدة عند جميع المذاهب جواز قضاء المهديّ بعلمه، وهذا هو مراد الرواية؛ كما جاء ذلك مفسّرًا في رواية الحسن بن ظريف عن أبي محمّد العسكريّ؛ فإنّه قال في المهديّ: «إِذَا قَامَ قَضَى بَيْنَ النَّاسِ بِعِلْمِهِ كَقَضَاءِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ»، ومن الواضح أنّ هذا ليس من نسخ الإسلام في شيء؛ لأنّ حكم القاضي بعلمه هو حكم ثابت من أحكام الإسلام، وليس حكمًا محدثًا أو مختصًّا بشريعة داود عليه السلام؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّ علم القاضي قد يحصل بطرق معروفة. [السؤال والجواب ٤٥٧]

إنّ الرواية الواردة عن أهل البيت في أنّ المهديّ إذا قام يقضي بقضاء داود عليه السلام ولا يسأل البيّنة لا إشكال فيها من حيث الدلالة، وهذا واضح جدًّا، لولا التعصّب والعناد. وممّا يجب التنبيه عليه أنّه ليس هناك مهديّان أحدهما للشيعة والآخر للسنّة، بل هو مهديّ واحد يختلفون في بعض صفاته لاختلاف رواياتهم، ولو أنّهم انتقدوا على بعضهم البعض بعلم وإنصاف لكان خيرًا لهم وأقرب من أن يصلحهم ويبيّن لهم الحقّ؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. [السؤال والجواب ٤٥٧]

الحقّ وجود واحد، سواء في مجال التكوين أو في مجال التشريع، ومن ثمّ يستدعي معرفة واحدة؛ إذ لا يمكن معرفة شيء واحد بصورتين مختلفتين، إلا أن تكون إحدى الصورتين ما تسمّى معرفة وليست بها؛ كعالمين بينهما خلاف في عمل، أحدهما يعتبره واجبًا والآخر يعتبره غير واجب، ومن البديهيّ أنّ العمل الواحد لا يمكن أن يكون واجبًا وغير واجب في آنٍ واحد، ولذلك فإنّ معرفة أحدهما حقّ، ومعرفة الآخر غير حقّ لا محالة؛ كما قال اللّه: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، ومن المسلّم به أنّه تعالى قد كلّف الناس بمعرفة الحقّ على أنّه واحد، ولم يأذن لهم في الإختلاف فيه؛ كما قال: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ، وهذا يعني أنّه تعالى قد جعل معرفة الحقّ بصورة واحدة أمرًا ممكنًا للناس؛ لأنّه من القبيح أن يكلّفهم بما جعله ممتنعًا عليهم، فلم يفعل؛ كما قال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا. بناء على هذا، فإنّه تعالى قد جعل للناس سبيلًا إلى معرفة الحقّ بصورة واحدة، والواجب عليهم معرفة تلك السبيل واتّباعها، ولا شكّ أنّ القيام بهذا الواجب هو أصل «التفقّه في الدّين» ومقدّمته؛ لأنّ التفقّه في الدّين قبل معرفة واتّباع السّبيل التي جعلها اللّه للناس إلى معرفة الحقّ بصورة واحدة، لا محالة يؤدّي إلى معرفة الدّين بصور شتّى، وهي الإختلاف بين المسلمين. هذا يعني أنّ التفقّه في الدّين إنّما يؤدّي إلى الإختلاف بين المسلمين إذا كان بغير معرفة تلك السّبيل واتّباعها، ومن ثمّ قد أمر اللّه تعالى بالإعتصام بحبله قبل الأمر بعدم التفرّق؛ لأنّه شرط ذلك ومفتاحه، فقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وحبل اللّه هو تلك السّبيل التي جعلها للناس إلى معرفة الحقّ معرفة واحدة. [الشبهة والرّدّ ٢١]

