كاتب الشبهة: السيّد محمود الطباطبائي تاريخ الشبهة: ١٤٣٦/٦/١٥

لقد أعجبني رأي السيّد المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى. وفقًا لرأيه، حسبما فهمت من كتابه الكبير «العودة إلى الإسلام»، أوّلًا لا يجزي الناس الظنّ بأحكام الإسلام، بل عليهم اليقين بها كما عليهم اليقين بالعقائد؛ ثانيًا الطريق الوحيد لوصولهم إلى اليقين بها هو الرجوع إلى خليفة اللّه في الأرض؛ نظرًا لأنّ لديه العلم الكامل بالقرآن والسنّة؛ ثالثًا الرجوع إلى خليفة اللّه في الأرض هو ممكن لهم؛ لأنّ عدم إمكانه لهم هو أمر طارئ عرضيّ سبّبه سوء اختيارهم، وسوف يزول إذا استوفوا الشروط اللازمة لظهور خليفة اللّه في الأرض. لكنّ السؤال الذي أهمّني هو أنّني بصفة من أجاب دعوة السيّد المنصور وعزم على التمهيد لظهور المهديّ، كيف يمكنني الآن أداء واجباتي الشرعيّة مثل الصلاة والصيام والحجّ والزكاة؟ بالنظر إلى أنّ التقليد وحتّى الإجتهاد المعتمد على الأدلّة الظنيّة لا يبرئان ذمّتي لإفادتهما الظنّ، «وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا» (النّجم/ ٢٨)، وإرادتي وعملي لا يكفيان لظهور المهديّ حتّى يمكنني اليقين بواجباتي الشرعيّة من خلال الرجوع إليه ما لم يوافقني عدد كافٍ من الناس، وقد يطول الأمد ولا يجيبون دعوة السيّد المنصور كما أجبتها، ومن الواضح أنّه لا يمكنني ترك واجباتي الشرعيّة طوال هذه المدّة. نعم، قال السيّد المنصور أنّ إثم هذا الحرمان عليّ، «وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» (آل عمران/ ١٨٢)، وهذا حقّ؛ لأنّني كنت مقصّرًا من ناحيتي في عدم إمكان الوصول إلى المهديّ، وتبعًا لذلك عدم إمكان الوصول إلى اليقين بأحكام الشرع، لكنّني الآن قد تبت وأجبت دعوة السيّد المنصور وعزمت على التمهيد لظهور المهديّ، ومع هذا ما زلت لا أستطيع الوصول إلى اليقين بأحكام الشرع كما في السابق؛ لأنّ الناس لا يتّفقون معي بما فيه الكفاية. في هذه النقطة يعترض سؤالي، وهو أنّه ما حيلتي وكيف أعرف وأؤدّي واجباتي الشرعيّة خلال هذا الوقت بغير تقليد ولا اجتهاد ولا رجوع إلى المهديّ؟! ألم تختلف حالي في هذه الناحية عمّا كنت عليه قبل معرفة الحقّ وإجابة دعوة السيّد المنصور، ووضعي ووضع الآخرين الذين لم يعرفوا ولم يجيبوا سواء؟! إذا كان الأمر كذلك فما فائدة معرفة الحقّ وإجابة دعوة السيّد المنصور بالنسبة لي من ناحية العلم والعمل بالواجبات الشرعيّة (بغضّ النظر عن أنّها لازمة لظهور المهديّ)؟!

لقد أجبتم على جميع أسئلتي حتّى الآن، وهذا هو السؤال الأخير الذي قد بقي لي، وأعتقد أنّه إذا أجبتم عليه أيضًا ستتمّ إقامة الحجّة عليّ من جميع الجهات، وسأستطيع أن أبذل مالي ونفسي في سبيل هذا الإنسان العظيم بكلّ سرور إن شاء اللّه.

شكرًا مقدّمًا على إجابتكم.

الاجابة على الشبهة: ١ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٦/٦/١٥

أيّها الأخ الفهيم الراغب في الخير!

حاشا للّه أن يجعل من تاب وأصلح لمّا جاءته موعظة من ربّه كمن يصرّ مستكبرًا كأن لم يسمعها! كيف؟! وقد قال: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا[١]، وقال: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[٢]، والفرق بينهما في النواحي التالية:

١ . الذي لم يجب دعوة المنصور إلى التمهيد لظهور المهديّ هو «مقصّر» في عدم الوصول إلى المهديّ، والذي أجابها هو «قاصر»، وليس القاصر كالمقصّر. المقصّر في عدم الوصول إلى المهديّ هو غير معذور في العمل بالظنّ؛ لأنّه قد سبّب عدم حصوله على اليقين بسوء اختياره، ولكنّ القاصر في عدم الوصول إلى المهديّ هو معذور في العمل بالظنّ؛ لأنّه لم يسبّب عدم حصوله على اليقين، وإنّما سبّبه الآخرون. لذلك فإنّ الذي لم يجب دعوة المنصور إلى التمهيد لظهور المهديّ هو «ظالم»، والذي أجابها هو «مظلوم»؛ وليس المظلوم كالظالم، والظالم يحمل وزر المظلوم يوم القيامة؛ لأنّه قد اضطرّه إلى العمل بالظنّ في الحالات التي لا بدّ له فيها من ذلك، وقد كان عمل المظلوم بالظنّ في تلك الحالات مباحًا له؛ لقول اللّه تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ[٣].

٢ . الذي لا يستطيع الوصول إلى المهديّ بسبب تقصيره، هو مكلّف بالتمهيد لظهور المهديّ قبل أن يكون مكلّفًا بالصلاة والصيام والحجّ والزكاة. فإن قام بالتمهيد لظهور المهديّ فهو معذور في العمل بالظنّ في صلاته وصيامه وحجّه وزكاته حسبما قدّمنا، وإن لم يفعل فلا يُقبل منه ما عمل فيه بالظنّ من صلاته وصيامه وحجّه وزكاته. بناء على هذا، فإنّ التمهيد لظهور المهديّ هو واجب فوريّ مقدّم على سائر الواجبات.

٣ . الذي لا يستطيع الوصول إلى المهديّ بسبب قصوره، ليس مضطرًّا إلى العمل بالظنّ في جميع الموضوعات؛ لأنّ هناك موضوعات يُعلم حكمها بآية من القرآن، أو خبر متواتر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته المطهّرين، ولا شكّ أنّ العمل فيها استنادًا إليهما لا يعتبر عملًا بالظنّ، بل هو عمل باليقين، والظاهر أنّ أركان الصلاة والصيام والحجّ والزكاة هي من تلك الموضوعات، ولذلك يجب على القاصر في عدم الوصول إلى المهديّ طلب العلم بالأحكام من خلال النظر في القرآن والسنّة، ليحصل على اليقين بقدر الإمكان. فإن قصّر في ذلك فليس بمعذور في العمل بالظنّ في الموضوعات التي يمكنه التيقّن فيها من خلال ذلك، وإن كان قاصرًا في عدم الوصول إلى المهديّ.

٤ . ليس للذي لا يستطيع الوصول إلى المهديّ بسبب قصوره أن يعمل بأخبار الآحاد في الموضوعات التي ليس فيها آية من القرآن ولا خبر متواتر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته المطهّرين؛ لأنّ الظنّ الحاصل من أخبار الآحاد لا يختلف عن الظنّ الحاصل من غيرها في الظنّيّة، وكلّ بمنزلة الشكّ من حيث عدم الدليليّة. لذلك فإنّ الذي لا يستطيع الوصول إلى المهديّ بسبب قصوره، في الموضوعات التي ليس فيها آية من القرآن ولا خبر متواتر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته المطهّرين، يلجأ إلى «الأصول العمليّة» التي يلجأ إليها العقلاء في حالات الشكّ للخروج من التحيّر والجمود، وهي البراءة والإحتياط والتخيير والإستصحاب؛ فإذا شكّوا في أصل التكليف لجؤوا إلى البراءة، وإذا شكّوا في موضوع التكليف لجؤوا إلى الإحتياط مع الإمكان، وإلى التخيير مع عدمه، وإذا شكّوا في بقاء التكليف لجؤوا إلى الإستصحاب، حتّى يأتيهم اليقين.

٥ . الذي لا يستطيع الوصول إلى المهديّ بسبب قصوره، إذا تيقّن أنّ المنصور هو المنصور الخراسانيّ المنتظَر الذي أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته المطهّرون باتّباعه في الأخبار المتواترة، يمكنه الرجوع إليه لمعرفة ما يشتبه عليه من الأحكام؛ لأنّه أعلم الناس بالأحكام بعد المهديّ، وإذا تعذّر الرجوع إلى المهديّ بسبب قصور، تعيّن الرجوع إلى أعلم الناس بعده، والرجوع إليه يغني عن الرجوع إلى سائر الناس لاستقصاء الآراء والأدلّة المؤدّي إلى العسر والحرج والتعرّض للزلّة والفتنة؛ كما أشار إلى ذلك عليّ عليه السلام في بعض خطبه عن الملاحم فقال: «اعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمْ طَالِعَ الْمَشْرِقِ سَلَكَ بِكُمْ مَنَاهِجَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَتَدَاوَيْتُمْ مِنَ الْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْبَكَمِ، وَكُفِيتُمْ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ وَالتَّعَسُّفِ، وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ»[٤].

كذلك يهدي اللّه من آمن واتّقى، ويجعل له مخرجًا ويسرًا، ويضع عنه الإصر والأغلال؛ كما قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ[٥]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[٦]، وقال: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى[٧]، وقال: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا[٨]، وقال: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾[٩]، وقال: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ[١٠]، خلافًا لمن كذّب وعصى؛ كما قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ۝ إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ[١١]، وقال: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى[١٢]، وقال: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ[١٣]، وقال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ[١٤]، لكي لا يكون الذي آمن واتّقى كالذي كذّب وعصى؛ كما قال: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ۝ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ[١٥]، وقال: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ[١٦]، وقال: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ[١٧].

فقد أجبنا على سؤالك الأخير، وأقمنا عليك الحجّة من جميع الجهات؛ فإن تشكر كما عاهدت أو تكفر، فـ﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[١٨].

↑[١] . الأنعام/ ١٢٢
↑[٢] . هود/ ٢٤
↑[٣] . الأنعام/ ١١٩
↑[٤] . الكافي للكليني، ج٨، ص٦٦؛ الإرشاد للمفيد، ج١، ص٢٩١
↑[٥] . يونس/ ٩
↑[٦] . العنكبوت/ ٦٩
↑[٧] . اللّيل/ ٥-٧
↑[٨] . الطّلاق/ ٤
↑[٩] . الطّلاق/ ٢
↑[١٠] . الأعراف/ ١٥٧
↑[١١] . النّساء/ ١٦٨-١٦٩
↑[١٢] . اللّيل/ ٨-١٠
↑[١٣] . غافر/ ٣٤
↑[١٤] . محمّد/ ٢٨
↑[١٥] . القلم/ ٣٥-٣٦
↑[١٦] . ص/ ٢٨
↑[١٧] . الجاثية/ ٢١
↑[١٨] . البقرة/ ١١٠