كاتب السؤال: أبو تراب | تاريخ السؤال: ١٤٤٥/٦/٢٣ |
ما هو حكم الجهاد بشكل عام؟
ما هو حكم الجهاد في الشام (سوريا) بشكل خاص؟
مع من يجاهد من أراد الجهاد؟
هل الجهاد مع كلّ أمير برّ أو فاجر؟
الاجابة على السؤال: ٦ | تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤٥/٧/١ |
لا شكّ في أنّ الجهاد فريضة من فرائض اللّه؛ فقد قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[١]، ولكن له شرطان عظيمان يتهاون فيهما كثير من الناس، وفيهما هلك من هلك منهم:
الشرط الأوّل أن يكون في سبيل اللّه؛ فقد قال تعالى: ﴿قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾[٢]، وسبيله أن لا تكون فتنة ويكون الدّين كلّه له؛ فقد قال تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾[٣]، و«الفتنة» كلّ مُلك أو شرع ليس من عند اللّه، و«الدّين» هو المُلك والشرع، وعليه فإنّ الجهاد في سبيل اللّه هو القتال حتّى لا يكون مُلك أو شرع ليس من عند اللّه، ويكون المُلك والشرع كلّه من عند اللّه، وعند ذلك تكون كلمة اللّه هي العليا؛ لأنّه يحكم، وغيره يطيعون، وليس لأحد دونه حكم، وقد روي: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَيُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»[٤]، وعليه فإنّ من قاتل حتّى لا يكون مُلك أو شرع لبشار الأسد، ويكون المُلك والشرع لأبي حفص الهاشميّ مثلًا، فإنّه لم يقاتل في سبيل اللّه، ولكن قاتل في سبيل الطاغوت؛ لأنّه وإن كان بشار الأسد ليس بحاكم من عند اللّه، فإنّ أبا حفص الهاشميّ أيضًا ليس بحاكم من عند اللّه، وكلّ حاكم ليس من عند اللّه فهو طاغوت، سواء كان اسمه رئيسًا أو خليفة، وسواء اختاره الجمهور أو عدد من أصحابه يقال لهم أهل الحلّ والعقد، وعليه فمن قاتل لإزالة أحدهما وإقامة الآخر فقد قاتل طاغوتًا لطاغوت آخر، وقد حرّم اللّه القتال في سبيل الطاغوت مطلقًا، فقال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾[٥]. إنّما الحاكم من عند اللّه هو أعلم الناس وأقواهم الذي جعله اللّه لهم حاكمًا بآية من عنده أو نصّ من نبيّه، ولو كرهه الجمهور، وكرهه أهل الحلّ والعقد؛ كما أرشد إلى ذلك في مثال، فقال: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[٦]. هذا هو خليفة اللّه في الأرض الذي يجوز له الحكم بين الناس؛ كما قال اللّه تعالى لداوود مثلًا: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى﴾[٧]، وأخبر بأنّه لا يزال جاعلًا في الأرض خليفة كما جعل داوود عليه السلام، فقال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾[٨]، وقال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾[٩]، وعليه فإنّ الأرض لا تخلو من خليفة جعله اللّه فيها كما جعل داوود عليه السلام[١٠]، والخليفة في زماننا هذا هو المهديّ الذي نصّ عليه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في الأحاديث المتواترة، وسيظهر بآية من عند اللّه؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلَ الْمَنْصُورَ رَجُلٌ وَأَنَا حَاضِرٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، فَقَالَ: لَا يَزَالُ اللَّهُ جَاعِلًا فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً مُنْذُ وَعَدَهُ، إِمَّا ظَاهِرًا مَشْهُورًا وَإِمَّا خَائِفًا مَغْمُورًا، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، قَالَ الرَّجُلُ: إِنَّهُمْ قَدْ جَعَلُوا فِي الْعِرَاقِ خَلِيفَةً وَلَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ! قَالَ: كَذَبُوا أَعْدَاءُ اللَّهِ، مَا قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: «إِنَّكُمْ جَاعِلُونَ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، وَلَكِنْ قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ﴾، فَلَوْ جَعَلُوا فِيهَا خَلِيفَةً دُونَ الْخَلِيفَةِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهَا لَكَانُوا بِذَلِكَ مُشْرِكِينَ، قَالَ الرَّجُلُ: وَمَنْ هَذَا الْخَلِيفَةُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهَا؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ.[١١]
بناء على هذا، فإنّ الجهاد في سبيل اللّه هو القتال حتّى يكون الحاكم المهديّ، ولا يكون حاكم غيره؛ لأنّه خليفة اللّه، وحكمه حكم اللّه؛ كما كان الجهاد في سبيل اللّه على عهد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم القتال حتّى يكون الحاكم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ لأنّه كان خليفة اللّه في ذلك الزمان، وكان ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾[١٢]، وفي كلّ زمان خليفة للّه، من قاتل ليكون هو الحاكم فقد قاتل في سبيل اللّه، ومن قاتل ليكون غيره الحاكم فقد قاتل في سبيل الطاغوت، ولا عبرة بالأسماء والعناوين؛ لأنّها لا تغيّر الواقع؛ كما ترى كلّ حاكم يسمّي من قُتل في طاعته شهيدًا، وما الشهيد إلّا من قُتل في طاعة اللّه أو طاعة خليفته؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الشَّهِيدِ، فَقَالَ: مَنْ قُتِلَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَخَيْرُ الشُّهَدَاءِ مَنْ قُتِلَ مَعَ خَلِيفَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ أَوْ يَرْمِي بِسَهْمِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ سَأَلْتَ هَؤُلَاءِ الْجَبَابِرَةَ عَنْ قَتْلَاهُمْ لَقَالُوا إِنَّمَا قُتِلُوا فِي طَاعَةِ اللَّهِ! أَلَا فَمَنْ قُتِلَ فِي طَاعَةِ سُلْطَانٍ غَيْرِ خَلِيفَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّمَا قُتِلَ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ! فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ هَؤُلَاءِ الْجَبَابِرَةُ لِيَأْكُلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْبَاطِلِ كَمَا يَأْكُلُونَ أَمْوَالَكُمْ! فَإِنَّ أَمْوَالَكُمْ قَدْ تُخْلَفُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَا تُخْلَفُ أَنْفُسُكُمْ إِلَّا فِي النَّارِ![١٣]