ولكن ما تلك السبيل التي جعلها اللّه للناس، ولا بدّ لهم من معرفتها واتّباعها ليتمكّنوا من الوصول إلى معرفة واحدة للدّين؟ لئن سألت أكثر العلماء عن ذلك ليقولنّ: «هي القرآن والسنّة»، وذلك مبلغهم من العلم؛ لأنّهم لا يعقلون، ولو كانوا يعقلون لعلموا أنّ قولهم هذا دور باطل؛ لأنّ الدّين هو القرآن والسنّة، ولا معنى للإختلاف فيه إلا الإختلاف فيهما، ومن المستحيل رفع الإختلاف فيهما بأنفسهما؛ لأنّه كتوقّف الشيء على نفسه، ومن الواضح أنّ المختلفين كلّهم يدّعون معرفتهما واتّباعهما، ولذلك لم يقع رفع الإختلاف في الدّين بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى يومنا هذا بالرغم من وجود القرآن والسنّة بين المسلمين وحرصهم الكبير على التمسّك بهما، ولو كان ممكنًا لوقع. إنّما السبيل شيء غير القرآن والسنّة، يبيّن القرآن والسنّة، ويحكم بين المسلمين فيما اختلفوا فيه من القرآن والسنّة، وهو خليفة يجعله اللّه تعالى في الأرض؛ كما وعد ذلك فقال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، وهو هادٍ يجعله اللّه تعالى لكلّ قرن بعد رسوله ليهديهم بأمره؛ كما أخبر عن ذلك فقال: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ، وهو مَن عنده علم الكتاب أي الدّين كلّه، ليكون شهيدًا بين الرسول وأمّته إلى يوم القيامة؛ كما قال: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ. فلا بدّ من معرفة واتّباع هذا الخليفة والهادي والعالم في كلّ زمان ليرتفع فيه الخلاف من بين المسلمين، وهذا ما بيّنه السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام»، وكتاب «هندسة العدل»، وكثير من أقواله الطيّبة... بالجملة فإنّ الواجب على الناس معرفة دينهم بصورة يقينيّة واحدة، وهي ممكنة من خلال الرجوع المباشر إلى القرآن والسنّة في ضوء المعرفة والإتّباع لمن جعله اللّه تعالى خليفة وهاديًا في زمانهم. [الشبهة والرّدّ ٢١]

الذي لا يستطيع الوصول إلى المهديّ بسبب تقصيره، هو مكلّف بالتمهيد لظهور المهديّ قبل أن يكون مكلّفًا بالصلاة والصيام والحجّ والزكاة. فإن قام بالتمهيد لظهور المهديّ فهو معذور في العمل بالظنّ في صلاته وصيامه وحجّه وزكاته حسبما قدّمنا، وإن لم يفعل فلا يُقبل منه ما عمل فيه بالظنّ من صلاته وصيامه وحجّه وزكاته. بناء على هذا، فإنّ التمهيد لظهور المهديّ هو واجب فوريّ مقدّم على سائر الواجبات... الذي لا يستطيع الوصول إلى المهديّ بسبب قصوره، ليس مضطرًّا إلى العمل بالظنّ في جميع الموضوعات؛ لأنّ هناك موضوعات يُعلم حكمها بآية من القرآن، أو خبر متواتر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته المطهّرين، ولا شكّ أنّ العمل فيها استنادًا إليهما لا يعتبر عملًا بالظنّ، بل هو عمل باليقين، والظاهر أنّ أركان الصلاة والصيام والحجّ والزكاة هي من تلك الموضوعات، ولذلك يجب على القاصر في عدم الوصول إلى المهديّ طلب العلم بالأحكام من خلال النظر في القرآن والسنّة، ليحصل على اليقين بقدر الإمكان. فإن قصّر في ذلك فليس بمعذور في العمل بالظنّ في الموضوعات التي يمكنه التيقّن فيها من خلال ذلك، وإن كان قاصرًا في عدم الوصول إلى المهديّ. [الشبهة والرّدّ ٢٢]

