دخل عليه رجال من أهل إيران بعد أن تفشّى فيها الوباء، فخطبهم، فقال فيما قال لهم:

إِلَى مَتَى تَتَكَبَّرُونَ، وَتُقَسُّونَ قُلُوبَكُمْ؟ إِلَى مَتَى تَكُونُونَ غَافِلِينَ، وَتُصِرُّونَ عَلَى ذُنُوبِكُمْ؟ إِلَى مَتَى تَصُمُّونَ عَنْ نَصِيحَتِي، وَتَتَّخِذُونَ إِنْذَارِي هُزُوًا؟ أَلَا تَرَوْنَ سَيْلَ الْبَلَاءِ كَيْفَ يَنْحَدِرُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَقَدْ أَسْقَطَ الصُّخُورَ الْعَظِيمَةَ، وَقَلَعَ الْأَشْجَارَ السَّمِيكَةَ، وَلَهُ صَوْتٌ كَصَوْتِ الْإِنْفِجَارِ؟! أَلَا تَهُبُّ عَاصِفَةُ الْوَبَاءِ، وَيَنْزِلُ بَرَدُ الْمَوْتِ، بِحَيْثُ قَدْ زَحَفْتُمْ إِلَى الْخَبَايَا، وَاخْتَفَيْتُمْ فِي الْبُيُوتِ، فَإِنْ تَخْرُجُوا تَهْلِكُوا بِالْوَبَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجُوا تَهْلِكُوا مِنَ الْجُوعِ؟![١] فَلِمَ مَازِلْتُمْ غَافِلِينَ وَمُسْتَمِرِّينَ فِي ذُنُوبِكُمْ؟! مَنْ ذَا تُلَاجُّونَ، وَلِمَ تَخْدَعُونَ أَنْفُسَكُمْ؟! كَالَّذِي خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ، فَيَهْوِي إِلَى الْأَرْضِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَيُغْمِضُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: «لَمْ أَسْقُطْ»! أَلَا يَقَعُ عَلَى الصُّخُورِ عَنْ قَرِيبٍ، فَيَتَمَزَّقُ كُلَّ مُمَزَّقٍ؟! أَوْ كَالَّذِي لَفَظَ كَبِدَهُ مِنَ الْحُلْقُومِ وَنَبَذَهُ بِالتُّرَابِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: لَا بَأْسَ! كَيْفَ لَا بَأْسَ؟! وَقَدْ لَفَظَ كَبِدَهُ مِنَ الْحُلْقُومِ وَنَبَذَهُ بِالتُّرَابِ! هَذَا مَثَلُكُمْ إِذْ تُعَذَّبُونَ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، فَتَقُولُونَ: إِنَّهُ طَبِيعِيٌّ، وَمَا هُوَ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ!

