١ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ يَقُولُ: يُعْرَفُ الْكَذَّابُ بِسِتِّ خِصَالٍ: يَدَّعِي مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِثْبَاتِهِ، وَيُغَيِّرُ دَعْوَاهُ، وَيُخْبِرُ عَمَّا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْضِ، وَيُحَدِّثُ النَّاسَ بِمَا لَا يَعْرِفُونَ، وَيُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ بَاطِنُهُ، وَيَحْتَجُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.

شرح القول:

خبر الواحد هو كلّ خبر غير متواتر، والخبر المتواتر عند جنابه هو كلّ خبر رواه في كلّ طبقة أربعة رجال فصاعدًا[١].

٢ . أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْجُوزَجَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: مَا كَذَبَ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَمَا كَذَبُوا عَلَى الْمَهْدِيِّ، فَمَنْ أَتَاكُمْ يَدْعُوكُمْ إِلَى نَفْسِهِ مُحْتَجًّا عَلَيْكُمْ بِخَبَرِ وَاحِدٍ فَلَا تُصَدِّقُوهُ! قُلْتُ: وَإِنْ وَافَقَهُ ذَلِكَ الْخَبَرُ؟! قَالَ: وَإِنْ وَافَقَهُ ذَلِكَ الْخَبَرُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِخَبَرِ وَاحِدٍ.

شرح القول:

قال: «اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِخَبَرِ وَاحِدٍ»؛ لأنّ خبر الواحد لا يفيد إلا الظنّ، ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا[٢].

٣ . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الدَّامْغَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ -يَعْنِي أَحْمَدَ الْبَصْرِيَّ- يَدْعُو النَّاسَ إِلَى نَفْسِهِ مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ بِخَبَرِ الطُّوسِيِّ فِي الْوَصِيَّةِ! فَقَالَ: لَقَدْ أَكْثَرْتُمْ عَلَيَّ فِي هَذَا الرَّجُلِ! أَلَا أُعْطِيكُمْ قَاعِدَةً تَعْرِفُونَ بِهَا هَذَا وَأَمْثَالَهُ؟ قُلْتُ: مَا أَحْوَجَنَا إِلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ! قَالَ: مَنْ دَعَاكُمْ إِلَى نَفْسِهِ مُحْتَجًّا عَلَيْكُمْ بِخَبَرِ وَاحِدٍ فَكَذِّبُوهُ، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْهُ مِنْ إِثْمٍ فَهُوَ فِي عُنُقِي! ثُمَّ قَالَ: يَأْبَى اللَّهُ أَنْ يُعْبَدَ بِخَبَرِ وَاحِدٍ، أَوْ قَالَ: يُعْرَفَ -الشَّكُّ مِنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ.

شرح القول:

«أحمد البصريّ» رجل من كذّابي الشيعة يدّعي أنّه اليمانيّ الموعود وأنّه الوصيّ والحجّة والإمام بعد المهديّ، و«خبر الطوسيّ في الوصيّة» خبر واحد رواه أبو جعفر الطوسيّ (ت٤٦٠هـ) -رجل من علماء الشيعة- في كتاب «الغيبة» يدّعي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أوصى في الليلة التي كانت فيها وفاته أنّه سيكون بعد المهديّ اثنا عشر مهديًّا، أوّلهم رجل له ثلاثة أسامي: عبد اللّه وأحمد والمهديّ، وأحمد البصريّ يدّعي أنّه هو؛ لأنّ اسمه أحمد! والخبر مكذوب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وضعه جعفر بن أحمد بن عليّ المصريّ، ولا يدلّ على ما يدّعيه الرّجل[٣].

٤ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَالْحَسَنُ بْنُ الْقَاسِمِ عِنْدَ الْمَنْصُورِ فَقَالَ لَنَا: إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنَ الْبَصْرَةِ قَامَ عَلَى أَطْرَافِهَا وَقَالَ: لَعَنَكِ اللَّهُ يَا أَنْتَنَ الْأَرْضِ تُرَابًا وَأَسْرَعَهَا خَرَابًا وَأَشَدَّهَا عَذَابًا، فِيكِ الدَّاءُ الدَّوِيُّ، قِيلَ: وَمَا الدَّاءُ الدَّوِيُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟! قَالَ: الْكِذْبُ عَلَيْنَا أَهْلِ الْبَيْتِ وَاسْتِحْلَالُ الْكِذْبِ عَلَيْنَا! ثُمَّ الْتَفَتَ الْمَنْصُورُ إِلَيَّ وَقَالَ: أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا الْبَصْرِيِّ كَيْفَ يَكْذِبُ عَلَيْهِمْ؟! -يَعْنِي أَحْمَدَ الْحَسَنَ! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ هَذَا الْكَذَّابَ يَحْتَجُّ عَلَى النَّاسِ بِرِوَايَةٍ رَوَاهَا الطُّوسِيُّ فِي غَيْبَتِهِ! قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَحْكَمُ وَأَعْدَلُ وَأَكْرَمُ وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِرِوَايَةٍ رَوَاهَا الطُّوسِيُّ فِي غَيْبَتِهِ!

شرح القول:

كلام عليّ عليه السلام في ذمّ البصرة كلام مشهور، رواه كثير من المحدّثين بألفاظ مختلفة، منهم معمر بن راشد (ت١٥٤هـ) في «الجامع»[٤]، وابن قتيبة (ت٢٧٦هـ) في «عيون الأخبار»[٥]، وأبو حنيفة الدينوريّ (ت٢٨٢هـ) في «الأخبار الطوال»[٦]، وإبراهيم بن محمّد الثقفيّ (ت٢٨٣هـ) في «الغارات»[٧]، وابن عبد ربّه (ت٣٢٨هـ) في «العقد الفريد»[٨]، وابن الفقيه (ت٣٦٥هـ) في «البلدان»[٩]، والكشّيّ (ت٣٥٠هـ) في «الرجال»[١٠]، والشريف الرضيّ (ت٤٠٦هـ) في نهج البلاغة[١١]، وهو يدلّ على غلبة الشرّ على أهل البصرة.

٥ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: مَا بَقِيَ مِنْ كَلْبٍ وَلَا سِنَّوْرٍ إِلَّا وَقَدِ ادَّعَى هَذَا الْأَمْرَ! قَالَ: وَيْحَكَ! بِمَ يَحْتَجُّونَ؟ قُلْتُ: يَأْخُذُونَ رِوَايَةً فَيُأَوِّلُونَهَا! قَالَ: إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تُوعَدُونَ يَحْتَجُّ عَلَيْكُمْ بِأَبْيَنَ مِنْ هَذَا، قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: آيَةٌ بَاهِرَةٌ.

٦ . أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّبْزَوَارِيُّ، قَالَ: قَالَ لِيَ الْمَنْصُورُ: بِمَ يَحْتَجُّ هَؤُلَاءِ الْحَمْقَى؟ قُلْتُ: مَنْ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟! فَإِنَّ الْحَمْقَى لَكَثِيرٌ! قَالَ: شَيَاطِينُ هَذَا الْبَصْرِيِّ، قُلْتُ: يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ فِي النَّوْمِ! قَالَ: كَذَبُوا وَاللَّهِ، فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُرَى فِي النَّوْمِ! ثُمَّ خَرَجَ إِلَى السَّاحَةِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ إِبْرِيقًا لِيَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، فَذَهَبْتُ لِأَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَقَالَ: لَا أُشْرِكُ بِعِبَادَةِ رَبِّي أَحَدًا! ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْإِبْرِيقِ وَقَالَ: مَنِ ادَّعَى عَلَيْكُمْ هَذَا مُحْتَجًّا عَلَيْكُمْ بِمَا رَأَى فِي النَّوْمِ أَوْ رُؤِيَ لَهُ فَلَا تُعْطُوهُ هَذَا، وَإِنْ جُدِعَ أَنْفُهُ!

شرح القول:

مقصود جنابه من شياطين الرّجل أصحابه؛ لأنّهم يمدّونه في الغيّ ويزيّنون له أباطيله؛ كما في قول اللّه تعالى: ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ[١٢]، ومقصود جنابه من «دين اللّه» هو العقائد والأحكام الدّينيّة؛ فإنّها لا تؤخذ ممّا يُرى في النوم؛ نظرًا لأنّ العمدة فيها اليقين، وما يُرى في النوم لا يفيد اليقين لاحتمال تأثّره بوسوسة أو تلقين أو مرض أو وهم، إلا إذا كان من رآه معصومًا؛ كما رأى إبراهيم عليه السلام إذ قال: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ[١٣]، أو كان من عبّره معصومًا؛ كما رأى فرعون فعبّره يوسف عليه السلام إذ قال له الرسول: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ۝ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ[١٤]، ولا عبرة بغيرهما ممّا يُرى في النوم ولو في ادّعاء إبريق!

