أَخْبَرَنَا وَلِيدُ بْنُ مَحْمُودٍ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ أَسْأَلُهُ عَمَّا يَفْعَلُ النَّاسُ فِي الْحِدَادِ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: لَا بَأْسَ بِذِكْرِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَوَصْفِ أَعْمَالِهِمْ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِالْحَقِّ، وَيَحْرُمُ الْكِذْبُ فِيهِمْ وَالْإِفْتِرَاءُ عَلَيْهِمْ قَطْعًا، وَلَا بَأْسَ بِالْبُكَاءِ عَلَى مَصَائِبِهِمْ وَإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِيهِمْ إِذَا كَانَ صِدْقًا، وَيُكْرَهُ ضَرْبُ الرُّؤُوسِ وَالْخُدُودِ وَالصُّدُورِ وَالظُّهُورِ كَمَا يَفْعَلُ الْعَامَّةُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ»، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا بَرِي‌ءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَسَلَقَ وَخَرَقَ»، وَإِنَّمَا الْمَرْغُوبُ فِيهِ الْبُكَاءُ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ شَيْ‌ءٌ مَشْرُوعٌ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنَ الْعَيْنِ وَمِنَ الْقَلْبِ فَمِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنَ الرَّحْمَةِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْيَدِ وَمِنَ اللِّسَانِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ»، وَكَذَلِكَ الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ بِآلَاتِ اللَّهْوِ مَعَ الرَّايَاتِ وَالْأَعْلَامِ الْمُبْتَدَعَةِ، فَكُلُّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ سَبِيلُهَا إِلَى النَّارِ، وَلَا بَأْسَ بِالْإِجْتِمَاعِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ لِمَدْحِهِمْ وَذِكْرِ مَصَائِبِهِمْ وَالْبُكَاءِ عَلَيْهِمْ وَتَعْزِيَةِ ذَوِي مَوَدَّتِهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ كِذْبٌ أَوْ فُحْشٌ أَوْ ضَرْبٌ أَوْ جَرْحٌ أَوْ تَبْذِيرٌ أَوْ تَأْخِيرُ صَلَاةٍ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَقَدْ بَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَذَكَرَ خَدِيجَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ فَمَدَحَهَا وَبَكَى عَلَيْهَا، وَحَثَّ عَلَى الْبُكَاءِ عَلَى حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبَكَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَمَدَحَتْهُ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُمْدَحُ عِنْدَ قَبْرِهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ فَلَا يَنْهَى عَنْهُ، فَكُلُّ هَذَا سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا الْحَرَامُ الْبِدْعَةُ.

شرح الرسالة:

مراد المستفتي بـ«الناس» في قوله: «يَفْعَلُ النَّاسُ فِي الْحِدَادِ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ» الشيعة، وهم مراد السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى بـ«العامّة» في قوله: «كَمَا يَفْعَلُ الْعَامَّةُ»؛ فإنّهم في الحداد على الحسين بن عليّ وغيره من أئمّة أهل البيت الذين استشهدوا على أيدي الظالمين يقومون بضرب أبدانهم وجرحها وإنشاد الأشعار المليئة بالكذب والغلوّ، ممّا قد نهى عنه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأئمّة أهل بيته في الأخبار المتواترة، وقد ذكر بعضها السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى على سبيل المثال، فنهى عمّا نهوا عنه، بعد أن رخّص فيما أباحوه حذو القذّة بالقذّة، دون أيّ إفراط أو تفريط، حتّى يقدّم شاهدًا آخر على أنّه هو «النُّمْرُقَةُ الْوُسْطَى» التي ذكرها في بعض حِكمه إذ قال: «أَمَّا نَحْنُ فَالنُّمْرُقَةُ الْوُسْطَى، يَلْحَقُ بِنَا التَّالِي وَيَرْجِعُ إِلَيْنَا الْغَالِي»[١]، وقد صدق، ومراد جنابه بـ«الْأَعْلَامِ الْمُبْتَدَعَةِ» هياكل معدنيّة ثقيلة على شكل صليب، لها من فوقها فروع وأقمشة وتماثيل منصوبة يحملها جهلة القوم.

لمزيد المعرفة عن رأي جنابه حول الحداد على أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأحكامه، راجع القول ٤١ من أقواله الطيّبة.

↑[١] . الفقرة ٢ من القول ٣٨