أَلَمْ يَأْنِ لَكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِأَنَّ اللَّهَ سَاخِطٌ عَلَيْكُمْ وَيُعَاقِبُكُمْ؟! أَلَمْ يَأْنِ لَكُمْ أَنْ تَكُفُّوا عَنِ الْعِنَادِ، وَتُصْلِحُوا أَنْفُسَكُمْ؟! الْآنَ يَغْلِي الْعَالَمُ وَيُبَقْبِقُ كَقِدْرٍ عَلَى النَّارِ، لَكِنَّكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَتَقُولُونَ: عَادِيٌّ! لَا وَاللَّهِ لَيْسَ بِعَادِيٍّ، لَكِنَّكُمْ مَغْرُورُونَ وَمُتَكَبِّرُونَ، وَلِذَلِكَ لَا تُقِرُّونَ! كَجَبَّارٍ عَنِيدٍ يَسُودُكُمْ، فَيُوَسْوِسُ إِلَيْكُمْ وَيَقُولُ: «لَيْسَ هَذَا بِبَلَاءٍ كَبِيرٍ، وَقَدْ جَرَّبْنَا أَكْبَرَ مِنْهُ، وَلَعَلَّهُ مِنْ صُنْعِ أَعْدَائِنَا»[٢]؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْشَى اللَّهَ، وَيَتَعَجْرَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَخَافُ أَنْ يُتَّهَمَ بِالتَّقْصِيرِ. لَا جَرَمَ أَنَّ نِخْوَتَهَ سَتُصْبِحُ نَارًا، فَتُحْرِقُهُ وَمَنِ اتَّبَعَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْشَعُوا لِلَّهِ وَلَمْ يَتَضَرَّعُوا لَمَّا رَأَوْا سَخَطَهُ وَلَمَسُوا عَذَابَهُ، بَلْ زَادُوا تَكَبُّرًا، وَقَالُوا لِمَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْحَقِّ: «أَنُجَازَى عَلَى مُعَادَاتِكَ؟! كَلَّا! مَنْ أَنْتَ، وَمَا خَطَرُكَ؟!» فَاسْتَضْعَفُوهُ، وَاسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ؛ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، اسْتَهْزَؤُوا بِرُسُلِ اللَّهِ، وَقَالُوا: «مَجَانِينُ يَهْذُونَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ عَذَابٌ! مَنْ هَؤُلَاءِ، وَمَا خَطَرُهُمْ؟! لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَرْسَلَ مَلَائِكَةً، أَوْ بَعَثَ بَعْضَ كُبَرَائِنَا!» فَاسْتَضْعَفُوهُمْ، وَاسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى نَزَلَ عَذَابُ اللَّهِ، وَوَقَعَ مَا كَانُوا يَحْسَبُونَهُ مُحَالًا!

فَالْآنَ أَعْرِضُوا عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُطَهِّرَهُمْ، بَلْ أَرَادَ أَنْ يُخْزِيَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَيَجْعَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَقُودَ النَّارِ. فَتَوَلَّوْا عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ مُتَهَوِّرُونَ وَمُتَغَطْرِسُونَ، وَقَدْ رَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَضَخَّمُوا صُدُورَهُمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، بَلْ أَنْتُمُ اتَّقُوا اللَّهَ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، لَعَلَّهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَكُمْ وَيَرْجِعُ عَنْ إِهْلَاكِكُمْ؛ فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَكُمْ.

لَا تَقُولُوا: «مَاذَا فَعَلْنَا، وَأَيَّ ذَنْبٍ ارْتَكَبْنَا؟!» لِأَنَّهُ يُعَدُّ وَقَاحَةً مِنْكُمْ! أَلَا تَدْرُونَ حَقًّا مَاذَا فَعَلْتُمْ، وَأَيَّ ذَنْبٍ ارْتَكَبْتُمْ؟! إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ: إِنَّكُمْ مَنَعْتُمْ مُلْكَ اللَّهِ مِنْ خَلِيفَتِهِ[٣]، وَسَلَّمْتُمُوهُ إِلَى الطَّوَاغِيتِ! فَضَيَّعُوا دِينَكُمْ وَأَفْسَدُوا دُنْيَاكُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَنْزِعُونَهُ مِنْهُمْ لِتَرُدُّوهُ إِلَى خَلِيفَةِ اللَّهِ! لِذَلِكَ فَإِنَّكُمْ شُرَكَاءُ فِي ظُلْمِهِمْ، بَلْ إِنَّكُمْ مِنْهُمْ!

لَقَدْ تَرَكْتُمْ أَحْكَامَ اللَّهِ، وَاخْتَلَقْتُمْ أَحْكَامًا بِأَهْوَائِكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ لَا تَرْضَوْنَ أَحْكَامَ اللَّهِ، وَتَقُولُونَ أَنَّهَا غَيْرُ عَادِلَةٍ!

لَقَدْ سَلَكْتُمْ مَسَالِكَ الْكَافِرِينَ، وَاسْتَنَنْتُمْ سُنَنَهُمْ، بَلْ أَصْبَحْتَمْ أَوْلِيَاءَهُمْ، وَأَعْدَاءَ الْمُسْلِمِينَ!

