كاتب السؤال: أبو مالك الحسني تاريخ السؤال: ١٤٤٢/٤/٢

١ . الزوجة اذا كانت في فترة الحيض، ربما أخذتها الشهوة وطلبت الجماع من زوجها، وقد يكون مثل ذلك في الزوج. فهل من حقّهما المجامعة في تلك الفترة؟

٢ . بعض الرجال يأتون نساءهم من الدّبر. فما حكم ذلك إذا كانت الزوجة راضية به؟

الاجابة على السؤال: ٩ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤٢/٤/١١

لا خلاف بين المسلمين في عدم جواز وطئ المرأة في فرجها وهي حائض؛ لقول اللّه تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ[١]، ولا بأس بوطئها في غير الفرج؛ كما روي عن أهل البيت أنّهم سئلوا عمّا لصاحب الحائض منها فقالوا: «كُلُّ شَيْءٍ مَا عَدَا الْقُبُلَ بِعَيْنِهِ»[٢]، وقالوا: «إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فَلْيَأْتِهَا زَوْجُهَا حَيْثُ شَاءَ مَا اتَّقَى مَوْضِعَ الدَّمِ»[٣]، والأفضل أن يأمر المرأة فتتّزر بإزار إلى الركبتين ثمّ يتمتّع بها؛ كما روي عن عائشة أنّها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَنْ تَتَّزِرَ بِإِزَارٍ، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا»[٤]، وروي عن ميمونة أنّها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الْإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ»[٥]، وفي رواية أخرى: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ يَبْلُغُ أَنْصَافَ الْفَخِذَيْنِ أَوِ الرُّكْبَتَيْنِ مُحْتَجِزَةً بِهِ»[٦].

أمّا وطؤ المرأة في دبرها ففيه خلاف بين المسلمين، والحقّ أنّه لا يجوز إذا أضرّ بها أو آذاها كما هو الغالب؛ لأنّه ليس للرجل أن يظلم زوجته من أجل لذّة ليس فيها ضرورة ولا مصلحة، وإن أذنت بذلك تحمّلًا؛ كما روي عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «هِيَ لُعْبَتُكَ لَا تُؤْذِهَا»[٧]، والمشهور أنّه لا يجوز مطلقًا لما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من النهي الباتّ عن ذلك، وحمله جمهور الإماميّة على الكراهة جمعًا بينه وبين ما يدلّ على الجواز، والجواز رواية عن أبي سعيد الخدري وعبد اللّه بن عمر وزيد بن أسلم ومحمّد بن المنكدر وابن أبي مُليكة ونافع ومالك والشافعي، بل روي عن مالك أنّه قال: «مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ فِي دِينِي يَشُكُّ فِي أَنَّ وَطْءَ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا حَلَالٌ»[٨]، وقال الدارقطني: «هَذَا مَحْفُوظٌ عَنْ مَالِكٍ صَحِيحٌ»[٩]، وروي عن الشافعي أنّه قال: «لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَا فِي تَحْلِيلِهِ شَيْءٌ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ»[١٠]، ولا بأس بهذا القول فيما لا يضرّ بالمرأة ولا يؤذيها لسعة دبرها أو صغر ما للرّجل أو إدخاله ما دون الختان؛ نظرًا لعموم قول اللّه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ[١١]، وقوله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ[١٢]، وتخصيصهما بالفرج استنادًا إلى قوله تعالى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ[١٣] ضعيف؛ لأنّه في مقام إباحة ما سبق تحريمه، وهو الوطؤ في الفرج، ولا شكّ أنّ الأمر بإتيان ما نُهي عنه إلى أجل مسمّى بعد انقضاء الأجل لا يدلّ على وجوبه؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا[١٤] وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ[١٥]، وإذا لم يكن دليلًا على وجوب الشيء لم يكن دليلًا على حرمة ما عداه، وأمّا التخصيص بأنّ الحرث لا يكون إلا في الفرج فضعيف أيضًا، وقد أحسن الشافعي في بيان ضعفه، إذ قال: «سَأَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمُكَابَرَةَ وَتَصْحِيحَ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فَأَنْتَ أَعْلَمُ، وَإِنْ تَكَلَّمْتَ بِالْمُنَاصَفَةِ كَلَّمْتُكَ، قَالَ: عَلَى الْمُنَاصَفَةِ، قُلْتُ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ حَرَّمْتَهُ؟ قَالَ: بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ وَقَالَ: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَالْحَرْثُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْفَرْجِ، قُلْتُ: أَفَيَكُونُ ذَلِكَ مُحَرِّمًا لِمَا سِوَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَقُولُ لَوْ وَطِئَهَا بَيْنَ سَاقَيْهَا أَوْ فِي أَعْكَانِهَا أَوْ تَحْتَ إِبْطِهَا أَوْ أَخَذَتْ ذَكَرَهُ بِيَدِهَا، أَفِي ذَلِكَ حَرْثٌ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَفَيُحَرَّمُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَلِمَ تَحْتَجُّ بِمَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؟! قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ الْآيَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّونَ بِهِ لِلْجَوَازِ، إِنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَى مَنْ حَفِظَ فَرْجَهُ مِنْ غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَقُلْتَ أَنْتَ تَتَحَفَّظُ مِنْ زَوْجَتِكَ وَمِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»[١٦].

