كاتب السؤال: حجّة الموسوي | تاريخ السؤال: ١٤٣٨/٥/١٥ |
الرجاء الإجابة على الأسئلة التالية:
١ . ما هو شرط ظهور الإمام المهديّ؟
٢ . كم عدد أصحابه؟ هل فيهم نساء؟
٣ . ما هي المذاهب والفرق التي ينتمون إليها؟ كيف يتمّ اختيارهم؟
الاجابة على السؤال: ٥ | تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٨/٥/١٧ |
جواب أسئلتك ما يلي:
١ . إنّما شرط ظهور الإمام المهديّ عليه السلام وثوقه من أمنه ورجاؤه في حاكميّته؛ لأنّ المبرّر الوحيد لعدم ظهوره، بالرغم من كونه ضروريًّا لقيام العدل في آخر الزمان، هو خوفه على نفسه وعدم رجائه في حاكميّته، والمراد بهما دلالة الظروف والأوضاع الثقافيّة والإجتماعيّة على أنّ الناس لا يعرفونه ولا يقبلونه ولا يحبّونه ولا يحرسونه ولا يطيعونه ولا ينصرونه بما فيه الكفاية إذا ظهر لهم، بل يخذلونه ويعادونه ويباشرون أو يتسبّبون في قتله أو حبسه بدون أن يتمكّن من إصلاح شيء، ولا شكّ أنّ الظهور غير جائز له في هذه الحالة؛ لأنّه لغو، ونقض للغرض، وارتكاب لما نهى اللّه تعالى عنه إذ قال: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾[١]. بناء على هذا، فإنّ الإمام المهديّ عليه السلام لا يظهر حتّى تتحوّل الظروف والأوضاع الثقافيّة والإجتماعيّة، بحيث يتبيّن له أنّ ظهوره سيكون مفيدًا ومؤدّيًا إلى المقصود؛ كما جاء في الروايات أنّه «لَا يَخْرُجُ حَتَّى يَرَى الَّذِي يُحِبُّ، وَلَوْ صَارَ أَنْ يَأْكُلَ الْأَغْصَانَ أَغْصَانَ الشَّجَرِ»[٢]، ومن الواضح أنّ تحوّل الظروف والأوضاع الثقافيّة والإجتماعيّة شيء يرجع إلى الناس ويتأثّر بآرائهم وأعمالهم، وهذا يعني أنّهم هم المسؤولون عن عدم ظهور الإمام المهديّ عليه السلام والمفاسد العظيمة المترتّبة عليه، وبالتالي يجب عليهم تدارك ذلك وتغييره من خلال تغيير آرائهم وأعمالهم، وفقًا لما قال اللّه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[٣]؛ كما جاء في الروايات أنّ الإمام المهديّ عليه السلام يظهر عندما «يَتَمَنَّاهُ النَّاسُ وَيَطْلُبُونَهُ»[٤]، و«يَظْهَرُ عَلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ، وَيُشْرَبُونَ حُبَّهُ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ ذِكْرٌ غَيْرُهُ»[٥]، و«يَتَسَارَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ»[٦]، و«يَأْتِيهِ النَّاسُ، فَيَزُفُّونَهُ كَمَا تُزَفُّ الْعَرُوسُ إِلَى زَوْجِهَا لَيْلَةَ عُرْسِهَا»[٧]، و«يَسْتَخْرِجُهُ النَّاسُ مِنْ بَيْتِهِ وَهُوَ كَارِهٌ، فَيُبَايِعُونَهُ»[٨]. هذا هو الموضع الذي تتشكّل فيه مهمّة السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى، وهي التمهيد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام من خلال دعوة الناس إلى إصلاح آرائهم وأعمالهم التي خوّفته على نفسه وآيسته من نيل الحاكميّة عليهم، وتحريضهم على معرفته وقبوله وحبّه وحراسته وطاعته ونصرته بما فيه الكفاية بدلًا من غيره، وقد قام بها هذا العالم العظيم قيامًا حسنًا في ضوء القرآن الكريم والسنّة المتواترة عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، على رغم الحكّام والشيوخ المنافقين الذين يعارضونه بكلّ ما في وسعهم، ويمنعون الناس من إجابته وإعانته، وهذه صفة لم يوصف بها في الروايات إلّا المنصور الموعود صاحب الرايات السود الخراسانيّة الممهّدة لظهور الإمام المهديّ عليه السلام؛ كما روي في وصفه أنّه «فَتًى يَبْعَثُهُ اللَّهُ مِنَ الْمَشْرِقِ، يَدْعُو إِلَى أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٩]، وأنّه «يُوَطِّئُ -أَوْ يُمَكِّنُ- لِآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا مَكَّنَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[١٠]، وأنّه «يُؤَدِّي الطَّاعَةَ إِلَى الْمَهْدِيِّ»[١١]، وأنّه «يَبْعَثُ بِالْبَيْعَةِ إِلَى الْمَهْدِيِّ»[١٢]، وأنّه «مُنَادٍ صَادِقٌ يُنَادِي مِنْ شِدَّةِ الْقِتَالِ: فِيمَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ؟! صَاحِبُكُمُ الْمَهْدِيُّ»[١٣]، وأنّه وأصحابه من أهل خراسان «يَخْرُجُونَ فِي طَلَبِ الْمَهْدِيِّ، فَيَدْعُونَ لَهُ وَيَنْصُرُونَهُ»[١٤]، وأنّهم «يُوَطِّئُونَ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ»[١٥]، وتؤدّي جهودهم إلى أن «يَتَمَنَّى النَّاسُ الْمَهْدِيَّ وَيَطْلُبُوهُ»[١٦]، وأنّهم «يَسْأَلُونَ الْحَقَّ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَيُقَاتِلُونَ فَيُنْصَرُونَ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوهُ، فَيَدْفَعُونَهُ إِلَى الْمَهْدِيِّ»[١٧]، وهذه صفات قد تجلّت بأحسن وجه ممكن في السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى، كما يشهد بذلك آثاره المنشورة وأفعاله المشهودة[١٨]، ولذلك يرجو كثير من المؤمنين أن يكون هو تأويل هذه الروايات، وإن كان هو نفسه لا يدّعي ذلك دفعًا للشبهة والفتنة، وأخذًا بالقدر المتيقّن الذي يمكن معرفته لكلّ أحد ويفي بالغرض[١٩]. لذلك يجب على كلّ مؤمن يسرّه ظهور الإمام المهديّ عليه السلام أن ينضمّ إلى أصحاب هذا العالم العظيم، ويعينه على ما قام به من التمهيد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام بكلّ ما في وسعه، وفقًا لقول اللّه تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[٢٠]؛ كما جاء في الروايات المذكورة: «وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ نَصْرُهُ»[٢١]، «فَأْتُوهُ فَبَايِعُوهُ، وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ»[٢٢].
٢ . أصحاب الإمام المهديّ عليه السلام ثلاثة أقسام: قسم يلحقون به قُبيل ظهوره، ويصاحبونه من أوّل يوم، ويقومون بحراسته وخدمته، ويكونون أهل مشورته وولاته في حكومته، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا على عدّة أهل بدر، كما بيّنّاه في موضعه[٢٣]، وقسم يلحقون به بعد ظهوره وقبل خروجه بالسيف، ويقومون بطاعته ونصرته، ويقاتلون بين يديه وعن يمينه وعن شماله، وهم عشرة آلاف رجل؛ كما روي أنّه «سَأَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَمْ يَخْرُجُ مَعَ الْقَائِمِ -يَعْنِي الْمَهْدِيَّ- عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَخْرُجُ مَعَهُ مِثْلُ عِدَّةِ أَهْلِ بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ عَشَرَ رَجُلًا، قَالَ: وَمَا يَخْرُجُ إِلَّا فِي أُولِي قُوَّةٍ، وَمَا تَكُونُ أُولُوا الْقُوَّةِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ»[٢٤]، وروي أنّه قال: «لَا يَخْرُجُ الْقَائِمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى يَكُونَ تَكْمِلَةُ الْحَلْقَةِ، قِيلَ: وَكَمْ تَكْمِلَةُ الْحَلْقَةِ؟ قَالَ: عَشَرَةُ آلَافٍ»[٢٥]، وروي أنّه قال: «لَا يَخْرُجُ الْقَائِمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَقَلَّ مِنَ الْفِئَةِ، وَلَا يَكُونُ الْفِئَةُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ»[٢٦]، ولذلك قال السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى في بعض أقواله: «مَنْ ذَا الَّذِي يَضْمَنُ لِي عَشَرَةَ آلَافِ رَجُلٍ فَأَضْمَنَ لَهُ ظُهُورَ الْمَهْدِيِّ؟!»[٢٧] أي ظهوره الكامل المشتمل على خروجه بالسيف، وقسم يلحقون به بعد خروجه بالسيف خوفًا أو طمعًا، وهم أدنى أصحابه؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[٢٨].
