أَلَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ! اسْمَعُوا مِنِّي، إِنْ كَانَتْ لَكُمْ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ؛ فَإِنِّي أَضْرِبُ لَكُمْ مَثَلًا: إِنَّمَا مَثَلُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ طِفْلٍ ضَلَّ وَالِدَتَهُ فِي زِحَامٍ مِنَ النَّاسِ؛ فَعَلَى أَمَلِ الْعُثُورِ عَلَيْهَا، يَأْخُذُ بِحُجْزَةِ كُلِّ امْرَأَةٍ وَيَتْبَعُهَا حِينًا، حَتَّى إِذَا أَحَسَّ مِنْهَا جَفْوَةً وَعَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَالِدَتَهُ، تَرَكَهَا وَتَعَلَّقَ بِحُجْزَةٍ أُخْرَى، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَتْهُ فَحْمَةُ اللَّيْلِ وَأَهْلَكَتْهُ صِرَّتُهُ، وَمَا لَهُ مِنْ نَصِيرٍ! لَقَدْ كَانَ هَذَا مَثَلَكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، إِذْ تَعَلَّقْتُمْ بِكُلِّ حُكُومَةٍ وَاتَّبَعْتُمُوهَا لِفَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، آمِلِينَ لِنَيْلِ الْعَدْلِ، حَتَّى إِذَا لَقِيتُمْ مِنْهَا ظُلْمًا وَعَلِمْتُمْ أَنَّهَا غَيْرُ ذَاتِ عَدْلٍ، أَطَحْتُمُوهَا صَارِخِينَ وَتَحَوَّلْتُمْ إِلَى حُكُومَةٍ أُخْرَى! فَهَكَذَا فِي طَلَبِ الْعَدْلِ قَدْ مِلْتُمْ أَحْيَانًا إِلَى الشَّرْقِ وَأَحْيَانًا إِلَى الْغَرْبِ، وَهَرَعْتُمْ أَحْيَانًا إِلَى الْيَمِينِ وَأَحْيَانًا إِلَى الشِّمَالِ، وَأَقْبَلْتُمْ أَحْيَانًا عَلَى زَيْدٍ وَأَحْيَانًا عَلَى عَمْرٍو، وَتَعَلَّقْتُمْ أَحْيَانًا بِالْمَلِكِيَّةِ وَأَحْيَانًا بِالْجُمْهُورِيَّةِ! مَعَ أَنَّ الْعَدْلَ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرْقِ وَلَا فِي الْغَرْبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْيَمِينِ وَلَا فِي الشِّمَالِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَيْدٍ وَلَا فِي عَمْرٍو، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَلِكِيَّةِ وَلَا فِي الْجُمْهُورِيَّةِ! إِنَّمَا كَانَ الْعَدْلُ فِي حُكُومَةِ اللَّهِ الَّذِي يَعْلَمُ أَقْدَارَكُمْ وَمَوَاضِعَكُمْ، وَلَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا غَيْرُهُ مَهْمَا بَالَغَ فِي الْفَحْصِ وَالْجَهْدِ، إِلَّا مَنْ جَعَلَهُ مَهْدِيًّا إِلَيْهَا، لَكِنَّكُمْ يَئِسْتُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَغَفَلْتُمْ عَنْ مَهْدِيِّهِ، فَسَلَّمْتُمُ الْحُكُومَةَ الَّتِي رَضِيَهَا لِمَهْدِيِّهِ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَرْضَ لَهُمْ حُكُومَةً! كَأَنَّ الْحُكُومَةَ مِيرَاثُ آبَائِكُمْ، إِذْ تَنْزِعُونَهَا مِمَّنْ تَشَاؤُونَ وَتُؤْتُونَهَا مَنْ تَشَاؤُونَ، وَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلَّهِ الَّذِي يَقُولُ: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ[١]، وَهُوَ قَدْ آتَاهَا إِبْرَاهِيمَ وَجَعَلَهَا عَهْدًا إِلَى الَّذِينَ لَا يَظْلِمُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؛ كَمَا قَالَ: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[٢]، وَالَّذِينَ لَا يَظْلِمُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ هُمُ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرَهُمْ تَطْهِيرًا، وَهُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَهْلُ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ[٣]، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ مَهْدِيَّ اللَّهِ هُوَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّ مَنِ اخْتَارَ حَاكِمًا غَيْرَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا.

