كاتب السؤال: موسى تاريخ السؤال: ١٤٤٤/١٠/٢٠

نظرًا لأنّ مكتب العلّامة المنصور الهاشمي الخراساني يقوم بتحقيق الأحاديث بدقّة خاصّة وتمحيص علميّ، نرجو منكم دراسة الحديث التالي من حيث الصحّة والدلالة:

قال الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام: «رجل من أهل قمّ يدعوا الناس إلى الحقّ، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلّهم الرياح العواصف، ولا يملّون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى اللّه يتوكّلون، والعاقبة للمتقين».

يعتقد بعض الشيعة أنّ هذا الحديث يشير إلى روح اللّه الخميني، الذي أسّس الجمهورية الإسلامية في إيران، وأنّ فيه تصديقه وتأييده.

الاجابة على السؤال: ٥ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤٤/١٠/٢٩

إنّما يعتقد هذا قليل من جهّال الشيعة وسفهائهم، ولو أضربت عن ذكرهم لكان أحسن، وأمّا إذا سألت فاعلم أنّ حديثهم هذا باطل لا أصل له؛ لأنّ مصدره كتاب «بحار الأنوار» لمحمّد باقر المجلسيّ (ت١١١١هـ)، وهو من المصادر المتأخّرة التي لا اعتبار بها، وقد نقله من كتاب «تاريخ قمّ» للحسن بن محمّد بن الحسن القمّي (ت‌القرن٤هـ)، وهو كتاب مفقود الأصل، ولا يوجد منه إلّا ترجمة فارسيّة كتبها رجل اسمه الحسن بن عليّ بن الحسن بن عبد الملك القمّي سنة ٨٦٥ للهجرة، كما أشار إلى ذلك المجلسيّ نفسه في مقدّمة «بحار الأنوار»، حيث قال: «لَمْ يَتَيَسَّرْ لَنَا أَصْلُ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا وَصَلَ إِلَيْنَا تَرْجَمَتُهُ»[١]، وهذا يعني أنّ الحديث الذي ذكره إنّما هو ترجمته العربيّة لترجمة فارسيّة لحديث مفقود، فلا يمكن التثبّت من صحّة الترجمة الفارسيّة له، فضلًا عن صحّة أصله؛ بالنظر إلى أنّ الغلط والحذف والزيادة في ترجمة الأحاديث أمر شائع، كما أنّ المجلسيّ نفسه قد وقع في ذلك؛ لأنّ الترجمة الفارسيّة في كتاب الحسن بن عليّ بن الحسن بن عبد الملك القمّي هي هكذا:

ديگر على بن عيسى حديث كند، از ايوب بن يحيى بن جندل، از ابو حسن اوّل عليه السّلام كه او فرمود كه خوانندهء مردم را با حقّ از اهل قم، حقّ عزّ و جلّ بر دست او طايفهء از مردم جمع كند، همچو پاره‌هاى آهن باشند و ياران او در آن وقت و در آن روز فرزندان مالك بن عامر باشند، دل‌هاى ايشان همچون پاره‌هاى آهن بود، بادهاى جهنده ايشان را بنلغزاند و از حرب و جنگ نكول نكنند و باز نه ايستند و بد دل نشوند و بر پروردگار خود توكّل نمايند ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.[٢]

هذا هو نصّ الترجمة الفارسيّة للحديث في كتاب الحسن بن عليّ بن الحسن بن عبد الملك القمّيّ، وقد ترجمه المجلسيّ هكذا: «وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْجَنْدَلِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ قُمَّ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَى الْحَقِّ، يَجْتَمِعُ مَعَهُ قَوْمٌ كَزُبَرِ الْحَدِيدِ، لَا تُزِلُّهُمُ الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ، وَلَا يَمِلُّونَ مِنَ الْحَرْبِ، وَلَا يَجْبُنُونَ، وَعَلَى اللَّهِ يَتَوَكَّلُونَ، ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[٣]». فترى أنّه قد حرّفه وأسقط منه هذه الفقرة المهمّة: «و ياران او در آن وقت و در آن روز فرزندان مالك بن عامر باشند»، أي «وَأَنْصَارُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ هُمْ أَبْنَاءُ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ»، ومثل هذا الإسقاط معدود في الخيانات؛ لأنّه يغيّر معنى الحديث، ويخفي أمارة وضعه، وذلك لأنّ الفقرة تدلّ بوضوح على أنّ شخصًا كالخمينيّ لا يمكن أن يكون مصداق الحديث؛ إذ لم يكن له أيّ علاقة بمالك بن عامر الأشعريّ ولا بأبنائه؛ كما تدلّ على أنّ الحديث موضوع على يد عليّ بن عيسى الأشعريّ أو بعض أذنابه؛ لأنّه كان من أبناء مالك بن عامر، وكان واليًا على قمّ، وكان له بمقتضى منصبه حروب مع أعدائه وأنصار من عشيرته[٤]، وقد مدحه المتملّقون بأشعار معروفة[٥]، فلا يبعد أن يكونوا قد وضعوا له حديثًا أيضًا؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّ سند الحديث لا يشتمل إلّا عليه وعلى «أيّوب بن يحيى بن الجندل»، وهو غير معروف في رجال الحديث، وغير مذكور في حديث آخر!

