١ . أَخْبَرَنَا ذَاكِرُ بْنُ مَعْرُوفٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّكَ مُشْرِكٌ! قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَمَا شِرْكِي؟! قُلْتُ: قَوْلُكَ أَنَّ الْمُلْكَ بِيَدِ اللَّهِ، وَلَيْسَ بِأَيْدِي النَّاسِ! فَضَحِكَ تَعَجُّبًا مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَالَ: أَفَمَنْ يَجْعَلُ الْأَمْرَ لِلَّهِ وَحْدَهُ مُشْرِكٌ، وَمَنْ يَجْعَلُهُ لِلَّذِينَ مِنْ دُونِهِ مُوَحِّدٌ؟! ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾[١]! قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّكَ رَافِضِيٌّ! قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَمَا رَفْضِي؟! قُلْتُ: تَقْدِيمُكَ أَهْلَ الْبَيْتِ! فَضَحِكَ تَعَجُّبًا مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنَ الرَّفْضِ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا الرَّفْضُ تَكْفِيرُ الشَّيْخَيْنِ أَوْ سَبُّهُمَا! فَدَخَلَ الْغُرْفَةَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِيَدِهِ إِنَاءٌ، فَوَضَعَهُ مَنْكُوسًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِ الْمَنْصُورُ وَقَالَ: إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ نَكَّسَ عُقُولَهُمْ كَمَا نَكَّسَ هَذَا إِنَاءَهُ فَمَا ذَنْبِي؟!
٢ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: سَأَلَ الْمَنْصُورَ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِهِ فِي الْخِلَافَةِ، فَقَالَ: إِنَّا نَقُولُ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ كَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّافِضَةِ إِذَنْ؟ قَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَنَّهُمْ يُسِيئُونَ الْقَوْلَ فِي الصَّحَابَةِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ فِيهِمْ إِلَّا خَيْرًا، قَالَ الرَّجُلُ: فَهَلْ هَذِهِ إِلَّا أَخَفُّ الْبِدْعَتَيْنِ؟! قَالَ: بِدْعَةُ الرَّافِضَةِ أَخَفُّ مِنْ بِدْعَتِكُمْ، وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ!
٣ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: عَجَبًا لِأَقْوَامٍ يُرَفِّضُونَ كُلَّ مَنْ قَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ أَحَقُّ! أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَدْنَى عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ، فَأَجْلَسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَجْلَسَ حَسَنًا وَحُسَيْنًا عَلَى فَخِذَيْهِ، ثُمَّ لَفَّ عَلَيْهِمْ ثَوْبَهُ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[٢]، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، وَأَهْلُ بَيْتِي أَحَقُّ»[٣]؟! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَنِ الرَّافِضَةُ إِذَنْ؟ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يَغْلُونَ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ، فَيَقُولُونَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، وَيَتَصَرَّفُونَ فِي الْخَلْقِ وَالرَّزْقِ مَتَى شَاؤُوا، وَيَفْضُلُونَ عَلَى أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَقَدْ أُسْقِطَ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرٌ مِمَّا نَزَلَ فِيهِمْ، ثُمَّ يُكَفِّرُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَيَقُولُونَ أَنَّهُمَا كَفَرَا بَعْدَ إِسْلَامِهِمَا، بَلْ كَانَا مُنَافِقَيْنِ مُنْذُ أَوَّلِ يَوْمٍ، وَأَنَّهُمَا ضَرَبَا فَاطِمَةَ وَقَتَلَاهَا، فَيَلْعَنُونَهُمَا وَيَشْتُمُونَهُمَا، ثُمَّ يَنَالُونَ مِنْ عُثْمَانَ، فَيَقُولُونَ أَنَّهُ حَرَّفَ الْقُرْآنَ، وَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَيَلْعَنُونَهُ وَيَشْتُمُونَهُ، ثُمَّ يَرْمُونَ زَوْجَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُونَ فِيهَا مَا لَوْ قَالَهُ أَحَدٌ فِي أَزْوَاجِهِمْ لَشَدَخُوا رَأْسَهُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ يَقَعُونَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَيَقُولُونَ أَنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَنْ إِسْلَامِهِمْ إِلَّا ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً، وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنْهُمْ، ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾[٤]، قُلْتُ: مَتَى قِيلَ لَهُمُ الرَّافِضَةُ؟ قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ يُفَضِّلُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى سَائِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَقُولُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا خَيْرًا، كَسَبِيلِ آبَائِهِ، فَلَمَّا ظَهَرَ بِالْكُوفَةِ فِي أَصَحَابِهِ الَّذِينَ بَايَعُوهُ، سَمِعَ مِنْ بَعْضِهِمُ الطَّعْنَ عَلَيْهِمَا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَكَفُّوا عَنْ نُصْرَتِهِ وَقَالُوا: لَا نَنْصُرُكَ حَتَّى تُخْبِرَنَا بِرَأْيِكَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اللَّذَيْنِ ظَلَمَا جَدَّكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ! فَقَالَ زَيْدٌ: لَا أَقُولُ فِيهِمَا إِلَّا خَيْرًا، وَمَا سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِيهِمَا إِلَّا خَيْرًا، فَرَفَضُوهُ، فَحِينَئِذٍ قِيلَ لَهُمُ الرَّافِضَةُ[٥]، وَهُمْ يَرْفِضُونَنِي الْيَوْمَ كَمَا رَفَضُوهُ بِالْأَمْسِ، فَقَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.