مِنَ الْعَجَبِ أَنَّ النَّاسَ قَدْ بَايَعُوا فِي كُلِّ زَمَانٍ أَحَدًا وَعَقَدُوا لَهُ وِلَايَةً، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَا يُؤَدِّي حَقَّهُ إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ وَقَوَّاهُ لِذَلِكَ! إِنَّهُمْ طَلَبُوا الْعَدْلَ عِنْدَ رِجَالٍ لَمْ يَكُنِ الْعَدْلُ عِنْدَهُمْ، وَتَوَقَّعُوا مِنْ حُكَّامِهِمْ عَمَلًا لَمْ يَكُونُوا قَادِرِينَ عَلَيْهِ! كَيْفَ يَعْدِلُ فِي النَّاسِ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَقْدَارَهُمْ وَلَا يَعْرِفُ مَوَاضِعَهُمْ، بَلْ لَمْ يَقِفْ عَلَى قَدْرِ نَفْسِهِ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ؟! كَيْفَ يَعْدِلُ مَنْ هُوَ ظَالِمٌ، وَقَدِ احْتَلَّ مَكَانَ غَيْرِهِ، وَكَيْفَ يُصْلِحُ مَنْ هُوَ فَاسِدٌ، وَقَدْ جَرَّ الْعَالَمَ إِلَى الْفَسَادِ؟! أَفَلَمْ يَسِرِ النَّاسُ فِي الْأَرْضِ وَيَنْظُرُوا فِي مَصِيرِ آبَائِهِمْ، أَنْ قَدْ خَضَعُوا لِكُلِّ حُكُومَةٍ وَقَبَّلُوا يَدَيْ كُلِّ حَاكِمٍ، مُتَسَوِّلِينَ لِجُرْعَةٍ مِنَ الْعَدْلِ، وَلَكِنْ لَمْ يَرْحَمْ أَحَدٌ عَطَشَهُمْ وَلَمْ يَسْقِهِمْ جُرْعَةً مِنَ الْعَدْلِ؟! مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا وَاللَّهِ أَشَدَّ عَطَشًا مِنْ أَنْ تُرْوِيَهُمْ جُرْعَةٌ، وَلَا يُرْوِيهِمْ إِلَّا نَهْرٌ عَظِيمٌ! فَلِمَاذَا مُنْذُ أَوَّلِ يَوْمٍ لَمْ يَزَلْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ مَحْكُومِينَ عَلَيْهِمْ، وَأَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ حَاكِمِينَ؟! وَأَبْنَاءُ الْأَنْبِيَاءِ قَاعِدِينَ فِي الْبُيُوتِ، وَأَبْنَاءُ الْأَدْعِيَاءِ قَاعِدِينَ عَلَى الْمَنَابِرِ؟! أَئِمَّةُ الْإِيمَانِ مَخْذُولِينَ، وَأَئِمَّةُ الْكُفْرِ مَنْصُورِينَ؟! إِنْ كَانَ هُنَاكَ قَصْرٌ فَقَدْ كَانَ لِلظَّالِمِينَ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ كُوخٌ فَقَدْ كَانَ لِلطَّاهِرِينَ! إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ قُوَّةٌ فَقَدْ كَانَتْ لِلْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ هِجْرَةٌ فَقَدْ كَانَتْ لِلنَّبِيِّينَ! إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ بَيْعَةٌ فَقَدْ كَانَتْ لِلْيَزِيدِيِّينَ، وَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ شَهَادَةٌ فَقَدْ كَانَتْ لِلْحُسَيْنِيِّينَ! إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ دَوْلَةٌ فَقَدْ كَانَتْ لِلضَّالِّينَ، وَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ غَيْبَةٌ فَقَدْ كَانَتْ لِلْمَهْدِيِّينَ! مَا هَذِهِ الْفَضِيحَةُ الَّتِي قَدْ عَمَّتِ التَّارِيخَ، وَمَا هَذَا الْجُنُونُ الَّذِي قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى الْعَالَمِ؟! أَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَعْيُنٌ لِيُبْصِرُوا بِهَا أَنَّ حُكَّامَهُمْ جَمِيعًا يَظْلِمُونَ وَلَا يَعْدِلُونَ؟! أَوْ لَيْسَ لَهُمْ آذَانٌ لِيَسْمَعُوا بِهَا أَنَّ سَاسَتَهُمْ جَمِيعًا يَكْذِبُونَ وَلَا يَصْدُقُونَ؟! أَوْ لَيْسَ لَهُمْ ذَكَاءٌ لِيَفْطَنُوا بِهِ أَنَّ قَادَتَهُمْ جَمِيعًا يُضِلُّونَ وَلَا يَهْدُونَ؟! فَإِلَى مَتَى يَظِلُّ هَذَا الْجُرْحُ الْمُتَقَيِّحُ مَفْتُوحًا، وَإِلَى مَتَى يَسْتَمِرُّ هَذَا الْجُنُونُ؟! أَلَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَخْبِرُونِي إِلَى مَتَى يَجِبُ أَنْ تَتَمَايَلُوا يَمِينًا وَشِمَالًا كَرَجُلٍ سِكِّيرٍ، حَتَّى تَفْقَهُوا أَنَّ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ، وَلَيْسَ فِي أَيٍّ مِنْهُمَا الْعَدْلُ؟! أَخْبِرُونِي كَمْ حُكُومَةً أُخْرَى يَجِبُ أَنْ تُجَرِّبُوهَا، وَكَمْ طَاعَةً أُخْرَى يَجِبُ أَنْ تُعَوِّضُوهَا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَا حُكُومَةَ غَيْرَ حُكُومَةِ اللَّهِ تُوصِلُكُمْ إِلَى الْعَدْلِ، وَلَا طَاعَةَ غَيْرَ طَاعَةِ اللَّهِ تُنْجِيكُمْ مِنَ الظُّلْمِ؟! أَلَمْ تَكْفِكُمْ هَذِهِ التَّجْرِبَةُ الْبَالِغَةُ آلَافَ السِّنِينَ؟! أَلَمْ تَكْفِكُمْ هَذِهِ الْغَرَامَاتُ الْبَاهِظَةُ؟! أَلَمْ تَسْمَعُوا النَّمَارِدَةَ وَالْفَرَاعِنَةَ؟! أَلَمْ تَتَحَمَّلُوا الْأَكَاسِرَةَ وَالْقَيَاصِرَةَ؟! أَلَمْ تَرَوُا الْخُلَفَاءَ وَالْمُلُوكَ؟! أَلَمْ تُجَرِّبُوا الْجُمْهُورِيَّاتِ وَالْإِسْلَامِيَّاتِ؟! أَفَلَمْ تَعْتَبِرُوا بَعْدُ؟! إِلَى مَتَى تُمَلِّحُونَ هَذَا الْجُرْحَ الْقَدِيمَ؟! وَإِلَى مَتَى تُوَاصِلُونَ هَذَا الْجُنُونَ التَّارِيخِيَّ؟!