٧ . أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْقَاسِمِ الطِّهْرَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَدْعِيَاءَ يَحْتَجُّونَ عَلَى النَّاسِ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ! فَقَالَ: كَذَبُوا لَعَنَهُمُ اللَّهُ، لَيْسَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بَيِّنَةً، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ[١٥]؟! فَفَرَّقَ بَيْنَ الْبَيِّنَاتِ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، وَجَعَلَهُمَا مِمَّا يَتَعَارَضَانِ، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي آتَاهُمُ الْعِلْمَ! قَالَ: فَهَلْ آتَاهُمْ إِلَّا كَمَا آتَى الَّذِي آتَاهُ آيَاتِهِ ﴿فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ[١٦]؟! ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[١٧]، ثُمَّ قَالَ: لَا تُقِرُّوا لَهُمْ بِالْعِلْمِ، إِنَّمَا هُوَ ﴿مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعِلْمِ! أَنَّى لَهُمُ الْعِلْمُ وَقَدْ جَهِلُوا أَكْبَرَ شَيْءٍ؟! إِنَّمَا هُوَ زُخْرُفُ الْقَوْلِ يُوحُونَهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ، ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ[١٨]، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[١٩]؟!

٨ . أَخْبَرَنَا وَلِيدُ بْنُ مَحْمُودٍ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الرَّجُلِ يَدَّعِي أَنَّهُ إِمَامٌ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ، وَعِنْدَهُ عِلْمٌ كَثِيرٌ بِالدِّينِ، فَقَالَ: لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْعِلْمِ بِالدِّينِ، وَعَلَيْهِ حُجَّةٌ فِي الْجَهْلِ بِهِ، فَإِذَا عَثَرْتُمْ مِنْهُ عَلَى جَهْلٍ وَاحِدٍ فَكَذِّبُوهُ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى كَثِيرِ عِلْمِهِ، إِنَّ الْإِمَامَ لَا يَجْهَلُ بِشَيْءٍ مِنَ الدِّينِ.

٩ . أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُمِّيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الرَّجُلِ يَدَّعِي أَنَّهُ إِمَامٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَشْيَاءٍ كَثِيرَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا، قَالَ: كَانَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: دُورُوا مَعَ السِّلَاحِ حَيْثُمَا دَارَ، فَأَمَّا الْمَسَائِلُ فَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ، قُلْتُ: وَمَا السِّلَاحُ؟ قَالَ: سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بِمَنْزِلَةِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، كُلُّ مَنْ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ كَانَ إِمَامًا، قُلْتُ: كَيْفَ نَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ؟ قَالَ: يَتَبَيَّنُ لَكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا تَبَيَّنَ لَهُمُ التَّابُوتُ، وَإِنِ اشْتَبَهَ عَلَيْكُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَبْيَنَ مِنْ ذَلِكَ.

١٠ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: كُلُّ مَنْ تَسَلَّطَ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ إِذْنِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، فَهُوَ دَجَّالٌ، وَإِنْ كَانَ ذَا عِلْمٍ وَصَلَاحٍ! قُلْتُ: بِمَاذَا يُعْرَفُ إِذْنُ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّمَا يُعْرَفُ إِذْنُ اللَّهِ بِآيَةٍ بَيِّنَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ظَاهِرَةٍ، قُلْتُ: وَمَا آيَةٌ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: آيَةٌ وَعَدَهَا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ، كَمَا قَالَ نَبِيٌّ فِي طَالُوتَ: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[٢٠]، قُلْتُ: وَمَا وَصِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ؟ قَالَ: هِيَ أَنْ تَقْدِمَ مَدِينَةَ نَبِيٍّ أَوْ وَصِيِّ نَبِيٍّ فَتَسْأَلَ عَنْهَا الْعَامَّةَ وَالصِّبْيَانَ وَالْعَجَائِزَ إِلَى مَنْ أَوْصَى فُلَانٌ؟ فَيَقُولُوا: إِلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَبْقَيْتَ لِلدَّجَاجِلَةِ مَسْلَكًا يَسْلُكُوهُ! قَالَ: أَنَا مَا أَبْقَيْتُ لَهُمْ؟! بَلِ اللَّهُ مَا أَبْقَى لَهُمْ! أَرَادَ أَنْ يَسُدَّ خَلَّةً فَفَعَلَ! ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ: أَلَيْسَتْ هَذِهِ الشَّمْسُ بَيِّنَةً؟ قُلْتُ: بَلَى، جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ، ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ[٢١]!

