كاتب السؤال: محمّد البطاط تاريخ السؤال: ١٤٤١/٣/٢٧

ما هو نسب الإمام المهدي عليه السلام؟ ومن هو والده؟ وهل هو مولود أم لا؟

الاجابة على السؤال: ١٣ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤١/٤/٣

لا خلاف بين المسلمين في أنّ الإمام المهديّ عليه السلام من ولد فاطمة عليها السلام وذلك لما صحّ عندهم عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ»[١] ولكنّهم اختلفوا في أنّه حسنيّ أو حسينيّ. فقال الجمهور أنّه حسنيّ لما رواه أبو داود، قال: حدّثت عن هارون بن المغيرة، قال: ثنا عمرو بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي إسحاق، قال: قال عليّ رضي اللّه عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ يُشْبِهُهُ فِي الْخُلُقِ وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا»[٢] لكنّه منقطع؛ لأنّ أبا داود قال: «حدّثت» بصيغة المجهول ولم يبيّن من حدّثه وقد جاء في هامش كتاب «العودة إلى الإسلام»[٣] أنّه غلط أو تصحيف على الأرجح، والشاهد على ذلك اختلاف النسخ؛ فإنّ القندوزيّ (ت١٢٩٤هـ) رواها عن أبي داود بلفظ «الحسين»[٤]، والظاهر أنّ النسخة الموجودة عنده كانت كذلك، وعليه فلا تقوم به حجّة وقال الإماميّة أنّه حسينيّ لما رووا عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام وفي أخبار الجمهور ما يؤيّده؛ كما روي عن عليّ أنّه ذكر المهديّ وأنّه من ولد الحسين، أجلى الجبين، أقنى الأنف، أزيل الفخذين، أفلج الثّنايا، وهذه رواية مشهورة عنه استشهد بها أهل اللغة في بيان معنى «الزَّيَل»[٥]، وروي عن الحسين أنّه قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّهُ مِنِّي يَعْنِي الْمَهْدِيَّ»[٦]، وروي عن حذيفة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ذكر المهديّ، فقال سلمان: يا رسول اللّه، من أيّ ولدك هو؟ فقال: «مِنْ وَلَدِي هَذَا»، وضرب بيده على الحسين[٧]، وروي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وعده رؤية أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين وقال له: «اعْلَمْ أَنَّ الْمَهْدِيَّ مِنْ وُلْدِهِ»[٨]، وروى داود بن عبد اللّه الجعفري، عن الدراوردي، عن ابن أخي الزهري، قال: تجالسنا بالمدينة أنا وعبد اللّه بن حسن فتذاكرنا المهديّ، فقال عبد اللّه بن حسن: المهديّ من ولد الحسن بن علي، فقلت: يأبى ذاك علماء أهل بيتك[٩] وقال النجاشي (ت٤٥٠ه‍) في ترجمة أحمد بن محمد بن أحمد الجرجاني نزيل مصر: «ذكر أصحابنا أنه وقع إليهم من كتبه كتاب كبير في ذكر من روى من طرق أصحاب الحديث أنّ المهديّ من ولد الحسين عليه السلام»[١٠] وهذا ما اختاره المنصور حفظه اللّه تعالى واستدلّ عليه بقول اللّه تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ[١١] وتقرير ذلك أنّ الأمر صار إلى الحسين عليه السلام بعد أخيه؛ لاشتراكه في الفضل وتأخّره في الولادة وكان أولى الناس بالحسين عليه السلام أولاده لا أولاد أخيه؛ لقول اللّه تعالى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فانتقل الأمر إلى أولاد الحسين عليه السلام[١٢] ولذلك لا يمكن اعتبار خبر أبي داود ناقضًا للقاعدة القرآنيّة والعقليّة الدّالّة على أولويّة الأولاد من أولاد الأخ. نعم، إذا كان نسب المهديّ يصل إلى الحسين من طريق أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين، صحّ القول بأنّه من ولد الحسن أيضًا؛ لأنّ والدة أبي جعفر كانت فاطمة بنت الحسن[١٣]، وعلى هذا فيمكن اعتبار المهديّ حسينيًّا من جهة الأب، وحسنيًّا من جهة الأمّ، وبذلك يُجمع بين الأخبار والأقوال[١٤]، ويؤيّد ذلك ما رواه الطبراني، قال: حدثنا محمد بن رزيق بن جامع المصري، ثنا الهيثم بن حبيب، ثنا سفيان بن عيينة، عن علي بن علي المكي الهلالي، عن أبيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ذكر الحسن والحسين في شكاته التي قبض فيها فقال: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِنَّ مِنْهُمَا مَهْدِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ»[١٥].

