كاتب السؤال: علي الراضي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٦/٢٧

ما رأي السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني في إجارة الرّحم والإستنساخ البشريّ؟

الاجابة على السؤال: ٧ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٧/١

من المؤسف أنّ كثيرًا من علماء المسلمين في ردّهم على هذا السؤال، قد نظروا فقطّ إلى الأصل الأوّلي وعدد من العمومات والإطلاقات الشرعيّة المتعلّقة بالنكاح والزنا، واكتفوا بنظرة سطحيّة ومهملة في الموضوع، كالذين وبّخهم اللّه في كتابه إذ قال: ﴿تَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ[١]، لكنّ موقف السيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى من ذلك موقف متميّز عميق نشأ من معرفته الفائقة بروح الإسلام ومقاصد الشريعة والمصالح العالية وكونه على مستوى علميّ أعلى. وفقًا لرأي هذا العالم الحقيقيّ، فإنّ عمليّة التناسل والتوالد هي خلق اللّه العالم بكلّ شيء، وسنّة من سننه التي قامت على حكمته ورحمته، وموفّرة للمصلحة الحقيقيّة للإنسان والعالم؛ كما قال تعالى: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ[٢]، وقال: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ۝ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ[٣]، على الرّغم من أنّ هذه العمليّة الطبيعيّة، في بعض الأحيان، لا تنسجم مع أهواء بعض العباد السطحيّين والمستعجلين، ومن وجهة نظرهم القاصر والمقصّر ليست موفّرة لمصالحهم؛ كما قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[٤]. لذلك، يجب على عباد اللّه أن يكونوا مسلمين لسننه، وراضين بقضائه، ويجتنبوا المعارضة معه في تدبيره، والإخلال في نظام الطبيعة، والتدخّل في العمليّة الطبيعيّة للتناسل والتوالد؛ لأنّ كلّ تدخّل نفعيّ واستكثاريّ في العمليّة الطبيعيّة للتناسل والتوالد، هو مغيّر لخلق اللّه ومخلّ بنظام الطبيعة وتوازنها، وفي نفس الوقت يفتح باب مفاسد عظيمة على اللاحقين، ويكون له على المدى الطويل عواقب وخيمة وضارّة على الفرد والمجتمع. من أجل ذلك اعتبر الشيطان حمل الناس على مثل هذه الأفعال أحد أهدافه فقال: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ[٥]؛ يعني أنّه يحملهم على تغيير الأشكال الفطريّة والمجاري الطبيعيّة لخلق اللّه مع أنّها قائمة على حكمة عميقة للغاية ومتناسبة مع جميع الأبعاد والجوانب للكون، طمعًا في منافع شخصيّة قصيرة المدى وبإساءة الإستخدام لما آتاهم اللّه من العلم والأسباب.

بناء على هذا، فإنّ أوّل دليل على عدم جواز إجارة الرّحم هو أنّها تغيير خلق اللّه من خلال تغيير العمليّة الطبيعيّة للتناسل والتوالد، وذلك ﴿مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ[٦]، والدليل الآخر أنّها خلط الأنساب؛ لأنّها تستلزم تشارك امرأتين في تكوين ولد واحد؛ نظرًا لأنّ إحداهما تشارك في ذلك بوضع نطفته أو علقته أو مضغته، والأخرى تشارك في ذلك بتطويره وتكميله وتصويره في رحمها، ولا شكّ أنّ في خلط الأنساب مفاسدة عظيمة. لذلك، يفتي السيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى بحرمة هذا العمل الشيطانيّ ويحذّر منه بتأكيد، ضمن الكشف عن ماهيّته الخبيثة وعواقبه الوخيمة؛ كما أخبرنا بعض أصحابه، قال:

سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ امْرَأَةٍ لَا تَسْتَطِيعُ حَمْلًا أَوْ وِلَادَةً، أَفَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَسْتَأْجِرَ امْرَأَةً أُخْرَى لِتَحْمِلَ وَلَدَهَا وَتَلِدَهُ؟ فَقَالَ: لَا تَشْتَرِكُ امْرَأَتَانِ فِي وَلَدٍ وَاحِدٍ.[٧]

وأخبرنا بعض أصحابه، قال:

سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الْمَرْأَةِ تُؤْجِرُ رَحِمَهَا مِنْ زَوْجَيْنِ لَا يُولَدُ لَهُمَا، فَتُنَبِّتُ مَاءَهُمَا أَوْ جَنِينَهُمَا، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، لَا يُشَارِكُ فِي أَوْلَادِ النَّاسِ إِلَّا شَيْطَانٌ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ[٨]؟![٩]

وأخبرنا بعض أصحابه، قال:

سَمِعْتُ الْعَالِمَ يَقُولُ: مَنِ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِرَحِمِهَا فَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَ شَيْطَانَةً، وَلَا يُولَدُ مِنَ الشَّيْطَانَةِ إِلَّا شَيْطَانٌ.[١٠]

وأخبرنا بعض أصحابه، قال:

سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ وَعِنْدَهُ عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ: لَعَنَ اللَّهُ مُؤْجِرَ الْأَرْحَامِ وَمُسْتَأْجِرَهَا! أَلَا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ لِي أَمْرٌ لَجَلَدْتُهُمَا أَوْ عَذَّبْتُهُمَا عَذَابًا شَدِيدًا! فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ لِعِيسَى: مَا أَرَادَ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ؟ قَالَ: أَرَادَ حَدَّ الْمُحَارَبَةِ لِأَنَّهُمَا أَفْسَدَا فِي الْأَرْضِ.[١١]

ثمّ يرى هذا العالم العظيم أنّ أمّ الإنسان هي التي حملته في بطنها وولدته، سواء كانت صاحبة البويضة أم لا، وذلك لظاهر كتاب اللّه وإطلاقه؛ فإنّه سمّى الأمّ «الوالدة»، وعرّفها بأنّها التي حملت الإنسان في بطنها وولدته؛ كما قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا[١٢]، وقال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ[١٣]، وقال: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ[١٤]، وقال: ﴿وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ[١٥]، وقال: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ[١٦]، بل حصر الأموّة في الوالدة بصراحة فقال: ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ[١٧]، ولذلك فإنّ المرأة التي وُضعت بويضتها في بطن امرأة أخرى لا تصبح بذلك أمًّا شرعيّة، مع أنّه لا يمكن لها أيضًا أن تتزوّج من الابن المتولّد من بويضتها؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

ذُكِرَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ إِجَارَةُ الْأَرْحَامِ، فَقَالَ: لَا تَحْمِلُ الْمَرْأَةُ فِي بَطْنِهَا إِلَّا وَلَدَهَا، وَلَا تَضَعُ إِلَّا وَلَدَهَا، قُلْتُ: فَمَا لِصَاحِبَةِ الْمَاءِ؟! فَأَخَذَ بِيَدِهِ كَفًّا مِنَ التُّرَابِ وَقَالَ: هَذَا! قُلْتُ: فَهَلْ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ ذَلِكَ الْوَلَدَ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهَا إِلَّا هَذَا -وَأَشَارَ إِلَى التُّرَابِ![١٨]

كذلك الرّجل الذي وُضع ماؤه في رحم امرأة لا تحلّ له لا يصبح بذلك أبًا شرعيًّا، مع أنّه لا يمكن له أيضًا أن يتزوّج من البنت المتولّدة من مائه؛ كما يظهر ذلك من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لسودة بنت زمعة: «احْتَجِبِي مِنْهُ» يعني ابن وليدة زمعة، لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقّاص، مع أنّه ألحقه بزمعة قائلًا: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»، فما رأى سودة حتّى لقي اللّه عزّ وجلّ[١٩]؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ رَحِمًا لَا تَحِلُّ لَهُ، فَيُفْرِغُ فِيهَا مَاءَهُ وَمَاءَ امْرَأَتِهِ، فَيَخْرُجُ وَلَدٌ، لِمَنْ يَكُونُ الْوَلَدُ؟ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، قُلْتُ: كَيْفَ وَيَكُونُ الْمَاءُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؟! قَالَ: هَكَذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّحِمِ فِرَاشٌ فَلِمَنْ يَكُونُ الْوَلَدُ؟ قَالَ: لِلشَّيْطَانِ![٢٠]