↑[١] . البقرة/ ٢٢٢
↑[٢] . الكافي للكليني، ج٥، ص٥٣٨؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج١، ص١٥٤
↑[٣] . تهذيب الأحكام للطوسي، ج١، ص١٥٤
↑[٤] . مصنف عبد الرزاق، ج١، ص٢٦٨؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٣، ص٥٣٠؛ مسند الدارمي، ج١، ص٦٩٨؛ صحيح البخاري، ج١، ص٦٧؛ صحيح مسلم، ج١، ص٢٤٢؛ سنن أبي داود، ج١، ص٧٠؛ سنن النسائي، ج١، ص١٥١؛ تفسير الطبري، ج٣، ص٧٣٠؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج١، ص٤٦٣
↑[٥] . مسند إسحاق بن راهويه، ج٤، ص٢٠٨؛ مسند أحمد، ج٤٤، ص٤٢٦؛ مسند الدارمي، ج١، ص٦٩٨؛ صحيح البخاري، ج١، ص٦٨؛ صحيح مسلم، ج١، ص٢٤٣؛ تفسير الطبري، ج٣، ص٧٢٩؛ مستخرج أبي عوانة، ج١، ص٢٥٩؛ شرح معاني الآثار للطحاوي، ج٣، ص٣٦؛ معجم ابن المقرئ، ص٣١٢؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج١، ص٤٦٨
↑[٦] . مصنف ابن أبي شيبة، ج٣، ص٥٣١؛ مسند أحمد، ج٤٤، ص٤٢٤؛ مسند الدارمي، ج١، ص٧٠٣؛ سنن أبي داود، ج١، ص٦٩؛ المعرفة والتاريخ للفسوي، ج١، ص٤٢١؛ سنن النسائي، ج١، ص١٥١؛ مسند أبي يعلى، ج١٣، ص٢١؛ شرح معاني الآثار للطحاوي، ج٣، ص٣٦؛ الناسخ والمنسوخ للنحاس، ص٢٠٥؛ صحيح ابن حبان، ج٤، ص٢٠١؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج١، ص٤٦٧
↑[٧] . الكافي للكليني، ج٥، ص٥٤٠
↑[٨] . مختصر اختلاف العلماء للطحاوي، ج٢، ص٣٤٤؛ أحكام القرآن للجصاص، ج٢، ص٣٩؛ الحاوي الكبير للماوردي، ج٩، ص٣١٧؛ الشافي لابن الأثير، ج٤، ص٤٠٩؛ المغني لابن قدامة، ج٧، ص٢٩٦؛ المجموع شرح المهذب للنووي، ج١٦، ص٤٢٠؛ البدر المنير لابن الملقن، ج٧، ص٦٥٩؛ عمدة القاري للعيني، ج١٨، ص١١٧
↑[٩] . فتح الباري لابن حجر، ج٨، ص١٩٠؛ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، ج١، ص٦٣٨
↑[١٠] . مختصر اختلاف العلماء للطحاوي، ج٢، ص٣٤٣؛ آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم، ص١٦٦؛ أحكام القرآن للجصاص، ج٢، ص٣٩
↑[١١] . المؤمنون/ ٥-٦
↑[١٢] . البقرة/ ٢٢٣
↑[١٣] . البقرة/ ٢٢٢
↑[١٤] . المائدة/ ٢
↑[١٥] . الجمعة/ ١٠
↑[١٦] . المجموع شرح المهذب للنووي، ج١٦، ص٤١٩؛ التلخيص الحبير لابن حجر، ج٣، ص٣٧٢؛ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، ج١، ص٦٣٨؛ البدر التمام للمغربي، ج٧، ص٢٠١؛ نيل الأوطار للشوكاني، ج٦، ص٢٤٠
رقم التعليق: ١ كاتب التعليق: محمّد تاريخ التعليق: ١٤٤٢/٦/١٠