لَقَدْ وَاطَأْتُمُ الشَّيْطَانَ لِأَجْلِ السُّلْطَةِ، وَرَضِيتُمْ بِالذِّلَّةِ لِأَجْلِ الثَّرْوَةِ!

لَقَدْ أَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنْكُمْ مُنْكِرِينَ لِلْإِسْلَامِ، وَكَثِيرٌ مِنْكُمْ شَاكِّينَ فِيهِ!

لَقَدْ ظَهَرَ فِيكُمْ مِائَةُ دِينٍ، وَانْتَشَرَ بَيْنَكُمْ أَلْفُ مَذْهَبٍ!

تَتْرُكُونَ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْتَكِبُونَ الْمُحَرَّمَاتِ، ثُمَّ تَقُولُونَ: «لَا بَأْسَ؛ فَإِنَّ قُلُوبَنَا طَاهِرَةٌ»!

تَسْتَخِفُّونَ بِالصَّلَاةِ، وَتَمْنَعُونَ الزَّكَاةَ!

تَقُولُونَ: «لَا تَحُجُّوا، بَلْ أَطْعِمُوا الْمَسَاكِينَ»، لَكِنَّكُمْ تَكْذِبُونَ؛ لِأَنَّكُمْ لَا تَحُجُّونَ، وَلَا تُطْعِمُونَ الْمَسَاكِينَ!

لَا يْخُلُو كَلَامُكُمْ مِنْ فُحْشٍ، أَوْ غِيبَةٍ، أَوْ كِذْبٍ!

لَقَدْ سَكِرْتُمْ مِنْ خَمْرِ الشَّهْوَةِ، وَانْغَمَسْتُمْ فِي مُسْتَنْقَعِ الْهَوَى! أَلَا تَرَوْنَ شَبَابَكُمْ كَيْفَ يَهْتِكُونَ السُّتُورَ؟!

لَقَدْ رُفِعَتِ الْأَمَانَةُ عَنْ رِجَالِكُمْ، وَنَدَرَتِ الْعِفَّةُ فِي نِسَائِكُمْ! الْآنَ يَلْبِسْنَ لِبَاسَ الْبَغَايَا، وَيَتَبَخْتَرْنَ فِي الْأَسْوَاقِ؛ إِذْ لَيْسَ لَهُنَّ حَيَاءٌ، وَلَيْسَ لِرِجَالِهِمْ غَيْرَةٌ!

لَقَدْ تَعَوَّدْتُمْ عَلَى الرِّبَا، وَغَرِقْتُمْ فِي الْمَيْسِرِ، بَلِ اسْتَحْلَلْتُمُ الرِّبَا، وَأَوْجَبْتُمُ الْمَيْسِرَ![٤]

لَقَدْ بَرَعْتُمْ فِي الْإِخْتِلَاسِ، وَتَمَيَّزْتُمْ فِي الْإِرْتِشَاءِ! تَقُولُونَ: «لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ»! فَيُغِرُّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَيَأْكُلُ بَعْضُكُمْ أَمْوَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ، ثُمَّ تَقُولُونَ: «قَدْ كَدَدْنَا وَأَخَذْنَا حَقَّنَا»! لَا جَرَمَ أَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ فَلَا تَشْبَعُونَ، وَتَسْعَوْنَ فَلَا تَبْلُغُونَ شَيْئًا!

لَا تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، بَلْ تَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّكُمْ تَرَوْنَ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا، وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا!

امْتَلَأَتِ الْمَحَابِسُ، وَالْمَسَاجِدُ فَارِغَةٌ! وَإِنْ كَانَتْ مَسَاجِدُكُمْ أَيْضًا مَرَاكِزَ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ!

الْفَقْرُ يُغَنِّي، وَالْفَحْشَاءُ يَرْقُصُ!

فِي جَانِبٍ رِجَالٌ مُدْمِنُونَ، وَفِي جَانِبٍ نِسَاءٌ عَاهِرَاتٌ!

