كاتب السؤال: ف. الدرجاتي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٦/٢٠

تبنّى رجل صبيّة عمرها سنة وثمانية أشهر، ويريد أن يجعلها محرّمة عليه، وله زوجة أخ يمكنها إرضاعها، إلا أنّ الصبيّة لا تقبل ثديها، وقد قال بعض أنّها إذا سكبت اللبن في فم الصبيّة ١٥ مرّة على التوالي وابتلعت، حصلت الحرمة بينها وبين الرجل. فهل يجوز لهم أن يطعموا الصبيّة حبّة منوّمة، ثمّ يسكبوا اللبن في فمها ١٥ مرّة على التوالي، وهي نائمة؟ وإذا فعلوا ذلك فهل تحصل الحرمة المطلوبة؟

الاجابة على السؤال: ٢ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٦/٢١

إنّ اللّه تعالى قد أنزل المرأة التي أرضعت الإنسان منزلة الأمّ، واعتبرها ممّن يحرم نكاحها، فقال: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ[١]، ولذلك إذا أرضعت امرأة صبيّة أصبحت بمنزلة أمّها، وبالتالي حرّمتها على الرّجال الذين لا يحلّ لهم نكاح بناتها، ومنهم زوجها الذي دخل بها وأخوه؛ كما جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»[٢]، بشرط أن تتمّ الرضاعة قبل أن تستكمل الصبيّة سنتين قمريّتين؛ لقول اللّه تعالى: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ[٣]، وقوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ[٤]، وما جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ»[٥]، وعن عليّ عليه السلام أنّه قال: «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ»[٦]، خلافًا لقول من أجاز رضاع الكبير بغير علم ولا هدًى ولا كتاب منير، وبشرط أن تكون الرضاعة تامّة، وهي ما يؤثّر على نموّ الصبيّة، بأن ينبت لحمها ويشدّ عظمها؛ لأنّ ذلك هو المتبادر من قول اللّه تعالى، دون القليل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؛ نظرًا لأنّه تعالى لم يقل: «وَاللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ» حتّى يكون قوله عامًّا، ولكن قال: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ، وإرضاع الأمّهات ليس كإرضاع سائر النساء؛ لأنّ الأمّ ترضع ولدها لتشبعه وتنميه، ولا تكتفي بالقليل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؛ كما جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ، وَلَا الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ»[٧]، وقال: «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ»[٨]، وفي رواية أخرى: «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ»[٩]، وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعائشة وأبي هريرة موقوفًا، وهو قول أهل البيت[١٠]، وإنّما يتحقّق هذا الشرط إذا تغذّى الصبيّ الجائع بلبن المرضعة حتّى يشبع؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ: مَتَى تُحَرَّمُ الْمَرْأَةُ بِالرَّضَاعَةِ؟ قَالَ: إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ، فَإِذَا جَاعَ الصَّبِيُّ فَشَبِعَ مِنْ لَبَنِهَا فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِذَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَشَدَّ الْعَظْمَ! قَالَ: إِذَا أَشْبَعَهُ مِنْ جُوعٍ فَقَدْ أَنْبَتَ وَشَدَّ.[١١]

وممّا يدلّ على هذا ما جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ»[١٢]؛ لأنّ المراد به أنّ الرضاعة التي تحصل بها الحرمة هي ما يغني الصبيّ من الجوع. لذلك، إذا تغذّى الصبيّ الذي لم يستكمل سنتين قمريّتين في حالة الجوع بلبن المرأة حتّى شبع حصلت الحرمة، ولكن هل يكفي لذلك سكب اللبن في فمه وهو نائم؟ الظاهر لا؛ لأنّ المتبادر من القرآن والسنّة هو الرضاعة المألوفة، وهي أن يأخذ الصبيّ باشتهاء ناشئ من الجوع ثدي المرأة في فمه ويمصّه حتّى يشبع ويتركه من الشبع؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَمِعْتُ الْعَالِمَ يَقُولُ لِامْرَأَةٍ سَأَلَتْهُ عَنِ الرَّضَاعِ: الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ لَيْسَتْ بِرَضَاعٍ، وَلَكِنَّ الرَّضَاعَ أَنْ تُرْضِعِيهِ مِنْ ثَدْيِكِ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكِ وَهُوَ جَائِعٌ، حَتَّى يَتَضَلَّعَ وَيَشْبَعَ وَيَنْتَهِيَ نَفْسُهُ.[١٣]

نعم، إذا تغذّى الصبيّ يومًا وليلة بلبن المرأة فقطّ حصلت الحرمة، وإن لم يشبع منه في كلّ مرّة؛ لأنّ ذلك أيضًا يؤثّر على نموّه، وهذه رواية أخرى عن أهل البيت[١٤]، كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

قُلْتُ لَهُ: كَمْ رَضْعَةً تُحَرِّمُ الْوَلَدَ؟ خَمْسٌ؟ أَوْ عَشْرٌ؟ أَوْ خَمْسُ عَشَرَ؟ قَالَ: دَعْ عَنْكَ هَذَا، وَلَكِنْ إِذَا كَفَتْهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَقَدْ حَرَّمَتْهُ.[١٥]