تنبّأت بأنّ العلماء لو رجع إليهم أحد وسألهم دليل فتاويهم من القرآن والسنّة، لا يبخلون بذكره ويقدّمون له، وهذا أمر غير بعيد، إلا أنّه خارج عن موضوع البحث؛ إذ ليس موضوع البحث أنّ العلماء ماذا يفعلون لو رجع إليهم أحد وسألهم دليل فتاويهم من القرآن والسنّة، بل هو هل يجب على الناس أن يرجعوا إليهم ويسألوهم عن دليل فتاويهم من القرآن والسنّة أم لا يجب؟! إنّ هؤلاء يقولون لا يجب؛ لأنّهم يزعمون أنّ الناس يجزيهم العمل بفتاويهم المجرّدة عن الدليل بغير أن يرجعوا إليهم ويسألوهم عن الدليل؛ كما جرت عادة الناس على ذلك، لا سيّما الشيعة؛ لأنّ المعمول به بينهم هو اتّخاذ كتاب يسمّونه «الرسالة العمليّة» أو «رسالة توضيح المسائل» فيه فتاوي مجرّدة عن الدليل لرجل يسمّونه «مرجع التقليد»، وقد بلغ من جهل مراجع تقليدهم أنّهم يكتبون في صدر الكتاب فتوى صورتها: «العمل بما في هذه الرسالة العمليّة مجزية إن شاء اللّه»، في حين أنّ هذا دور واضح لا يصدر ممّن له أدنى نصيب من العلم؛ إذ معناه إفتاؤهم بإجزاء العمل بإفتائهم؛ كما أشار إلى ذلك السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى في مبحث «عدم إمكان تقليد العلماء استنادًا إلى تقليدهم» من كتاب «العودة إلى الإسلام»... هذا مثال واحد على جهل مراجع تقليدهم بالرغم من عِظَم تكبّرهم! فلا عجب أنّهم لا يقومون بدعم السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى، بل لا يبالون بدعوته إلى الدّين الخالص؛ لأنّهم أجهل من أن يعقلوا من هو وماذا يقول! كما لا ينبغي التعجّب من عداوة مقلّديهم معه؛ لأنّ من لا يفهم جهل هؤلاء الجهّال المشهورين، كيف يفهم علم هذا العالم المستور، ومن لا يتنبّه لأفحش التناقضات، كيف يتنبّه لأدقّ الأدلّة والبراهين؟! [الشبهة والرّدّ ٢١]

الحديث المعروف بين أهل الحديث بـ«حديث الرايات»، هو أقدم وأشهر وأصحّ ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأصحابه وأهل بيته في باب علامات ظهور المهديّ عليه السلام، بحيث أنّه كان مصدر إلهام لكثير من الثورات في تاريخ الإسلام، كثورة عبد الرحمن بن الأشعث (ت٨٥هـ) ضدّ عبد الملك بن مروان، وثورة حارث بن سريج (ت١٢٨هـ) ضدّ نصر بن سيّار، وثورة أبي مسلم الخراسانيّ (ت١٣٧هـ) ضدّ بني أميّة، وانعكس في كتب جميع المذاهب الإسلاميّة... كما روى كثير منهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نظر يومًا إلى فتية من بني هاشم، فتغيّر لونه واغرورقت عيناه، فقيل: يا رسول اللّه، لا نزال نرى في وجهك شيئًا نكرهه، فقال: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ لَنَا اللَّهُ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْرِيدًا وَتَطْرِيدًا، حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ -أَوْ قَالَ: مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ- مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ يَسْأَلُونَ الْحَقَّ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، فَيُقَاتِلُونَ فَيُنْصَرُونَ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا، فَمَنْ أَدْرَكَهُمْ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ أَعْقَابِكُمْ، فَلْيَأْتِهِمْ وَلْيُبَايِعْهُمْ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهَا رَايَاتُ هُدًى، يَدْفَعُونَهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا»، وهذا حديث صحيح الإسناد؛ لأنّ رواته من الرجال المشهورين والمرضيّين بين المسلمين... بل الحقّ أنّ هذا الحديث بالغ مبلغ التواتر... والحقّ أنّه لا يوجد في هذا الباب حديث آخر له مثل هذه القدمة والشهرة والأسناد والتأثيرات التاريخيّة. [الشبهة والرّدّ ٢٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