لَمْ يَبْقَ فِيكُمْ أَثَرٌ مِنَ الْعَدْلِ، وَلَا مِنَ الشَّرَفِ وَالْكَرَامَةِ! أَيْنَ الْأَحْرَارُ؟! أَيْنَ الْآمِرُونَ بِالْقِسْطِ؟!

لَقَدْ نُزِعَ الْعِلْمُ مِنْ عُلَمَائِكُمْ، كَمَا نُزِعَ الْعَمَلُ! بَلْ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟! كَأَنَّهُمْ غَيْرُ مَوْجُودِينَ! بَلْ لَيْتَهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ!

أَهْلُ الدِّينِ مِنْكُمْ أَضَرُّ مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ مِنْكُمْ؛ أَيْ أَنَّ خِيَارَكُمْ شَرٌّ مِنْ شِرَارِكُمْ! لِأَنَّهُمْ قَدْ سَمُّوا فِسْقَهُمُ الدِّينَ، وَيُسِيئُونَ لِيُؤْجَرُوا! حُفْنَةٌ مِنَ الْجُهَّالِ الضُّلَّالِ الْمُتَكَبِّرِينَ، يَأْتُونَ صَلَاةً بِالتَّقْلِيدِ، ثُمَّ يَذْهَبُونَ لِيُطِيعُوا جَائِرًا، أَوْ يَنْصُرُوا دَجَّالًا، أَوْ يَنْفُخُوا فُرْقَةً، أَوْ يُشَاقُّونِي وَأَنَا أَدْعُوهُمْ إِلَى الْحَقِّ، فَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ يُضِرُّونَ ضَرَرًا لَا يُضِرُّهُ تَارِكُو الصَّلَاةِ! فَوَيْلٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الزِّنَا خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهِمْ! الْآنَ يَقْذِفُ شِيعَتُهُمْ سُنَّتَهُمْ، وَيُكَفِّرُ سُنَّتُهُمْ شِيعَتَهُمْ! قَدْ وَقَعَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، وَمَلَؤُوا الدُّنْيَا بَغْضَاءَ! لَا حَظَّ لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، وَلَا نَصِيبَ لَهُمْ مِنَ الْأَدَبِ! بَعِيدُونَ عَنِ الْإِنْصَافِ، وَرَاسِخُونَ فِي التَّعَصُّبِ! يَزْأَرُونَ كَالدُّبِّ، وَيَعْوُونَ كَالذِّئْبِ، وَيَزْحَفُونَ كَالْأَفْعَى، وَيَشْتَمُّونَ كَالْكَلْبِ، لِيَلْقِفُوا كُلَّ مَنْ يَرَى مَا لَا يَرَوْنَ! لَا يَفْقَهُونَ الدِّينَ، وَلَكِنَّهُمْ يُفْتُونَ، وَلَا يَسْتَخْدِمُونَ الْعَقْلَ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَفَلْسَفُونَ! جَزْمِيُّونَ عَيَّابُونَ سَطْحِيُّونَ فَحَّاشُونَ! الشَّرُّ مُسْتَتِرٌ فِي أَبْصَارِهِمْ، وَالسَّفَهُ بَادٍ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ! إِذَا تَكَلَّمُوا سَبُّوا وَبَهَتُوا، وَإِذَا سَكَتُوا مَكَرُوا وَتَرَصَّدُوا! يَقُولُونَ: «سُبُّوا؛ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَابْهُتُوا؛ فَإِنَّهُ مَأْجُورٌ»[٥]، فَيَتَعَجَّبُ الشَّيْطَانُ مِنْ شَيْطَنَتِهِمْ، وَيَنْدَهِشُ الشِّرِّيرُ مِنْ شِرَارَتِهِمْ! قَدْ وَضَعُوا الْمِنْشَارَ عَلَى جِذْعِ الدِّينِ، وَوَقَعُوا بِالْفَأْسِ فِي أَصْلِهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ أَنَّهُمْ حَافِظُوهُ! أَيْنَ مَنْ يَحْفَظُ الدِّينَ مِنْهُمْ؟! إِذْ لَيْسَ لَهُ عَدُوٌّ أَكْبَرُ مِنْهُمْ!