وممّا يؤيّد قوله حفظه اللّه تعالى بعدم جواز ذلك بالإضافة إلى ما مضى، عموم النهي عن وضع النطفة في رحم الأجنبيّة؛ كما في رواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «مَا مِنْ ذَنْبٍ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ نُطْفَةٍ وَضَعَهَا رَجُلٌ فِي رَحِمٍ لَا تَحِلُّ لَهُ»[٢١]، وفي رواية عن أهل البيت: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَقَرَّ نُطْفَتَهُ فِي رَحِمٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ»[٢٢]، ولا شكّ أنّ هذه الروايات وإن وردت في باب الزنا إلا أنّها بعمومها تشمل وضع النطفة في رحم الأجنبيّة على سبيل الإستئجار.

كذلك لا يجوز الإستنساخ البشريّ بمعنى خلقه خارج الرّحم؛ لأنّ ذلك أيضًا مثال واضح على تغيير خلق اللّه ومعارضة علمه وقدرته، وهو من أعمال المسيح الدّجّال وآثار الحداثة الشيطانيّة؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: إِنَّ الدَّجَّالَ ذُو عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، يَنْظُرُ بِهَا إِلَى مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَيُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُنَبِّئُ بِمَا فِي الْأَرْحَامِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَلِجُ فِي الْأَرْضِ، وَيَعْرُجُ فِي السَّمَاءِ، وَيَسْتَخْرِجُ الْكُنُوزَ، وَيَخْلُقُ الْإِنْسَانَ فِي قَارُورَةٍ كَمَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي الْأَرْحَامِ، وَيَسِيرُ كَمَا يَسِيرُ الرِّيحُ الصَّرْصَرُ، يَمْلِكُ الْمَالَ وَالْمَكِنَةَ، فَلَا يُعْطِيهِمَا إِلَّا مَنْ عَبَدَهُ، وَهُمُ الْيَهُودُ، ثُمَّ النَّصَارَى، ثُمَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَنْزِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. فَسَكَتَ، فَرَءَانَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ، فَقَالَ: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ، إِنَّهُ الْحَدَاثَةُ.[٢٣]

↑[١] . النّور/ ١٥
↑[٢] . البقرة/ ٢٢٢
↑[٣] . الشّورى/ ٤٩-٥٠
↑[٤] . البقرة/ ٢١٦
↑[٥] . النّساء/ ١١٩
↑[٦] . المائدة/ ٩٠
↑[٧] . القول ٦٦، الفقرة ١
↑[٨] . الإسراء/ ٦٤
↑[٩] . القول ٦٦، الفقرة ٢
↑[١٠] . القول ٦٦، الفقرة ٣
↑[١١] . القول ٦٦، الفقرة ٤
↑[١٢] . الأحقاف/ ١٥
↑[١٣] . لقمان/ ١٤
↑[١٤] . الزّمر/ ٦
↑[١٥] . النّجم/ ٣٢
↑[١٦] . النّحل/ ٧٨
↑[١٧] . المجادلة/ ٢
↑[١٨] . القول ٦٧، الفقرة ١
↑[١٩] . انظر: موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري، ج٢، ص٤٦٠؛ مسند عبد اللّه بن المبارك، ص١٣٣؛ الأصل للشيباني، ج٨، ص١٠٧؛ مسند الشافعي، ص١٨٨؛ مسند أبي داود الطيالسي، ج٣، ص٥٩؛ مصنف عبد الرزاق، ج٧، ص٤٤٢؛ سنن سعيد بن منصور، ج٢، ص١٠٦؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج٢، ص٢١٧؛ مسند أحمد، ج٤١، ص٤٤٢؛ مسند الدارمي، ج٣، ص١٤٣٦؛ صحيح البخاري، ج٣، ص٥٤؛ صحيح مسلم، ج٤، ص١٧١؛ سنن ابن ماجه، ج١، ص٦٤٦؛ سنن أبي داود، ج٢، ص٢٨٢؛ سنن النسائي، ج٦، ص١٨٠.
↑[٢٠] . القول ٦٧، الفقرة ٢
↑[٢١] . الورع لابن أبي الدنيا، ص٩٤؛ الجعفريّات لابن الأشعث، ج١، ص٢٥٨؛ دعائم الإسلام لابن حيّون، ج٢، ص٤٤٨؛ ذمّ الهوى لابن الجوزي، ص١٩٠؛ الكبائر للذهبي، ص٥٣؛ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، ج٥، ص٢٨١
↑[٢٢] . المحاسن للبرقي، ج١، ص١٠٦؛ الكافي للكليني، ج٥، ص٥٤١؛ دعائم الإسلام لابن حيّون، ج٢، ص٤٤٧؛ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال لابن بابويه، ص٢٦٣
↑[٢٣] . القول ١١٧، الفقرة ٥
رقم التعليق: ١ كاتب التعليق: علي الراضي تاريخ التعليق: ١٤٣٧/٧/٢

