كاتب السؤال: أخي تاريخ السؤال: ١٤٣٨/٨/٦

يقال أنّ المهديّ إذا جاء ذبح الرّجال وبقر بطون النساء حتّى يبلغ الدّم الرّكب! هل هذا القول صحيح؟

الاجابة على السؤال: ١٢ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٨/٨/١٢

هذا ظنّ سيّء لا أساس له، بل هو بهتان عظيم؛ لأنّ الأخبار الواردة عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته وأصحابه بالتواتر، كلّها تدلّ على أنّ المهديّ ليس جبّارًا عصيًّا، بل هو إمام عادل من عترة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يصلح الأرض ويطفئ نيران الظلم والفساد. المهديّ خليفة اللّه وخليفة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولذلك يعمل بكتاب اللّه وسنّة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولا يخالفهما في شيء، وهذا يعني أنّه لا يقتل النفس التي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، ولا يسرف في القتل، ولا يقتل النساء والصبيان، ولا يهلك الحرث والنسل؛ لأنّ ذلك غير جائز في كتاب اللّه وسنّة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ كما قال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا[١]، وقال: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا[٢]، وقال: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى[٣]، وقال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ۝ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ[٤]، وروي «أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ»[٥]، وروي أنّه كان إذا بعث سريّة يقول لهم: «لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً»[٦]، ولذلك لا يمكن أن تصدر هذه الجرائم الفظيعة ممّن استخلفه اللّه واستخلفه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، علمًا بصفاته الجميلة ورحمة للعالمين. إنّما تصدر هذه الجرائم الفظيعة من الذين يستخلفهم النّاس بأهوائهم، تحت عنوان بيعة أهل الحلّ والعقد، أو وصيّة الحاكم السابق، أو غيرها من الطرق المحدثة التي ابتدعوها، تقليدًا لبعض الحكّام الأوّلين؛ كما صدرت بالأمس من أمثال يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان من خلفاء بني أميّة وبني عبّاس، وتصدر اليوم من خلفاء داعش، ولعلّ هذا التصوّر الخاطئ أنّ المهديّ إذا جاء ذبح الرّجال وبقر بطون النساء حتّى يبلغ الدّم الرّكب، قد حصل من هذه التجارب التاريخيّة، وليس ذلك بغريب؛ فقد حصل مثله للملائكة إذ قال اللّه لهم: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ[٧]، وروي أنّهم قالوا ذلك لما جرّبوا من إفساد أهل الأرض فيها وسفكهم للدّماء؛ فقد كان فيها أمم من الجنّ والنّسناس، وهم كذلك كانوا يعملون[٨]، فلم يعلم الملائكة أنّ خليفة اللّه لا يكون كخليفة الجنّ والنّسناس؛ لأنّ اللّه يستخلف بعلمه، وهم يستخلفون بجهلهم، ولا يستويان، ولذلك قال اللّه للملائكة: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ[٩]، يعني أنّه يعلم من يكون أهل الخلافة، وهم لا يعلمون، ثمّ علّم آدم أسماء خلفائه في الأرض كلّها، ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ۝ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۝ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ[١٠]؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، مَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَسْمَاءُ؟ فَقَالَ: كَانَتْ أَسْمَاءَ خُلَفَاءِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ، فَعَلَّمَ آدَمَ أَسْمَاءَ خُلَفَائِهِ فِي الْأَرْضِ كُلَّهَا، لِيُنْبِأَ الْمَلَائِكَةَ، فَيَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ خَلِيفَةً، وَلَكِنْ يَجْعَلُ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، ﴿فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ، وَكَانَ الْمَهْدِيُّ وَاللَّهِ مِنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ.[١١]

فمن زعم أنّ المهديّ إذا جاء ذبح الرّجال وبقر بطون النساء حتّى يبلغ الدّم الرّكب، فقد وقع في الخطأ الذي وقع فيه الملائكة، وقولنا له ما قال اللّه للملائكة، وهو أنّ اللّه يعلم ما لا تعلمون، ولذلك يستخلف غير الذي تستخلفون؛ فإنّكم تستخلفون من يذبح الرّجال ويبقر بطون النساء حتّى يبلغ الدّم الرّكب، وهو يستخلف من لا يهرق قطرة من الدّم بغير حقّ، ولا يظلم نملة صغيرة فما فوقها، ولا يخالف كتاب اللّه وسنّة نبيّه في شيء، ولا يتّبع الهوى. نعم، إنّه يجاهد في سبيل اللّه حقّ جهاده، ويشدّ على الكفّار والمنافقين، ويجازي كلّ ظالم بالعدل، ولا يضيّع حدًّا من حدود اللّه، لكنّه بالمؤمنين رؤوف رحيم، وللمستضعفين وليّ نصير، وللمظلومين مغيث قريب؛ على مثال ذي القرنين، إذ مكّن اللّه له في الأرض، فقال له: ﴿يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ۝ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ۝ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا[١٢]، ولذلك قال السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى في خطبة له:

أَلَا يَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ الْجَاهِلَةُ! مَاذَا تَطْلُبِينَ؟! وَمَنْ ذَا تَتَّبِعِينَ؟! إِمَامُكِ الْمَهْدِيُّ. رَاحَةُ لَيَالِيكِ وَبَهْجَةُ أَيَّامِكِ الْمَهْدِيُّ. فَرْحَتُكِ الدَّائِمَةُ وَحَلَاوَةُ حَيَاتِكِ الْمَهْدِيُّ. صَلَاحُ دُنْيَاكِ وَفَلَاحُ آخِرَتِكِ الْمَهْدِيُّ. فَمَا يَمْنَعُكِ مِنْهُ؟! أَمَّنْ يُغْنِيكِ عَنْهُ؟![١٣]

وقال في خطبة أخرى:

إِنَّهُ يُقِيمُ بَيْنَهُمْ أَحْكَامَ اللَّهِ، وَيُدْخِلُ الْعَدْلَ الْكَامِلَ فِي حُجْرَةِ بُيُوتِهِمْ وَحَظِيرَةِ أَنْعَامِهِمْ، بَلْ يُوصِلُهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الْمَوْعُودَةِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا اللَّبَنُ وَالْعَسَلُ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ الْمَسْحُوقُ، وَحَصَاهَا الْمَاسُ وَاللُّؤْلُؤُ. وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَتْرُكُونَ الْمَهْدِيَّ لِيَنْضَمُّوا إِلَى الضَّالِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ الظُّلُمَاتِ عَلَى النُّورِ، وَالْعَمَى عَلَى الْبَصِيرَةِ، وَالْجَهْلَ عَلَى الْعِلْمِ، كَالَّذِينَ شَرَوْا يُوسُفَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ... إِنَّهُمْ تَجَاهَلُوا دَاعِيَ اللَّهِ، وَأَجَابُوا دُعَاةَ إِبْلِيسَ، وَبِفِعْلِهِمْ هَذَا نَقَضُوا نَامُوسَ الْعَالَمِ، وَأَفْسَدُوا نِظَامَ الطَّبِيعَةِ. فَصَارَتْ عُقُوبَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا اسْتِيلَاءُ الْجَبَّارِينَ عَلَيْهِمْ، لِيَذْبَحُوا رِجَالَهُمْ وَيَقْتَرِعُوا عَلَى نِسَائِهِمْ، وَفِي الْآخِرَةِ نَارٌ حَامِيَةٌ، تُذِيبُ الْحِجَارَةَ وَتَأْخُذُ الْعُصَارَةَ.[١٤]

↑[١] . الإسراء/ ٣٣
↑[٢] . المائدة/ ٣٢
↑[٣] . الأنعام/ ١٦٤
↑[٤] . البقرة/ ٢٠٤-٢٠٥
↑[٥] . عوالي الليث بن سعد، ص٧٢؛ موطأ مالك (رواية يحيى)، ج٢، ص٤٤٧؛ مسند أحمد، ج٨، ص٣٦٨؛ صحيح البخاري، ج٤، ص٦١؛ صحيح مسلم، ج٥، ص١٤٤؛ سنن أبي داود، ج٣، ص٥٣؛ سنن الترمذي، ج٤، ص١٣٦؛ السنن الكبرى للنسائي، ج٨، ص٢٤
↑[٦] . انظر: مغازي الواقدي، ج٣، ص١١١٧؛ مصنف عبد الرزاق، ج٤، ص٤٠٧؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٦، ص٤٨٣؛ تاريخ المدينة لابن شبة، ج٢، ص٤٦٢؛ سنن أبي داود، ج٣، ص٣٧؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٩، ص١٥٣.
↑[٧] . البقرة/ ٣٠
↑[٨] . انظر: الباب الأوّل من دروس السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى، الدرس ١٢١.
↑[٩] . البقرة/ ٣٠
↑[١٠] . البقرة/ ٣١-٣٣
↑[١١] . القول ١٢٥، الفقرة ٢
↑[١٢] . الكهف/ ٨٦-٨٨