هَؤُلَاءِ أَهْلُ الدِّينِ مِنْكُمْ، وَهَذَا وَصْفُ حَالِكُمْ! فَهَلْ عَلِمْتُمْ مَاذَا فَعَلْتُمْ، وَأَيَّ ذَنْبٍ ارْتَكَبْتُمْ؟! وَهَلْ عَلِمْتُمْ لِمَاذَا سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَيُعَاقِبُكُمْ؟! لَقَدْ آسَفَهُ ظُلْمُ حُكَّامِكُمْ، وَفَسَادُ عُلَمَائِكُمْ، وَسُكُوتُ صَالِحِيكُمْ، وَضَلَالُ أَهْلِ الدِّينِ مِنْكُمْ، وَفِسْقُ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ، وَحَمَلَهُ عَلَى تَعْذِيبِكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ قَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى السُّوءِ، وَلَمْ يَبْقَ فِيكُمْ صَلَاحٌ! فَمَاذَا يَفْعَلُ؟! أَيَتْرُكُكُمْ لِتَسْتَمِرُّوا فِي غَيِّكُمْ إِلَى الْأَبَدِ؟! لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ وَعْدًا لَا بُدَّ أَنْ يُتِمَّهُ. فَأَجَلُكُمْ مَحْدُودٌ. إِنْ تُبْتُمْ فَطُوبَى لَكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ قَدْ نَجَوْتُمْ وَسَعَدْتُمْ، وَإِنْ لَمْ تَتُوبُوا يَذْهَبْ بِكُمْ وَيَأْتِ بِقَوْمٍ آخَرِينَ، فَلَا يَكُونُونَ أَمْثَالَكُمْ. فَانْظُرُوا الْآنَ مَاذَا تَفْعَلُونَ؛ فَإِنِّي أَعْلَمْتُكُمْ وَكُلَّ مَنْ بَلَغَهُ قَوْلِي هَذَا فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ كُلِّهَا، وَمِمَّنْ يُحِبُّنِي أَوْ يُبْغِضُنِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُ قَوْلِي، وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ.

أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلِكُلِّ مَنْ تَابَ وَأَصْلَحَ.

شرح القول:

هذه الخطبة القيّمة، وإن أُلقيت على أهل إيران، إلّا أنّها نافعة لجميع المسلمين الذين يسيرون على منوالهم، وقد أصيبوا بمثل ما أصيبوا به من وباء كورونا وسائر العقوبات الإلهيّة في الحياة الدّنيا؛ فليتّقوا اللّه وليتوبوا إليه قبل أن يأتيهم عذاب مثل عذاب عاد وثمود، ﴿وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[٦].

↑[١] . إشارة إلى الحرج العظيم النازل على الناس في أيّام الحجر الصحّيّ الذي عمّ كثيرًا من البلدان.
↑[٢] . إشارة إلى قول قائد إيران الذي لم يزل رأس العداوة للسيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى.
↑[٣] . يعني الإمام المهديّ عليه السلام، وهو حيّ مستتر خوفًا على نفسه من النّاس. انظر: السؤال والجواب ٦.
↑[٤] . الظاهر أنّ المراد بالميسر هنا «التأمين»؛ فإنّه من الميسر عنده، وقد أوجبه الحكّام في إيران وكثير من الدّول. راجع: القول ٧٩.
↑[٥] . إشارة إلى قول الروافض بالجواز والإستحباب لسبّ مخالفيهم وقذفهم بالبهتان، استنادًا إلى حديث مكذوب على أهل البيت، وقد حملهم ذلك على سبّ العبد الصالح السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى وقذفه بالبهتان؛ لأنّه مخالف لبدعهم وخرافاتهم وحكّامهم الجائرين.
↑[٦] . التّغابن/ ٧