الفقهاء الذين يقولون بجواز إجارة الرّحم لديهم استدلالات مختلفة، منها ما يلي:

١ . المرأة المؤجرة رحمها هي في حكم الأمّ؛ لأنّها تربّي الولد في رحمها، كالمرأة التي ترضعه وتصبح أمًّا من الرضاعة، مع فارق أنّ الأولى تطعم الولد في رحمها، والثانية تطعمه من ثديها. مع ذلك، لا تكون أيّة منهما أمًّا أصليّة، والأمّ الأصليّة هي التي منها الولد.

٢ . المرأة التي تستطيع إنشاء ولد ولا تستطيع حفظه في رحمها حتّى ولادته يجوز لها أن تجعله بإذن زوجها في رحم امرأة أخرى لتقوم هي بحفظه في رحمها حتّى ولادته؛ كما يجوز للوالدة المعلولة أن يتّخذ لحفظ ولدها مربّية كي تربّيه.

٣ . يجوز هذا الفعل من باب الإضطرار؛ إذ من الممكن أن يطلّق الرجل زوجته التي لا تستطيع حفظ الولد في رحمها وتتّخذ زوجة أخرى إذا كان راغبًا في الولد، وهذا يؤدّي إلى تفكّك الأسرة. لذلك قال بعض الفقهاء بجواز ذلك من باب الإضطرار إذا لم يكن معه نظر أم لمس محرّم.

٤ . من الفقهاء من يقول بجواز ذلك إذا كانت المرأة المؤجرة خالية وتزوّجت من الرجل زواجًا موقّتًا إلى الولادة.

نظرًا لأنّ فتوى السيّد العلامة الخراساني هي عدم جواز هذا الفعل، أريد أن أعرف حججه في رفض الإستدلالات المذكورة أعلاه على حدة.

الاجابة على التعليق: ١ تاريخ الاجابة على التعليق: ١٤٣٧/٧/٥

يرجى التنبّه للنكات التالية:

١ . قياس حمل المرأة ماء الأجنبيّين في رحمها على إرضاعها لولدهما قياس مع الفارق؛ لأنّ الأوّل عمل غير طبيعيّ يغيّر خلق اللّه، والآخر عمل طبيعيّ لا يغيّر خلق اللّه، وقد حرّم اللّه ما يغيّر خلقه، ولم يحرّم الآخر، وذلك كقوله: ﴿قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا[١]، فلا يصحّ القياس بينهما، بل هو مثال واضح على القياس الباطل الذي لا مكان له في الإسلام، وقد ذمّه السلف الصالح أشدّ ذمّ؛ كما روي عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام أنّه قال: «إِنَّ أَصْحَابَ الْقِيَاسِ طَلَبُوا الْعِلْمَ بِالْقِيَاسِ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنَ الْحَقِّ إِلَّا بُعْدًا، إِنَّ دِينَ اللَّهِ لَا يُصَابُ بِالْقِيَاسِ»[٢]، وروي عن ابنه موسى عليه السلام أنّه قال: «مَا لَكُمْ وَلِلْقِيَاسِ؟! إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِالْقِيَاسِ»[٣]، وقد روي هذا المعنى عن جماعة من الصحابة والتابعين وأتباعهم[٤]، وأخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: وَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْقِيَاسِ؛ فَإِنَّهُمْ يَضْرِبُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ الْأَمْثَالَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[٥]، وَقَالَ: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا[٦].