هذا ما ندري أنّ المجلسيّ قد أسقطه في ترجمة ترجمة الحديث، ولكن لا ندري ما الذي أسقطه الحسن بن عليّ بن الحسن بن عبد الملك القمّي في ترجمة الحديث! فيكفي أن يكون هو أيضًا قد أسقط شيئًا ليكون المعنى أبعد وأنكر!

إنّ هذه لمصيبة أن يكون في العلماء من لا يبالي بتحريف الحديث وإخفاء عيوبه، ولكنّ المصيبة العظمى أن يكون في الناس من يتّبع هؤلاء العلماء بغير نظر ولا مراجعة، ثمّ يتّخذ ما ألقوا إليه من الأكاذيب حجّة على أكذوبة أكبر، ﴿كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ[٦]، ولا ندري متى كان الخمينيّ «يَدْعُوا النَّاسَ إِلَى الْحَقِّ»، وقد كان يدعوهم إلى الولاية المطلقة للفقيه، وهي من أبطل الأباطيل، ولا ندري متى كان من الذين «لَا يَمِلُّونَ مِنَ الْحَرْبِ»، وقد ملّ منها في سنة ١٤٠٨ إذ قبل قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ٥٩٨ الذي دعا إلى وقف فوريّ للحرب بين إيران والعراق، ولم تكن له حرب غيرها!