٤ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْقَيُّومِ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: قَبَّحَ اللَّهُ الرَّوَافِضَ! فَلَوْلَا هُمْ لَمْ يَتَخَلَّفِ النَّاسُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ بَعْدَ إِذْ دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِمْ، لَكِنَّهُمْ نَفَّرُوهُمْ وَفَتَّنُوهُمْ، حَتَّى أَصْبَحْنَا أَضَلَّ عِنْدَهُمْ وَأَبْغَضَ إِلَيْهِمْ مِمَّنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَبَّارِينَ وَالْمُفْسِدِينَ! قُلْتُ: وَمَنِ الرَّوَافِضُ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَلْعَنُونَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ أَوْ يَسُبُّونَهُمْ سَبًّا، وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ، أَلَا وَاللَّهِ لَيْسُوا مِنَّا وَلَسْنَا مِنْهُمْ، وَهُمْ أَشَدُّ مَؤُونَةً عَلَيْنَا مِنَ الْكُفَّارِ وَالنَّوَاصِبِ.
٥ . أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ عُبَيْدٍ الْخُجَنْدِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّهُمْ يَنْسِبُونَكَ إِلَى الرَّفْضِ، لِأَنَّكَ تُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: ذَرِ النَّوْكَى الَّذِينَ يُشْبِهُونَ الْمَجَانِينَ! أَلَمْ يَنْسِبُوا الشَّافِعِيَّ إِلَى الرَّفْضِ حَتَّى قَالَ: «قِفْ بِالْمُحَصَّبِ مِنْ مِنًى فَاهْتِفْ بِهَا ... وَاهْتِفْ بِقَاعِدِ خِيفِهَا وَالنَّاهِضِ ... إِنْ كَانَ رَفْضًا حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ ... فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلَانِ أَنِّي رَافِضِي»[٦]؟!
٦ . أَخْبَرَنَا وَلِيدُ بْنُ مَحْمُودٍ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنِّي رَافِضِيٌّ فَهُوَ نَاصِبِيٌّ، وَمَنْ زَعَمَ أَنِّي نَاصِبِيٌّ فَهُوَ رَافِضِيٌّ، وَمَنْ زَعَمَ أَنِّي مُشْرِكٌ فَهُوَ مِنَ الْإِسْلَامِ بَرِيءٌ.
٧ . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَارِئِ الْقَنْدَهَارِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[٧]، فَقَالَ: يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَنْ يَشَاءُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ لِيَخْتَارُوا نَبِيًّا أَوْ مَلِكًا، فَمَنِ اخْتَارَ نَبِيًّا أَوْ مَلِكًا مِنْ دُونِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ، قُلْتُ: مَا سَمِعْنَا فِي الْمَلِكِ شَيْئًا! قَالَ: وَيْحَكُمْ، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾[٨]؟! قُلْتُ: بَلَى، وَلَكِنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: إِنَّهُ كَانَ مِنْ سُنَنِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ إِلَّا ﴿لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾[٩]، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَرْكَبُونَ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ»[١٠]؟! قُلْتُ: وَمَا الْمَلِكُ؟ قَالَ: الْخَلِيفَةُ، قُلْتُ: وَهَلِ اخْتَارَ اللَّهُ خَلِيفَةً بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا اخْتَارَ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِهِ، أَلَمْ يَقُلْ: ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾[١١]؟ قُلْتُ: وَبِمَا دَلَّ عَلَيْهِ؟ قَالَ: بِوَصِيَّةٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: كَانَتْ ظَاهِرَةً أَمْ بَاطِنَةً؟ قَالَ: كَانَتْ ظَاهِرَةً، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْقَوْمِ لَمْ يَفْقَهُوهَا، قُلْتُ: كَيْفَ لَمْ يَفْقَهُوهَا وَكَانَ فِيهِمُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ؟! قَالَ: وَمَا تُنْكِرُ مِنْ ذَلِكَ؟! أَلَمْ يَكُونُوا الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾[١٢]؟! قُلْتُ: أَرَوَوْهَا أَمْ كَتَمُوهَا؟ قَالَ: بَلْ رَوَوْهَا، قُلْتُ: فَمَا بَالُ الَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ لَمْ يَفْقَهُوهَا؟! وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ وَلَا فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ»[١٣]! قَالَ: كَانُوا يَهْتَمُّونَ بِالرِّوَايَةِ، وَلَا يَهْتَمُّونَ بِالدِّرَايَةِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾[١٤]، إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمُ اتُّهِمُوا بِالْبِدْعَةِ، قُلْتُ: وَمَنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ؟ قَالَ: لَا تَسْأَلْ عَنْ هَذَا، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾[١٥]، ﴿قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ﴾[١٦]! قُلْتُ: إِنَّمَا أَطْلُبُ الْعِلْمَ، وَلَا أَتَعَصَّبُ لِمَذْهَبٍ! قَالَ: كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، أَلَمْ يَبْلُغْكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ وَأَهْلَ بَيْتِي»[١٧]؟! قُلْتُ: كَأَنَّكَ تُرِيدُ عَلِيًّا! قَالَ: وَمَا تُنْكِرُ مِنْ ذَلِكَ؟! إِنَّ دَاوُدَ قَتَلَ جَالُوتَ، فَـ﴿آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾[١٨]، وَإِنَّ عَلِيًّا قَتَلَ جَوَالِيتَ، مِنْهُمْ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ حَامِلُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ فَارِسُ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَمَرْحَبٌ بَطَلُ الْيَهُودِ يَوْمَ خَيْبَرَ! فَمَاذَا تَرَى أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ بِهِ؟! قُلْتُ: لَا أُنْكِرُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّ هَذَا طَعْنٌ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ! قَالَ: دَعْهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَتَّخِذُونَهُمَا إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْ نَبِيَّيْنِ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَإِنِّي لَا أَقُولُ فِيهِمَا إِلَّا خَيْرًا، قُلْتُ: فَلَمَّا مَضَى عَلِيٌّ فَهَلِ اخْتَارَ اللَّهُ خَلِيفَةً مِنْ بَعْدِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ خَلِيفَةٍ اخْتَارَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: وَبِمَا دَلَّ عَلَيْهِ؟ قَالَ: بِوَصِيَّةٍ مِنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ أَوْصَى إِلَى الْحَسَنِ، قُلْتُ: وَهَكَذَا أَبَدًا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[١٩]، قُلْتُ: فَمَنِ الْخَلِيفَةُ الْيَوْمَ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، فَبِهِمْ فَتَحَ اللَّهُ وَبِهِمْ يَخْتِمُ، قُلْتُ: تُرِيدُ الْمَهْدِيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ! قَالَ: وَمَا عِلْمُهُمْ بِذَلِكَ؟! ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾[٢٠]؟! قُلْتُ: فَتَقُولُ أَنَّهُ وُلِدَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ إِذَنْ؟! قَالَ: وَيْحَكَ، لَيْسَ الْمُثْبِتُ كَالنَّافِي، وَلَا الْعَالِمُ كَالْجَاهِلِ، قُلْتُ: فَمَا لَهُ لَا يَظْهَرُ؟! قَالَ: لَئِنْ ظَهَرَ قَبْلَ أَنْ يُنَادَى بِاسْمِهِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ فَلَيْسَ بِمَهْدِيٍّ! فَتَدَبَّرْتُ قَوْلَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَمْ تَقُلْ شَيْئًا إِلَّا بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، لَكِنَّهُ عِنْدَهُمْ رَفْضٌ! فَقَالَ: لَا أُبَالِي مَا هُوَ عِنْدَهُمْ بَعْدَ أَنْ قُلْتُهُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ! فَإِنْ شَاؤُوا سَمَّوهُ رَفْضًا، وَإِنْ شَاؤُوا سَمَّوهُ كُفْرًا! فَإِنَّهُ الْإِيمَانُ!
٨ . أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْجُوزَجَانِيُّ، قَالَ: دَخَلَ عَلَى الْمَنْصُورِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ لِيُنَاظِرُوهُ فِي الْخِلَافَةِ، فَنَاظَرَهُمْ فِيهَا، وَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُمْ: أَلَا تَتَّقُونَ؟! أَلَا تَتُوبُونَ؟! فَقَدْ قَالَ اللَّهُ لَكُمْ: قُولُوا: ﴿اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾[٢١]، فَخَالَفْتُمُوهُ وَقُلْتُمْ: نَحْنُ مَالِكُو الْمُلْكِ، نُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ نَشَاءُ وَنَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ نَشَاءُ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ بَدَّلُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ[٢٢]! فَوَجَدَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟! تَنْظُرُونَ إِلَيَّ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ! أَلَا تَفْقَهُونَ قَوْلِي؟! قَالُوا: لَا، قَالَ: كَذَلِكَ كَانَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، لَمْ يَفْقَهُوا قَوْلَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، حَتَّى تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ! قَالُوا: نَرَاكَ تَطْعَنُ فِي الصَّحَابَةِ كَمَا يَطْعَنُ الرَّافِضَةُ! قَالَ: وَيْحَكُمْ، لَوْ أَنَّ مَا أَقُولُ طَعْنٌ فِي الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ مَا تَقُولُونَ طَعْنٌ فِيهِمْ كَمَا أَقُولُ! قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟! قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا فَرِيقَيْنِ: فَرِيقًا يَقُولُونَ مَا أَقُولُ، وَفَرِيقًا يَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ؟! فَإِنْ طَعَنْتُ فِي فَرِيقٍ مِنْهُمْ، فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي فَرِيقٍ آخَرَ، أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟! فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ طَعْنٍ فَاطْعَنُوا فِي فَرِيقٍ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَا تَطْعَنُوا فِي فَرِيقٍ أَطَاعُوهُمَا، أَفَلَا تَذَكَّرُونَ؟! فَبُهِتَ الْقَوْمُ وَتَأَمَّلُوا طَوِيلًا وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنَا أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا كَلَّمْتَنَا بِهِ، وَلَوْ لَا أَنَّا نَخَافُ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ تَشَيَّعْنَا لَاتَّبَعْنَاكَ! قَالَ: وَيْلَكُمْ، أَتَتَّقُونَ النَّاسَ، وَلَا تَتَّقُونَ اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ؟! أَنْتُمْ عُلَمَاءُ قَوْمِكُمْ، فَلَا تَرْضَوْا بِأَنْ تَكُونُوا تَبَعَةً لِجُهَّالِهِمْ، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[٢٣]! ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ فَقَالَ:
دَعِ النَّاسَ يَا قَلْبِي يَقُولُونَ مَا بَدَا ... لَهُمْ وَاتَّثِقْ بِاللَّهِ رَبِّ الْخَلَائِقِ
وَلَا تَرْتَجِي فِي النَّفْعِ وَالضَّرِّ غَيْرَهُ ... تَبَارَكَ مِنْ رَبٍّ كَرِيمٍ وَخَالِقٍ
٩ . أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَتْلَانِيُّ، قَالَ: بَعَثَنِي الْمَنْصُورُ إِلَى رِجَالٍ يَطْعَنُونَ فِيهِ لِتَقْدِيمِهِ أَهْلَ الْبَيْتِ وَقَالَ لِي: قُلْ لَهُمْ: اتَّقُوا اللَّهَ، وَلَا تَطْعَنُوا فِي سَلْمَانَ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ»[٢٤]، وَقَالَ: «لَقَدْ أُشْبِعَ سَلْمَانُ عِلْمًا»[٢٥]، وَكَانَ سَلْمَانُ يُقَدِّمُ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيَقُولُ: «لَوْ جَعَلْتُمُوهَا فِي أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ لَأَكَلْتُمُوهَا رَغَدًا»[٢٦]، وَلَا تَطْعَنُوا فِي عَمَّارٍ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا خُيِّرَ عَمَّارٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَرْشَدَهُمَا»[٢٧]، وَقَالَ: «اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ»[٢٨]، وَكَانَ عَمَّارٌ يُقَدِّمُ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ وَأَعَزَّنَا بِدِينِهِ، فَأَنَّى تَصْرِفُونَ هَذَا الْأَمْرَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ؟!»[٢٩]، وَلَا تَطْعَنُوا فِي أَبِي ذَرٍّ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ»[٣٠]، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ يُقَدِّمُ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيَقُولُ: «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ»[٣١]، وَذَكَرَ رِجَالًا آخَرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُقَدِّمُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ، فَجِئْتُهُمْ وَأَبْلَغْتُهُمْ ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيَّ شَيْئًا.