أليس هذه الآية: «لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، دليلًا لعدم جواز جماع المرأة في دبرها؟ وهو يوافق هذه الآية: «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ». فهل الآية المذكورة تدلّ على البيوت أو هي كمثل ضربه اللّه، وتدلّ على الجماع أيضًا؟

الاجابة على التعليق: ١ تاريخ الاجابة على التعليق: ١٤٤٢/٦/١٥

أكثر المفسّرين حملوا الآية على ظاهرها، وذلك لما بلغهم من الروايات الدالّة على أنّ ظاهرها هو المقصود؛ كما روي عن البراء بن عازب قال: «كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَرَجَعُوا، لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ، فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا[١]»[٢]، وفي رواية أخرى: «كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ لَمْ يَدْخُلِ الرَّجُلُ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ»[٣]، وروي عن جابر قال: «كَانَتْ قُرَيْشٌ تُدْعَى الْحُمْسَ، فَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنَ الْأَبْوَابِ فِي الْإِحْرَامِ وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ وَسَائِرُ الْعَرَبِ لَا يَدْخُلُونَ مِنْ بَابٍ فِي الْإِحْرَامِ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي بُسْتَانٍ إِذْ خَرَجَ مِنْ بَابِهِ، وَخَرَجَ مَعَهُ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ قُطْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رَجُلٌ فَاجِرٌ وَإِنَّهُ خَرَجَ مَعَكَ مِنَ الْبَابِ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ فَعَلْتَهُ فَفَعَلْتُهُ كَمَا فَعَلْتَ، قَالَ: إِنِّي أَحْمَسُ، قَالَ لَهُ: فَإِنَّ دِينِي دِينُكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ»[٤]، وروي عن ابن عبّاس قال: «إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا إِذَا خَافَ أَحَدُهُمْ مِنْ عَدُوِّهِ شَيْئًا أَحْرَمَ فَأَمِنَ، فَإِذَا أَحْرَمَ لَمْ يَلِجْ مِنْ بَابِ بَيْتِهِ وَاتَّخَذَ نَقْبًا مِنْ ظَهْرِ بَيْتِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ مُحْرِمٌ كَذَلِكَ، وَأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يُسَمُّونَ الْبُسْتَانَ: الْحَشَّ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بُسْتَانًا، فَدَخَلَهُ مِنْ بَابِهِ، وَدَخَلَ مَعَهُ ذَلِكَ الْمُحْرِمُ، فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْ وَرَائِهِ: يَا فُلَانُ إِنَّكَ مُحْرِمٌ وَقَدْ دَخَلْتَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مُحْرِمًا فَأَنَا مُحْرِمٌ، وَإِنَّ كُنْتَ أَحْمَسَ فَأَنَا أَحْمَسُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ»[٥]، وذكر مقاتل بن سليمان القصّة بالتفصيل فقال: «إِنَّ الْأَنْصَارَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَفِي الْإِسْلَامِ كَانُوا إِذَا أَحْرَمَ أَحَدُهُمْ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمُدُنِ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي أَهْلِهِ لَمْ يَدْخُلْ مَنْزِلَهُ مِنْ بَابِ الدَّارِ، وَلَكِنْ يُوضَعُ لَهُ سُلَّمٌ إِلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ فَيَصْعُدُ فِيهِ، وَيَنْحَدِرُ مِنْهُ أَوْ يَتَسَوَّرُ مِنَ الْجِدَارِ، وَيَنْقُبُ بَعْضَ بُيُوتِهِ، فَيَدْخُلُ مِنْهُ وَيَخْرُجُ مِنْهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَتَوَجَّهَ إِلَى مَكَّةَ مُحْرِمًا، وَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَبَرِ دَخَلَ وَخَرَجَ مِنْ وَرَاءِ بَيْتِهِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يَوْمًا نَخْلًا لِبَنِي النَّجَّارِ، وَدَخَلَ مَعَهُ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ بْنِ جُشَمٍ مِنْ قِبَلِ الْجِدَارِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَابِ وَهُوَ مُحْرِمٌ خَرَجَ قُطْبَةُ مِنَ الْبَابِ، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا قُطْبَةُ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ وَهُوَ مُحْرِمٌ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَا حَمَلَكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْبَابِ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: يَا نَبِيُّ، رَأَيْتُكَ خَرَجْتَ مِنَ الْبَابِ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ، فَخَرَجْتُ مَعَكَ، وَدِينِي دِينُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: خَرَجْتُ لِأَنِّي مِنْ أَحْمَسَ، فَقَالَ قُطْبَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كُنْتَ أَحْمَسِيًّا فَإِنِّي أَحْمَسِيٌّ، وَقَدْ رَضِيتُ بِهَدْيِكَ وَدِينِكَ، فَاسْتَنَنْتُ بِسُنَّتِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ»[٦]، وقال الحسن: «كَانَ أَقْوَامٌ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ سَفَرًا أَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ سَفَرَهُ الَّذِي خَرَجَ لَهُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ أَنْ يُقِيمَ وَيَدَعَ سَفَرَهُ الَّذِي خَرَجَ لَهُ لَمْ يَدْخُلِ الْبَيْتَ مِنْ بَابِهِ وَلَكِنْ يَتَسَوَّرُهُ مِنْ قِبَلِ ظَهْرِهِ تَسَوُّرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ»[٧]، وقال عطاء: «كَانَ أَهْلُ يَثْرِبَ إِذَا رَجَعُوا مِنْ عِيدِهِمْ، دَخَلُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَيَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ أَدْنَى إِلَى الْبِرِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ»[٨].

هذه الروايات كلّها تدلّ على أنّ الآية أرادت إصلاح بعض عادات الجاهليّة التي كانت بين الناس في ذلك الزمان، وهذا قول اختاره أكثر المفسّرين، وهو أقرب الأقوال إلى ظاهر الآية، وقال بعض المفسّرين أنّ الآية مثل ضربه اللّه للناس وأراد به تحريضهم على إتيان الأمور من وجهها، وهذا قول مرويّ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ إذ قال: «يَعْنِي أَنْ يُأْتَى الْأَمْرُ مِنْ وَجْهِهِ أَيَّ الْأُمُورِ كَانَ»[٩]، واختاره الجبائيّ، وهو قول حسن يشمل القول الأوّل؛ لأنّ من الأمور دخول البيوت؛ كما قال الجصّاص: «لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ جَمِيعَ ذَلِكَ فَيَكُونُ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ إِتْيَانَ الْبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا هُوَ مِمَّا شَرَعَهُ وَلَا نَدَبَ إِلَيْهِ وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مَثَلًا أَرْشَدَنَا بِهِ إِلَى أَنْ نَأْتِيَ الْأُمُورَ مِنْ مَأْتَاهَا الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَنَدَبَ إِلَيْهِ»[١٠]، وهناك قول آخر وهو أنّ الآية أرادت بالبيوت النساء؛ لأنّ العرب يسمّي المرأة بيتًا؛ كما قال الشاعر: «مَا لِي إِذَا أَنْزِعُهَا صَأَيْتُ ... أَكِبَرٌ غَيَّرَنِي أَمْ بَيْتُ» أراد بالبيت المرأة[١١]، فكأنّ الآية نهت عن إتيان النساء في أدبارهنّ، وأباحت في قُبلهنّ، وهذا قول ضعيف لبُعده من ظاهر الآية وخلوّ الروايات منه، إلا أن نُرجعه إلى القول الثاني ونجعله أحد مصاديق ذلك ونقول أنّ الآية أمرت بإتيان الأمور من وجهها، ومن الأمور مباشرة المرأة، وعليه فيجب مباشرة المرأة من الوجه المناسب وهو قبلها؛ لأنّه الذي يعتبر بابًا بالنسبة لها، ولكن يلزم من هذا القول عدم جواز مباشرتها في شيء من جسدها ما عدا القبل بعينه، وهذا ما لا يقول به أحد، إلا أن نحمله على ضرب من التنزيه دون التحريم، ويمكن القول أنّ قبل المرأة لا يعتبر بابًا إلا لمن يطلب الولد، وأمّا لمن يطلب قضاء الشهوة فامرأته كلّها باب إلا ما يؤذيها أو يضرّ بها، وعلى هذا فلا يمكن التمسّك بالآية لتحريم مباشرة المرأة في غير قبلها.

↑[١] . البقرة/ ١٨٩
↑[٢] . صحيح البخاري، ج٣، ص٨؛ صحيح مسلم، ج٤، ص٣١٩؛ مسند أبي يعلى، ج٣، ص٢٧٤؛ تفسير الطبري، ج٣، ص٢٨٣؛ مستخرج أبي عوانة، ج٢، ص٤٠٠؛ معاني القرآن للنحاس، ج١، ص١٠٥؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٥، ص٤٢٨؛ أسباب النزول للواحدي، ج١، ص٥٦
↑[٣] . مسند أبي داود الطيالسي، ج٢، ص٩٠؛ مستخرج أبي عوانة، ج٢، ص٣٩٩؛ تفسير ابن أبي حاتم، ج١، ص٣٢٣
↑[٤] . تفسير ابن أبي حاتم، ج١، ص٣٢٣؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج١، ص٦٥٧؛ أسباب النزول للواحدي، ج١، ص٥٦
↑[٥] . تفسير الطبري، ج٣، ص٢٨٧؛ تفسير ابن أبي حاتم، ج١، ص٣٢٣
↑[٦] . تفسير مقاتل بن سليمان، ج١، ص١٦٦
↑[٧] . تفسير ابن أبي حاتم، ج١، ص٣٢٣
↑[٨] . تفسير ابن أبي حاتم، ج١، ص٣٢٤
↑[٩] . المحاسن للبرقي، ج١، ص٢٢٤؛ تفسير العيّاشي، ج١، ص٨٦
↑[١٠] . أحكام القرآن للجصاص، ج١، ص٣١٩
↑[١١] . انظر: معجم ديوان الأدب للفارابي، ج٣، ص٢٩٨؛ أمالي القالي، ج١، ص٢٠؛ الصحاح للجوهري، ج١، ص٢٤٤؛ سمط اللآلي لأبي عبيد البكري، ج١، ص٩٧.
رقم التعليق: ٢ كاتب التعليق: أبو عبد السلام تاريخ التعليق: ١٤٤٣/٨/١٧

ماذا عن قول النبي عليه الصلاة والسلام: «لا ينظر اللّه إلى رجل أتى رجلًا أو امرأة في دبرها» رواه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، لا تأتوا النساء في أدبارهنّ -وفي لفظ: في أعجازهنّ»، ويروى عنه عليه الصلاة والسلام: «ملعون من أتى امرأة في دبرها».

الاجابة على التعليق: ٢ تاريخ الاجابة على التعليق: ١٤٤٣/٨/٢١

المستفاد من القرآن إباحة التمتّع بكلّ شيء من بدن الزوجة إلّا ما يضرّ بها أو يؤذيها؛ كما يستفاد ذلك من قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ[١]، نظرًا لعمومه وإطلاقه، وقوله تعالى: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ[٢]، نظرًا لأنّ المحيض هو مكان الحيض، فيدلّ على إباحة ما عداه، وقوله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ۝ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ[٣]، نظرًا لأنّهم كانوا يريدون الدّبر، فأحالهم اللّه إلى أزواجهم، وهذا مرويّ عن محمّد بن كعب القرظيّ[٤]، وروي عن بعض الأئمّة من أهل البيت أنّه سئل عن إتيان المرأة في دبرها، فقال: «أَحَلَّتْهَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، قَوْلُ لُوطٍ: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ[٥] وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ الْفَرْجَ»[٦]، وروي عن ابن عمر: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا -وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ[٧]»[٨]، وفي رواية أخرى: «إِنَّمَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ رُخْصَةً فِي إِتْيَانِ الدُّبُرِ»[٩]، وقال ابن عبد البرّ: «رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ لِهَذَا الْمَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَحِيحَةٌ مَعْرُوفَةٌ عَنْهُ مَشْهُورَةٌ مِنْ مَذْهَبِهِ»[١٠]، ولم ينفرد بروايته ابن عمر حتّى يقال بأنّه وهم فيها، بل تابعه أبو سعيد الخدريّ[١١]، والقاعدة عند السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى عدم جواز نسخ القرآن أو تخصيصه بشيء من الروايات[١٢]، ولذلك لا بدّ من حمل الروايات الناهية على المعنى الذي لا يخالف القرآن، وهو الكراهة، أو إتيان الزوجة في دبرها حين يضرّ بها أو يؤذيها، أو إتيان المرأة المحرّمة في دبرها، نظرًا لأنّ كثيرًا من أهل الفجور يختارونه على الزنا، لا سيّما إذا كانت المرأة بكرًا، وهذا أظهر في روايتهم: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا»[١٣]، وقولهم: «هُوَ بِمَنْزِلَةِ الزِّنَا»[١٤].