بناء على هذا، فإنّ الجهاد في سبيل اللّه هو ما يفعله المنصور أيّده اللّه تعالى؛ فإنّه يدعو إلى المهديّ جهارًا، ويمهّد لظهوره بكلّ ما في وسعه، ويكافح جميع الطواغيت الذين يحكمون من دونه، سواء باسم «الملك» أو اسم «الرئيس» أو اسم «القائد» أو اسم «الخليفة» أو اسم «الأمير» أو اسم آخر؛ فإنّها مجرّد أسماء مختلفة لمعنى واحد؛ كالتي قال اللّه فيها: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾[١٤]، وقال: ﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾[١٥]، وقال: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[١٦].
الشرط الثاني أن يكون مع حاكم من عند اللّه، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ﴾[١٧]، وقوله تعالى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[١٨]، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾[١٩]، والعقل أيضًا يدلّ على ذلك؛ لأنّ المقصود من الجهاد أن يكون الحكم للّه، وهو لا يمكن إلّا إذا كان مع المجاهدين حاكم من عند اللّه ليحكم بعد غلبتهم، وإذا لم يكن معهم حاكم من عند اللّه فإنّ الجهاد لغو لا طائل تحته، وقد قال اللّه في وصف المؤمنين: ﴿هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾[٢٠]، ولذلك أعرض عنه العلماء من أهل البيت والعقلاء من الصحابة والتابعين عندما كان الأمراء جائرين؛ كما روي: «أَنَّ رَجُلًا لَقِيَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، تَرَكْتَ الْجِهَادَ وَصُعُوبَتَهُ، وَأَقْبَلْتَ عَلَى الْحَجِّ وَلِينَتِهِ؟! إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[٢١]، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: أَتِمَّ الْآيَةَ، فَقَالَ: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[٢٢]، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: إِذَا رَأَيْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ فَالْجِهَادُ مَعَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْحَجِّ»[٢٣]، وفي رواية أخرى، قال: «إِذَا ظَهَرَ هَؤُلَاءِ لَمْ نُؤْثِرْ عَلَى الْجِهَادِ شَيْئًا»[٢٤]، وروي: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، آثَرْتَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ عَلَى الْجِهَادِ؟! فَقَالَ: وَيْلَكَ، إِنَّ الْإِيمَانَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ لَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ»[٢٥]، فكأنّه خاف أن يقول له: إنّ السلطان جائر، ولا يجوز الجهاد معه، وروي: «أَنَّ بَعْثًا خَرَجَ عَلَى النَّاسِ زَمَنَ الْحَجَّاجِ، فَخَرَجَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إِلَى مَنْ تَدْعُوهُمْ؟! إِلَى الْحَجَّاجِ؟!»[٢٦]، وروي: «أَنَّ طَاوُسًا كَانَ يَكْرَهُ الْجِهَادَ مَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي السُّلْطَانَ الْجَائِرَ»[٢٧]، وكان مالك أيضًا يكرهه ثمّ رجع عن ذلك[٢٨]، والجمهور يرونه جائزًا متشبّثين بأحاديث واهية؛ منها حديث مكحول عن أبي هريرة: «الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا»[٢٩]، ولم يسمع مكحول من أبي هريرة شيئًا، ومنها حديث واثلة بن الأسقع: «جَاهِدُوا مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ»[٣٠]، وفي إسناده عتبة بن يقظان وهو ضعيف، والحارث بن نبهان مجمع على ضعفه، وأبو سعيد كذّاب، ومثله حديث أبي الدرداء[٣١]، وفي إسناده الوليد بن الفضل العنزيّ، وهو كذّاب أيضًا، ومنها حديث عبد اللّه بن مسعود: «الْجِهَادُ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، لَكَ جِهَادُكَ وَعَلَيْهِ شَرُّهُ»[٣٢]، وفي إسناده عمر بن صبح، وهو كذّاب يضع الحديث على الثقات، ومنها حديث أنس بن مالك: «الْجِهَادُ مَاضٍ، لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ، وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ»[٣٣]، وفي إسناده يزيد بن أبي نشبة، وهو مجهول، ومثله حديث عليّ وجابر[٣٤]، وفي إسناده إسماعيل بن يحيى التيمي، وهو كذّاب يضع الحديث، وسائر رجاله أيضًا ضعفاء، ولذلك قال ابن حجر (ت٨٥٢هـ) في طرق هذا الحديث: «كُلُّهَا وَاهِيَةٌ جِدًّا، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْمَتْنِ إِسْنَادٌ يَثْبُتُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: <مَا سَمِعْنَا بِهَذَا>، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: <لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَثْبُتُ>، وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ غَايَةَ الضَّعْفِ، وَأَصَحُّ مَا فِيهِ حَدِيثُ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى إِرْسَالِهِ، وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ: <هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ>»[٣٥]، ومع ذلك فقد أخذ بمضمونه أكثر المنسوبين إلى العلم، فقالوا بجواز القتال مع كلّ جائر، وحملوا الجهّال والمقلّدين على سفك الدماء والإفساد في الأرض، ليكونوا من الأخسرين أعمالًا، ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾[٣٦].