إنّ بعض الناس يقرؤون الكتاب ويفهمونه، لكنّهم لا يقبلونه ولا يستحسنونه أو بعض أجزائه على الأقلّ، نظرًا إلى كونه جديدًا بديعًا واختلافه الواضح عن القرائات الرائجة والمشهورة. هذه الطريقة أيضًا طريقة غير صحيحة؛ لأنّ كلّ شيء ما سوى اللّه سبحانه حادث وتمّ إيجاده في زمان ما وهذا لا يدلّ على كونه باطلًا! في الواقع، إنّ نفس العقائد والأعمال القديمة التي يعتبرها الناس صحيحة وقد اعتادوها، لم تكن موجودة من اليوم الأوّل وتعتبر جديدة وبديعة بالنسبة إلى العقائد والأعمال السابقة عليها وإن قبلنا هذه الطريقة فلا يبقى أيّ حقّ! من الواضح أنّ هذه عادة خاطئة ولها جذور نفسية وذهنيّة وتجب إزالتها. إنّ الطريقة الصحيحة التي مدحها القرآن هي استماع جميع الأقوال بغضّ النظر عن زمانها ومكانها وقائلها ثمّ اتّباع أحسنها استنادًا إلى العقل بصفة معيار المعرفة بمعزل عن موانع المعرفة. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

فريق آخر من الناس هم بعض العلماء والمشاهير الذين بلغهم خبر الكتاب، لكن بما أنّهم يحسبون أنفسهم عالمين بكلّ شيء وأبرياء من كلّ عيب ونقص وأغنياء من السؤال والتعلّم، لا يقرؤون الكتاب أو يقرؤونه ولكن لا يسمح لهم تكبّرهم بأن يخضعوا أمام حقائقه ويتحدّثوا حوله. بالطبع هؤلاء الأشخاص قد أخطؤوا في حساباتهم من جهات شتّى؛ لأنّه من جانب، الإذعان بالخطأ والإقرار بالجهل ليس فحسب لا يحطّ من قدر شخص وإن كان جليل المنزلة، بل العكس يرفعه ومن جانب آخر، العظيم الحقيقيّ هو من كان عند اللّه عظيمًا لا عند الناس والمشهور الحقيقيّ هو من كان في السّماء مشهورًا لا في الأرض والعظماء عند اللّه والمشاهير في السّماء هم الذين يخشون اللّه ويتّقونه ويرون الحقّ ويسمعونه وينطقون به ويتّبعونه ويدعون إليه، لكنّ أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة مع الأسف. بالإضافة إلى ذلك أنّ الحقّ يشقّ طريقه ويصل إلى المنزل المقصود شاء هؤلاء العظماء والمشاهير أم أبوا ويومئذ لا يبقى لهم شيء سوى الخزي! لهذا يحكم العقل بأن يتدبّروا اليوم لغد ويطئوا اليوم تكبّرهم لئلا يتمّ غدًا وطئ جميع ما لديهم! [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

أناس آخرون أيضًا ينظرون في الكتاب بتصوّراتهم المسبّقة. يكذّبون الكتاب ويعتبرونه باطلًا ويتّهمونه بكلّ سوء ولمّا يقرؤوه! هؤلاء الذين قد اتّخذوا موقفهم من قبل وإن قرؤوا الكتاب فلا يقرؤونه للدراية والرشد، بل يقرؤونه لتتبّع العثرة وطلب الذريعة والإستهزاء ولا يبتغون الحكمة والهداية. هؤلاء سيعلمون في يوم تشخص فيه الأبصار أنّهم استعجلوا في الحكم وغرّهم الشيطان وخسروا المعركة... فريق آخر متعصّبون لدرجة إذا رأوا في الكتاب أدنى اختلاف عن الأشياء التي يقبلونها أو الأشخاص الذين يحبّونهم، يفقدون عنان الإختيار ويطلقون اللسان بالسبّ واللعن والإهانة والبهتان. هذا الفريق أيضًا سيعرفون الحقّ في يوم يدخلون النار مع محبوبيهم ومعبوديهم؛ النار التي أوقدها تعصّبهم الأعمى وحميّتهم الجاهليّة. ذلك اليوم يوم الحسرة ويجب اللجوء إلى اللّه من ذلك اليوم... فريق آخر مقلّدون لدرجة لا يشربون حتّى الماء بدون إذن مرجع تقليدهم، ناهيك عن قراءة كتاب مهمّ مثل «العودة إلى الإسلام» والإلتزام به! هؤلاء أيضًا إذا يواجهون هذا الكتاب يغلقون أعينهم ويكتفون بما قال مرجع تقليدهم حوله. هؤلاء أيضًا في يوم عسير لا يغيثهم فيه مرجع تقليدهم سيلقون حسرة عظيمة. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