هذا إذا كانت الروايات الناهية ثابتة، ويرى بعض المحقّقين من العلماء أنّها غير ثابتة؛ كما حكي عن الشافعيّ أنّه قال: «لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَا فِي تَحْلِيلِهِ شَيْءٌ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ»[١٥]، ولذلك قال لمحمّد بن الحسن في مناظرته: «إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمُكَابَرَةَ وَتَصْحِيحَ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فَأَنْتَ أَعْلَمُ، وَإِنْ تَكَلَّمْتَ بِالْمُنَاصَفَةِ كَلَّمْتُكَ»[١٦]، وحكي عن مالك أنّه قال: «مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ فِي دِينِي يَشُكُّ فِي أَنَّ وَطْءَ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا حَلَالٌ»[١٧]، وهذا قول مهمّ جدًّا؛ لأنّه يدلّ على أنّ الصحابة كانوا متّفقين على الحلّيّة، والروايات الناهية لم تثبت عنهم وظهرت بين التابعين وأتباعهم، ولعلّ ذلك لأنّ العامّة منهم كرهوا هذا الفعل وأعظموه واستهجنوه جدًّا وشنّعوا على القائلين بحلّيّته وأخذوا في التأويل والتحريف لما بلغهم عن الصحابة وكبار الفقهاء من القول بها؛ كما قال الجصّاص: «الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ إِبَاحَةُ ذَلِكَ، وَأَصْحَابُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ لِقُبْحِهَا وَشَنَاعَتِهَا، وَهِيَ عَنْهُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَنْدَفِعَ بِنَفْيِهِمْ عَنْهُ»[١٨]، بل اشتدّ الأمر بينهم لغلبة الرأي والإستحسان عليهم، حتّى اضطرّ بعض الصحابة وكبار الفقهاء إلى التحفّظ والتقيّة والمجاراة صيانة لعرضهم، وممّا يشهد على ذلك ما روى عبد الرّحمن بن القاسم قال: «قُلْتُ لِمَالِكٍ: إِنَّ عِنْدَنَا بِمِصْرَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّا نَشْتَرِي الْجَوَارِيَ فَنُحَمِّضُ لَهُنَّ، قَالَ: وَمَا التَّحْمِيضُ؟ قَالَ: نَأْتِيهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ، قَالَ: أَوَ يَعْمَلُ هَذَا مُسْلِمٌ؟! فَقَالَ لِي مَالِكٌ: فَأَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ لَحَدَّثَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْهُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ»[١٩]، وفي رواية أخرى: «قِيلَ لِمَالِكٍ: إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كَذَبَ الْعِلْجُ عَلَى أَبِي -يَعْنِي نَافِعًا فِيمَا رَوَى عَنْهُ مِنَ الْقَوْلِ بِالْحِلِّيَّةِ- فَقَالَ مَالِكٌ: أَشْهَدُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ أَخْبَرَنِي عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ مَا قَالَ نَافِعٌ»[٢٠]، وروي أنّ النّاس أكثروا على نافع في قوله بالحلّيّة، حتّى ترك أبو حنيفة روايته، فقيل له: «مَا لَكَ لَا تَرْوِي عَنْ نَافِعٍ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يُفْتِي بِإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَعْجَازِهِنَّ فَتَرَكْتُهُ»[٢١]، فلمّا بلغ ذلك نافعًا كذّب قوله بالحلّيّة[٢٢]، ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ[٢٣]، وروى الدّراورديّ قال: «قِيلَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَنْهَى عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدٍ لَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَفْعَلُهُ»[٢٤]، وروى حمّاد بن عثمان قال: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ -أَوْ أَخْبَرَنِي مَنْ سَأَلَهُ- عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِي الْمَرْأَةَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ -يَعْنِي دُبُرَهَا- وَفِي الْبَيْتِ جَمَاعَةٌ، فَقَالَ لِي وَرَفَعَ صَوْتَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَلَّفَ مَمْلُوكَهُ مَا لَا يُطِيقُ فَلْيَبِعْهُ! ثُمَّ نَظَرَ فِي وُجُوهِ أَهْلِ الْبَيْتِ، ثُمَّ أَصْغَى إِلَيَّ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ»[٢٥]، ولمّا سُئل بعض الصحابة عن رواية ابن عمر في تفسير الآية: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، حاولوا تأويلها، فقالوا أنّها نزلت فيمن يأتي من الدّبر في القُبل؛ لأنّ اليهود كانوا يكرهون ذلك[٢٦]، ولا يبعد أن كان هذا أيضًا محاولة منهم لتبرئة القرآن من تحليل ما يستقبحه النّاس أشدّ استقباح؛ لأنّه لا يخفى ما في تأويلهم من التكلّف، ولم يثبت عن اليهود قول بكراهة إتيان القُبل من الدّبر أصلًا، ولا داعي عندهم لكراهة ذلك! ومن ثمّ رفض ابن عمر تأويلهم صراحة؛ كما روى نافع قال: «قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا فِي دُبُرِهَا»[٢٧]!

