أخبرنا عدّة من أصحابنا أنّ السيّد المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى لمّا بلغته شدّة عداوة الناس له بجهلهم وتقليدهم رفع يديه بالدّعاء، فقال:

اللَّهُمَّ أَغِثْ عَبْدَكَ؛ فَإِنَّ أَعْدَاءَكَ قَدْ هَجَمُوا عَلَيْهِ كَذِئَابٍ، وَأَحَاطُوا بِهِ كَضِبَاعٍ، وَهُمْ يَتَسَابَقُونَ لِقَتْلِهِ، وَيَتَنَاحَرُونَ عَلَى أَكْلِهِ، وَلِعَابُهُمْ سَائِلٌ عَلَى الْأَرْضِ! عُيُونُهُمْ مُحْتَقِنَةٌ بِالدَّمِ مِنَ الْغَضَبِ، وَمَخَالِبُهُمْ ظَاهِرَةٌ كَخَنَاجِرَ مَسْلُولَةٍ! أَحْيَانًا يُهْرِعُونَ إِلَيْهِ، وَأَحْيَانًا يَثِبُونَ عَلَيْهِ، بِزَئِيرٍ مَمْدُودٍ يُرَدِّدُونَهُ، وَهُمْ جَائِعُونَ!

الْآنَ أَشْعِلْ مِشْعَلَكَ، وَأَدِرْ هِرَاوَتَكَ، وَأَرْعِبْهُمْ بِصَيْحَتِكَ، لِيَفِرُّوا كَهِرَرٍ، وَيَصْعَدُوا إِلَى كُلِّ مَصْعَدٍ؛ لِأَنَّهُمْ عَنْ شُهُودِكَ غَافِلُونَ، وَإِلَى كُلِّ ظُلْمٍ مَائِلُونَ! لَا يَزَالُونَ عِطَاشًا لِدَمِي، وَمُتَرَصِّدِينَ لِعَثْرَتِي! يُحْصُونَ عَلَيَّ كَلِمَاتِي، وَيَتَتَبَّعُونَ خُطَايَ! يَفْرَحُونَ بِوَقْعَتِي، وَيُقَهْقِهُونَ لِأَحْزَانِي! صُدُورُهُمْ سَخِينَةٌ بِبُغْضِي، وَقُلُوبُهُمْ مَلِيئَةٌ بِحِقْدِي! يَأْمُلُونَ أَنْ يَطْحَنُوا دِمَاغِي، وَيَرْجُونَ أَنْ يَأْكُلُوا كَبِدِي! مَعَ أَنِّي لَمْ أَظْلِمْهُمْ شَيْئًا، وَلَمْ أَسْلُبْهُمْ نَفْسًا وَلَا مَالًا، وَإِنَّمَا دَعَوْتُهُمْ إِلَى سَبِيلِكَ[١]، وَأَمَرْتُهُمْ بِنَصْرِ خَلِيفَتِكَ[٢]، لِتَغْفِرَ لَهُمْ بِرَحْمَتِكَ، وَتُدْخِلَهُمُ الْأَرْضَ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ، فَيَأْكُلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، ثُمَّ لَا يَجُوعُوا بَعْدَ أَنْ شَبِعُوا أَبَدًا!

فَهَلْ يَنْبَغِي لَهُمْ عَدَاوَتِي؟! أَمْ هَلْ يَجُوزُ لَهُمْ سَبِّي؟! وَأَنَا أَبُوهُمُ الرَّحِيمُ، وَأَخُوهُمُ الشَّفِيقُ، وَأَتَكَبَّدُ الْعَنَاءَ لِسَعَادَتِهِمْ، وَأُخَاطِرُ بِنَفْسِي لِنَجَاتِهِمْ، بِلَا أَجْرٍ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، أَوْ سَوْطٍ يُنَفِّرُهُمْ، حَتَّى يَجِدُوا الْهُدَى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَالْمَخْرَجَ مِنَ الْمَأْزِقِ، حِينَ تَهُبُّ عَلَيْهِمْ عَاصِفَةُ الْفِتْنَةِ، وَتَرْعُدُ لَهُمْ صَاعِقَةُ الْهَرْجِ، وَيَمْطُرُ عَلَيْهِمْ بَرَدُ الظُّلْمِ، وَلَا يَجِدُونَ مَلْجَأً!

ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال:

أَنَا شَمْعُكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ، فَادْنُوا مِنِّي لِتَسْتَضِيئُوا، وَلَا تَبْتَعِدُوا عَنِّي، فَتُتْرَكُوا فِي الظُّلُمَاتِ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.

↑[١] . يريد العودة إلى الإسلام الأوّل الذي كان عليه النبيّ وأهل بيته وأصحابه المخلصون. راجع: كتاب «العودة إلى الإسلام».
↑[٢] . يريد الإمام المهديّ عليه السلام. راجع: كتاب «هندسة العدل».