كاتب السؤال: محمّد جواد تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٣/١٥

أنا رجل في منتصف العمر يريد أن يتأدّب من جديد ويصبح موحّدًا مسلمًا مخلصًا كما يحبّ اللّه. لقد حاولت عدّة مرّات أن أتحكّم في نفسي وأخلاقي السيّئة، ولكن لم أنجح حتّى الآن؛ كما أشتاق إلى أن أكون من الممهّدين لحكومة وليّ أمر مسلمي العالم الإمام المهديّ عليه السلام مع العالم الربّانيّ السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى، ولكن أجد نفسي ضعيفًا للغاية!

ما وصيّة السيّد العلامة لأمثالي الذين يحبّونه ويريدون القيام بواجبهم، ولكن يجدون في أنفسهم ضعفًا؟ هل هناك رجاء في النصر على النفس؟

الاجابة على السؤال: ١ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٣/٢٦

طبعًا ما دام هناك حياة فالرجاء موجود؛ لأنّ الموت هو الذي يقضي على كلّ رجاء ويستلب إمكانيّة التوبة والإصلاح؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[١]، وقال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ۝ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[٢]. لذلك، يجب على كلّ إنسان أن يعرف قيمة لحظات حياته، وأن يفكّر في طريقة للتخلّص من الخسر قبل لحظة وفاته التي لا يدري أيّ لحظة هي، والطريقة ما بيّنه اللّه الرّحمن الرّحيم في كتابه على أربعة مراحل: الإيمان والعمل الصالح والإيصاء بالحقّ والإيصاء بالصبر؛ كما قال: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[٣]. هذا يعني أنّ الإنسان للتخلّص من الخسر مكلّف بأربعة تكاليف رئيسيّة: الأوّل أن يصلح عقائده من خلال معرفة الحقّ، وهذا هو «الإيمان» الذي يعتبر تكليفًا فرديًّا، والثاني أن يصلح أعماله من خلال الإلتزام بالحقّ، وهذا هو «العمل الصالح» الذي يعتبر تكليفًا فرديًّا، الثالث أن يدعو الآخرين إلى الإيمان بمعنى إصلاح عقائدهم من خلال ترويج الحقّ، وهذا هو «الإيصاء بالحقّ» الذي يعتبر تكليفًا اجتماعيًّا، والرابع أن يدعو الآخرين إلى العمل الصالح بمعنى إصلاح أعمالهم من خلال ترويج الإلتزام بالحقّ، وهذا هو «الإيصاء بالصبر» الذي يعتبر تكليفًا اجتماعيًّا.

بناء على هذا، فإنّ واجبك في المرحلة الأولى هو إصلاح عقائدك، وفي المرحلة الثانية إصلاح أعمالك، وفي المرحلة الثالثة إصلاح عقائد الناس، وفي المرحلة الرابعة إصلاح أعمال الناس، ولا يخفى أنّ مراعاة هذا الترتيب ضروريّة؛ لأنّك لا تستطيع إصلاح أعمالك ما لم تصلح عقائدك؛ نظرًا لأنّ العقائد بمنزلة أساس الأعمال، وإذا كان أساس الأعمال غير صحيح فلم تُصلَح الأعمال أيضًا، بل حبطت الأعمال؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا[٤]، وقال عبده الصالح السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى:

الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مُتَلَازِمَانِ كَإِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى- وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ. الْإِيمَانُ هُوَ أَنْ تَكُونَ لَكُمْ عَقِيدَةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَنْ يُفْلِحَ أَبَدًا مَنْ لَيْسَتْ لَهُ عَقِيدَةٌ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ. فَضَعُوا عَقِيدَتَكُمْ فِي مِيزَانِ الْعَقْلِ، وَاعْرِضُوهَا عَلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لِئَلَّا تَكُونُوا قَدْ أَخْطَأْتُمُ السَّبِيلَ.[٥]

وقال:

أَفَيَبْقَى الْبِنَاءُ قَائِمًا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَسَاسٌ؟! أَوْ يَنْتَفِعُ الْإِنْسَانُ بِجَوَارِحِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْسٌ؟! أَوْ يُقْبَلُ مِنْهُ حَجُّهُ وَصَوْمُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ صَلَاةٌ؟! كَذَلِكَ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا يَنْفَعُهُ عَمَلٌ صَالِحٌ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ.

أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوْ مُتَعَلِّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَا لِجَمِيعِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ وَأَهْلَهُ مِنَ الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ، فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَدَخَلَ النَّارَ. مِنْ هُنَا يَتَوَجَّبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الْحَقَّ وَأَهْلَهُ مِنَ الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ، وَتُقَدِّمُوا هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ بِدُونِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ لَا يَقُومُ لَكُمْ إِيمَانٌ، وَلَا يَنْفَعُكُمْ صَلَاةٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا حَجٌّ وَلَا زَكَاةٌ، وَلَتَكُونُنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.[٦]

وكذلك لا تستطيع أنت إصلاح عقائد الناس ما لم تصلح أعمالك؛ بالنظر إلى أنّ أعمالك السيّئة تلقي ظلّها على عقائدك الصحيحة وتخيّلها إلى الناس أنّها غير صحيحة، كما قال الشاعر: «وعظ بي‌عملان، واجب است نشنيدن» يعني أنّ وعظ من ليس عاملًا بوعظه يجب أن لا يُسمع! لذلك اعتبر السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى إصلاح النفس مقدّمًا على إصلاح الآخرين؛ كما قال:

إِنَّ لِلَّهِ فِي أَطْرَافِ هَذِهِ الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ رِجَالًا اسْتَحَبُّوا ذِكْرَ اللَّهِ عَلَى شَوَاغِلِ الدُّنْيَا، وَلَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ عَنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا. يَقْضُونَ النَّهَارَ وَاللَّيْلَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَيُسْمِعُونَ الْغَافِلِينَ تَحْذِيرَاتِهِ. يَدْعُونَ الْآخَرِينَ إِلَى الْعَدْلِ، وَهُمْ يَعْمَلُونَ بِهِ قَبْلَهُمْ.[٧]

كما اعتبر إصلاح النفس أكبر همّ الصالحين، فقال:

لَوْ عَثَرْتَ عَلَيْهِمْ وَرَأَيْتَ دَرَجَاتِهِمُ الْعُلَى كَيْفَ نَشَرُوا كِتَابَ أَعْمَالِهِمْ وَتَهَيَّؤُوا لِلْحِسَابِ؛ يَتَفَكَّرُونَ كَمْ مِنْ أَعْمَالٍ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا فِيهَا، وَكَمْ مِنْ أَعْمَالٍ نُهُوا عَنْهَا فَارْتَكَبُوهَا! يَشْعُرُونَ بِثِقْلِ ذُنُوبِهِمْ، وَقَدْ عَجَزُوا عَنْ حَمْلِهَا وَسَقَطُوا عَلَى رُكَبِهِمْ، يَبْكُونَ وَيَتَمَلْمَلُونَ كَمَنْ بِهِ وَجَعٌ.[٨].

وكذلك لا تستطيع أنت إصلاح أعمال الناس ما لم تصلح عقائدهم؛ نظرًا لأنّ عقائدهم بمنزلة أساس أعمالهم، وإذا كان أساس أعمالهم غير صحيح فلم تُصلَح أعمالهم أيضًا، بل ربما حبطت أعمالهم. لذلك، اعتبر السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى مراعاة الأهمّ فالأهمّ في إصلاح الناس ضروريّة وقال كناية للعلماء الذين قد سكتوا أمام عقائد الناس الخاطئة ويظهرون حساسيّة شديدة لأعمالهم السيّئة:

يَرَوْنَ الْقَذَى فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، لَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْجِذْعَ فِيهَا! يَنُشُّونَ الذُّبَابَ مِنْ أَظْهُرِ النَّاسِ، لَكِنَّهُمْ يَتْرُكُونَ الْجَمَلَ عَلَيْهَا! مَعَ أَنَّ مَنْ وَقَعَ الْفَأْسُ فِي رَأْسِهِ لَا يُبَالِي خَدْشَ بَنَانِهِ، وَمَنْ يَغْرَقُ فِي الْيَمِّ لَا يَهُمُّهُ ابْتِلَالُ لِبَاسِهِ![٩]

من هنا يعلم أنّ خيبتك، إذا أحسست بخيبة، تنبع من فشلك في كلّ أو بعض هذه التكاليف الأربعة. فعليك بمعرفة النفس، بمعنى معرفة نقائصك في كلّ من هذه المجالات الأربعة؛ لأنّ من لا يعرف داءه لا يقدر على علاجه، ويكون كمن يرمي في الظلمات، ولذلك قال السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى:

يَحْيَى رَأْسٌ يَعْرِفُ قَدْرَهُ، وَيَبْقَى قَلْبٌ يَفْطِنُ عَيْبَهُ.[١٠]

↑[١] . النّساء/ ١٨
↑[٢] . المؤمنون/ ٩٩-١٠٠
↑[٣] . العصر/ ١-٣
↑[٤] . الأحزاب/ ١٩