كاتب الشبهة: محمّد صادقيان تاريخ الشبهة: ١٤٣٦/٣/١٢

لقد ذكر المنصور الهاشمي الخراساني في كتاب «العودة إلى الإسلام» قضايا كثيرة لا أجد أحدًا من العلماء تعرّض لها أو انتبه إليها! كيف يمكن أن يكون جميع هؤلاء العلماء لم يفهموا هذه القضايا، ثمّ فهمها المنصور الهاشمي الخراساني؟!!

الاجابة على الشبهة: ١ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٦/٣/١٢

أخبِرنا أولًا كيف أنّه لا يمكن، حتّى نخبرك لاحقًا كيف أنّه يمكن! إن كان مرادك بـ«هؤلاء العلماء» علماء هذا الزمان، فليس من المحال أن يكونوا جاهلين ببعض عقائد الإسلام وأحكامه إلّا واحد منهم؛ فإنّما المحال اجتماع جميع أهل الزمان على جهالة، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ»[١]؛ فإذا كان فيهم رجل واحد لم يوافقهم في جهالتهم، فإنّهم لم يجتمعوا عليها، وقد كان في فترات من التاريخ لا يوجد في الناس إلّا مؤمن واحد؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً[٢]، يعني: «كَانَ مُؤْمِنًا وَحْدَهُ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ»، روي ذلك عن ابن عبّاس ومجاهد وأبي جعفر الباقر[٣]، وروي عن موسى بن جعفر أنّه قال: «أَمَا واللَّهِ لَقَدْ كَانَتِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلَّا وَاحِدٌ يَعْبُدُ اللَّهَ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَأَضَافَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ حَيْثُ يَقُولُ: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[٤]، فَغَبَرَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ آنَسَهُ بِإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، فَصَارُوا ثَلَاثَةً، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَقَلِيلٌ»[٥]، فلا يبعد أن يكون في هذا الزمان أيضًا رجل واحد فقطّ يعرف الإسلام حقّ معرفته؛ لأنّه آخر الزمان، وقد يظهر من الروايات أنّه شرّ الأزمنة، فيكون شرًّا من زمان إبراهيم عليه السلام، وإن كان مرادك بـ«هؤلاء العلماء» علماء الأمّة من السلف والخلف، فلا نسلّم أنّهم كانوا جاهلين بما ذكره السيّد المنصور أيّده اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام». فهل أنت أحصيتهم جميعًا وأحصيت أقوالهم كلّها، فعلمت أنّ أيًّا منهم لم يفهم ذلك؟! ما القضايا التي زعمت أنّهم لم يفهموها، ثمّ فهمها السيّد المنصور أيّده اللّه تعالى؟! فإنّا لا نجد فيما قاله هذا العالم العظيم شيئًا لم يكن له قائل من السلف؛ كما أنّ قوله بأنّ أهل البيت أحقّ بالخلافة من غيرهم شيء قال به جمع غفير من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وقد ذكرنا بعضهم في هامش كتاب «العودة إلى الإسلام»، فراجع، وأنّ قوله بعدم جواز تقليد غير المعصوم شيء قال به جمع غفير من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وقد ذكرنا بعضهم في ردّنا على الشبهة ١، فراجع، وأنّ قوله بعدم حجّيّة خبر الواحد شيء قال به الكثير من العلماء في القرون الأولى؛ كما كان أبو حنيفة (ت١٥٠هـ) -الذي يقلّده نصف المسلمين- يسمّي خبر الواحد «رِيحًا» و«خُرَافَةً»، ويقول: «حُكَّهُ بِذَنَبِ خِنْزِيرٍ»[٦]، وكان الشريف المرتضى (ت٤٣٦هـ) -وهو من أساطين الشيعة- يقول: «إِنَّ أَصْحَابَنَا كُلَّهُمْ، سَلَفَهُمْ وَخَلَفَهُمْ، وَمُتَقَدِّمَهُمْ وَمُتَأَخِّرَهُمْ، يَمْنَعُونَ مِنَ الْعَمَلِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ»[٧]، وكان ابن إدريس الحلّيّ (ت٥٩٨هـ) يقول: «فَهَلْ هَدَمَ الْإِسْلَامَ إِلَّا هِيَ؟! يَعْنِي أَخْبَارَ الْآحَادِ»[٨]، وأنّ قوله بأنّ العلّة الوحيدة لعدم ظهور المهديّ هي خوفه على نفسه شيء قال به أعاظم قدماء الإماميّة؛ كما قال أبو جعفر الطوسيّ (ت٤٦٠هـ): «لَا عِلَّةَ تَمْنَعُ مِنْ ظُهُورِهِ إِلَّا خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْقَتْلِ»[٩]، وأنّ قوله بعدم ثبوت الولاية المطلقة للفقيه شيء قال به الشيعة كلّهم ماعدا قليلًا من المتأخّرين ممّن لا قدم له في العلم، وهكذا سائر أقواله الطيّبة في كتاب «العودة إلى الإسلام»؛ فإنّه لا شيء منها إلّا وله أصل في القرآن والسنّة، ودليل من العقل، وقائل من السّلف الصالح.

نعم، قد خفي كثير ممّا قاله على المنسوبين إلى العلم في هذا الزمان بحيث أنّهم ينكرونه ويستغربونه ويظنّونه شيئًا جديدًا، وما ذلك إلّا لأنّهم قد بعدوا عن عصر القرآن والسنّة، وكثرت عليهم الوسائط، ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ[١٠]، ونسوا أيّام اللّه، و﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ[١١]، وأكبّوا على ما زيّن لهم الشيطان من الكتب والمذاهب المستحدثة، ﴿وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ[١٢]، ﴿حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا[١٣]، فبعث اللّه بفضله ورحمته هذا العبد الصالح، ليذكّرهم بما نسوا من الدّين الخالص، ويعيدهم إلى ما بعدوا عنه من الإسلام الأوّل، ويجدّد لهم ما اندرس من العقائد الحقّة، ويحيي لهم ما مات من الأحكام الصحيحة، ويفتح لهم الطريق المسدود إلى خليفة اللّه في الأرض. بناء على هذا، فإنّ السيّد المنصور أيّده اللّه تعالى هو مذكّر فقطّ، وليس صاحب بدعة في الدّين، والحمد للّه ربّ العالمين.

↑[١] . انظر: الدروس، الباب ١، الدرس ٤٥.
↑[٢] . النّحل/ ١٢٠
↑[٣] . انظر: تفسير يحيى بن سلام، ج١، ص٩٧؛ تفسير الطبري، ج١٤، ص٣٩٦؛ تفسير ابن أبي حاتم، ج٧، ص٢٣٠٦؛ تفسير عليّ بن إبراهيم القمي، ج١، ص٣٩٢؛ معاني القرآن للنحاس، ج٤، ص١١٨.
↑[٤] . النّحل/ ١٢٠
↑[٥] . تفسير العيّاشي، ج٢، ص٢٧٤؛ الكافي للكليني، ج٢، ص٢٤٣
↑[٦] . الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، ج٨، ص٤٥٠؛ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج١٣، ص٣٨٧
↑[٧] . رسائل الشريف المرتضى، ج١، ص٢٠٣
↑[٨] . السرائر لابن إدريس، ج١، ص٥١
↑[٩] . الغيبة للطوسي، ص٣٢٩
↑[١٠] . القصص/ ٦٦
↑[١١] . التّوبة/ ٣١
↑[١٢] . هود/ ٥٩
↑[١٣] . الفرقان/ ١٨