كيفما كان، فإنّ ظاهر القرآن إباحة التمتّع بكلّ شيء من بدن الزوجة إلّا ما يضرّ بها أو يؤذيها، وليس للروايات أن تنسخ القرآن أو تخصّصه؛ لا سيّما بالنظر إلى ما فيها من الشبهة والتعارض، وغاية ما تستطيع إثباته حرمة إتيان الزوجة في دبرها إذا أضرّ بها أو آذاها، وكراهة ذلك إذا لم يضرّ بها ولم يؤذها، والمعلوم في الطبّ أنّ ذلك قد يضرّ بها إذا كان بغير استخدام المزلقات الدهنيّة؛ لأنّه قد يؤدّي إلى حدوث التهتك في فتحة الشرج والمستقيم بسبب هشاشتهما[٢٨]؛ كما روي عن روح بن القاسم قال: «شَهِدْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُسْئَلُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَدْ أَرَدْتُهُ مِنْ جَارِيَةٍ لِي الْبَارِحَةَ، فَاعْتَاصَ عَلَيَّ، فَاسْتَعَنْتُ بِدُهْنٍ»[٢٩]، وقد يضرّ بها الإكثار من ذلك، ولو باستخدام المزلقات الدهنيّة؛ لأنّه قد يؤدّي إلى أن تصبح عضلة الشرج العاصرة أضعف، وذلك قد يتسبّب في هبوط المستقيم أو يؤثّر في القدرة على الإحتفاظ في البراز. بناء على هذا، فلا يجوز إتيان الزوجة في دبرها بغير استخدام المزلقات الدهنيّة إذا كان في دبرها ضيق كما هو الغالب، ولا يجوز الإكثار من ذلك ولو باستخدام المزلقات الدهنيّة، ولا شكّ أنّ ترك ذلك على الإطلاق أزكى وأطهر، و﴿مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ[٣٠].