ثمّ لو كان قياس حاملة الماء على مرضعة الولد صحيحًا لثبت به أنّ حاملة الماء هي أمّ من الحمل، كما أنّ مرضعة الولد هي أمّ من الرضاعة، ولم يثبت به أنّ صاحبة الماء هي الأمّ الأصليّة؛ لأنّهما متباينان، ولا ملازمة بينهما شرعًا؛ كما لا ملازمة بين كون الماء من رجل وبين اعتباره أبًا شرعيًّا؛ للثابت المشهور من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»؛ يعني أنّ الولد لزوج صاحبة الرّحم، وإن لم يكن من مائه في الواقع؛ كما روي عن عائشة أنّها قال: «كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ وَقَالَ: ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَتَسَاوَقَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ أَخِي، قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: احْتَجِبِي مِنْهُ، لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ»[٧]. هذا يعني أنّ صاحب الماء لا يعتبر أبًا إذا وضعه في رحم لا يحلّ له، فصاحبة الماء أيضًا لا تعتبر أمًّا إذا وضعته في رحم لا يحلّ لها، وهذا من باب أولى؛ لأنّه من صاحب الماء عمل حرام طبيعيّ، ومن صاحبة الماء عمل حرام غير طبيعيّ، ومن الواضح أنّ العمل الحرام الذي يخالف الطبيعة أولى بأن لا تكون له فائدة شرعيّة من العمل الحرام الذي يوافق الطبيعة! من هنا يعلم أنّ قياس حاملة الماء على مرضعة الولد لو كان مأخوذًا به لم يزد أصحابه إلّا شرًّا؛ لأنّه يستلزم القول بأنّ الولد ليس له أمّ أصليّة، كما ليس له أب شرعيّ إذا لم يكن لحاملة الماء زوج أو نفاه زوجها!

٢ . قياس المرأة التي تحمل ماء الأجنبيّين في رحمها على المرأة التي تقوم برعاية ولدهما لعجزهما هو أشدّ فسادًا وأظهر بطلانًا من القياس السابق، بل هو نوع من التحكّم والسفسطة قد نشأ من الجرأة والتساهل في استنباط الأحكام؛ لأنّ النزاع إنّما هو في جواز مشاركة الأجنبيّة في تكوين الولد، وليس في جواز مشاركتها في تربيته بعد ولادته، ومن الواضح أنّ القياس بينهما قياس مع الفارق!

٣ . ليس هناك اضطرار عقليّ أو شرعيّ؛ لأنّ الإضطرار هو توقّف الحياة على الحرام، أو توقّف اجتناب الحرام الأهمّ على اجتناب الحرام المهمّ، ولا يوجد أيّ منهما لمن لا يولد له؛ نظرًا لأنّ طلاق الزوجة أو التزوّج عليها حلالان، ولا يعنيان زوال حياتها ولا وقوعها في الحرام الأهمّ، ولذلك ادّعاء القوم أنّ استئجار الرّحم جائز من باب الإضطرار هو ادّعاء سخيف يدلّ على بعدهم من العلم والتقوى.

٤ . الإشكال لا يرجع فقطّ إلى الرّجل وعدم زوجيّته لصاحبة الرّحم حتّى يزول بتزوّجه لها دوامًا أو متعة، بل يرجع أيضًا إلى صاحبة الماء وعدم جواز خلط الأنساب وتغيير خلق اللّه؛ لأنّه، من ناحية، لا يجوز لصاحبة الماء أن تضع ماءها في رحم صاحبة الرّحم، كما لا يجوز لصاحب الماء أن يفعل ذلك إذا لم يكن زوج صاحبة الرّحم، ومن الواضح أنّ الزوجيّة لو تحقّقت بينه وبين صاحبة الرّحم، فلا تتحقّق بين صاحبة الماء وصاحبة الرّحم، ومن ناحية أخرى، وضع ماء المرأة في رحم امرأة أخرى هو خلط الأنساب وتغيير خلق اللّه من خلال تغيير النظام الطبيعيّ للتناسل والتوالد، وذلك لا يجوز مطلقًا.

