كاتب الشبهة: يعقوب تاريخ الشبهة: ١٤٣٧/٥/٢٥

إنّكم تدعون الناس إلى المهديّ، مع أنّهم لا يشعرون بالحاجة إلى المهديّ، ويعتقد فريق منهم أنّ الدّنيا ستصلح إن صلح النّاس من الناحية العلميّة والثقافيّة، بغير أن يكون هناك حاجة إلى المهديّ، ويستشهدون على ذلك بوضع الدّول المتقدّمة مثل اليابان والدّول الأوروبيّة؛ لأنّ هذه الدّول قد تقدّمت إلى هذه الدرجة ولم يكن لها مهديّ. المشاكل موجودة فقطّ في الشرق الأوسط ودول العالم الثالث المتخلّفة علميًّا وثقافيًّا، وهذا يدلّ على أنّ المشاكل قد تسبّبت عن علّة أخرى، ولا صلة لها بعدم ظهور المهديّ.

الاجابة على الشبهة: ١ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٧/٥/٢٥

هذه شبهة قوم لم يعرفوا معنى التقدّم، ولا وضع الدّول التي يحسبونها متقدّمة؛ لأنّه لا التقدّم يعني مجرّد الرفاهية في الحياة الدّنيا، ولا هذه الدّول خالية من المشاكل! لمعرفة ذلك، يجب الإنتباه إلى النكات التالية:

أوّلًا من كان مؤمنًا باللّه واليوم الآخر يعلم أنّ الإنسان لم يُخلق ليتمتّع ويأكل كما تأكل الأنعام، بل خُلق لينال الكمال الذي جعل اللّه له ممكنًا في البُعدين المادّيّ والرّوحيّ معًا، وذلك هو التقدّم الذي يناسب الإنسان. كم من إنسان غنيّ مترف يتمتّع بأنواع المرافق، وليس له نصيب من المعرفة والأخلاق، وكم من إنسان فقير مستضعف يعاني من الجوع والبرد، وله حظّ وافر من المعرفة والأخلاق! من الواضح أنّه لا يمكن اعتبار الأوّل متقدّمًا والثاني متأخّرًا على الإطلاق؛ لأنّه إن كان الأوّل متقدّمًا في بعد، فهو متأخّر في البعد الآخر، وإن كان الثاني متأخّرًا في بعد، فهو متقدّم في البعد الآخر، وتقدّم الثاني خير من تقدّم الأوّل، وتأخّر الأوّل شرّ من تأخّر الثاني، على عكس تصوّر الجهّال. بعبارة أخرى، إنّ النّاس لم يُخلقوا لمجرّد الأكل والشرب والجماع، حتّى يكون أكثرهم تقدّمًا أكثرهم أكلًا وشربًا وجماعًا، بل خُلقوا لينالوا كمالًا شاملًا في كلّ بعد من أبعاد الحياة، وذلك هو «العدل» الذي لا يوجد في هذه الدّول المتقدّمة مادّيًّا؛ لأنّها إن تقدّمت في البعد المادّيّ، فقد تأخّرت في البعد الرّوحيّ، حتّى صارت مراكز الكفر والفسوق، وكفى بذلك تأخّرًا؛ كما أنّه لا يوجد في الدّول المستضعفة أيضًا؛ لأنّها إن تقدّمت في البعد الرّوحيّ نسبيًّا، فقد تأخّرت في البعد المادّيّ، حتّى صارت دار العذاب لأهلها، وهذا يعني اشتراك الدّول كلّها في الإحتياج إلى مصلح يصلحها.