من هنا يعلم مدى جهل محبّي النظام الإيرانيّ وسفاهتهم، إذ يكذبون على أهل البيت من أجل إضفاء الشرعيّة على رؤوسهم المنافقين، وقد كان أهل البيت يحذّرونهم من هذا، فيقولون لأحدهم: «لَا تَكْذِبْ عَلَيْنَا كَذِبَةً فَتُسْلَبَ الْحَنِيفِيَّةَ، ولَا تَطْلُبَنَّ أَنْ تَكُونَ رَأْسًا فَتَكُونَ ذَنَبًا، ولَا تَسْتَأْكِلِ النَّاسَ بِنَا فَتَفْتَقِرَ، فَإِنَّكَ مَوْقُوفٌ لَا مَحَالَةَ ومَسْئُولٌ، فَإِنْ صَدَقْتَ صَدَّقْنَاكَ، وإِنْ كَذَبْتَ كَذَّبْنَاكَ»[٧]، وما أوقعهم في ذلك إلّا تقليدهم الأعمى للشيوخ والخطباء الضالّين المضلّين، الذين سمّاهم اللّه تعالى «شياطين الإنس»، وقال فيهم: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا[٨]. فكيف إذا جمعهم اللّه ليوم لا ريب فيه، ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[٩]؛ «يَوْمَ يُنَادَوْنَ: أَيْنَ الْأَظْلَمُونَ؟! أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الشَّيْطَانَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا نَعْبُدُ اللَّهَ؟! أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ؟! فَيَجْتَمِعُونَ مِنْ شُقُوقِ الْقُبُورِ، وَقُلَلِ الْجِبَالِ، وَقُعُورِ الْبِحَارِ، وَبُطُونِ السِّبَاعِ، وَحَوَاصِلِ الطُّيُورِ، فَيَقُومُونَ، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ لِبَاسٍ، وَوُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ، فَيُسَاقُونَ إِلَى الْمَحْشَرِ كَقَطِيعِ الْمَاعِزِ، لِيُحَاسَبُوا حِسَابًا لَمْ يُحَاسَبْهُ أَحَدٌ! ثُمَّ يُسْلَكُونَ فِي السَّلَاسِلِ، وَيُقْذَفُونَ فِي سَقَرَ، وَهِيَ وَادٍ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ يُقْذَفُ فِيهَا الشَّيَاطِينُ، فَيُسْلَخُ فِيهَا جُلُودُهُمْ، كَمَا يُسْلَخُ جِلْدُ الدَّجَاجِ لِلشَّيِّ! ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَيْنَ أَعْوَانُ هَؤُلَاءِ؟! أَيْنَ الَّذِينَ صَدَّقُوهُمْ فِي كِذْبِهِمْ، وَاتَّبَعُوهُمْ؟! أَيْنَ مُحِبُّوهُمْ وَمُحِبُّو مُحِبِّيهِمْ؟! فَيَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ ثَقْبٍ كَأَمْثَالِ النَّمْلِ، وَلَهُمْ وُجُوهٌ قَبِيحَةٌ وَرِيحٌ مُنْتِنَةٌ، وَقَدْ بَلَغَتْ قُلُوبُهُمُ الْحَنَاجِرَ وَأَنْفُسُهُمُ الْحُلْقُومَ، فَيُسَاقُونَ إِلَى الْمَحْشَرِ، لِيُوَفَّوْا حِسَابَهُمْ؛ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ عُذْرٌ، وَلَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةٌ؛ حَتَّى إِذَا أَشْرَفُوا عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، وَسَمِعُوا شَهِيقَهَا الَّذِي كَأَنَّهُ صَوْتُ الْإِنْفِجَارِ، وَأَحَسُّوا لَهِيبَهَا الَّذِي كَأَنَّهُ حَرُّ الْقَمَائِنِ، بَكَوْا وَدَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا... فَيَلْحَقُونَ بِهِمْ بَيْنَ النَّارِ وَالدُّخَانِ، وَهُمْ سَاخِطُونَ عَلَيْهِمْ، فَيَلْعَنُونَهُمْ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ: أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا، إِذْ أَغْوَيْتُمُونَا وَقُلْتُمُ: اتَّبِعُونَا لِيَرْضَى اللَّهُ عَنْكُمْ! فَيُجِيبُونَهُمْ: أَأَكْرَهْنَاكُمْ؟! بَلِ اتَّبَعْتُمُونَا طَائِعِينَ، لِتَسْتَمْتِعُوا بِمَا لَدَيْنَا مِنَ الْمَالِ وَالْقُوَّةِ، وَكُنْتُمْ شُرَكَاءَنَا فِي الظُّلْمِ! فَتَشْتَعِلُ بَيْنَهُمُ النَّارُ، وَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ تَخَاصُمَهُمْ، فَيُؤَذِّنُ مُؤَذِّنٌ: أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْأَظْلَمِينَ؛ الَّذِينَ جَلَسُوا عَلَى كُرْسِيِّهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَحَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ، وَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى أَتْبَاعِهِمْ...»[١٠]، وذلك قول اللّه في كتابه: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ۝ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ[١١].

↑[١] . بحار الأنوار للمجلسي، ج١، ص٤٢
↑[٢] . تاريخ قم لحسن بن علىّ بن حسن بن عبد الملك القمّى [بالفارسيّة]، ص١٠٠
↑[٣] . بحار الأنوار للمجلسي، ج٥٧، ص٢١٦
↑[٤] . انظر: تاريخ الطبري، ج٨، ص٦٣٠؛ المستجاد من فعلات الأجواد للتنوخي، ص٤٥؛ رجال النجاشي، ص٣٧١؛ جمهرة أنساب العرب لابن حزم، ص٣٩٨؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج٥، ص٥٧١.
↑[٥] . على سبيل المثال، انظر: الكامل في اللغة والأدب للمبرّد، ج٢، ص١٦.
↑[٦] . النور/ ٤٠
↑[٧] . الكافي للكليني، ج٢، ص٣٣٨
↑[٨] . الأنعام/ ١١٢
↑[٩] . آل عمران/ ٢٥
↑[١٠] . فقرة من القول ١٤٢ من أقوال السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى
↑[١١] . البقرة/ ١٦٦-١٦٧