١١ . أَخْبَرَنَا جُبَيْرُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُجَنْدِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ ۚ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى[٢٢]، فَقَالَ: يَعْنِي أَوَلَمْ تَأْتِهِمُ الْبَيِّنَةُ الَّتِي وَعَدَهَا اللَّهُ وَخُلَفَاؤُهُ فِي الصُّحُفِ الْأُولَى؟ وَكَانَتِ الْقُرْآنَ، وَلَا يُصَدَّقُ مَنْ يَدَّعِي الْأَمْرَ حَتَّى يَرْفَعَ خَلِيفَةُ اللَّهِ بِضَبْعِهِ فِي مَشْهَدٍ مِنَ النَّاسِ، أَوْ يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي وَعَدَهَا اللَّهُ وَخُلَفَاؤُهُ فِي الصُّحُفِ الْأُولَى، قُلْتُ: فَبِمَ أَعْرِفُ مَنْ يَدَّعِي الْأَمْرَ وَلَمْ تُوعَدْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ؟! قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ تَعْرِفَ مَنْ لَمْ تُوعَدْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ!

١٢ . أَخْبَرَنَا ذَاكِرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مُحَمَّد نَاصِرُ الْيَمَانِيُّ يُنَادِي فِي النَّاسِ بِأَنَّهُ الْمَهْدِيُّ، قَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، إِنَّهُ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ! ثُمَّ قَالَ: كُلُّ مَنْ نَادَى فِي النَّاسِ بِأَنَّهُ الْمَهْدِيُّ قَبْلَ وُقُوعِ الصَّيْحَةِ وَالْخَسْفِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، قُلْتُ: وَمَا الصَّيْحَةُ وَالْخَسْفُ؟ قَالَ: صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِهِ وَخَسْفٌ بِجَيْشٍ مِنْ أَعْدَائِهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَبِهِمَا يُعْرَفُ الْمَهْدِيُّ.

شرح القول:

لقد جاءت أخبار متواترة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته عليهم السلام في وقوع صيحة من السماء باسم المهديّ وخسف بجيش من أعدائه في البيداء قُبيل ظهوره، ولذلك كلّ مهديّ ظهر قبل وقوعهما فهو أضلّ من حمار أهله!

١٣ . أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْقَاسِمِ الطِّهْرَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: هَلْ تَعْرِفُ فِي هَذَا الزَّمَانِ رَجُلًا أَظْلَمَ وَأَطْغَى مِنْ فُلَانٍ؟ يَعْنِي رَجُلًا مِنْ أَئِمَّةِ الضَّلَالِ، فَقَالَ: لَا، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا يَزَالُ إِنْسَانٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَأَى مِنَ الْأَحْلَامِ وَالْخَوَارِقِ مَا يُصَدِّقُهُ! فَقَالَ: يَا حَسَنُ! إِنَّهُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَفِتْنَتِهِ، إِنَّهُ إِذَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ عَبْدٍ زَيْغًا مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ، أَضَلَّهُ مِنْ حَيْثُ يَسْتَهْدِي، ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ[٢٣]! فَمَكَثَ هُنَيَّةً ثُمَّ قَالَ: يَا حَسَنُ! إِيَّاكَ وَجِدَالَ كُلِّ مَفْتُونٍ، فَإِنَّ كُلَّ مَفْتُونٍ مُلَقَّنٌ حُجَّتَهُ إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ خَرَّتْ عَلَيْهِ فِتْنَتُهُ فَأَهْلَكَتْهُ.

