كاتب السؤال: نويرة الهندوان تاريخ السؤال: ١٤٤٢/٧/٢٦

لديّ سؤال ضروريّ جدًّا. رجل طلّق امرأته ثلاث طلقات في أوقات مختلفة، أوقع الطلقة الأولى في طُهرٍ لم يجامع فيه، والثانية في حالة الحيض، والثالثة في طُهر جامعها فيه. فهل وقع طلاقه الثاني والثالث؟ أرجو إجابتكم. جزاكم اللّه خيرًا.

الاجابة على السؤال: ١ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤٢/٨/١

لا خلاف بين المسلمين في أنّ الطلاق في حالة الحيض أو حالة الطّهر الذي وقع فيه جماع، مخالف لأمر اللّه تعالى؛ لأنّه تعالى قال: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ[١]، وفسّروا ذلك بالطّهر الذي لم يقع فيه جماع، لكنّهم اختلفوا في وقوع هذا الطلاق المحرّم؛ فقال الجمهور بأنّه يقع مع حرمته؛ لأنّ حرمة المعاملة لا تستلزم فسادها، وقال فريق منهم بأنّه لا يقع، وهم المصيبون؛ لأنّ الطلاق عند المتشرّعة ليس معاملة عقليّة محضة، بل له طابع شرعيّ، كما هي الحال في النكاح، والحرمة في ما هذه صفته تستلزم الفساد، ولذلك قال الجمهور بعدم وقوع الأنكحة المحرّمة، ولا يقاس ذلك على نكاح البكر الرشيدة بغير إذن وليّها الصحيح عندنا مع حرمته[٢]؛ لأنّ بناء الشرع في النكاح على التسهيل وفي الطلاق على التشديد، كما يشهد بذلك إيجابه الإشهاد في الطلاق خلافًا للنكاح، ولذلك وردت نصوص معتبرة في تصحيح نكاح البكر الرشيدة بغير إذن وليّها، ولم يرد نصّ معتبر في تصحيح الطلاق في حالة الحيض أو حالة الطّهر الذي وقع فيه جماع؛ لأنّ ما ورد في ذلك غير صريح، والظاهر أنّه موقوف على ابن عمر بألفاظ مضطربة، وأكثر الروايات صراحة ما يدلّ على عدم الوقوع؛ كما روى ابن جُريج في الصحيح قال: «أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عُرْوَةَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ، قَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ قَالَ: طَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا، وَقَالَ: إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ»[٣]. لا شكّ أنّ قوله: «فَرَدَّهَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا» صريح في عدم وقوع الطلاق، وكذلك الحال في رواية عبد اللّه بن مالك عن ابن عمر «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»[٤]؛ لا سيّما بالنظر إلى اتّفاق جميع الرواة على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أمر عبد اللّه بن عمر بالمراجعة، مع أنّه لا وجه لذلك إذا كان الطلاق قد وقع صحيحًا، ولو كان المراد التنبيه على حرمته دون فساده لكان من الكافي أن يأمره بالإستغفار، وهذا دليل واضح على أنّ المراد بالمراجعة هو ردّ المرأة إلى حالها الأولى قبل تطليقها، وهذا يعنى إلغاء الطلاق، ولذلك كان الأئمّة من أهل البيت يقولون بعدم وقوع الطلاق في حالة الحيض أو حالة الطّهر الذي وقع فيه جماع، وهم أعلم الناس بكتاب اللّه وسنّة جدّهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ كما روى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر -يعني محمّد بن عليّ بن الحسين- عليه السلام أنّه قال: «إِنَّمَا الطَّلَاقُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، فَمَنْ خَالَفَ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَاقٌ»[٥]، وروى بُكير بن أعين وغيره عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «كُلُّ طَلَاقٍ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ -وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى: لِغَيْرِ السُّنَّةِ- فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ، أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ فِي دَمِ نِفَاسِهَا، أَوْ بَعْدَ مَا يَغْشَاهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ، فَلَيْسَ طَلَاقُهَا بِطَلَاقٍ»[٦]، وروى عمرو بن رياح قال: «قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ مَنْ طَلَّقَ لِغَيْرِ السُّنَّةِ أَنَّكَ لَا تَرَى طَلَاقَهُ شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا أَقُولُهُ، بَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نُفْتِيكُمْ بِالْجَوْرِ لَكُنَّا شَرًّا مِنْكُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ[٧] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»[٨]، وروى الحلبيّ قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: الطَّلَاقُ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ بَاطِلٌ»[٩]، وروى إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إِلَّا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَالسُّنَّةِ، لِأَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ، وَيَقُولُ: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ[١٠]، وَيَقُولُ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ[١١]، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَدَّ طَلَاقَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ»[١٢]، وروى عليّ بن جعفر بن محمّد عن أخيه موسى عليه السلام، قال: «سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فِي غَيْرِ عِدَّةٍ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، وَلَمْ يَحْسُبْ تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ»[١٣]، وغير ذلك من الروايات البالغة حدّ التواتر.

بهذا يتحصّل اليقين بأنّ الطلاق في حالة الحيض أو حالة الطّهر الذي وقع فيه جماع باطل، ولو تحصّل به الشكّ أيضًا لكانت النتيجة واحدة؛ لأنّ الأصل بقاء الزوجيّة السابقة حتّى يتحصّل اليقين بزوالها؛ نظرًا لأنّ اليقين لا يُنقض بالشكّ، وإنّما يُنقض بيقين آخر. الحاصل أنّ طلاقك الثاني والثالث لم يقعا إذا كانا على ما وصفت، والحمد للّه ربّ العالمين.

↑[١] . الطّلاق/ ١
↑[٣] . مسند الشافعي، ص١٩٣؛ مصنف عبد الرزاق، ج٦، ص٣٠٩؛ مسند أحمد، ج٩، ص٣٧٠؛ صحيح مسلم، ج٢، ص١٠٩٨؛ سنن أبي داود، ج٢، ص٢٥٦؛ سنن النسائي، ج٦، ص١٣٩؛ مستخرج أبي عوانة، ج٣، ص١٥١؛ المعجم الكبير للطبراني، ج١٣، ص٤٧؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٧، ص٥٣٥
↑[٤] . سنن سعيد بن منصور، ج١، ص٤٠٣
↑[٥] . تهذيب الأحكام للطوسي، ج٨، ص٤٧
↑[٦] . الكافي للكليني، ج٦، ص٦١؛ دعائم الإسلام لابن حيّون، ج٢، ص٢٦٠؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٨، ص٤٨
↑[٧] . المائدة/ ٦٣
↑[٨] . الكافي للكليني، ج٦، ص٥٧؛ دعائم الإسلام لابن حيّون، ج٢، ص٢٦١
↑[٩] . الكافي للكليني، ج٦، ص٥٨؛ دعائم الإسلام لابن حيّون، ج٢، ص٢٦١؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٨، ص٤٧
↑[١٠] . الطّلاق/ ٢
↑[١١] . الطّلاق/ ١
↑[١٢] . علل الشرائع لابن بابويه، ج٢، ص٥٠٦
↑[١٣] . مسائل علي بن جعفر، ص١٤٦