↑[١] . المؤمنون/ ٥-٦
↑[٢] . البقرة/ ٢٢٢
↑[٣] . الشّعراء/ ١٦٥-١٦٦
↑[٤] . انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي، ج٣، ص٤٥.
↑[٥] . هود/ ٧٨
↑[٦] . تفسير العيّاشي، ج٢، ص١٥٧؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٧، ص٤١٥
↑[٧] . البقرة/ ٢٢٣
↑[٨] . صحيح البخاري، ج٦، ص٢٩؛ السنن الكبرى للنسائي، ج٨، ص١٩١؛ تفسير الطبري، ج٣، ص٧٥١؛ شرح مشكل الآثار للطحاوي، ج١٥، ص٤١٠؛ المعجم الأوسط للطبراني، ج٦، ص٢٤٢؛ طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني، ج٢، ص١٩٠؛ تفسير الثعلبي، ج٦، ص٩٢؛ أخبار أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني، ج١، ص٣٦٦، ج٢، ص٣٠٤؛ كتاب في علم الحديث للداني، ص٣٤
↑[٩] . المعجم الأوسط للطبراني، ج٤، ص١٤٤
↑[١٠] . الإستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى لابن عبد البر، ج١، ص٤٥٤
↑[١١] . انظر: مسند أبي يعلى، ج٢، ص٣٥٤؛ شرح مشكل الآثار للطحاوي، ج١٥، ص٤١٠؛ شرح معاني الآثار للطحاوي، ج٣، ص٤٠.
↑[١٣] . مسند أحمد، ج١٦، ص١٥٧؛ سنن أبي داود، ج٢، ص٢١٥؛ السنن الكبرى للنسائي، ج٨، ص٢٠٠؛ معرفة السنن والآثار للبيهقي، ج١٠، ص١٦٤
↑[١٤] . مساوئ الأخلاق للخرائطي، ص٢١١
↑[١٥] . مختصر اختلاف العلماء للطحاوي، ج٢، ص٣٤٣؛ آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم، ص١٦٦؛ أحكام القرآن للجصاص، ج٢، ص٣٩
↑[١٦] . المجموع شرح المهذب للنووي، ج١٦، ص٤١٩؛ التلخيص الحبير لابن حجر، ج٣، ص٣٧٢؛ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، ج١، ص٦٣٨؛ البدر التمام للمغربي، ج٧، ص٢٠١؛ نيل الأوطار للشوكاني، ج٦، ص٢٤٠
↑[١٧] . مختصر اختلاف العلماء للطحاوي، ج٢، ص٣٤٤؛ أحكام القرآن للجصاص، ج٢، ص٣٩؛ الحاوي الكبير للماوردي، ج٩، ص٣١٧؛ الشافي لابن الأثير، ج٤، ص٤٠٩؛ المغني لابن قدامة، ج٧، ص٢٩٦؛ المجموع شرح المهذب للنووي، ج١٦، ص٤٢٠؛ البدر المنير لابن الملقن، ج٧، ص٦٥٩؛ عمدة القاري للعيني، ج١٨، ص١١٧
↑[١٨] . أحكام القرآن للجصاص، ج١، ص٤٢٦
↑[١٩] . السنن الكبرى للنسائي، ج٨، ص١٩٠؛ أحكام القرآن للجصاص، ج١، ص٤٢٦؛ المحلى بالآثار لابن حزم، ج٩، ص٢٢٠
↑[٢٠] . تفسير الطبري، ج٣، ص٧٥١؛ البيان والتحصيل لابن رشد الجد، ج١٨، ص١٧٨
↑[٢١] . جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، ج٢، ص١٠٩٥
↑[٢٢] . السنن الكبرى للنسائي، ج٨، ص١٩٠؛ شرح معاني الآثار للطحاوي، ج٣، ص٤٢؛ المحلى بالآثار لابن حزم، ج٩، ص٢٢٠
↑[٢٣] . ص/ ٣
↑[٢٤] . تفسير الطبري، ج٣، ص٧٥١
↑[٢٥] . تهذيب الأحكام للطوسي، ج٧، ص٤١٥
↑[٢٦] . انظر: مسند الحميدي، ج٢، ص٣٤١؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٣، ص٥١٧؛ أدب النساء لعبد الملك بن حبيب، ص١٩٧؛ صحيح مسلم، ج٤، ص١٥٦؛ سنن ابن ماجه، ج١، ص٦٢٠؛ سنن الترمذي، ج٥، ص٢١٥؛ شرح مشكل الآثار للطحاوي، ج١٥، ص٤١٨؛ المعجم الكبير للطبراني، ج١١، ص٧٧.
↑[٢٧] . العجاب في بيان الأسباب لابن حجر، ج١، ص٥٦٨؛ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، ج١، ص٦٣٦
↑[٢٨] . المستقيم جزء الأمعاء الذي يصل ما بين نهاية القولون والشرج.
↑[٢٩] . تفسير الطبري، ج٣، ص٧٥٣
↑[٣٠] . يوسف/ ٩٠