١٤ . أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّبْزَوَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، قُلْتُ: وَمَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ؟ قَالَ: مَنْ يَدَّعِي مَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ، ثُمَّ يُقِيمُ عَلَيْهِ مُعْجِزَةً، فَهُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ، قُلْتُ: لِمَاذَا يُسَلِّطُهُ اللَّهُ عَلَى إِقَامَةِ الْمُعْجِزَاتِ؟! قَالَ: لِيَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَقَالَ الرَّسُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ: لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَقَالَ: الْأَئِمَّةُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ إِمَامًا.

١٥ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْقَيُّومِ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ وَهُوَ فِي مَسْجِدٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِلنَّاسِ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِذَا أَتَاكُمْ آتٍ بِمَا أَتَى بِهِ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَوْ نَبِيٌّ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَوْ إِمَامٌ مِنْ بَعْدِ الْمَهْدِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَا تُصَدِّقُوهُ، فَإِنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ! أَلَا هَلْ بَيَّنْتُ؟! أَلَا هَلْ عَلَّمْتُ؟! ﴿أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ[٢٤]!

شرح القول:

الآن إن كان لك عقل سليم ولمّا تغرق في مستنقع التقليد والتعصّب والتكبّر واتّباع الخرافات، فاغتنم هذه الحِكَم البالغة والنكت البديعة والدّرر اليتيمة، واجعلها سراجًا منيرًا بين يديك، لكي لا يخدعك في هذا العصر المظلم كلّ دجّال خبيث، فيصدّك عن سبيل اللّه، ويقودك إلى خزي في الحياة الدنيا وعذاب أليم في الآخرة، واعلم أنّ صاحب هذه الحِكَم البالغة والنكت البديعة والدّرر اليتيمة لا يكون إلا عالمًا عظيمًا من أولياء اللّه وعباده المخلصين، يدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يريد علوًّا في الأرض ولا فسادًا، وهذا ما لا يخفى على ذي بصيرة وإنصاف. فإن كنت من الذين يرغبون في إصلاح حال المسلمين أو خدمة الإمام المهديّ عليه السلام، فعليك بنصرة هذا الرّجل، ولا تشتغل عنه بالدّجّالين الذين يستكبرون في الأرض بغير الحقّ ويقولون على اللّه ما لا يعلمون؛ كالذين ﴿اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ[٢٥]، أو الذين ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[٢٦]، أو الذين ﴿إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا[٢٧]! ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ[٢٨]!

↑[١] . لمزيد المعرفة عن هذا، راجع: القول ١٣ من أقواله الطيّبة.
↑[٢] . النّجم/ ٢٨
↑[٣] . لمزيد المعرفة عن هذا، راجع: السؤال والجواب ٤ وتعليقاته.
↑[٤] . الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص٢٥٢
↑[٥] . عيون الأخبار لابن قتيبة، ج١، ص٣١٥
↑[٦] . الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري، ص١٥٢
↑[٧] . الغارات للثقفي، ج١، ص١٩١، ج٢، ص٤١٢
↑[٨] . العقد الفريد لابن عبد ربّه، ج٥، ص٧٦
↑[٩] . البلدان لابن الفقيه، ص٢٣٨
↑[١٠] . رجال الكشي، ج٢، ص٧٠٠
↑[١١] . نهج البلاغة للشريف الرضي، ص٥٦
↑[١٢] . البقرة/ ١٤
↑[١٣] . الصّافّات/ ١٠٢
↑[١٤] . يوسف/ ٤٦-٤٧
↑[١٥] . غافر/ ٨٣
↑[١٦] . الأعراف/ ١٧٥
↑[١٧] . الأعراف/ ١٧٦
↑[١٨] . الأنعام/ ١٢١
↑[١٩] . فاطر/ ٢٨
↑[٢٠] . البقرة/ ٢٤٨
↑[٢١] . الأنفال/ ٤٢
↑[٢٢] . طه/ ١٣٣
↑[٢٣] . غافر/ ٣٤
↑[٢٤] . الأعراف/ ١٧٢
↑[٢٥] . البقرة/ ١٦
↑[٢٦] . التّوبة/ ٩
↑[٢٧] . الأعراف/ ١٤٦
↑[٢٨] . النّحل/ ١٠٨