علم بلا عمل

إنّ المسلمين يعلمون جميعًا أنّ الإمام المهديّ عليه السلام هو الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا وهذا اعتقاد صحيح لهم نشأ من الأحاديث النبويّة المتواترة، لكنّ الإعتقاد الصّحيح لا ينجي الإنسان من الخسران إذا لم يكن معه عمل صحيح؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[١]. إنّ العلم من دون عمل لا ينفع وهو حجّة على صاحبه ولذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتعوّذ منه فيقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ»[٢]. إنّ مَثَل صاحب هذا العلم كمثل مريض يعرف الدواء الذي يشفيه، لكنّه رغم معرفته به لا يطلبه ولا يتناوله، بل يلجأ إلى غيره من الأشياء التي يتوهّم بجهله أو تقليده أنّها شافية أيضًا، فيكون بذلك كمن لا يعرف الدواء أصلًا، حيث أنّهما يهلكان جميعًا!

إنّ المسلمين في هذا العصر هم كذلك المريض؛ حيث أنّهم لا يشكّون في أنّ الإمام المهديّ عليه السلام هو الوحيد الذي يقيم الدين الخالص وينشر العدل في العالم، لكنّهم لا يحاولون التمهيد لحكومته من خلال توفير العِدّة والعُدّة اللازمة لها، بل يجهدون لتشكيل وحفظ الحكومات الأخرى ببذل أموالهم وأنفسهم وهذا ما أوقعهم في الذلّة والمسكنة وسوف يؤدّي بهم إلى الهلاك إن لم يتوقّف عاجلًا؛ كما ورد عن السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى أنّه قال لأحمد بن عبد الرّحمن -رجل من أصحابه-:

يَا أَحْمَدُ! أَتَعْرِفُ إِمَامَ زَمَانِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، كَمَا أَعْرِفُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ! قَالَ: اعْرِفْهُ! فَإِنَّ الْحَيْرَةَ وَالذِّلَّةَ وَالْمَسْكَنَةَ وَالْخِزْيَ وَالضَّلَالَةَ وَالْهَلَاكَ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ إِمَامَ زَمَانِهِ! ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ! أَتُطِيعُ إِمَامَ زَمَانِكَ؟ قُلْتُ: رُبَّمَا وَلَعَلَّ! قَالَ: أَطِعْهُ! فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفُ الْإِمَامَ وَلَا يُطِيعُهُ كَمَنْ يَعْرِفُ السَّبِيلَ وَلَا يَسْلُكُهُ، فَمَا أَحْرَى بِهِ أَنْ يَكُونَ هَالِكًا! ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ! إِنَّ النَّاسَ أَمْوَاتٌ وَمَا حَيَاتُهُمْ إِلَّا الْمَعْرِفَةُ، وَالطَّاعَةُ مِيزَانُ الْمَعْرِفَةِ! يَا أَحْمَدُ! أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ كُتِبَ فِي قَلْبِهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَأَنَّ مَنْ عَرَفَهُ وَلَمْ يُطِعْهُ كَانَ مِنَ الْخَاسِرِينَ؟! يَا أَحْمَدُ! إِنَّ مَنْ رَغِبَ عَنْ إِمَامِ زَمَانِهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى مَنْ رَغِبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ لَا يُبَالِي فِي أَيِّ وَادٍ هَلَكَ! يَا أَحْمَدُ! إِنَّ مَنْ يَنْتَظِرُ إِمَامَ زَمَانِهِ فِي غَيْبَتِهِ كَمَنْ يُجَاهِدُ بَيْنَ يَدَيْهِ عِنْدَ ظُهُورِهِ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ! يَا أَحْمَدُ! أَتَدْرِي كَيْفَ انْتِظَارُهُ؟! قُلْتُ: ذِكْرُهُ كَثِيرًا وَالدُّعَاءُ لَهُ! قَالَ: إِنَّ هَذَا لَصَالِحٌ، وَلَكِنَّ انْتِظَارَهُ الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ وَالتَّمْكِينُ لَهُ فِي غَيْبَتِهِ! إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ[٣]، أَيْ فِي غَيْبَتِهِمْ؛ كَمَا قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ إِذَا حَصْحَصَ الْحَقُّ وَيُوسُفُ غَائِبٌ: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ[٤] أَيْ فِي غَيْبَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.[٥]

نعم، إنّ المسلمين يعرفون إمام زمانهم -الإمام المهديّ عليه السلام- ولكنّهم غافلون عنه ومنشغلون بمن لا يغنيهم عنه من الحكّام والفقهاء والكذّابين؛ فتكون عاقبتهم كعاقبة المريض الذي يعرف الدواء ولكنّه لا يطلبه ولا يتناوله؛ كما حذّرهم عنها المنصور حفظه اللّه تعالى فقال:

إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ لِيُظْفَرَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ كَانَ كَمَنْ أَصَابَهُ الْعَطَشُ وَلَمْ يَظْفَرْ بِالْمَاءِ، أَرَأَيْتَ الرَّمْلَ وَالْحَصَاةَ يُغْنِيَانِ عَنْهُ شَيْئًا؟! لَا وَاللَّهِ، بَلْ يَمُوتُ عَطَشًا وَلَا يَنْتَطِحُ فِيهِ عَنْزَانِ![٦]

من أجل ذلك، لا بدّ للمسلمين من ترك اتّباع الحكّام والفقهاء والكذّابين والإقبال على اتّباع خليفة اللّه المهديّ؛ لأنّه هو الطريق الوحيد الذي يقودهم الى النجاة من الخسران؛ كما قال المنصور حفظه اللّه تعالى:

الْمَهْدِيُّ سَبِيلٌ مَنْ سَلَكَ غَيْرَهُ هَلَكَ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[٧].[٨]

نعم، لا بدّ للمسلمين من التمهيد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام من خلال توفير العِدّة والعُدّة اللازمة له وهذا ما يدعو إليه المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى ليلًا ونهارًا في ضوء الأدلّة اليقينيّة من القرآن الكريم والسنّة النبويّة المتواترة والعقل السليم من موانع معرفة الحقّ ولا شكّ أنّ كلّ من تعلّق قلبه بالإسلام وينصح له ويأمل انتصاره على الكفر والنفاق، يبادر لإجابة هذه الدعوة المباركة ونصرها بكلّ ما في وسعه ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ[٩].

↑[١] . العصر/ ١-٣
↑[٢] . مسند أحمد، ج٢، ص١٦٧؛ صحيح مسلم، ج٨، ص٨٢؛ سنن ابن ماجه، ج١، ص٩٢؛ سنن أبي داود، ج١، ص٣٤٥؛ سنن الترمذي، ج٥، ص١٨١؛ سنن النسائي، ج٨، ص٢٥٥
↑[٣] . الحديد/ ٢٥
↑[٤] . يوسف/ ٥٢
↑[٥] . القول ٧، الفقرة ٤
↑[٦] . القول ٩، الفقرة ١
↑[٧] . الأنعام/ ١٥٣
↑[٨] . القول ٢٢، الفقرة ٣
↑[٩] . آل عمران/ ١٢٦