وأمّا ولادة الإمام المهديّ عليه السلام ففيها خلاف مشهور بين المسلمين؛ إذ قال الجمهور أنّه لم يولد بعد وقال الإماميّة أنّه ولد في سنة مائتين وخمسة وخمسين للهجرة وهو ابن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ووافقهم على ذلك جماعة منهم القندوزي الحنفيّ في ينابيع المودّة[١٦] وابن صبّاغ المالكي في الفصول المهمّة[١٧] ومحمّد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول[١٨] ومحمّد بن يوسف الشافعي في البيان[١٩] والشبلنجي الشافعي في نور الأبصار[٢٠] والشبراوي الشافعي في الإتحاف[٢١] وسبط بن الجوزي الحنبلي في تذكرة الخواص[٢٢] وعبد الوهاب الشعراني في اليواقيت والجواهر[٢٣] وحكاه عن ابن عربيّ صاحب الفتوحات المكّيّة واستدلّوا على ذلك بما رووا عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام وبأنّه الخلف الثاني عشر منهم وقال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»[٢٤] وردّ عليهم الجمهور بأنّ والد الإمام المهديّ عليه السلام اسمه عبد اللّه؛ لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي»[٢٥] ولو كان ابن الحسن هو الإمام المهديّ عليه السلام للزم أن يكون عمره أطول من عمر نوح عليه السلام وأجاب الإماميّة بأنّ كثيرًا من الروايات خالية من اسم أبيه وهذا ما يوهن بنيانه وليس طول العمر ممّا يدفعه العقل أو الشرع وقد روى الجمهور أنّ الدّجّال حيّ يعيش في جزيرة من جزائر البحر منذ زمن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم[٢٦] وهذا يعني أنّ عمره أطول من عمر نوح عليه السلام وقد كره المنصور حفظه اللّه تعالى الخوض في هذا الموضوع ولم يتعرّض له في كتاب «العودة إلى الإسلام»؛ لأنّ المهمّ عنده التمهيد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام وذلك غير متوقّف على الإعتقاد بوجوده في الوقت الحاضر؛ لأنّه لو كان غير موجود لوُجد بعد التمهيد لظهوره بفضل اللّه وحكمته[٢٧]. نعم، قال في بعض دروسه أنّ الإحتياط يقتضي الإكتفاء بما ورد في جميع الروايات وأجمع عليه المسلمون وهو اسم الإمام المهديّ عليه السلام؛ لأنّه القدر المتيقّن وقال بأنّ الإمام المهديّ عليه السلام موجود في الوقت الحاضر، سواء كان اسم أبيه الحسن أو عبد اللّه واستدلّ على ذلك بقول اللّه تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[٢٨]؛ لأنّه يدلّ على أنّ الأرض لا تخلو من خليفة اللّه؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، فَقَالَ: إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ خَلِيفَةٍ اللَّهُ جَاعِلُهُ، وَلَوْ خَلَتْ لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا، وَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ هَذَا الْخَلِيفَةَ فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ: لَا يَزَالُ اللَّهُ يَجْعَلُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً مُنْذُ قَالَهُ، وَلَوْ قَالَ: «إِنِّي أَجْعَلُ» لَكَانَ مِنْهُ جَعْلٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ، وَالْجَاعِلُ مَنْ يَسْتَمِرُّ مِنْهُ الْجَعْلُ، وَكُلُّ خَلِيفَةٍ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ مَهْدِيٌّ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا لِيَضَعَهُ حَيْثُ يَشَاءُ اللَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَهْتَدِ إِلَى مَهْدِيِّ زَمَانِهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا.[٢٩]

بناء على هذا، يجب على المسلمين أن ينتهوا عن التنازع الذي لا طائل تحته ويأخذوا في التشاور والتعاون على التمهيد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام؛ لأنّه ليس إمام الشيعة أو إمام السنّة، بل هو إمام جميع المسلمين وهم جميعًا مكلّفون بطلبه ونصره وهذا ما يمكن أن يجمعهم تحت راية واحدة لو لا التعصّب وضيق العقول.

↑[١] . سنن ابن ماجه، ج٢، ص١٣٦٨؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١٠٧؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج٤، ص٥٥٧
↑[٢] . سنن أبي داود، ج٢، ص٣١١
↑[٤] . انظر: ينابيع المودة للقندوزي، ج٣، ص٢٥٩ نقلًا عن سنن أبي داود.
↑[٥] . انظر: تهذيب اللغة للأزهريّ، ج١٣، ص١٧٤؛ الغريبين في القرآن والحديث لأبي عبيد الهرويّ، ج٣، ص٨٤٤؛ المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، ج٩، ص٩٠؛ لسان العرب لابن منظور، ج١١، ص٣١٧
↑[٦] . الكامل لابن عديّ، ج٧، ص٣٩٨
↑[٧] . انظر: الأربعون حديثًا في المهديّ لأبي نعيم الأصبهانيّ، ص٥٧
↑[٨] . انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر، ج٥٤، ص٢٧٦
↑[٩] . تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزّي، ج٢٥، ص٤٦٨
↑[١٠] . رجال النجاشي، ص٨٦
↑[١١] . الأحزاب/ ٦
↑[١٣] . انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد، ج٧، ص٣١٥؛ أنساب الأشراف للبلاذريّ، ج٣، ص١٤٧
↑[١٥] . المعجم الكبير للطبراني، ج٣، ص٥٧
↑[١٦] . ينابيع المودة للقندوزي، ج٣، ص١٣١
↑[١٧] . الفصول المهمّة لابن الصباغ، ص١٠٩٥
↑[١٨] . مطالب السؤول في مناقب آل الرسول لابن طلحة الشافعي، ص٤٨٠
↑[١٩] . البيان للكنجي الشافعي، ص٥٢١
↑[٢٠] . نور الأبصار للشبلنجي الشافعي، ص١٨٦
↑[٢١] . الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي، ص١٧٨
↑[٢٢] . تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي، ص٣٦٣
↑[٢٣] . اليواقيت والجواهر للشعراني، ص١٤٣
↑[٢٤] . مسند ابن الجعد، ص٣٩٠؛ مسند أحمد، ج٥، ص١٠٦؛ صحيح ابن حبان، ج١٥، ص٤٣
↑[٢٥] . سنن أبي داود، ج٢، ص٣٠٩
↑[٢٦] . صحيح مسلم، ج٨، ص٢٠٤؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص١٣٥٥؛ سنن أبي داود، ج٢، ص٣١٩؛ سنن الترمذي، ج٣، ص٣٥٥
↑[٢٨] . البقرة/ ٣٠
↑[٢٩] . القول ٦، الفقرة ١