ثانيًا من كان عنده خبر من التاريخ والسياسة يعلم أنّ تقدّم الدّول المتقدّمة في البعد المادّيّ، قد استمدّ من ظلمهم ونهبهم للبلاد المستضعفة طوال القرنين الأخيرين، ومن الواضح أنّ التقدّم الذي يعتمد على الظلم والنهب لا يعتبر تقدّمًا حقيقيًّا؛ كما بيّن ذلك السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام» أحسن تبيين، فقال:

لا شكّ أنّ قوّة الكافرين في القرون الأخيرة، من ناحية، أصبحت ممكنة من خلال استغلال الضّعفاء ونهب بلادهم، ومن ناحية أخرى، تكوّنت على أساس المادّيّة وعزل الدّين عن الدّنيا، ولذلك بالرّغم من أنّها عزّزتهم مادّيًّا، إلّا أنّها أضعفتهم روحيًّا؛ لدرجة أنّ أكثرهم فقدوا سلامتهم الفرديّة والعائليّة والإجتماعيّة، وهدموا أسس الأخلاق والبنى التحتيّة للثّقافة، ولم يتركوا مجالًا للتطوّر الإنسانيّ من الناحية الفكريّة والأدبيّة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّهم بقدر ما أصبحوا متكبّرين ومعجبين بأنفسهم بسبب قوّتهم الإستئثاريّة وأحاديّة البعد، فقد أصبحوا ممقوتين بشكل متزايد عند شعوب العالم المظلومة والمستضعفة، وبثّوا بذور العداوة والبغضاء في المناطق المحرومة، خاصّة إفريقيا والشّرق الأوسط. من الواضح أنّ هذا الوضع، بالرّغم من أنّه على المدى القصير يخلق فوائد محدودة لبعض الأفراد، إلّا أنّه على المدى الطويل سوف يتسبّب في خسائر غير محدودة للمجتمع العالميّ، بما في ذلك هؤلاء الأفراد؛ لدرجة أنّه في تقدير عامّ، لا يمكن اعتباره مفيدًا لأيّ فرد؛ كما يمكن ملاحظة أنّ قوّتهم المادّيّة لم تقلّل من مشاكلهم في الجملة، بل زادتها في مختلف المجالات، وخلقت لهم مخاطر جديدة وأكبر؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ۚ إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ[١]... بناء على هذا، فإنّ الإفتتان بقوّتهم من الناحية المادّيّة، ليس وجيهًا ولا عقلانيًّا؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى[٢]، وقال: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ۝ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ[٣].[٤]

وقال في موضع آخر:

من المشهود أنّ أكثر الكافرين، خاصّة في البلاد الغربيّة، بسبب بقائهم بعيدين عن مراكز الحضارة، هم من الناحية الثقافيّة في حالة قريبة من الوحشيّة، ولم ينموا من الناحية الإنسانيّة بما فيه الكفاية، ولذلك فإنّهم محتاجون إلى التعلّم والتأدّب على المسلمين. كما أنّهم من قبل، على هامش الحروب الصّليبيّة التسعة، بعد أن ندموا على محاولتهم الحمقاء لحرق مكتبات المسلمين، تلقّوا منهم علومهم التجريبيّة والرياضيّة، وحملوها إلى بلادهم المظلمة والخربة، وجعلوها أساسًا لتنمية أوروبا الصّناعيّة، لكنّهم لم يكونوا أذكياء بما يكفي لأن يتلقّوا من المسلمين علومهم الإنسانيّة أيضًا، ولهذا السّبب لم تتقدّم ثقافتهم بما يتناسب مع اقتصادهم، وبقيت على نفس المستوى المنخفض والإبتدائيّ؛ لدرجة أنّ الثّقافة التي تحكم عالم الكفر اليوم، خاصّة في أوروبا وأمريكا الشماليّة، هي خير مثال على بربريّة جديدة تكوّنت على أساس الغرائز الحيوانيّة الجامحة وفي الصّراع مع القواعد الفطريّة والإنسانيّة، ويمكن مقارنتها مع الثّقافة البرّيّة لبعض القبائل البدائيّة. الركيزة الأساسيّة لهذه الثّقافة، إن أمكن تسميتها بالثّقافة، هي التلذّذيّة والإباحيّة التي تكوّنت من اندماج الأرستقراطيّة الرّوميّة والإنسانيّة اليونانيّة، وهي في تناقض صارخ مع الرّوحانيّة الشّرقيّة والعقلانيّة الإسلاميّة. لذلك، من الغريب والمؤسف جدًّا أنّ بعض المسلمين، بخيبة أمل من ثقافتهم السّماويّة التي لديها كلّ الوسائل اللازمة لتطوّرهم، قد أقبلوا على اتّباع حفنة من الأوباش، الذين -على سبيل المثال- يعتبرون ترك العفّة حقًّا وترك الغيرة تكليفًا، ولا فخر لهم سوى الشرب والرّقص والعري، وبينما يتجاهلون حقوق الجياع والمشرّدين، يدافعون عن حقوق المومسات والمثليّين؛ مع أنّه بحسب القاعدة ينبغي لأمثال هؤلاء الهمجيّين أن يخضعوا للتعليم والتربية من قبل المسلمين، حتّى يتخلّصوا من حالة الحيوانيّة ويتلقّوا آداب الحياة الإنسانيّة![٥]