↑[١] . النّساء/ ٢٣
↑[٢] . أحاديث يزيد بن أبي حبيب المصري (ضمن أحاديث الشيوخ الكبار)، ص٣٥؛ مصنف عبد الرزاق، ج٧، ص٤٧٥؛ سنن سعيد بن منصور، ج١، ص٢٧٢؛ الطبقات الكبرى لابن سعد، ج١، ص١٠٩؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٣، ص٥٤٩؛ مسند أحمد، ج٤، ص٢٩٣؛ صحيح البخاري، ج٣، ص١٧٠؛ صحيح مسلم، ج٤، ص١٦٤؛ سنن ابن ماجه، ج١، ص٦٢٣؛ سنن أبي داود، ج٢، ص٢٢١؛ سنن الترمذي، ج٣، ص٤٤٤؛ سنن النسائي، ج٦، ص٩٩؛ الكافي للكليني، ج٥، ص٤٣٧؛ من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج٣، ص٤٧٥؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٧، ص٢٩٢
↑[٣] . لقمان/ ١٤
↑[٤] . البقرة/ ٢٣٣
↑[٥] . المدوّنة لمالك بن أنس، ج٢، ص٢٩٨؛ مسند أبي داود الطيالسي، ج٣، ص٣٢١؛ مصنف عبد الرزاق، ج٦، ص٤١٦؛ النوادر للأشعري القمي، ص٢٦؛ مسند الحارث، ج١، ص٤٣٩؛ الكافي للكليني، ج٥، ص٤٤٣؛ المعجم الصغير للطبراني، ج٢، ص١٥٨؛ من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج٣، ص٣٦٠؛ سنن الدارقطني، ج٥، ص٣٠٩؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٧، ص٣١٨
↑[٦] . مصنف ابن أبي شيبة، ج٣، ص٥٥٠؛ دعائم الإسلام لابن حيّون، ج٢، ص٢٤١
↑[٧] . مسند الشافعي، ص٣٠٧؛ سنن سعيد بن منصور، ج١، ص٢٧٧؛ جزء أبي الجهم، ص٤٧؛ مسند ابن الجعد، ص١٨٤؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٣، ص٥٤٧؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج٢، ص٧٧؛ مسند أحمد، ج٢٦، ص٣٥؛ مسند الدارمي، ج٣، ص١٤٤٤؛ صحيح مسلم، ج٤، ص١٦٦؛ سنن ابن ماجه، ج١، ص٦٢٤؛ سنن أبي داود، ج٢، ص٢٢٤؛ سنن الترمذي، ج٣، ص٤٤٧؛ سنن النسائي، ج٦، ص١٠٠
↑[٨] . مسند أحمد، ج٧، ص١٨٦؛ سنن أبي داود، ج٢، ص٢٢٢؛ معجم ابن المقرئ، ص٧٦؛ سنن الدارقطني، ج٥، ص٣٠٤؛ معالم السنن للخطابي، ج٣، ص١٨٦؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٧، ص٧٥٨
↑[٩] . التاريخ الكبير للبخاري، ج٣، ص٢٩٧؛ سنن ابن ماجه، ج١، ص٦٢٦؛ مشيخة يعقوب بن سفيان الفسوي، ص٦٦؛ سنن الترمذي، ج٣، ص٤٥٠؛ مسند البزار، ج١٥، ص١١؛ السنة للمروزي، ص٨٩؛ السنن الكبرى للنسائي، ج٥، ص٢٠٠؛ صحيح ابن حبان، ج١٠، ص٣٨؛ سنن الدارقطني، ج٥، ص٣٠٥ و٣٠٩؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٧، ص٧٥٢
↑[١٠] . انظر: قرب الإسناد للحميري، ص١٦٥؛ الكافي للكليني، ج٥، ص٤٣٨؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٧، ص٣١٢.
↑[١١] . القول ٦٥، الفقرة ١
↑[١٢] . مسند أبي داود الطيالسي، ج٣، ص٣٦؛ سنن سعيد بن منصور، ج١، ص٢٧٦؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٣، ص٥٤٧؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج٣، ص٨٢٣؛ مسند أحمد، ج٤١، ص٥١٨؛ مسند الدارمي، ج٣، ص١٤٤٧؛ صحيح البخاري، ج٣، ص١٧٠؛ صحيح مسلم، ج٤، ص١٧٠؛ سنن ابن ماجه، ج١، ص٦٢٦؛ سنن أبي داود، ج٢، ص٢٢٢؛ سنن النسائي، ج٦، ص١٠٢
↑[١٣] . القول ٦٥، الفقرة ٢
↑[١٤] . انظر: المقنع لابن بابويه، ص٣٣٠؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٧، ص٣١٥.
↑[١٥] . القول ٦٥، الفقرة ٣