أَلَا يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ الظَّالِمُونَ الَّذِينَ يَسْفِكُونَ دِمَاءَ الْمَظْلُومِينَ لِكَسْبِ السُّلْطَةِ وَحِفْظِهَا! أَلَا يَا أَيُّهَا الْفُقَهَاءُ وَالشُّيُوخُ الْمُرَاؤُونَ الَّذِينَ يَعْتَبِرُونَ أَنْفُسَهُمْ عُمَّالَ اللَّهِ وَأُولِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ! أَلَا يَا أَيُّهَا السِّيَاسِيُّونَ الطَّامِعُونَ الَّذِينَ يَتَزَاحَمُونَ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى الْحُكُومَةِ! أَلَا يَا أَيُّهَا الْأَحْزَابُ السِّيَاسِيَّةُ الْمَاكِرَةُ الَّتِي لَا تَبْتَغِي شَيْئًا سِوَى السُّلْطَةِ! أَلَا يَا أَيَّتُهَا الْفِرَقُ وَالْعِصَابَاتُ الْمُفْسِدَةُ الَّتِي تَسْعَى فِي الْأَرْضِ لِنَيْلِ الْعُلُوِّ! كُفُّوا عَنِ هَؤُلَاءِ النَّاسِ الْمَنْكُوبِينَ، وَخَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ صَاحِبِهِمْ! أَلَمْ يَكْفِ آلَافُ السِّنِينَ مِنَ الْجَوْرِ وَالْإِفْسَادِ؟! أَلَمْ يَكْفِ تَارِيخٌ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ؟! أَلَمْ تَسْأَمُوا مِنْ إِثَارَةِ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ طَوَالَ هَذَا الْوَقْتِ الطَّوِيلِ؟! فَمَتَى تَنْتَهُونَ عَنْ هَذِهِ اللُّعْبَةِ الصِّبْيَانِيَّةِ؟! فَمَتَى تَتَوَقَّفُونَ عَنْ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ الْمُتَكَرِّرَةِ؟!

الْآنَ قَدِّمُوا إِلَيَّ آذَانَكُمْ لِتَسْمَعُوا؛ فَإِنِّي مُنَادٍ يُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ: أَيُّهَا النَّاسُ! أَلَمْ يَأْنِ لَكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى أَصْلِكُمْ؟! أَلَمْ يَأْنِ لَكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا عَهْدَ اللَّهِ إِلَى أَبِيكُمْ آدَمَ؟! أَلَمْ يَأْنِ لَكُمْ أَنْ تَرُدُّوا الْأَمَانَةَ إِلَى أَهْلِهَا وَتُسَلِّمُوا الْحُكُومَةَ إِلَى صَاحِبِهَا؟! هَلْ مَا زِلْتُمْ تَأْمُلُونَ فِي هَذِهِ الْحُكُومَاتِ الْمُتَلَوِّنَةِ؟! هَلْ مَا زِلْتُمْ تَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ عَمْرٌو مَكَانَ زَيْدٍ لَاسْتَقَامَتِ الْأُمُورُ؟! كَمْ مِنْ عَمْرٍو جَاءَ مَكَانَ زَيْدٍ، فَلَمْ تَسْتَقِمِ الْأُمُورُ؛ لِأَنَّ اسْتِقَامَتَهَا كَانَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَأَنْتُمْ غَافِلُونَ! فَإِلَى مَتَى تَقْعُدُونَ آمِلِينَ فِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَتَرْفَعُونَ رَايَةَ كَذَا وَكَذَا؟! إِلَى مَتَى تُذِلُّونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُقَبِّلُونَ أَيْدِي الرِّجَالِ؟! إِلَى مَتَى يَغُرُّكُمُ الْوُعُودُ الْكَاذِبَةُ، وَيَلْعَبُ بِكُمُ الْآمَالُ الْبَعِيدَةُ؟! إِلَى مَتَى تَدُورُونَ حَوْلَ مِحْوَرٍ وَاحِدٍ كَحُمُرِ الطَّاحُونَةِ، وَتَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ تَتَقَدَّمُونَ؟!

أَلَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ! مَا بَالُكُمْ قَدْ أَعْطَيْتُمْ ظُهُورَكُمْ لِكُلِّ حَيَوَانٍ نَاقِصٍ مُنْذُ آلَافِ السِّنِينَ، وَلَمْ تُعْطُوا أَكُفَّكُمْ لِلْإِنْسَانِ الْكَامِلِ؟! مَا بَالُكُمْ قَدْ مَصَصْتُمْ كُلَّ ثَمْدٍ مُنْذُ آلَافِ السِّنِينَ، وَتَرَكْتُمُ الْبَحْرَ الْفُرَاتَ؟! مَا بَالُكُمْ قَدْ سَعَيْتُمْ إِلَى كُلِّ سَرَابٍ مُنْذُ آلَافِ السِّنِينَ، وَلَمْ تَخْطُوا خُطْوَةً نَحْوَ الْمَاءِ السَّائِغِ؟! أَلَنْ تَسْتَعِيدُوا وَعْيَكُمْ، وَلن تَرْجِعُوا إِلَى أَصْلِكُمْ؟! أَلَنْ تَنْتَبِهُوا مِنَ النَّوْمِ، وَلَنْ يَنْتَهِيَ هَذَا الْكَابُوسُ؟! أَلَنْ تَخْرُجُوا مِنَ الظُّلُمَاتِ، وَلَنْ يَكُونَ لِهَذَا اللَّيْلِ الْبَهِيمِ فَجْرٌ؟! أَلَنْ تُفِيقُوا مِنَ السُّكْرِ، وَلَنْ يَتْرُكَ الرَّأْسَ هَذَا الدُّوَارُ؟! أَلَنْ تَفْتَحُوا أَعْيُنَكُمْ، وَتَتَحَرَّكُوا فَجْأَةً، وَتَقُومُوا عَلَى أَرْجُلِكُمْ؟! أَلَنْ تَرْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ، وَلَنْ تَرَوْا إِلَّا مَا يُحَاذِي أَقْدَامَكُمْ؟! أَرَاكُمْ قَدْ رَضِعْتُمْ مِنْ ثَدْيِ الْجَهْلِ، وَنَشَأْتُمْ فِي حِجْرِ الظُّلْمِ، وَلَا يَعْرِفُنِي لُحُومُكُمْ وَدِمَاؤُكُمْ! فَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ عَدَمُ مَعْرِفَتِي عَلَى أَنْ لَا تُجِيبُوا دَعْوَتِي؛ لِأَنِّي أَخُوكُمُ النَّاصِحُ الَّذِي يَدْعُوكُمْ إِلَى الْحَقِّ، فَاسْمَعُوا نِدَائِي حِينَ أُنَادِيكُمْ: عُودُوا، عُودُوا إِلَى الْإِسْلَامِ؛ فَقَدِ ابْتَعَدْتُمْ عَنْهُ كَثِيرًا! قَدْ فَارَقْتُمْ أَصْلَكُمْ، وَنَسِيتُمْ أَنْفُسَكُمْ! قَدْ تَرَكْتُمْ عُقُولَكُمْ، وَأَصْبَحْتُمْ كَأَمْثَالِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينَ! قَدْ نَقَضْتُمْ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ، وَضَيَّعْتُمْ مِيرَاثَ نَبِيِّهِ؛ الْعَهْدَ الَّذِي وَاثَقَ بِهِ أَبَاكُمْ إِبْرَاهِيمَ، وَالْمِيرَاثَ الَّذِي قَالَ فِيهِ نَبِيُّهُ: «مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي»[٤]! فَضَيَّعْتُمُوهُ وَضَلَلْتُمْ بَعْدَهُ ضَلَالًا بَعِيدًا؛ حَتَّى تَرَكْتُمْ حَدِيقَةَ الْفَاكِهَةِ وَرَعَيْتُمُ الْأَرْضَ الشَّاكَةَ، وَهَجَرْتُمُ الْبَحْرَ الْعَذْبَ وَمَصَصْتُمُ الثَّمْدَ، وَجَانَبْتُمُ الطَّعَامَ الطَّيِّبَ وَأَكَلْتُمُ الْمَيْتَةَ، وَنَبَذْتُمُ الْعَسَلَ الصَّافِي وَمَضَغْتُمُ الْحَنْظَلَ، وَأَعْرَضْتُمْ عَنْ حُكُومَةِ اللَّهِ وَخَضَعْتُمْ لِحُكُومَةِ الشَّيْطَانِ! مَعَ أَنَّ حَدِيقَةَ الْفَاكِهَةِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ الشَّاكَةِ، وَالْبَحْرَ الْعَذْبَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الثَّمْدِ، وَالطَّعَامَ الطَّيِّبَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْمَيْتَةِ، وَالْعَسَلَ الصَّافِي خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْحَنْظَلِ، وَحُكُومَةَ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُكُومَةِ الشَّيْطَانِ!