أمّا وجود النساء في القسم الثالث من أصحابه فمعلوم، وأمّا وجودهنّ في القسم الثاني من أصحابه فمحتمل جدًّا؛ فقد كان مع المجاهدين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نساء يسقين الماء ويداوين الجرحى؛ كما روي «أَنَّ نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ، فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيَسْقِينَ الْمَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ، وَلَكِنْ يُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ»[٢٩]، وروي عن أهل البيت، قالوا: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِالنِّسَاءِ فِي الْحَرْبِ، حَتَّى يُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُنَّ مِنَ الْفَيْءِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ نَفَّلَهُنَّ»[٣٠]، وروي عن عبد اللّه بن مسعود، قال: «كُنَّ النِّسَاءُ يَوْمَ أُحُدٍ يُجْهِزْنَ عَلَى الْجَرْحَى، وَيَسْقِينَ الْمَاءَ، وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى»[٣١]، وروي عن أمّ عطيّة الأنصاريّة، قالت: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزْوَاتٍ، أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ، وَأَصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ، وَأَجْبُرُ عَلَى الْجَرِيحِ، وَأُدَاوِي الْمَرِيضَ»[٣٢]، وروي عن أنس بن مالك، قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا، فَيَسْقِينَ الْمَاءَ، وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى»[٣٣]، وروي «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا، فَكَانَ مَعَهَا، فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا الْخِنْجَرُ؟! قَالَتْ: اتَّخَذْتُهُ، إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ»[٣٤]، وممّا يقوّي هذا الإحتمال ما روى المفضّل بن عمر، قال: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: يَكُونُ مَعَ الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَلَاثُ عَشْرَةَ امْرَأَةً، قُلْتُ: وَمَا يَصْنَعُ بِهِنَّ؟ قَالَ: يُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيَقُمْنَ عَلَى الْمَرْضَى، كَمَا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٣٥]، وأمّا وجودهنّ في القسم الأوّل من أصحابه فبعيد؛ لأنّهم يجتمعون بالليل سرًّا، وليس لامرأة أن يسافر بالليل سرًّا؛ كما ليس أمرهم ممّا يقوم به النساء، ولفظ الروايات «ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ عَشَرَ رَجُلًا». نعم، روي عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «يَجِيءُ وَاللَّهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةُ عَشَرَ رَجُلًا، فِيهِمْ خَمْسُونَ امْرَأَةً، يَجْتَمِعُونَ بِمَكَّةَ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، قَزَعًا كَقَزَعِ الْخَرِيفِ، يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»[٣٦]، ولكنّه خبر واحد، ومعناه إن صحّ أنّ خمسين امرأة يجئن مع ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، لا أنّهنّ من هذه العدّة، وذلك لأنّهنّ يجئن مع آبائهنّ أو أزواجهنّ أو إخوانهنّ أو أبنائهنّ أو سائر محارمهنّ المؤمنين لخدمتهم وإعانتهم، واللّه أعلم.
٣ . إنّ القسم الأوّل من أصحاب الإمام المهديّ عليه السلام هم من الذين يعتقدونه حين ينكره الناس، ويذكرونه حين ينساه الناس، وينصرونه حين يخذله الناس، ويدعون إليه حين يُدعى الناس إلى غيره، ويوفّرون له كلّ ما يحتاج إليه لظهوره، ويبذلون قصارى جهودهم لتحقيق مراده، ويوطّئون له سلطانه بكلّ الطرق الممكنة، صابرين محتسبين متعاونين مع بعضهم البعض، دون ادّعاء باطل، أو فعل غير مشروع، وليسوا من الذين يشركون باللّه في تكوين أو تشريع أو تحكيم[٣٧]، ويدينون بالرأي أو خبر الواحد[٣٨]، ويتّبعون حكّام الجور، ويتعصّبون للمذاهب، ويقلّدون الشيوخ والفقهاء، ويصدّقون الأدعياء والدّجّالين[٣٩]، وينضمّون إلى الأحزاب والجماعات الضالّة، ويعارضون الممهّد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام، ويرتكبون كبائر الإثم والفواحش، ويطلبون الراحة والرفاهة في الحياة الدنيا، ثمّ يطمعون أن يكونوا من أصحاب الإمام المهديّ عليه السلام! إنّ القسم الأوّل من أصحابه ليسوا من الروافض الذين يدّعون أنّهم شيعة أهل البيت، ولا من النواصب الذين يدّعون أنّهم أهل السنّة