ثالثًا إنّ تقدّم بعض الدّول في البعد المادّيّ، بينما يعاني أكثر الدّول حولها من الفقر والمسكنة، ليس تقدّمًا حقيقيًّا، بل هو غاية التأخّر؛ كرجل غنيّ مترف يتمتّع بأنواع المرافق، وله جيران يموتون جوعًا! من الواضح أنّ العقلاء لا يمدحون مثل هذا الرّجل، ولا يعتبرونه غنيًّا عمّن ينصحه ويصلحه، بل يذمّونه أشدّ ذمّ، ويعتبرونه أحوج من جيرانه إلى مصلح ناصح! التقدّم الحقيقيّ هو التقدّم الذي يعمّ النّاس جميعًا، وكلّهم يستطيعون الإستفادة منه بغير تمييز، وذلك التقدّم الذي يحقّقه المهديّ.

رابعًا إنّ تأخّر الدّول المستضعفة ليس مشكلة هذه الدّول فقطّ؛ لأنّه يؤثّر على الدّول المتقدّمة مادّيًّا بشكل مباشر أو غير مباشر، ويخلق لها مشاكل كثيرة لا محالة؛ نظرًا لأنّ انفصال الدّول عن بعضها البعض ليس انفصالًا حقيقيًّا كاملًا، بل هو انفصال اعتباريّ ناقص لا يمنعها من التأثير على بعضها البعض والتأثّر ببعضها البعض، وهذا يعني أنّ الدّول المتقدّمة مادّيًّا لن تنال التقدّم الذي تأملها ما دامت حولها دول مستضعفة؛ كما بيّن ذلك السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في كتاب «هندسة العدل»، فقال:

العدل الحقيقيّ هو عالميّ أساسًا وبالضرورة؛ بمعنى أنّه لا يمكن أن يكون في جزء من العالم دون أجزائه الأخرى؛ لأنّ تجزئة العالم، من ناحية، هي اعتباريّة، والذي له حقيقة هو النظام الواحد العالميّ، ومن ناحية أخرى، ليس أيّ جزء ممّا يقال له أجزاء العالم منفصلًا عن أجزائه الأخرى، بل هي مترابطة ومتماسكة في نظام واحد من التأثير والتأثّر. لذلك، فإنّ العدل الحقيقيّ هو العدل المطلق العالميّ.[٦]

هذه النكات المهمّة لا تترك مجالًا للشكّ في أنّ النّاس كلّهم محتاجون إلى مصلح يصلح أمورهم، وهو المهديّ الذي وعدهم اللّه على لسان أنبيائه[٧].

↑[١] . الأنفال/ ٥٩
↑[٢] . طه/ ١٣١
↑[٣] . آل عمران/ ١٩٦