١ . أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَتْلَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ، قَالَ: كَذَبُوا الْجُهَّالُ الْحَمْقَى كَأَشْبَاهِ الْحُمُرِ! مَا جَعَلَ اللَّهُ دِينًا إِلَّا وَجَعَلَ لَهُ مَنْ أَدْرَكَ كُلَّهُ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ إِدْرَاكِ كُلِّهِ فَلْيَذْهَبُوا وَلْيَأْتِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي إِلَّا كُلُّهُ وَلَا يَزِيدُهُمْ جُزْئُهُ غَيْرَ تَخْسِيرٍ، قُلْتُ: أَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَعْلِيقُ حُدُودِ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا يَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ يَا بُنَيَّ! إِنَّ حُدُودَ اللَّهِ لَا يُجْرِيهَا غَيْرُ وَلِيِّهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُحَكِّمُوهُ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَا جَعَلَ حَدًّا إِلَّا بِاعْتِبَارِ دَوْلَةِ الْعَدْلِ، وَأَمَّا دَوْلَةُ الْجَوْرِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُجْرِيَ حَدًّا، بَلْ لِلَّهِ عَلَيْهَا حُدُودٌ سَوْفَ تُجْرَى عَلَيْهَا.

٢ . أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ الْخَارُوغِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَنْصُورِ لِأَسْأَلَهُ عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي غَيْبَةِ الْمَهْدِيِّ، فَقِيلَ لِي: إِنَّهُ فِي الْمَزْرَعَةِ -وَكَانَ لِبَعْضِ جِيرَانِهِ مَزْرَعَةٌ يَعْمَلُ فِيهَا- فَأَتَيْتُ الْمَزْرَعَةَ فَوَجَدْتُهُ يَحْرُثُ الْأَرْضَ وَكَانَتِ الْحِرَاثَةُ تُعْجِبُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا حَارِثُ! أَيُقِيمُ النَّاسُ الْحُدُودَ فِي غَيْبَةِ الْمَهْدِيِّ؟ فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ: إِنْ أَقَامُوهَا ظَلَمُوا، وَإِنْ لَمْ يُقِيمُوهَا ظَلَمُوا، فَهُمُ الظَّالِمُونَ فِي كُلِّ حَالٍ! قُلْتُ: لِمَاذَا؟! قَالَ: لِأَنَّهُمْ أَرْغَمُوهُ عَلَى الْغَيْبَةِ! قُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَمَخْمَصَةٌ! فَهَلْ لَهُمْ مِنْ مَنْدُوحَةٍ؟! قَالَ: نَعَمْ، يُرْغِمُونَهُ عَلَى الظُّهُورِ! ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ![١]

شرح القول:

لا خلاف بين المسلمين في أنّ إقامة الحدود مشروطة بشروط، فهي غير جائزة إلا إذا توفّرت شروطها، ومن شروطها عند السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى وجود الحاكم الشرعيّ، وهو خليفة اللّه الذي يحكم بين الناس بالعدل، وليس يدفعهم بظلمه إلى الذنوب ثمّ يؤاخذهم عليها؛ كحاكم يمنع الناس ما يكفيهم من الرّزق ويضيّق عليهم المعيشة بظلمه، حتّى إذا سرقوا أخذهم وقطع أيديهم، وهو يزعم أنّه يقيم حدود اللّه! هذا ما ينهى عنه السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى ويعتقد أنّه ظلم؛ لأنّ حدود اللّه لم يتمّ تشريعها ليقيمها حاكم ظالم بعد أن يسّر للناس الذنوب وعسّر عليهم الإجتناب، بل تمّ تشريعها ليقيمها حاكم عادل اختاره اللّه ونبيّه، بعد أن أدّى إلى الناس حقوقهم، وهو في زماننا هذا المهديّ عليه السلام الذي يعتقد السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى أنّه حيّ موجود، إلا أنّه غائب لا يظهر لخوفه على نفسه، فلا بدّ للناس من حمايته بما فيه الكفاية حتّى يأمن على نفسه فيظهر لهم ويقيم فيهم حدود اللّه بطريقة عادلة ومناسبة.

لمعرفة المزيد عن هذه القاعدة المهمّة، راجع: مبحث «اشتراط إقامة بعض أجزاء الإسلام بإقامة كلّه» من كتاب «العودة إلى الإسلام» (ص١١٢)، ولمعرفة المزيد عن ضرورة التمهيد لظهور المهديّ عليه السلام وكيفيّته، راجع: قسم «التعريف بالنهضة».

↑[١] . البقرة/ ١٨٩