هذه شروط الجهاد الذي أمر اللّه به، وقد قال تعالى: ﴿جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾[٣٧]، وحقّ الجهاد هو الجهاد كما يحقّ، وهو الجهاد على شروطه التي بيّنها في كتابه، وهي أن يكون في سبيل اللّه ومع خليفته كما بيّنّا، وقد نبّه على ذلك الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام، على ما رواه عنه أبو عمرو الزبيريّ، إذ قال بعد بيان شروط الجهاد: «مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى صِفَةِ مَنْ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي الْجِهَادِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، وَلَيْسَ بِمَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ، حَتَّى يَفِيءَ بِمَا شَرَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، فَإِذَا تَكَامَلَتْ فِيهِ شَرَائِطُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ فَهُوَ مِنَ الْمَأْذُونِينَ لَهُمْ فِي الْجِهَادِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدٌ، وَلَا يَغْتَرَّ بِالْأَمَانِيِّ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْكَاذِبَةِ عَلَى اللَّهِ الَّتِي يُكَذِّبُهَا الْقُرْآنُ وَيَتَبَرَّأُ مِنْهَا وَمِنْ حَمَلَتِهَا وَرُوَاتِهَا، وَلَا يَقْدَمُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِشُبْهَةٍ لَا يُعْذَرُ بِهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ الْمُتَعَرِّضِ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ يُؤْتَى اللَّهُ مِنْ قِبَلِهَا، وَهِيَ غَايَةُ الْأَعْمَالِ فِي عِظَمِ قَدْرِهَا، فَلْيَحْكُمِ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ، وَلْيُرِهَا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَعْرِضْهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا أَحَدَ أَعْرَفُ بِالْمَرْءِ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ وَجَدَهَا قَائِمَةً بِمَا شَرَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْجِهَادِ فَلْيُقْدِمْ عَلَى الْجِهَادِ، وَإِنْ عَلِمَ تَقْصِيرًا فَلْيُصْلِحْهَا وَلْيُقِمْهَا عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِنَ الْجِهَادِ، ثُمَّ لْيُقْدِمْ بِهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ مُطَهَّرَةٌ مِنْ كُلِّ دَنَسٍ يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جِهَادِهَا، وَلَسْنَا نَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ الْجِهَادَ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ مَا وَصَفْنَا مِنْ شَرَائِطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ: لَا تُجَاهِدُوا، وَلَكِنْ نَقُولُ: قَدْ عَلَّمْنَاكُمْ مَا شَرَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَهْلِ الْجِهَادِ الَّذِينَ بَايَعَهُمْ وَاشْتَرَى مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِالْجِنَانِ، فَلْيُصْلِحِ امْرُؤٌ مَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ تَقْصِيرٍ عَنْ ذَلِكَ، وَلْيَعْرِضْهَا عَلَى شَرَائِطِ اللَّهِ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ قَدْ وَفَى بِهَا وَتَكَامَلَتْ فِيهِ فَإِنَّهُ مِمَّنْ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي الْجِهَادِ، فَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْمَحَارِمِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى الْجِهَادِ بِالتَّخَبُّطِ وَالْعَمَى وَالْقُدُومِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْجَهْلِ وَالرِّوَايَاتِ الْكَاذِبَةِ، فَلَقَدْ لَعَمْرِي جَاءَ الْأَثَرُ فِيمَنْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ: <إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْصُرُ هَذَا الدِّينَ بِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ>، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ امْرُؤٌ، وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ، فَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ، وَلَا عُذْرَ لَكُمْ بَعْدَ الْبَيَانِ فِي الْجَهْلِ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ»[٣٨].
لمزيد المعرفة عن هذا، راجع: باب «الجهاد» من كتاب «العودة إلى الإسلام» للسيّد المنصور أيّده اللّه تعالى.