كاتب السؤال: شعيب تاريخ السؤال: ١٤٤٤/١٠/١٣

شبهات تتردّد ولا أجد جوابها:

١ . كيف أصبحت المعجزة دليل صدق الآتي بها؟

٢ . إذا تعارضت المعجزة مع الآثار في الديانات السابقة كيف تكون لها الهيمنة؟

٣ . كيف نعلم أنّ الإسلام حقّ، وهناك ديانات كثيرة لا نعلم عنها شيئًا؟ وهل يجب أن نعرف كلّ الديانات الأخرى وندقّق فيها، ثمّ بعدها نقول إنّ الحقّ مع الإسلام؟

الاجابة على السؤال: ٧ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤٤/١٠/٢٢

يرجى التنبّه للنكات التالية:

١ . المراد بـ«المعجزة» فعل يعجز الإنس والجنّ عن إتيانه، وهي تدلّ على صدق المدّعي أنّه من عند اللّه لأنّ اللّه وحده قادر على إتيانها؛ كما ألقى موسى عليه السلام عصاه، فإذا هي ثعبان مبين، وأحيى عيسى عليه السلام الموتى، وشقّ محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم القمر، ومن المعلوم أنّ أحدًا من الإنس والجنّ لا يقدر على مثل ذلك إلّا بإذن اللّه؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ[١].

٢ . إنّ المعجزة لا تدلّ على صدق المدّعي إذا ادّعى ما هو مستحيل عقلًا أو شرعًا؛ كما إذا ادّعى أنّه إله من دون اللّه، أو نبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، أو إمام بعد الأئمّة الإثني عشر الذين أخبر عنهم محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في الأحاديث المتواترة؛ لأنّه لا يمكن عقلًا أن يكون إله من دون اللّه، ولا يمكن شرعًا أن يكون نبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أو إمام بعد الأئمّة الإثني عشر، ولذلك إذا فعل مدّعيه ما لا يقدر عليه أحد من الإنس والجنّ إلّا بإذن اللّه عُلم أنّه فتنة من عند اللّه يبتلي بها عباده، ليعلم الذين آمنوا ويعلم المنافقين، وهذه نكتة مهمّة جدًّا نبّه عليها السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى، فقال:

أَيُّهَا النَّاسُ! إِذَا أَتَاكُمْ آتٍ بِمَا أَتَى بِهِ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَوْ نَبِيٌّ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَوْ إِمَامٌ مِنْ بَعْدِ الْمَهْدِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَا تُصَدِّقُوهُ، فَإِنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ! أَلَا هَلْ بَيَّنْتُ؟! أَلَا هَلْ عَلَّمْتُ؟! ﴿أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ[٢]![٣]

وأخبرنا بعض أصحابه، قال:

سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، قُلْتُ: وَمَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ؟ قَالَ: مَنْ يَدَّعِي مَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ، ثُمَّ يُقِيمُ عَلَيْهِ مُعْجِزَةً، فَهُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ، قُلْتُ: لِمَاذَا يُسَلِّطُهُ اللَّهُ عَلَى إِقَامَةِ الْمُعْجِزَاتِ؟! قَالَ: لِيَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَقَالَ الرَّسُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ: لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَقَالَ: الْأَئِمَّةُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ إِمَامًا.[٤]

وأخبرنا بعض أصحابه، قال:

قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: هَلْ تَعْرِفُ فِي هَذَا الزَّمَانِ رَجُلًا أَظْلَمَ وَأَطْغَى مِنْ فُلَانٍ؟ يَعْنِي رَجُلًا مِنْ أَئِمَّةِ الضَّلَالِ، فَقَالَ: لَا، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا يَزَالُ إِنْسَانٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَأَى مِنَ الْأَحْلَامِ وَالْخَوَارِقِ مَا يُصَدِّقُهُ! فَقَالَ: يَا فُلَانُ! إِنَّهُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَفِتْنَتِهِ، إِنَّهُ إِذَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ عَبْدٍ زَيْغًا مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ، أَضَلَّهُ مِنْ حَيْثُ يَسْتَهْدِي، ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ[٥].[٦]

٣ . ليس كلّ ما في الشرع ممّا يستحيل تغييره إلى يوم القيامة؛ لأنّ كثيرًا ممّا فيه أحكام مشروعة باعتبار ظروف تقتضيها، فإذا تغيّرت الظروف جاز نسخها وإنساؤها من عند اللّه؛ كما قال تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[٧]، وقد أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ[٨]، فَقَالَ: هُوَ النَّاسِخُ.

ووجه كون الناسخ أحسن أنّه مناسب للظروف الراهنة، ولذلك يجب اتّباعه بدلًا من المنسوخ، ولا شكّ أنّه كما يجوز نسخ حكم من الشرع بحكم آخر منه، يجوز نسخ حكم منه بحكم شرع آخر، إذا كان الشرع الآخر أيضًا من عند اللّه؛ لأنّه لا فرق بينهما، وهذه نكتة مهمّة جدًّا نبّه عليها السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام»، حيث قال:

إنّ دين اللّه واحد، وأنبياءه بمنزلة أحكامه المختلفة، وكتبه بمنزلة آيات مختلفة لكتاب واحد، وضرورة اتّباع النّبيّ والكتاب الخاتمين إنّما هي لضرورة اتّباع الحكم والآية النّاسخين، وهي ضرورة عقليّة وعقلائيّة، وهذا هو معنى الإسلام.[٩]

بناء على هذا، فإنّ المعجزة تدلّ على صدق المدّعي إذا ادّعى ما يخالف حكمًا شرعيًّا يمكن تغييره بتغيّر الظروف، ما لم يخالف عقيدة معلومة من كتاب اللّه، ولا حكمًا عقليًّا لا يمكن تغييره كتحريم الفواحش، وهذا ما جهله اليهود، ولجهلهم به كذّبوا عيسى عليه السلام، إذ جاءهم بما يخالف بعض أحكامهم الشرعيّة، مع تصديقه لجميع ما في التوراة من العقائد والأحكام العقليّة الثابتة؛ كما قال: ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ[١٠]، إلى أن قال: ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ[١١]، فكذّبوه وقالوا: ليس لأحد أن يحلّ ما حرّمته التوراة، وكذلك كذّبوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، إذ جاءهم بما يخالف بعض أحكامهم الشرعيّة، مع تصديقه لجميع ما في التوراة من العقائد والأحكام العقليّة الثابتة؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ[١٢]، وقال: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ[١٣]، وكان ممّا عفا عنه تحريم العمل في السبت، وتحريم الحيوانات غير الخنزير، فكبر ذلك عليهم، وقالوا: كيف يكون هذا رسولًا وهو لا يحفظ السبت ولا يحرّم ما حرّمته التوراة؟! فنسوا أنّ هذه الأحكام ليست من العقائد ولا من الأحكام العقليّة التي لا يجوز تغييرها، بل هي مجرّد اعتبارات شرعيّة جعلها اللّه تعالى لهم في زمان، وله أن يغيّرها في زمان آخر. ألم يكن من الجائز عندهم أن يقول اللّه تعالى لموسى عليه السلام مثلًا: «قل لبني إسرائيل: إنّي قد وضعت عنكم السبت، وأحللت لكم أن تعملوا فيه»؟ فإن قالوا: لا، فقد قالوا: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ[١٤]، وإن قالوا: نعم، فإنّه جائز أن يقول اللّه تعالى مثل ذلك لنبيّ آخر بعد موسى عليه السلام، وليس ذلك ممّا ينافي صدقه إذا كان قد جاء بمعجزة.

٤ . لقد ثبت بنصّ من اللّه تعالى في كتابه أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان ﴿خَاتَمَ النَّبِيِّينَ[١٥]، ولم يثبت ذلك لموسى عليه السلام، ولا لعيسى عليه السلام، بل هما بشّرا برسول يأتي من بعدهما، ولذلك أصبح تغيير الأحكام الشرعيّة أيضًا مستحيلًا بعد محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، بخلاف تغييرها بعدهما؛ لأنّ تغييرها لا يكون إلّا بالوحي البلاغيّ، وقد أُغلق بابه بعد محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولذلك ليس لأحد أن يحرّم ما أحلّه القرآن أو يحلّ ما حرّمه، وإن فعل ما لا يقدر الإنس والجنّ على إتيانه؛ لأنّه إذا فعل ذلك تبيّن أنّه مسيح دجّال.

٥ . لا يجب معرفة جميع الديانات الموجودة في العالم تفصيلًا قبل الحكم بحقّانيّة الإسلام، وذلك لسببين: الأوّل أنّها غير ممكنة؛ لأنّ الديانات الموجودة في العالم غير محصورة، ولو سعى أحد لمعرفتها طيلة حياته لم يحصل له علم بأنّه قد أحصاها؛ إذ من الممكن أن تكون هناك ديانة أخرى لم يعرفها، وقد تكون بعض الديانات في المناطق النائية، والثاني أنّها غير ضروريّة؛ لأنّ الحقّ واحد، ولا يمكن أن يكون في العالم حقّان يخالف أحدهما الآخر، فمن عرف الحقّ بالدليل المعتبر عند العقل استغنى عن مزيد البحث؛ لأنّه من المحال أن يوجد شيء يبطل الدليل المعتبر عند العقل؛ كما لا يمكن مثلًا أن نجد شيئًا يدلّ على أنّ اثنين مع اثنين لا يساوي أربعة، وإن بحثنا السماوات والأرض، وحقّانيّة الإسلام معروفة بالدليل المعتبر عند العقل، وهي ثبوت المعجزة عن محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مع ادّعائه ما يمكن عقلًا وشرعًا، وقد يقول قائل: أليس لليهود والنصارى أن يقولوا مثل هذا؟! فقد ثبتت عندهم المعجزة عن موسى وعيسى عليهما السلام مع ادّعائهما ما يمكن عقلًا وشرعًا، وعلى ما قدّمتم لا يجب عليهم مزيد البحث، وإذا لم يجب عليهم مزيد البحث لم يجب عليهم معرفة الإسلام، ولكنّ الأمر ليس كذلك؛ أوّلًا لأنّ وجود موسى وعيسى عليهما السلام، وإن كان أمرًا مسلّمًا به عند اليهود والنصارى، إلّا أنّه غير ثابت من الناحية التاريخيّة، وهي ما كانت مستقلّة عن مصادر اليهود والنصارى؛ «لأنّ العصر الذي يُعتقد أنّهما عاشا فيه، كان في النصف المظلم من التاريخ»[١٦]، حيث لا يُعرف حدّ واضح بين الحقائق والأساطير، ومن المعلوم أنّه إذا لم يكن وجودهما ثابتًا لم تكن معجزاتهما ثابتة من باب أولى، وقد نسب النصارى إلى عيسى عليه السلام أنّه قال بأنّه ابن اللّه، وهذا ادّعاء ما لا يمكن عقلًا وشرعًا، ولذلك لو كانوا صادقين فيما نسبوا إليه -وليسوا بصادقين- لكان عيسى عليه السلام مسيحًا دجّالًا في معجزاته، كما زعم اليهود، وإن كانوا كاذبين فيما نسبوا إليه -وهم كاذبون- لم يوثق بما نسبوا إليه من المعجزات أيضًا؛ إذ من الممكن أن كانوا قد كذبوا في نسبتها كما كذبوا في نسبة القول. لذلك ليس هناك مصادر موثّقة تفيد العلم بوجود موسى وعيسى عليهما السلام وأحوالهما ومعجزاتهما؛ بخلاف وجود محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأحواله ومعجزاته؛ «لأنّ العصر الذي ظهر فيه محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، بخلاف عصر موسى وعيسى عليهما السّلام، كان في النصف المشرق من التاريخ»[١٧]، ولذلك يمكن معرفة وجوده وأحواله بطريقة علميّة، وقد روى معجزاته رجال معروفون بأسانيد متّصلة، وقد بلغت أخبارهم حدّ التواتر، وقد بقي من معجزاته كتاب ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[١٨]، ولئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثله ﴿لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[١٩]، ولذلك يرى السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى «أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو النّبيّ اليقينيّ الوحيد، وأنّ كتابه هو الكتاب الوحيد الذي له أصالة تاريخيّة، وبالتّالي فإنّ دينه هو الدّين الوحيد الذي له الأهليّة اللازمة لأن يتّبعه إنسان اليوم؛ لأنّ إنسان اليوم ليس له سبيل إلى دين يقينيّ غيره، ولا يسعه اتّباع الأديان الظنّيّة والوهميّة»[٢٠]، وقد صدّق محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم موسى وعيسى عليهما السلام وأخبر عن أحوالهما ومعجزاتهما، وهذا هو الطريق الوحيد إلى معرفتهما بمنأى عن أساطير اليهود والنصارى، وثانيًا لأنّ ديانتهم وإن كانت حقًّا في أصلها، إلّا أنّها أخبرت بوجود ديانة بعدها يجب اتّباعها؛ كما قال لهم موسى عليه السلام حسبما جاء في التوراة: «يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلَهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي، لَهُ تَسْمَعُونَ، حَسَبَ كُلِّ مَا طَلَبْتَ مِنَ الرَّبِّ إِلَهِكَ فِي حُورِيبَ يَوْمَ الْإِجْتِمَاعِ قَائِلًا: لَا أَعُودُ أَسْمَعُ صَوْتَ الرَّبِّ إِلَهِي، وَلَا أَرَى هَذِهِ النَّارَ الْعَظِيمَةَ أَيْضًا لِئَلَّا أَمُوتَ. قَالَ لِيَ الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلَّمُوا. أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلَامِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ، وَيَكُونُ أَنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي لَا يَسْمَعُ لِكَلَامِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ»[٢١]، وذلك النبيّ محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وهو من إخوتهم بني إسماعيل، وذلك الكلام القرآن، وقال لهم عيسى عليه السلام قبل أن يرفعه اللّه إليه: «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الرَّبِّ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ»[٢٢]، وقال: «أَمَّا الْمُعَزِّي الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الرَّبُّ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ»[٢٣]، وقال: «وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الرَّبِّ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي»[٢٤]، وقال: «أَمَّا الْآنَ فَأَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي: أَيْنَ تَمْضِي؟ لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لَا يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلَكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ، وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ»[٢٥]، وقال: «إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لِأَقُولَ لَكُمْ، وَلَكِنْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الْآنَ، وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ»[٢٦]، وذلك المعزّي محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وما تكلّم به هو القرآن، وقد صدّق فيه عيسى عليه السلام وبرّأه من جميع ما افترى عليه اليهود والنصارى، ولمثل هذه النصوص في ديانتهم يجب عليهم البحث حتّى يجدوا ما وُعدوا، ولو بحثوا بصدق وإنصاف كما بحثنا لوجدوه محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كما وجدناه، ولكنّهم لا يفعلون ذلك، إلّا قليلًا وصفهم اللّه في كتابه، فقال: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[٢٧].

↑[١] . الرّعد/ ٣٨
↑[٢] . الأعراف/ ١٧٢
↑[٣] . القول ٥٧، الفقرة ١٥
↑[٤] . القول ٥٧، الفقرة ١٤
↑[٥] . غافر/ ٣٤
↑[٦] . القول ٥٧، الفقرة ١٣
↑[٧] . البقرة/ ١٠٦
↑[٨] . الزّمر/ ٥٥
↑[١٠] . آل عمران/ ٤٩
↑[١١] . آل عمران/ ٥٠
↑[١٢] . البقرة/ ١٠١
↑[١٣] . المائدة/ ١٥
↑[١٤] . المائدة/ ٦٤
↑[١٥] . الأحزاب/ ٤٠
↑[١٨] . فصّلت/ ٤٢
↑[١٩] . الإسراء/ ٨٨
↑[٢١] . التثنية ١٨: ١٥-١٩
↑[٢٢] . يوحنا ١٤:١٦
↑[٢٣] . يوحنا ١٤:٢٦
↑[٢٤] . يوحنا ١٥:٢٦
↑[٢٥] . يوحنا ١٦: ٥-٨
↑[٢٦] . يوحنا ١٦: ١٢-١٣
↑[٢٧] . الأعراف/ ١٥٧