والجماعة، بل هم الحنفاء المسلمون الذين يتمسّكون بالظاهر من القرآن والثابت من السنّة والمعلوم من العقل، وإن كان مخالفًا لمذهب هؤلاء أو هؤلاء، ويقدّمون أهل البيت على غيرهم، ولا يقولون في الصحابة إلّا خيرًا[٤٠]، ولا يركنون إلى ظالم، ولا يتهاونون في واجب، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويجاهدون في سبيل اللّه حقّ جهاده، ولا يخافون لومة لائم؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: أَتَرَانِي أَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَهْدِيِّ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَكُونُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ زُيِّنَتْ لَهُ كَمَا تُزَيَّنُ الْعَرُوسُ لَيْلَةَ الزِّفَافِ، قُلْتُ: وَمَنْ زَهِدَ فِيهَا؟ فَقَالَ: مَنْ وَقَفَ نَفْسَهُ عَلَى الْآخِرَةِ، قُلْتُ: وَمَا عَلَامَتُهُ؟ فَقَالَ: مَؤُونَتُهُ خَفِيفَةٌ، وَآمَالُهُ قَصِيرَةٌ، وَأَمْوَالُهُ مَبْذُولَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قُلْتُ: وَمَا؟ فَقَالَ: لَا يَطْلُبُ الرِّئَاسَةَ، وَلَا يَكْسِبُ فَوْقَ الْحَاجَةِ، بَدَنُهُ مِنْهُ فِي تَعَبٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ، إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ، وَإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ، إِذَا خَلَا بِنَفْسِهِ ذَكَرَ اللَّهَ، وَإِذَا خَالَطَ النَّاسَ ذَكَّرَهُمْ بِهِ، قَلِيلٌ ضَحْكُهُ وَطَعَامُهُ وَنَوْمُهُ، وَكَثِيرٌ بُكَاؤُهُ وَتَهَجُّدُهُ وَصَوْمُهُ، لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ قَتْلًا وَلَا سِجْنًا وَلَا لَوْمَةَ لَائِمٍ، لَا يَعْمَلُ لِلسُّلْطَانِ وَلَا يَسْأَلُ غَيْرَ الْإِخْوَانِ وَإِنْ مَاتَ جُوعًا، لَوْ قِيلَ لَهُ: اخْرُجِ السَّاعَةَ لَخَرَجَ وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مَا خَلْفَهُ، هَذَا مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ عَاشَ وَاسْتَقَامَ سَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَهْدِيِّ.[٤١]
هؤلاء هم القسم الأوّل من أصحاب الإمام المهديّ عليه السلام، ومن الواضح أنّ اللّه هو الذي يختارهم له؛ كما قال: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾[٤٢]، وقال: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[٤٣]، وقال: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾[٤٤]، وذلك لأنّه لا يعلمهم أحد إلّا هو؛ كما قال: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾[٤٥]؛ نظرًا لأنّهم يُختارون باعتبار وجود هذه الصفات المحمودة فيهم، وليس ذلك ممّا يعلم من مظهرهم وأقوالهم فقطّ؛ كما قال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾[٤٦]، وقال: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ﴾[٤٧]، وقال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[٤٨]، ولذلك جاء في الروايات أنّهم رجال معيّنون اختارهم اللّه بعلمه، وأخبر النبيَّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأسمائهم وأسماء آبائهم؛ كما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لَهُ -يَعْنِي الْمَهْدِيَّ- كُنُوزٌ لَا ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ إِلَّا رِجَالٌ مُسَوَّمَةٌ يَجْمَعُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ أَقَاصِي الْبِلَادِ عَلَى عِدَّةِ أَهْلِ بَدْرٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مَعَهُ صَحِيفَةٌ مَخْتُومَةٌ فِيهَا عَدَدُ أَصْحَابِهِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ وَبُلْدَانِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ وَحِلَاهُمْ وَكُنَاهُمْ»[٤٩]، وقال في وصف فوارس منهم: «إِنِّي لَأَعْلَمُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ»[٥٠]، وروي مثله عن عليّ عليه السلام[٥١]، وروي عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، قال: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ مَحْفُوظَةٌ لَهُ أَصْحَابُهُ، لَوْ ذَهَبَ النَّاسُ جَمِيعًا أَتَى اللَّهُ لَهُ بِأَصْحَابِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾[٥٢]، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾[٥٣]»[٥٤].
جعلنا اللّه منهم برحمته وفضله؛ فإنّه يختصّ برحمته من يشاء، وإنّه ذو الفضل العظيم.