إِيَّاكُمْ أَنْ تُفَوِّضُوا هِدَايَتَكُمْ إِلَى غَيْرِ الْمَهْدِيِّ؛ فَإِنَّهُ لَا أَحَدَ يَسْأَلُ الْأَعْمَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَيُبْحِرُ بِسَفِينَةٍ مَخْرُوقَةٍ! فَهَلْ تَبْغُونَ حُكُومَةً غَيْرَ حُكُومَةِ اللَّهِ؟! وَالْعَدْلُ لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي حُكُومَةِ اللَّهِ؛ الْحُكُومَةِ الَّتِي تَتَحَقَّقُ عَلَى يَدَيْ خَلِيفَتِهِ الْمَهْدِيِّ، لَا عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ، وَالْخُلَفَاءُ وَالْمُلُوكُ وَالْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي طَرِيقَةِ الظُّلْمِ، وَبَعْضُهُمْ يَضْطَهِدُونَ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ؛ كَأَمْثَالِ الْقَتَلَةِ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ كُلُّهُمْ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَخْنُقُونَ، وَبَعْضَهُمْ يَذْبَحُونَ، وَبَعْضَهُمْ يَسْقُونَ السَّمَّ!

اسْتَمِعُوا لِقَوْلِي؛ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَسْمَعُوا قَوْلًا أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ: إِنَّ دُنْيَاكُمْ لَنْ تَسْتَقِيمَ إِلَّا بِالْعَدْلِ، وَآخِرَتَكُمْ لَنْ تَصْلُحَ إِلَّا بِالْعَدْلِ، وَالْعَدْلَ لَنْ يُمْكِنَ إِلَّا بِحُكُومَةِ الْمَهْدِيِّ، وَحُكُومَةَ الْمَهْدِيِّ لَنْ تَتَشَكَّلَ إِلَّا بِتَعَاوُنٍ مِنْكُمْ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لَا يَعْلَمُونَ!

شرح الرسالة:

يا عبد اللّه! إن لم يعمَ قلبك بعدُ في ظلمات الفتن، فانظر في هذه النصيحة المنيرة، لتجد سبيل النجاة، وتعرف الهادي إليها، وتعلم أنّ دعوته هي الحقّ المبين، وكلّ دعوة غيرها في زماننا هذا هي دعوة ضلال. ثمّ اقرأها على كلّ قريب منك، وأوصلها إلى سمع سائر الناس بقدر ما تستطيع، لعلّهم يجيبونها كما أجبتها، ويتوقّفون عن التعاون لحفظ حكومة الطواغيت، ويتحوّلون إلى التعاون لإنشاء حكومة اللّه، ويمهّدون الطريق لظهور خليفة اللّه المهديّ بأموالهم وأنفسهم، ويصلون إلى سعادة الدّنيا والآخرة بعد شقوة طال أمدها.

لمزيد المعرفة عن هذا، راجع: كتاب «هندسة العدل»، وكتاب «العودة إلى الإسلام»، مبحث «حاكميّة غير اللّه»، ومبحث «المهديّ آخر خلفاء النّبيّ».

↑[١] . آل عمران/ ٢٦
↑[٢] . البقرة/ ١٢٤
↑[٣] . انظر: الأحزاب/ ٣٣.
↑[٤] . إشارة إلى حديث الثقلين، وهو حديث متواتر رواه أكثر من ثلاثين صحابيًّا، ونصّه الكامل: «أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي أُوْشَكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَإِنِّي مَسْؤُولٌ وَأَنْتُمْ مَسْؤُولُونَ، فَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، نَبَّأَنِي بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ».