كاتب الشبهة: السيّد إحسان تاريخ الشبهة: ١٤٣٦/٦/١

بعد قراءة كتاب «العودة إلى الإسلام»، عرضت لي أسئلة سأطرح بعضها بقدر صبري. شكرًا مقدّمًا على ردّكم الصادق.

قد جاء في الصفحة ٥٤ من الكتاب رفضًا لتقليد العلماء: «إنّ اختلافات بعضهم مع بعض في أقوالهم وأفعالهم عميقة وكثيرة، في حين أنّ الحقّ هو قول وفعل واحد بالتأكيد، وليست له قابليّة التعدّد والتكثّر. لذلك، فإنّ اتّباعهم، من ناحية، متناقض لا معنى له، ومن ناحية أخرى، يؤدّي إلى الإختلاف بين المسلمين؛ كما أنّه قد أدّى إلى ذلك؛ لأنّ الإختلاف بين المسلمين في عقائدهم وأعمالهم، يعود أكثر من أيّ شيء آخر إلى اتّباعهم لعلماء مختلفين»، في حين أنّ هذا القول نفسه يدلّ على إمكان وجود الإختلاف بين رجلين لا يقلّدان في الدّين، بل يأخذانه من خلال التفقّه في القرآن والسنّة. لذلك لا يمكن القول أنّ التفقّة في الدّين يوصل المسلمين إلى فهم واحد، في حين أنّ واحدًا من الأفهام فقطّ يعتبر صحيحًا وفقًا لما جاء في الكتاب، وهذا يعني أنّه لا يزال لدينا مسلمون ليس لهم فهم صحيح رغم التفقّه في الدّين، كما هي الحال إذا لم يتفقّهوا في الدّين! فما الفرق إذن بين التفقّة في الدّين وعدمه؟!

السؤال الآخر هو أنّه قد جاء بعد الفقرة السابقة: «إنّ اتّباع هؤلاء العلماء يعتمد على ظنّ أتباعهم بتطابق أقوالهم وأفعالهم مع الشّرع»، والمؤسف أنّ المؤلّف بالرّغم من تأكيده على اليقين العقليّ، لم يذكر دليلًا على هذه المسألة. ثمّ تجدر الإشارة إلى أنّ العلماء لو رجع إليهم أحد وسألهم دليل فتاويهم من القرآن والسنّة، لا يبخلون بذكره ويقدّمون له. شكرًا

الاجابة على الشبهة: ٤ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٦/٦/٢

أيّها الأخ الكريم!

يبدو أنّك، ربما بسبب فقدان «الصبر» بما فيه الكفاية، لم تقرأ كتاب «العودة إلى الإسلام» بالكامل، وقد أدّى هذا إلى فهم ناقص وخاطئ لك، حتّى زعمت أنّه ليس هناك فرق بين التفقّة في الدّين وعدمه، في حين أنّ اللّه تعالى قال: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ[١]، وقال: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[٢]. من الضروريّ الإنتباه إلى النكات التالية:

أولًا، الحقّ، كما تمّ إثباته في كتاب «العودة إلى الإسلام» بأدلّة عقليّة وشرعيّة واضحة، هو وجود واحد، سواء في مجال التكوين أو في مجال التشريع، ومن ثمّ يستدعي معرفة واحدة؛ إذ لا يمكن معرفة شيء واحد بصورتين مختلفتين، إلا أن تكون إحدى الصورتين ما تسمّى معرفة وليست بها؛ كعالمين بينهما خلاف في عمل، أحدهما يعتبره واجبًا والآخر يعتبره غير واجب، ومن البديهيّ أنّ العمل الواحد لا يمكن أن يكون واجبًا وغير واجب في آنٍ واحد، ولذلك فإنّ معرفة أحدهما حقّ، ومعرفة الآخر غير حقّ لا محالة؛ كما قال اللّه: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ[٣]، ومن المسلّم به أنّه تعالى قد كلّف الناس بمعرفة الحقّ على أنّه واحد، ولم يأذن لهم في الإختلاف فيه؛ كما قال: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ[٤]، وهذا يعني أنّه تعالى قد جعل معرفة الحقّ بصورة واحدة أمرًا ممكنًا للناس؛ لأنّه من القبيح أن يكلّفهم بما جعله ممتنعًا عليهم، فلم يفعل؛ كما قال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[٥]. بناء على هذا، فإنّه تعالى قد جعل للناس سبيلًا إلى معرفة الحقّ بصورة واحدة، والواجب عليهم معرفة تلك السبيل واتّباعها، ولا شكّ أنّ القيام بهذا الواجب هو أصل «التفقّه في الدّين» ومقدّمته؛ لأنّ التفقّه في الدّين قبل معرفة واتّباع السّبيل التي جعلها اللّه للناس إلى معرفة الحقّ بصورة واحدة، لا محالة يؤدّي إلى معرفة الدّين بصور شتّى، وهي الإختلاف بين المسلمين. هذا يعني أنّ التفقّه في الدّين إنّما يؤدّي إلى الإختلاف بين المسلمين إذا كان بغير معرفة تلك السّبيل واتّباعها، ومن ثمّ قد أمر اللّه تعالى بالإعتصام بحبله قبل الأمر بعدم التفرّق؛ لأنّه شرط ذلك ومفتاحه، فقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا[٦]، وحبل اللّه هو تلك السّبيل التي جعلها للناس إلى معرفة الحقّ معرفة واحدة.

ولكن ما تلك السبيل التي جعلها اللّه للناس، ولا بدّ لهم من معرفتها واتّباعها ليتمكّنوا من الوصول إلى معرفة واحدة للدّين؟ لئن سألت أكثر العلماء عن ذلك ليقولنّ: «هي القرآن والسنّة»، وذلك مبلغهم من العلم؛ لأنّهم لا يعقلون، ولو كانوا يعقلون لعلموا أنّ قولهم هذا دور باطل؛ لأنّ الدّين هو القرآن والسنّة، ولا معنى للإختلاف فيه إلا الإختلاف فيهما، ومن المستحيل رفع الإختلاف فيهما بأنفسهما؛ لأنّه كتوقّف الشيء على نفسه، ومن الواضح أنّ المختلفين كلّهم يدّعون معرفتهما واتّباعهما، ولذلك لم يقع رفع الإختلاف في الدّين بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى يومنا هذا بالرغم من وجود القرآن والسنّة بين المسلمين وحرصهم الكبير على التمسّك بهما، ولو كان ممكنًا لوقع. إنّما السبيل شيء غير القرآن والسنّة، يبيّن القرآن والسنّة، ويحكم بين المسلمين فيما اختلفوا فيه من القرآن والسنّة، وهو خليفة يجعله اللّه تعالى في الأرض؛ كما وعد ذلك فقال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[٧]، وهو هادٍ يجعله اللّه تعالى لكلّ قرن بعد رسوله ليهديهم بأمره؛ كما أخبر عن ذلك فقال: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[٨]، وهو مَن عنده علم الكتاب أي الدّين كلّه، ليكون شهيدًا بين الرسول وأمّته إلى يوم القيامة؛ كما قال: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ[٩]. فلا بدّ من معرفة واتّباع هذا الخليفة والهادي والعالم في كلّ زمان ليرتفع فيه الخلاف من بين المسلمين، وهذا ما بيّنه السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام»، وكتاب «هندسة العدل»، وكثير من أقواله الطيّبة[١٠]. من هنا يعلم أنّ قولك «أنّه لا يزال لدينا مسلمون ليس لهم فهم صحيح رغم التفقّه في الدّين»، بعيد من الصواب؛ لأنّه إن كان مرادك بالتفقّه في الدّين التفقّه فيه مع المعرفة والإتّباع للخليفة والهادي والعالم الذي جعله اللّه حجّة على أهل الأرض، فليس من الممكن أن يكون لدينا مسلمون ليس لهم فهم صحيح رغم التفقّه في الدّين، وإن كان مرادك بالتفقّه في الدّين التفقّه فيه بدونهما، فإنّ السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى لا يعتبر ذلك مجزيًا حتّى يكون لإعتراضك عليه وجه.

ثانيًا، زعمت أنّ المؤلّف بالرّغم من تأكيده على اليقين العقليّ، لم يذكر دليلًا على أنّ اتّباع العلماء يعتمد على الظنّ بتطابق أقوالهم وأفعالهم مع الشّرع، وهذا قول غريب جدًّا؛ لأنّ ذلك أمر محسوس مسلّم به، وبالتالي لا يحتاج إلى ذكر صغرى وكبرى! فهل أنت تدّعي أو تعرف من يدّعي أنّ اتّباع العلماء لا يعتمد على الظنّ بتطابق أقوالهم وأفعالهم مع الشّرع؟! فعلى ما يعتمد إذن؟! من الواضح أنّه لا يمكن أن يكون معتمدًا على اليقين بتطابق أقوالهم وأفعالهم مع الشّرع؛ إذ لا يتحقّق اليقين بذلك مع احتمال عدم تطابق أقوالهم وأفعالهم مع الشّرع بالنظر إلى عدم عصمتهم من الخطأ والنسيان والكذب؛ كما لا يمكن أن يكون معتمدًا على الظنّ بعدم تطابق أقوالهم وأفعالهم مع الشّرع؛ إذ لا معنى لاتّباعهم رغم الظنّ بعدم تطابق أقوالهم وأفعالهم مع الشّرع! لذلك فإنّ اعتماد اتّباع العلماء على الظنّ بتطابق أقوالهم وأفعالهم مع الشّرع هو من جملة الواضحات، ولا يقوم الحكيم بتوضيح الواضحات؛ كما أنّه خارج عن محلّ النزاع؛ لأنّ النزاع هو في إجزاء تقليد العلماء أو عدم إجزائه مع اعتماده على هذا الظنّ، وليس في اعتماده على هذا الظنّ، إذ هو في غاية الوضوح، ولا ينبغي أن يكون محلّ نزاع!