فريق آخر يقرؤون هذا الكتاب القيّم ويدركون معارفه، لكنّهم في بحبوحة الفتنة والفوضى والتهميش والغوغاء والإعلانات السامّة لأعداء اللّه يصبحون مخدوعين ومتشائمين وتصبح قلوبهم مظلمة وينشغلون بالحاشية بدلًا من النصّ وينحرفون في النهاية عن الحقّ. بالطبع هذا الإثم الكبير هو أولًا في عنق الفتّانين الذين يصدّون عن سبيل اللّه. هؤلاء المهاذير بالرغم من انفتاح باب النقد العلميّ والمنطقيّ، بما أنّهم لا يملكون أيّ برهان وحجّة، يحاولون إثارة الجوّ وتلويثه، لكن ليعلم مخاطبو هذا الكتاب أنّ حركة جميع الأنبياء والأولياء في التاريخ أيضًا قد واجهت الإهانة والبهتان وإثارة الفتنة من قبل المستبدّين والمستكبرين والجبّارين وكان أعداء اللّه يلوّثون الجوّ ويصدّون الناس عن سبيل اللّه بأسوء طريقة ممكنة. فلم يحدث حادث جديد ويجب على مخاطبي هذا الكتاب النظر في أدلّته وبراهينه بحرّيّة وإنصاف والعثور على الحقّ والعمل بمقتضاه بمنأى عن المشاعر العابرة والعواطف الكاذبة إن شاء اللّه. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

قد يمكن أن يقال نظرًا إلى معرفة «معيار وموانع المعرفة» التي بيّنها سماحة العلامة في كتاب «العودة إلى الإسلام» بأنّه إذا كان شخص ملتزمًا بمعيار المعرفة ومبتعدًا عن موانع المعرفة، سيهتدي إلى الحقّ بإذن اللّه ويوفّق للعمل بمقتضاه بتوفيق اللّه، لكن يجب الإلتفات إلى أنّ كتاب «العودة إلى الإسلام» هو نقطة البداية. إنّه يبدأ بمعرفة المعرفة ويعلّمنا الطريقة الصحيحة للمعرفة، ثمّ لا يتركنا، بل يكشف لنا عن حقيقة الإسلام والإسلام الحقيقيّ بنفس الطريقة التي علّمنا. قد يمكن أن يقال بأنّ هذا الكتاب يعطي مخاطبه علمًا تفصيليًا يكون مقدّمة للعمل، لكنّ مقدّمة هذا العلم التفصيليّ هي علم إجماليّ وهو علم المخاطب بجهله؛ أعني أن يحتمل المخاطب أنّه لا يعلم بعض الأشياء وأن يكون خاطئًا وأن يكون الذين يحبّونهم ويحترمونهم ويتّبعونهم خاطئين. مثل هذا الشخص يأخذ الكتاب ويقرأه مع الإلتفات إلى هذا الإحتمال ومع الإنصاف وبمعزل عن سوء الظنّ ويهتدي إلى الحقّ إن شاء اللّه. يمكننا تقديم مثال لتبيين هذا الموضوع وهو مثال قرآنيّ. إنّ الطبيب يمكنه معالجة المريض بإذن اللّه ولكن لا يمكنه معالجة الميّت! كذلك سماحة العلامة يمكنه أن يهدي بإذن اللّه من كان مريضًا وليس ميّتًا. من كان قلبه ميّتًا في مستنقع الجهل المركّب والخوف من غير اللّه والتعصّبات الجاهليّة والتكبّر والتقليد الأعمى، لا يمكن هدايته بأيّ حكمة؛ كما قال اللّه: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ. لذلك يجب أن نعوذ باللّه من هذه العيوب التي تميت القلب ونسأله الهداية والرشد لنا وللناس، عسى أن تلين قلوب الناس برحمته ويعودوا إلى خليفته في الأرض ويقيموا الإسلام الخالص والكامل والعدالة العالميّة في الأرض. هذه هي المعرفة التي بيّنها العالم الجليل سماحة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في كتابه ويدعو إليها والحمد للّه ربّ العالمين. [المقالة ٣]