كاتب الشبهة: محمّد التقوي تاريخ الشبهة: ١٤٣٦/٧/٢٦

بعد قراءة كتاب «العودة إلى الإسلام» للسيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى، أصبحت حذرًا جدًّا بشأن الأحاديث، بحيث أنّي كلّما واجهت حديثًا خفت أن يكون غير صحيح أو يكون خبر واحد. الرجاء إرشادي.

الاجابة على الشبهة: ٤ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٦/٧/٢٧

زيادة الإحتياط في الأخذ بالأحاديث ناشئة من زيادة العلم والتقوى؛ إذ لا شكّ أنّ أكثر الأحاديث أخبار آحاد، وهي غير حجّة لإفادتها الظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئًا، وأكثر أخبار الآحاد أيضًا ضعيفة الإسناد، وهي ظلمات بعضها فوق بعض، ولذلك لا يتساهل في الأخذ بالأحاديث إلّا من قلّ علمه وتقواه؛ على عكس ما يتصوّر كثير من الناس؛ لأنّهم يحسبون أنّ العلم والتقوى يقتضيان الأخذ بكلّ ما يُنسب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أو أحد أهل بيته تحت عنوان «الحديث»، مع أنّ كثيرًا منه لم يصدر منهم في الواقع، وإنّما هو مكذوب عليهم عمدًا أو خطأ، ومن الواضح أنّ الأخذ بذلك لا يُعتبر أخذًا بقولهم، بل يُعتبر أخذًا بقول من وضعه من أعدائهم المنافقين أو أوليائهم الجاهلين، وذلك نقيض العلم والتقوى!

نعم، لا بأس ببعض التساهل في الأخذ بالأحاديث التي وردت في باب الأخلاق؛ كالأحاديث التي تأمر بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الخلق، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس، والإحسان بالوالدين، وإطعام المساكين، وإكرام الضيف، أو تنهى عن الكذب، والغيبة، والسبّ، والبهتان، والحسد، والنميمة، وكذلك الأحاديث التي وردت في تأييد العقائد والأحكام المعلومة من القرآن والسنّة؛ لأنّها إذا لم تكن قد صدرت من النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته بعينها، فقد صدرت منهم بمثلها قطعًا، ولذلك لا يُعتبر اتّباعها اتّباعًا للظنّ، بل هو اتّباع للعلم في الجملة، وهذا معنى ما جاء عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «مَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ فَأَنَا قُلْتُهُ، وَمَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ فَلَمْ أَقُلْهُ»[١]، وفي رواية أخرى: «مَا جَاءَكُمْ عَنِّي مِنْ حَدِيثٍ يُوَافِقُ الْحَقَّ فَأَنَا قُلْتُهُ، وَمَا جَاءَكُمْ عَنِّي مِنْ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ الْحَقَّ فَلَمْ أَقُلْهُ»[٢]؛ لأنّه إمّا قاله بلفظه وإمّا قاله بمعناه، إذا كان حقًّا موافقًا لكتاب اللّه؛ كما أنّه يجوز الأخذ بأخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن المفيدة للعلم، وأخبار الآحاد المتظافرة التي تتّفق في معنى واحد على اختلاف ألفاظها، وهي ما يقال لها «متواترة معنويّة»، ومن هنا يعلم أنّه لا يحرم الأخذ إلّا بأخبار الآحاد التي تدعو إلى اعتقاد أو عمل ليس عليه دليل ظاهر من القرآن ولا شاهد ثابت من السنّة؛ فإنّ الأخذ بها هو قول على اللّه بغير علم واتّباع للظنّ، وقد قال اللّه: ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ[٣]، وقال: ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ[٤]، فلا يثبت اعتقاد أو حكم شرعيّ إلّا بالعلم، وهو يحصل من الخبر المتواتر عن خليفة اللّه في الأرض، دون خبر الواحد عنه في اللفظ والمعنى، وأدنى الخبر المتواتر عند السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى ما رواه في كلّ طبقة أربعة رجال ذوي عدل، أو خمسة رجال لم يجمعهم بيت واحد ولا منفعة مشتركة في الدّنيا[٥]، وهذا ما تسهّل اليوم معرفته من خلال الرجوع إلى الجوامع الحديثيّة المتأخّرة التي جمعت الأحاديث الواردة في كلّ موضوع تحت باب واحد، وبيّنت أحوال الرجال وطبقاتهم؛ إذ يمكن من خلال هذا الرجوع أن تعرف عدد الأحاديث الواردة في كلّ اعتقاد أو حكم، وتنظر في طرقها، حتّى يتبيّن لك واحدها ومتواترها في اللفظ أو في المعنى.

هذا هو الطريق الوحيد لمعرفة عقائد الإسلام وأحكامه قبل الوصول إلى خليفة اللّه في الأرض، ولا شكّ أنّه غير كافٍ لقلّة الأخبار المتواترة الموجودة بالنسبة إلى المسائل التي يحتاج إليها الناس في دينهم ودنياهم، ولذلك لا بدّ من الوصول إلى خليفة اللّه في الأرض، وهو في زماننا الإمام المهديّ عليه السلام، وقد استتر خوفًا على نفسه، كما بيّنه السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى[٦]، وإنّما يمكن الوصول إليه من خلال التمهيد لظهوره، والتمهيد لظهوره هو اجتماع القلوب والألسن والأيدي على طلبه ونصرته، وهذا ما يدعو إليه السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى سرًّا وجهرًا، فمن أجاب دعوته بقلبه ولسانه ويديه، فقد قضى ما عليه من التمهيد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام، ومن لم يُجب دعوته بقلبه أو بلسانه أو بيديه، فقد عرقل ظهور الإمام المهديّ عليه السلام بقدر ذلك، ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ[٧].

↑[١] . المحاسن للبرقي، ج١، ص٢٢١؛ قرب الإسناد للحميري، ص٩٢؛ تفسير العيّاشي، ج١، ص٨؛ الكافي للكليني، ج١، ص٦٩؛ المعجم الكبير للطبراني، ج١٢، ص٣١٦؛ الإبانة الكبرى لابن بطة، ج١، ص٢٦٥؛ الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، ج٢، ص٧٦
↑[٢] . مسند البزار، ج١٦، ص٢٥٩؛ معاني الأخبار لابن بابويه، ص٣٩٠
↑[٣] . الأعراف/ ٢٨
↑[٤] . الأنعام/ ١٤٨
↑[٥] . راجع: القول ١٣ من أقواله الطيّبة.
↑[٧] . إبراهيم/ ٥١