ثالثًا تنبّأت بأنّ العلماء لو رجع إليهم أحد وسألهم دليل فتاويهم من القرآن والسنّة، لا يبخلون بذكره ويقدّمون له، وهذا أمر غير بعيد، إلا أنّه خارج عن موضوع البحث؛ إذ ليس موضوع البحث أنّ العلماء ماذا يفعلون لو رجع إليهم أحد وسألهم دليل فتاويهم من القرآن والسنّة، بل هو هل يجب على الناس أن يرجعوا إليهم ويسألوهم عن دليل فتاويهم من القرآن والسنّة أم لا يجب؟! إنّ هؤلاء يقولون لا يجب؛ لأنّهم يزعمون أنّ الناس يجزيهم العمل بفتاويهم المجرّدة عن الدليل بغير أن يرجعوا إليهم ويسألوهم عن الدليل؛ كما جرت عادة الناس على ذلك، لا سيّما الشيعة؛ لأنّ المعمول به بينهم هو اتّخاذ كتاب يسمّونه «الرسالة العمليّة» أو «رسالة توضيح المسائل» فيه فتاوي مجرّدة عن الدليل لرجل يسمّونه «مرجع التقليد»، وقد بلغ من جهل مراجع تقليدهم أنّهم يكتبون في صدر الكتاب فتوى صورتها: «العمل بما في هذه الرسالة العمليّة مجزية إن شاء اللّه»، في حين أنّ هذا دور واضح لا يصدر ممّن له أدنى نصيب من العلم؛ إذ معناه إفتاؤهم بإجزاء العمل بإفتائهم؛ كما أشار إلى ذلك السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى في مبحث «عدم إمكان تقليد العلماء استنادًا إلى تقليدهم» من كتاب «العودة إلى الإسلام» حيث قال: «يعتقدون أنّه من الواجب على كلّ مسلم أن يختار مرجعًا منهم للتقليد، ويحسبون أنّ العمل من دون ذلك باطل وغير مقبول، في حين أنّ حجّة أكثرهم على هذا الإعتقاد هي فتوى علمائهم به، وهذا يعني تقليدهم استنادًا إلى التقليد، وهو دور باطل لا معنى له»[١١]. هذا مثال واحد على جهل مراجع تقليدهم بالرغم من عِظَم تكبّرهم! فلا عجب أنّهم لا يقومون بدعم السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى، بل لا يبالون بدعوته إلى الدّين الخالص؛ لأنّهم أجهل من أن يعقلوا من هو وماذا يقول! كما لا ينبغي التعجّب من عداوة مقلّديهم معه؛ لأنّ من لا يفهم جهل هؤلاء الجهّال المشهورين، كيف يفهم علم هذا العالم المستور، ومن لا يتنبّه لأفحش التناقضات، كيف يتنبّه لأدقّ الأدلّة والبراهين؟!

بالجملة فإنّ الواجب على الناس معرفة دينهم بصورة يقينيّة واحدة، وهي ممكنة من خلال الرجوع المباشر إلى القرآن والسنّة في ضوء المعرفة والإتّباع لمن جعله اللّه تعالى خليفة وهاديًا في زمانهم.

↑[١] . الزّمر/ ٩
↑[٢] . هود/ ٢٤
↑[٣] . يونس/ ٣٢
↑[٤] . الشّورى/ ١٣
↑[٥] . البقرة/ ٢٨٦
↑[٦] . آل عمران/ ١٠٣
↑[٧] . البقرة/ ٣٠
↑[٨] . الرّعد/ ٧
↑[٩] . الرّعد/ ٤٣
↑[١٠] . على سبيل المثال، راجع: القول ٦ من أقواله الطيّبة.