١٠ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: كُنَّا جَمَاعَةً عِنْدَ الْمَنْصُورِ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾[٣٢]، فَقَالَ: هُمْ سَلْمَانُ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَعَمَّارٌ، وَالْمِقْدَادُ، وَحُذَيْفَةُ، وَجَابِرٌ، وَأَمْثَالُهُمْ، قَالَ الرَّجُلُ: أَلَيْسَ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟! فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا كَالْمُتَعَجِّبِ مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ: أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى هَذَا؟! أَنَا أُسَمِّي لَهُ حِزْبَ عَلِيٍّ، وَهُوَ يَقُولُ لِي: أَلَيْسَ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِزْبَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَ أَزْوَاجُهُ حِزْبَيْنِ، فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ، وَالْحِزْبُ الْآخَرُ فِيهِ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ[٣٣]، وَكَانَ حِزْبُ عَائِشَةَ يُبْغِضُ عَلِيًّا، وَكَانَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ يُحِبُّ عَلِيًّا، وَكَانَا يَتَنَازَعَانِ، فَغَلَبَ حِزْبُ عَائِشَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَسَبَقَ بِالْمُلْكِ، فَظَهَرَ فِي النَّاسِ بُغْضُ عَلِيٍّ، حَتَّى تَظَاهَرُوا عَلَيْهِ، وَمَنَعُوهُ وَذُرِّيَّتَهُ الْمُلْكَ، وَأَعَانُوا عَلَيْهِمْ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ عَلِيًّا وَذُرِّيَّتَهُ وَيُوصِي بِهِمْ خَيْرًا، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي: كِتَابَ اللَّهِ وَأَهْلَ بَيْتِي»[٣٤]، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: «حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ»[٣٥] خِلَافًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَرَنَ أَهْلَ بَيْتِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ بِصَلَاحِ أُمَّتِهِ وَأَنْصَحَ لَهُمْ مِنْ عُمَرَ، ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾[٣٦]، وَلَمَّا حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمَوْتُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «ائْتُونِي بِكَتْفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا»، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَهْجُرُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ! فَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ! فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالْإِخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا عَنِّي»! فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى وَيَقُولُ: «إِنَّ الرَّزِيئَةَ كُلَّ الرَّزِيئَةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ»[٣٧]! فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِزْبَيْنِ: حِزْبَ عُمَرَ وَحِزْبَ عَلِيٍّ، فَأَمَّا حِزْبُ عَلِيٍّ فَيَقُولُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا حِزْبُ عُمَرَ فَيَقُولُونَ: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ! فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ غَلَبَ حِزْبُ عُمَرَ وَسَبَقُوا بِالْمُلْكِ، فَظَهَرَ فِي النَّاسِ قَوْلُهُمْ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَصَارَ حِزْبُ عَلِيٍّ مَذْمُومِينَ مَطْرُودِينَ، وَقِيلَ لَهُمُ الرَّافِضَةُ، وَمَا الرَّافِضَةُ إِلَّا الَّذِينَ غَلَوْا مِنْهُمْ، وَقِيلَ لِحِزْبِ عُمَرَ لِكَثْرَتِهِمْ وَغَلَبَتِهِمْ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ! فَيَا لَلَّهِ مِنْ هَذَا الْجَهْلِ وَالتَّعَصُّبِ! كَيْفَ يَكُونُ أَتْبَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْآخِذُونَ بِقَوْلِهِ رَوَافِضَ، وَالرَّادُّونَ عَلَيْهِ الْآخِذُونَ بِقَوْلِ ابْنِ الْخَطَّابِ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؟! هَذَا مَا لَا يَكُونُ! وَلَكِنَّ الْقَوْمَ خُدِعُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ، وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا! كَمَثَلِ ﴿الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾[٣٨]! ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ سُفَهَاءُ، مُقَلِّدُونَ، مُتَكَلِّفُونَ، مُتَشَدِّدُونَ، مُتَكَبِّرُونَ، مُتَجَرِّئُونَ، كَذَّابُونَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ضُلَّالٌ، فُسَّاقٌ، أَخْبَاثٌ، كَأَمْثَالِ الشَّيَاطِينِ، لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَقِّ، وَلَا بَصِيرَةَ لَهُمْ فِي الدِّينِ، وَلَا مَعْرِفَةَ لَهُمْ بِالرِّجَالِ، وَلَا إِنْصَافَ لَهُمْ فِي الْحُكْمِ، ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾[٣٩]! ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ، وَالْغَضَبُ يَبْدُو فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: كُونُوا مِنْ حِزْبِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ حِزْبَ عَلِيٍّ هُمُ الْفَائِزُونَ!
شرح القول:
في هذه الحِكَم البالغة كفاية لمن كان له عقل سليم ويخاف اللّه واليوم الآخر، ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[٤٠]. لمعرفة المزيد عن رأي جنابه في الروافض، راجع القول ١٧٥، ولمعرفة المزيد عن رأيه في الصحابة، راجع القول ١٢٨ من أقواله الطيّبة.