للأسف، يبدو أنّ بعض الفقهاء يفتون وفقًا لما يطلب الناس وإرضاءً لبعض الأفراد أو الجماعات أو الحكّام، وذلك بأنّ بعض الأفراد أو الجماعات أو الحكّام لتبرير أفعالهم غير الشرعيّة وترويجها في البلاد الإسلاميّة يحتاجون إلى التراخيص الشرعيّة، وهؤلاء الفقهاء يصدرونها لهم، وبهذه الطريقة يكيّفون دين اللّه على أهوائهم بدلًا من تكييف أهوائهم على دين اللّه! أولئك الذين غالبًا ما نالوا الشهرة والمكانة بمساعدة هؤلاء الأفراد والجماعات والحكّام، يفترضون أوّلًا ما يحبّ أربابهم هؤلاء شرعيًّا، ثمّ يضربون في كلّ صوب ويبذلون قصارى جهدهم ليعثروا له على حيلة شرعيّة بما دونه خرط القتاد، وفي هذا الصدد ربما يتشبّثون بكلّ حشيش ويتعلّقون بما هو أوهن من بيت العنكبوت! من أجل ذلك ترى السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى -هذا العالم الصدّيق- يحذّر من الفقهاء التابعين للأفراد والجماعات والحكّام؛ كما أخبرنا بعض أصحابه، قال:

سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: مَا ذِئْبَانِ ضَارِيَانِ فِي غَنَمٍ قَدْ غَابَ عَنْهَا رَاعِيهَا، أَحَدُهُمَا فِي أَوَّلِهَا وَالْآخَرُ فِي آخِرِهَا، يَمْزُقَانِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، بِأَضَرَّ فِي قَوْمٍ مِنْ عَالِمَيْنِ أَحَدُهُمَا يَتَّبِعُ السُّلْطَانَ، وَالْآخَرُ يَتَّبِعُ السُّوقَ.[٨]

↑[١] . البقرة/ ٢٧٥
↑[٢] . المحاسن للبرقي، ج١، ص٢١١؛ بصائر الدرجات للصفار، ص١٦٦ و١٧٠؛ الكافي للكليني، ج١، ص٥٧
↑[٣] . الكافي للكليني، ج١، ص٥٧؛ الإختصاص للمفيد، ص٢٨٢
↑[٤] . انظر: سنن سعيد بن منصور، ج٦، ص٧٣؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٢٥٣؛ الجامع لعلوم أحمد، ج٥، ص١٠٧؛ مسند الدارمي، ج١، ص٢٣٥ و٢٨٠؛ الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار، ص١٩؛ تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، ص١١٠؛ أنساب الأشراف للبلاذري، ج٤، ص٤٨؛ المعجم الكبير للطبراني، ج٩، ص١٠٥؛ العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني، ج٥، ص١٦٢٦؛ الإبانة الكبرى لابن بطة، ج٢، ص٤٥٠؛ فوائد تمام، ج١، ص١١٠؛ مسند أبي حنيفة رواية أبي نعيم الأصبهاني، ص٦٦؛ جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، ج٢، ص٨٩٢ و١٠٤٢؛ الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، ج١، ص٤٥٧.
↑[٥] . النّحل/ ٧٤
↑[٦] . الإسراء/ ٤٨؛ الفرقان/ ٩
↑[٧] . موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري، ج٢، ص٤٦٠؛ مسند عبد اللّه بن المبارك، ص١٣٣؛ الأصل للشيباني، ج٨، ص١٠٧؛ مسند الشافعي، ص١٨٨؛ مسند أبي داود الطيالسي، ج٣، ص٥٩؛ مصنف عبد الرزاق، ج٧، ص٤٤٢؛ سنن سعيد بن منصور، ج٢، ص١٠٦؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج٢، ص٢١٧؛ مسند أحمد، ج٤١، ص٤٤٢؛ مسند الدارمي، ج٣، ص١٤٣٦؛ صحيح البخاري، ج٣، ص٥٤؛ صحيح مسلم، ج٤، ص١٧١؛ سنن ابن ماجه، ج١، ص٦٤٦؛ سنن أبي داود، ج٢، ص٢٨٢؛ سنن النسائي، ج٦، ص١٨٠